اللغة العربية في حالة الموت السريري

سامي حرك

الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 26 - 08:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

اللغة العربية في حالة الموت السريري

في مقالي السابق (بنتكلم مصري؟) كان الكلام عن إن اللغة – أي لغة- هي مجرد وسيلة للتفاهم, وكل ما تكون اللغة دي سهلة وبسيطة, كل ما تكون ناجحة في مهمتها وهدف وجودها!
بمعنى إن اللغة اللي تخرج عن حدود دورها, وبأسلوب تاني: اللغة اللي تعجز عن تحقيق ذاتها بذاتها, تنتهي مهمتها في الحياة, وبتتحول إلى حفرية أثرية للدراسة, لا أكثر ولا أقل!
هو ده اللي حصل للغة العربية القياسية (لغة القرآن الكريم), لأن بعد مرحلة الوحي والنبوة, وإتصال العرب بثقافات ودول مختلفة, إحتاج الأمر للتفاسير والتآويل, ومش بقول إنها إحتاجت للترجمة مع الأمم الأجنبية, بس, إنما إستحال فهم القرآن بين الناس اللي مفروض إنهم بيتكلموا عربي, إلا في وجود المفسرين, وبالتالي إبتكرت الحالة اللغوية الشاذة دي آلاف الوظايف للمحترفين , مُش بس قراية القرآن, والمفروض إنه مُش محتاج, إنما كمان وظايف تانية عشان تبين المقصود من كل آية من (الآيات البينات!) وكل كلمة وحرف في النص اللغوي المقدس!
وبيتأكد الموت السريري للغة العربية (المعيارية) لمّا أصبح نجوم المجتمع من مفسرينها, يعني اللي بيقوموا بدور أجهزة التنفس والإعاشة الصناعية, يعني الخراطيم (لا مواخذة) اللي بينها وبين اللي فاكرين إنهم بيتكلموا عربي, ومن غير الأنابيب دي (لا مؤاخذة بارضو) محدش بيفهم حاجة!
المضحك في حكاية اللغة العربية دي, إن في كل مجتمع بيقول على نفسه عربي, تلاقي الشارع بيتكلم لغة تانية ومختلفة تماما (نحويات وصرفيات وصوتيات), حتى المجتمع السعودي نفسه!
مسألة تطبيق قوانين الفيزيا (الطبيعة) على قوانين الأدب –مثلا- طبقها خالد الذكر طه حسين على الشعر الجاهلي, وحصل رد فعل جنوني عند الأزهريين اللي كان بقالهم ييجي ألف سنة بيحفظوا من الكتب القديمة, وكمان بيحفظوا تفسيرها وتفسير التفسير, الصحيح, وصحيح الصحيح, وصحيح صحيح الصحيح, كله بيتحفظ "صم", يعني باللغة المصري "لزق"!
إظاهر إن قوانين الكون واحدة, واللي ينفع للطبيعة والكيميا, أهو نفع في الشعر والروايات, ودلوقتي ممكن نطبقه ع اللغة!
اللغة اللاتينية أقدم من اللغة العربية بكتير, ودخلت المتحف من زمان, إنما قبل ما تتحول لـ حفرية للدراسة والفُرجة, دخلت في شرنقة فرنسا, وشرنقة إيطاليا, وشرنقة أسبانيا, وشرنقة رومانيا, أو إتشرنقت, بحيث طلع منها نُسخ فرنسية وإيطالية وأسبانية .. إلخ!
هو ده نفس اللي حصل للغة المصري, مرت بمراحل الكتابة بالحروف الهيروغليفي والحروف الديموطيقي والحروف القبطي, لحد ما أبدع بيها إبن عروس وبيرم وجاهين والأبنودي وحداد ونجم وبخيت وحجاب, يعني وصلت للكتابة بالحروف العربية النبطية (لاحظوا حضراتكو إني بقول بالحروف بس), وكل مرحلة لها جوها ومزاجها, يعني كل مرحلة لها شرنقتها!
بتوع أبحاث اللغة يقدروا يعملوا جداول رسم بياني يوضح العلاقة بين اللغة اللاتينية وشرانيقها المختلفة, ونفس الحكاية بالنسبة للغة المصري مع مراحلها أو شرانيقها, يشوفوا نحوها وصرفها وصوتياتها, اللي ثابت فيها واللي واعد بِكر!
وزي ما علماء البيولوجي بيقولوا عن الفراشة اللي بتخرج من شرنقة دودة الحرير, إنها بتبيض وتفقس دود حرير جديد, أقدر أقول إن اللغة المصري بعد كل شرنقة بتخرج تاني في صورة جميلة, وبتطير وتغير ألوانها زي الفراشة, إنما بارضو صورة مصرية, جديدة, حديثة, معاصرة, عاميّة معمياش, مُش فارقة, المهم إنها لغة حية, لها في كل عصر لون, وفي كل مكان طعم, إنما لون وطعم مصري!
يعني اللغة المصرية حيّة, وموجودة في شكل جديد, واللي في المتحف هي أقدم مراحلها, المرحلة اللي إنكتبت بحروف الطبيعة, مرحلة الفخامة والوجاهة والأبهة, كانوا بيسموها "نتر-مدو" يعني كتابة (مُش لغة) مقدسة, وترجمها اليونانيين "هيروغليفي" كلام مقدس!
طيب, واللغة العربية (القياسية/ المعيارية/ الإستندارد/ الفصحى) ليه منقولش عليها نفس الكلام, أقولك ياريت, بس كهنتها يسيبوها في حالها, ويبطلوا يقدسوها يعني يجمدوها, دول حتى بيحاربوا أي حد يقرب منها, ووصل الأمر لحمايتها بالدساتير, والنتيجة إنها عايشة بالمحاليل في حالة الموت السريري (الإكلينيكي), ولو إستمر حالها كده بالتأكيد هتوصل لمرحلة الموت البيولوجي, يعني الفناء والعياذ بالله!

#سامي_حرك (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات