أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - من قلب الله - إن شئت َتُبصر















المزيد.....

من قلب الله - إن شئت َتُبصر


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4277 - 2013 / 11 / 16 - 20:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من قلب الله - إن شئت َتُبصر

يرتكز الإلحاد على نقد حقيقتين لتقرير عدم وجود الله و تفنيد الغيبيات.

- الحقيقة الأولى هي غياب الله عن الحواس و التفاعل المباشر مع البشر.
- الحقيقة الثانية هي بشرية الكتب المقدسة و عدم قدرتها على تقديم نموذج كامل يليق بإله.

العائق الأول أمام الملحدين هو احتجاب الله عن الحواس و عدم تفاعله مع البشر، فلا الله منظور و لا هو مسموع، و لا هو يزور البيوت و يجلس مع الناس و لا يسكن بيتا ً تقصده فتراه، و لا تستطيع أن تأخذ أولادك إلى قصره و تتجاذب معه أطراف الحديث، و هو دوما ً غامض غير مفهوم عليك أن تبذل جهدا ً لتُقنع نفسك بوجوده، لذلك و حسب تقرير الحواس و منطق العقل البسيط هو غير موجود و مجرد فكرة اخترعها البشر ليفسروا ظواهر الطبيعة في زمن ٍ لم يكن فيه علم أو اكتشافات ثم استغلها رجل السلطة و المال ليسيطر على المجموعة و القطيع البشري. ثم ينطلق الملحدون من هذه الفكرة بعشرات و مئات و آلاف الحوادث التي كان الدين فيها هو المحرك الأول للنزاعات و الحروب.

بالنسبة لي أجد أن العائق السابق مُتعب جدا ً و يجعل الأمور صعبة على أي شخص عاقل لكي يقبل الوجود الإلهي، لكنه لا يكفيني لكي أنفي وجود الله، عقلي يرفض ذلك فقرآتي في مختلف المجالات المتعلقة بالتطور والفلك و الأنثروبولوجيا و مقارنات الأديان كلها تصب في اتجاه وجود "تنظيم" يربط جميع الأشياء ببعضها البعض، هذا التنظيم الذي يجمع في داخله التناقض الكبير و الهائل بين فيزياء النسبية و فيزياء الكم كأوضح مثال، تنظيم يعترف بالمتناقضات و يجمعها و يوفق بينها.

نظرتي إلى الوعي البشري مختلفة أيضا ً ففيها أنا مندهش و متعجب من أن الوعي و الإدراك و الذكاء و هم جميعهم أشياء غير محسوسة تنتج عن مجرد اجتماع الكربون بالهيدروجين بمجموعة معادن جمعيها غير حي و لا ينطبق عليها تعريف الحياة البيولوجي تتفاعل بواسطة نبضات و سيالات كهربائية فتُخرج "وعي". كيف يخرج العاقل من غير العاقل و الذكي من غير الذكي و الحي من غير الحي؟ أليس أن الحياة أعظم بلا قياس من مجرد اجتماع مكوناتها غير الحية؟ ألا يصح إذا ً أن مكونات الحياة ما هي إلا وعاء ٌ ناقل ووسيط فقط لكي تظهر الحياة؟

أما الحقيقة الثانية فهي أن كل الكتب المقدسة ليس فقط اليهودية و المسيحية و الإسلامية تخضع للنقد النصي الذي يجردها من هالة العصمة و القدسية، و يُرى فيها الإصبع البشري الواضح الذي لا يمكن إنكاره، و بالتالي يرى الملحدون أن هذا الكشف العلمي يُفقد هذه الكتب أي قيمة يصح أن نسميها إلهية، فهي منتوج بشري صرف كان بمقايس أزمانها عظيما ً لكنه لم يعد كذلك في عصرنا الحديث و لذلك وجب دراستها و حفظها كجزء من التاريخ و الحضارة البشرية دون تقديسها و اتباعها.

المشكلة الحقيقية التي أراها في هذا الطرح هو أن هذا المنهج يفترض وجوب كمال الكتاب المقدس (أي كتاب) و ارتفاعه عن المستوى البشري في افتراض ٍ يتعارض مع حقيقة أن الإنسان البشري الذي يكتب هذه الكتب بفعل الإلهام (و هذا حديث آخر يمكنك أن تضطلع عليه من هنا: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=381036 ) هو في حد ذاته محدود لا يستطيع التعبير عما هو أعلى منه إلا بتعابير بشرية هو و هي في ذواتهم أدنى من ذاك المُراد وصفه، و هذه حقيقة بديهية ينبغي الانتباه إليها و عدم أغفالها.

