مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1220 - 2005 / 6 / 6 - 06:47
المحور:
الادب والفن
حلمي ويومي ..
كنت ولا زلت غائبة عنك في الجسد فقط ... ,
وفي النهار بعيدة عنك , أما الليل .. الكتابات .. الأفكار .. والأحلام .. كلها في ربوعك وحدائقك وهياكلك وبيوتك وأهلك .. وعندك أنت يا بهيّة .
وحدك أنت يا نديّة الشرفات .. والأيقونات
يا نقية الذرى والأعالي .. والطلاّت
" قريتي القديمة " ...
أحبّك بنقائك الطفولي .. بطيبة أهلك , بروح التعاون والتضامن والمحبّة التي كانت تربط أبناؤك.. كلّ الطوائف كل الحارات والأفراد .. واحدا واحدا وحزمة متراصة أمام العدو , والعمل الجماعي , وسيفا للحق والمرؤة والمواقف والشهامة والشجاعة , للحق والحقيقة وأمام الأخطار والمحن .. وسكر وعسل لمن يسير على الإستقامة في تلك البيوت الريفية البيضاء , التي بنيت جدران كل بيت على كتف الاّخر , أو كما يقولون عندنا : " الحبّة على الحبّة "" .. ليعطي معنى للجيرة والصداقة والقرابة والحبّ والعلاقات الحميميّة في السرّاء والضرّاء ....
كانت وما زالت عائلة واحدة مسيحيين .. ومسلمين في الأفراح .. والأتراح .
سلام .. سلام عليك أيتها القرية المباركة التي كتبت أجمل قصيدة في الحبّ والعلاقات والعطاء والصلابة , بالقرميدة .. والحجر .. والكرامة .. والدبكة .. والصلاة - بالأعراس .. والأعياد .. ومواسم التعاون .
أعطيت للبشرية .. وللوطن الكبير صورة مشرقة في التفاعل والعطاء والإنتاج .. , التقدّم والعلم والنضال .. والإنفتاح -
صغت بصمت وصبر ودأب , بجدّ واجتهاد .. أناشيد الحريّة والسلام .. وصباحات العلم والعمل .
**
الصورة هنا .. ستحكي لنا وتنقل وتختصر الفن المعماري العريق ( الفطري - العفوي - اليدوي ) .. البيئي
تحكي روح الشعب ومستوى تفكيره وتقدمه , وذوقه في شتى المجالات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية .. والسياسية .
وحاولت أن أجمع في هذا الكتاب أكبر عدد ممكن من الصور المتاحة بين يدي , نظرا للظروف التي أعيشها .. لتكون تاريخا غنيّا حافلا بلغة الصور -
سأتركها وحدها تتكلّم بحكمتها وفلسفتها الخاصتين .
هذا الكتاب , والمجهودالفردي الذي وضعته فيه .. هو عربون محبّة للإنسان .. والأرض .. والوطن الذي أنتمي إليه .
ولخوفي على هذه الصور القيّمة ( بعضها ) , والثمينة الفريدة ( أحيانا ) بعضها الاّخر أن تندثر أو تضيع وتنسى أو تمزّق , وهذه التقاليد والينابيع الحلوة المنتشرة والمخبأة في ثناياها , ومساحاتها , خطوطها وفضاءاتها .. , لئلا يدوسها تمدّن العصر بعصاه الغليظة - لأننا أخذنا مع الأسف الشديد من المدنيّة المستوردة الكثير من القشور والمظاهر الفارغة , وتركنا العديد من الظواهر أو الأشياء الجيّدة .
"" فبدون القديم لا يوجد جديد "" .
ومن تنكّر لقديمه فلا جديد له " كما تقول أمثالنا والحكم الشعبية عندنا .
فمن هذا المنطلق .. وهذا الحرص على قديمنا - مهما كان هذا القديم في نظر البعض تافه , ومغمور , وصغير , ويبدو أنه لاقيمة له ..., هو نقطة البدء .., يعتبر الخطوات الأولى .. في المعرفة والإكتشاف والخلق والإبداع في حضارتنا المشرقية الزاهية .. ومنارة وضّاءة في التاريخ البشري عامة .
وهو مساحة , وجزء من البشر الذين أوجدوا ثورة في ( إنتاج القوت ) .. و ( الثورة الزراعية الأولى ) على سفوح جبالنا وتلالنا , وسهول دلتاتنا .. وضفاف أنهارنا .
فلنبدأ بالتفتيش , والتمحيص , والنبش , والفحص بعمق وفهم , وإبراز بفن .. .. أبعاد وخلفيات ومخزون ( العامة ) الفنية والثقافية والأدبية لهذا العمل لأنه حقيقة يخدم أجيالنا وأبناء وطننا .. والإنسانية جمعاء .
