أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الرازقي - عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (1)















المزيد.....

عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (1)


محمد الرازقي

الحوار المتمدن-العدد: 4289 - 2013 / 11 / 28 - 07:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الحداثة "بمثابة موجة, العوم ضدها مخاطرة , لذا نجد أنفسنا أمام خيارين, إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة, وإما أن نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون من الناجحين في أي رتبة كانت".
بهذه الجرأة كتب لنا ذات يوم الأستاذ عبد الله العروي، وهو يضعنا أمام رهان بدا يومها صعبا، بل ومستحيلا في بعض جوانبه ومستوياته، لكن ونحن بصدد النقاش حول موقف شجاع يساهم في إغناء النقاش العمومي في ذات السياق، حول سبل ايجاد مداخل لهذه الحداثة المنشودة، كهذا الذي أثارته مذكرة رجل الإشهار "عيوش" حول التدريس بالدارجة، نكتشف أن علاقة مفكرينا بالتراث أعمق مما يدبجون به مقدمات مؤلفاته عادة.
هكذا فكرت عندما حصلت وقرأت الحوار الأخير الذي أجراه العروي مع جريدة الأحداث المغربية، العروي الذي لم يكن لينتظر منه المطلع على انتاجاته، موقفا محافظا كهذا، تطربه لغة الجاحظ وكليلة ودمنة، ويتضايق بل ويخجل من لغة التداول اليومي لدى المواطن، ربما لكونها تخدش هالة القداسة التي بنياناها عن كل ما ينتمي الى الماضي.
هذا ليس رأيا، بل إن العروي يقول: "هذه عقيدتي في مواجهة هذه الشعوبية الجديدة"، لكن لما لا نقيم اليوم مقارنة بين الذين قال عنهم الحاحظ ذات زمن غابر -أي الشعوبيين-، في كتابه "البيان والتبيين" بكونهم يأخذون: "المِخصَرَةِ عند مناقَلَة الكلام، ومساجَلة الخصومِ بالموزون والمُقَفَّى، والمنثور الذي لم يُقَفَّ، وبالأرجاز عند المَتْح، (...) وكذلك الأسجاعُ عند المنافرة والمفاخرة، واستعمال المنثور في خُطَب الحَمَالَة، وفي مقامات الصُّلح وسَلِّ السخيمة، والقولُ عند المعاقَدِة والمعاهَدة، وتركُ اللّفظ يَجري على سجيَّته وعلى سلامته، حتَّى يخرجَ على غير صنعة ولا اجتلاب تأليف، ولا التماسِ قافية، ولا تكلّفٍ لوزنٍ، مع الذي عابُوا من الإشارة بالعِصيّ، والاتّكاء على أطراف القِسِيّ، وخدِّ وجه الأرض بها، واعتمادها عليها إذا اسحَنفرت في كلامها، وافتنَّتْ يومَ الحفْل في مذاهبها، ولزومِهم العمائم في أيام الجُموع، وأخْذِ المخاصر في كلِّ حال، وجلوسِها في خطب النّكاح، وقيامِها في خطب الصُّلْح وكلِّ ما دخل في باب الحَمَالة، وأكّد شأن المحالفةِ، وحقّق حُرمةَ المجاورة، وخُطَبِهم على رواحلهم في المواسم العظام، والمجامع الكِبار، والتّماسُحِ بالأكُفّ، والتّحالف على النار والتعاقُد على المِلح"، لما وصلوا اليه اليوم، مقارنة بأتباع الجاحظ وساسة القوافي من جهة، الشعوبيون الذين كان أهل فارس أحد مكوناتها والحاملين لهذا النعت، وهو الوضع الذي وصفه أحدهم مؤخرا بأن الايرانيين أصبحوا: يخصبون اليورانيوم ونحن نخصب الكلاميوم.
قد يجيب العروي كما يفعل دائما: "أنت لا تريد أن تفهم كلامي".
إذن هناك أزمة تواصل، لكن ما أسباب هذه الأزمة؟ أليست لغة الجاحظ هذه التي تتلوى على نفسها، والتي يثقلها التكلف والتصنع، ومراعات الشكل والصورة، أحد أهم هذه الأسباب؟ فما الحل إذن لنتفاهم، ولنفهم ونقيم جسرا مع مفكر ومثقف كبير مثلكم، وبين المواطن الذي لا يملك الوقت لفتح القواميس؟
طبعا سنلجأ الى الشرح والتفسير، الى وسطاء وشراح، ألى كهنة لكن حذار من التأويل، لأن كلام أستاذنا مثل كلام الأنبياء، مقفى ومرصع، عام يصلح لكل زمان ومكان، يريد أن يقول شيئا ولم نستطع بعد فهمه ، بالرغم من مرور نصف قرن على بداية نبوؤته.
تخيلت: ماذا لو كتب العروي أو بالأحرى لو ترجم لنا المفاهيم الغربية التي تسحره الى لغة مفهومة للعامة، سهلة وبسيطة، تستوعبها مختلف طبقات المجتمع؟ هل كانت الأوضاع ستؤول الى ما آلت اليه اليوم، وبهذه الفضاعة؟ هل كنا سنتعثر في هذه الظلمة الموحشة والمخيفة وغياب الرؤية؟ أم أن خوفه من "الشعوبيين" أن يصبحوا يوما أساتذة، كما يظهر في مثال التلميذ "الشفشاوني" في حواره، غالب صوت الحكمة والعقل.
عفوا الأستاذ العروي، لقد نسيت، ومن طبع الانسان أن ينسى سياق بعض النقاشات، كما لم أتذكر أن إنتاجاتنا كما تقولون لن يطلع عليها آنذاك - إذا كتبت بتمغربت- سوى بعض ملايين فقط ! ولن تخرج الى العالم خارج حدود الوطن، ونفقد قراء ..الخ، لكن هل يعني أننا ننتج فقط للمتعة الأدبية ؟ وما الهدف من الكتابة أو نحت المفاهيم أصلا؟ بمعنى هل نكتب من أجل مصلحة هذا الوطن؟ أم من أجل جلب أتباع من مختلف أصقاع الأرض؟
وهنا تطرح مسألة الجانب الوظيفي للغة قبل الجانب الشكلي، أي قبل الخوض في الحرف وحركته وموسيقاه، يجب أن نستحضر ما الوظيفة المنتظرة من هذه اللغة التي قد تعتمد، ذلك أن تحديد الأهداف والغايات هو السبيل لمعرفة أي الوسائل أو اللغات الأنجح لتحقيقها.
صحيح أن العروي لمح الى بعض هذه الغايات، ووصفها بـ"الهدف النبيل"، من قبيل ردم الهوة بين الطبقات ومحو الأمية والتخفيف من ثقل التراث، وكذا عرقلة تأثير الفضائيات الظلامية..، ولكن يستطرد ويقيد كلامه، بأن هذا الهدف النبيل سيحتاج الى مجهود ووقت طويل.
لكن لما لا نجرب، وأنت الذي علمتنا جرأة التحرر من ثقل الترااث وشراكه، لما لا نقوم بهذا المجهود الكبير إن كان لنا هدف نبيل كهذا، لما لا نفتح صفحة جديدة، عوض إعادة مضغ نفس اللغة القديمة المثقلة بروح وفكر العصر الوسيط والتراث، والتي امتصت رواحقها طيلة أربعة عشر قرانا وما يزيد، ولم يتبقى منها الا ثفالة يتقاذفها ويتبادلها الكبار كرسائل مشفرة، بعد أن استنفذت كل امكانياتها، وقدرتها على الخلق والابداع، وخلق مسالك جديدة في التفكير وفي النظر الى الذات والوجود.
يجيب العروي: "أفضل الترجمة" ! لكن الترجمة الى أية لغة؟ طبعا يقصد لغة النخبة وشعب الله المختار، ولسان الجاحظ، ولكن في نظرك ذ.العروي، ألا نحتاج الى ترجمة مضاعفة في هذه الحالة؟ ترجمة أولا من اللغات اللاتينية مثلا الى لغة الجاحظ، ومنها الى لغة الشعب والمواطن المغربي؟ لما سنقضي زمنا لترجمة كتب الى لغة تتقادم يوما بعد يوم، وتتراجع في احتشام من التداول اليومي والعمومي؟
هب أنك أعدت العبارة مرة أخرى: "أنت لا تريد أن تفهم كلامي".
أقول نعم، أنا أعترف أن قراءة بعض النصوص، كالمشي في حقل ألغام لا نمتلك خريطتها، لكن في قضية ومشروع أمة وشعب كهذا، أعتقد أن الحوار العمومي بشأنها، أفضل من التنظيرات الأحادية، كالتي عهدناها ذات ستينيات من القرن الماضي، فباسم رجل الثقافة سمحت لنفسي أن أناقش مواقفكم وأن أميل مع هذا الاتجاه أو ذاك، كما فعلتم.
لكن قبل كل شئ هل قمنا بتقييم حقيقي لسياسة التعريب في المغرب منذ فترة ما بعد الاستقلال؟ والتي كانت يومها مطلب غالبية "النخب الثقافية"؟
على كل حال الآن لدينا تجربة تربو على الخمسين سنة، لكن هل كانت كافية لوضع اليد على مكامن الخطأ، وهل يمتلك مثقفينا الجرأة المعهودة منهم لخوض غمار تجربة كهذه؟ ألم تكن ورقة الوحدة الوطنية أو القول التلويح بمشاكل قريبة من هذا المعنى، والتي كانت بالأمس القريب إحدى الأساليب لفرض ارادة ولغة مكون من الشعب على الباقي، مجرد كذبة سرعان ما تبخرت بحجة الواقع والتنصيص على الطابع التعددي للمجتمع المغربي في الدستور، وعلى ترسيم اللغة الأمازيغية، وحماية مختلف التعبيرات الثقافية واللغوية؟
بل واتسع صدر الوطن لأكثر من قلب، أو لنقل اتسع قلب الوطن لأكثر من لغة وثقافة، نعم أكثر مما اتسع لها صدر الاستاذ الحداثي عبد الله العروي، وصاحب كتاب "الايديولوجيا العربية المعاصرة".
الأستاذ العروي يبدو أنه يحتاج الى الوقت الكثير لكي يستوعب حركة التاريخ، لذلك عادة ما لا تسعفه الكلمات في الخرجات الإعلامية المفاجئة كهذه، كيف لا ونحن نرى الرجل الحداثي لا يتورع في إحياء مصطلح "الشعوبية"؟ أليس استدعاء هذا المصطلح في هذا السياق، هو إحياء لثقافة إقصائية؟ تؤمن بالرأي الواحد والوحيد، وبالتراتبية الأنطولوجية للغات والأجناس، في زمن يفترض أنه أحدث قطيعة مع ثقافة كهذه؟
كيف يمكن أن نفهم اليوم أن فاعلا مدني يتقدم بمواقف أكثر جرأة وانفتاحا على أسئلة الحاضر من مواقف مثقفينا؟
يجيب العروي، المثقف المدلل الذي تلقى تكوينه باللغة الفرنسية، ويجيد اللعب بالعربية الكلاسيكية والقوافي: "أنا لا أريد لغة البقال".
لك ما تريد، لكن الم تكن لغة الجاحظ قبل نقلها من الشفوي الى الكتابي مجرد لغة للأعراب والبدو؟ ألم تكن العامية، واستعمالها بجانب اللاتينية الكلاسيكية إحدى العوامل والمظاهر التي وسمت نهضة الغرب؟



#محمد_الرازقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العيد أعلى هذه التلة
- العرس التمسماني أو زغرودة الحياة
- قراءة في كتاب -إمكان النهوض الإسلامي- -مراجعة نقدية في المشر ...
- اللغة الريفية والتأويل الغير ديموقراطي للدستور
- هل الوهابيون مواطنون مغاربة؟
- إلى الإدريسي: هذا ما عنيته بالهوية الريفية.
- تذكير للمحتجين ضد الخمور في المغرب
- المجلس الوطني للصحافة : انتظار بطعم القلق.
- ما الجديد في نشر قائمة المستفيدين من -لكريما-
- شكرا لك محمد بن عبد الكريم الخطابي على عودتك.
- العدالة والتنمية سقطت أخلاقيا
- المغرب: نحو علمانية جوانية
- قراءة في الخطاب السياسي ل-بنكيران-
- الى متى سيكف الفيزازي عن استفزاز عقول المغاربة ؟
- الگرمومة : السخرية كنقد للسلطة.
- ربيع الشعوب... وعولمة الثورة.
- وهم الصحوة الدينية بالمغرب ...والجبرية السياسية.
- الفساد والاستبداد يخوضان معركة وجود في المغرب
- في نهاية المطاف...نلتقي في المشترك.


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الرازقي - عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (1)