ولما كان هذا العصر .. هو عصر العلم والمعرفة , و ( وثورة المعلومات ) وخاصة العقدين المنصرمين الأخيرين من القرن الشرين -
وثورة في ( المواصلات والإتصالات ) أيضا حيث وسائل الإعلام والإعلان .. المتنوعة والمتعدّدة , لم تترك شيئا بعيدا أو صغيرا .. أومستحيلا .
فمن هذه المعطيات الجديدة للعالم .. أخذت تتفجّر في كل زاوية وركن .. من كل شبر على وجه الأرض .. . المعارف والعلوم والتكنولوجية تحكي وتتكلّم وتنطق بالمجهول والجديد الجديد .. والبعيد البعيد .. والصغير الصغير .
وقد أصبحت الصورة الاّن .. شريان .. ونبض هذه الثورة .
فالعالم كلّه - الكون - الأرض - ( القارات ) .. أمام الإنسان , وتحت تصرّفه حينما يشاء .. بفضل تقدم العلم والصورة - ولذلك أضحت الكرة الأرضية كافة عبارة عن ( قرية كونيّة .. عالمية كبيرة ) بفضل التقدّم العلمي والتقنيات الجديدة ومن ضمنها بل في مقدمتها الصورة .. عبر الإعلام المرئي والمسموع والمقرؤ والشاشة الكبيرة والصغيرة وشريط الفيديو والسلايد ... والأقمار الصناعية وووو.
فعصرنا عصر ( الكمبيوتر ) .... عصر الفضاء
فالكتاب المدرسي .. دون صورة , لا شئ كأنك تقرأ في وجه صحراء .
والبيت دون صورة أو لوحة .. بيت فقير بالخيال والثقافة .. والجمال .
مدرسة .. وإدارة أو مؤسسة أو مستشفى أو أو .. ..دون وسائل إيضاح وخرائط وبيانات مرسومة .. وصور ولوحات تربوية وفنيّة - مدرسة فاشلة ومتخلّفة وفقيرة في علم التربية والنفس .. والثقافة والرؤى ووو
عاصمة .. أو مدينة أو قرية أيضا .. دون متحف تاريخي ,وشعبي , ومعارض للصور وجداريات ولوحات وتماثيل في الساحات والشوارع .. تصبح دون روح .. ونبض .. وسفر تكوين .
* *
هذا هو الدافع .. والقصد والهدف .. من وراء تجميع أكبر عدد ممكن من صور اّثارنا , وتراثنا , عاداتنا وتقاليدنا .. ومعالمنا الشعبية .. , الطبيعية ( الجغرافية ) - والإقتصادية - والسكانية وغير ذلك ... في قاموس بلدتي العريقة المميّزة . لأنها قرية نعتزّ بها ونحبها .
وسيكون هذا العمل جزء من " سجل أو أرشيف , وتاريخ مختصر في صور " .. لهذه البلدة , وعلى الأجيال الجديدة أن تكمّل وتطوّر هذه الفكرة بما لديها من جديد وتجارب .. ومبادرات .
بالتأكيد إن إنجاز هذا الكتاب وهذه ( المجموعة الصورية ) .. هو عملية فن , وعلم , وجهد .
وترتيبه .. وتنظيمه ليست بهذه المهمّة السهلة طبعا للوهلة الأولى . ولكن هذا ما تيسّر لي وما استطعت أن أجمعه , وأفتش عنه في دفاتري وألبوماتي العتيقة هنا ... وهناك .
اّملة أن أوفق في هذه الخطوة .. "" البداية "" , نظرا لأنني بعيدة عن المكان الذي أبغي إبرازه وتوضيحه وعرضه بشكل فني رفيع .., لحفظه في ذاكرة الوطن .. ذاكرة المعنيين من الناس , لمثل هذه الأعمال القيّمة المليئة بالمعاني والأهداف القريبة .. والبعيدة .
أمنيتي من أجيالنا الشابة الجديدة ... أن تضيف وتثري .. وتطوّر هذه الخطوة , وأي بداية مخلصة وجادّة .. وبادرة جيدة .
وبهذا نكون قد ساهمنا ولو بجزء ضئيل وصغير في درب العطاء .. والعلم .. والثقافة .. والمعرفة .. والحب لبلداتنا , ووطننا ,
وهذا هو من صلب واجبنا الوطني والتربوي والثقافي .., حيث نحن كنا مع من حافظ على قديمنا وموروثنا , ونبشناه , وفتشنا عنه , عن فهم ووعي وإدراك , مع الأخذ بعين الإعتبار التوفيق بين أصالة الأصيل وجيّد الجديد -
هذا ما كنا نتوخاه ونبغي إليه في كل عمل نقوم به .
يتبع ...
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