لكن هذه الحقيقة البديهية لا تعني بحال من الأحوال انعدام القدرة على وصف الأعلى فهي تعني ببساطة أنها لا تصفه كما هو كاملا ً تاما ً فيكون وصفها هنا جُزئيا ً ناقصا ً مع كونه صالحا ً للدلالة و الإشارة على الأعلى و أساسا ً لبناء تصور مُناسب للطبيعة البشرية، و هذا ما يجعلني دائما ً أقول أننا يجب أن نكثف الجهد البشري للوصول إلى اتفاق "جماعي" على تصور قريب للألوهة و الوحي و الاستفادة من الكتب المقدسة كعتبات ننطلق منها نحو الحقيقة و ليست كبيوت نسكنها فلا نخرج منها.

من السابق ينبغي لنا أيضا ً ألا نرى في الكتب المقدسة و الشرائع موادا ً ثابتة للتشريع الإنساني أو القانوني، فمقصدها الأصلي هو بناء التصور الإلهي و إنشاء العلاقة بين الله و الإنسان، و ليس تنظيم أمور الحياة اليومية و المجتمعية الديناميكية غير الثابتة، و التي يجب أن تستجيب للحاجات البشرية و تعريفات القيم الخاصة بكل جماعة أو مجتمع أو أمة.

تبقى الكتب المقدسة مهمة ً جدا ً من حيث تقديم "هوية" روحية لأتباعها، و لا يجب أبدا ً الاستغناء عنها أو تحقير شأنها أو عرضها في المتاحف بغرض تحيد تأثيرها على الفرد لأن الكتب المقدسة هي جزء من أيدولوجيات تشكل منظومة القناعات و ليست هي المنظومة نفسها، فقناعاتنا مرتبطة بعادات و تقاليد المجتمع و موروثاته بالإضافة إلى ثقافات مادية استهلاكية و عناصر تشكيل قناعات أخرى، و بذلك يكون استهداف القناعات الدينية لوحدها من دون باقي مكونات المنظومة تهديدا ً لتوازن هذه المنظومة يجعل من الفراغ الناتج مرشحا ً سهلا ً لقناعات حلولية أخرى ربما تكون في سطحيتها أو تأثيرها التدميري أكثر شرا ً مما يظنه معادو الله و الدين.

كما أن الإنصاف يجب أن يجعلنا نعترف أن المؤسسة الدينية مُطالبة بإلغاء و إزالة و تحيد كل النصوص التي تنتهك حرية الإنسان و حرمته و حقوقه و تزرع فيه الخوف و القلق و التوتر و الشعور بالذنب، كما أنها مطالبة بتبني خطاب ديني جديد يركز على المحبة و الحوار و السلام و الانسجام الإنساني و المجتمعي التام.

أختم بالتالي:

علينا بحق أن ننذهل مما يخبرنا به العلم: 5% من الكون مادة منظورة، 22 % بالمئة مادة غير منظورة، 73% بالمئة طاقة غامضة، أي أن المنظور و المحسوس هو فقط 95%، فهل يجرأ أحد بعد هذا أن يقول: لا يوجد الله؟

قراءة الموعظة على الجبل للسيد الرب، و دراسة ثورته الفريدة على الظلم، و طريقة تعامله مع كل فئات المجتمع و خصوصا ً المهمشين و الطبقات المُحتقرة عندها و النساء خصوصا ً، كل هذا يجعلنا ندرك القيمة الكبيرة لكتابنا المقدس، أما قرآتنا في أسفار الحكمة، الأمثال، المزامير، يشوع بن سيراخ، أيوب و يونان،فتجعلنا ندرك الكنز الخفي فيه ، و الذي يدفعنا أن نشعر بالخجل الشديد أمام استسلام بعضنا للحل الأسهل و هو رفض الله و رفض الكتاب المقدس أمام نقص الاكتمال، و هو الذي أراه أنا طبيعيا ً بقدر ما الإنسان نفسه عظيم ٌ و ضعيف ٌ في آن معا ً.

أقدم اليوم نظرة واقعية تستند على القيمة التي يقدمها الله و أديانه بشكل عام و المسيحية بشكل خاص، و أهدف من ورائها أن أشجع جميع ذوي الإرادة المتواضعة المُعترفة بضعفها البشري و الباحثة عن الحقيقة لكي تنظر إلى أخيها الإنسان فتراه في قلب الله و ترى الله في قلبه، و تستطيع أن تحتضن كتبها بفرح و فخر و تقول:

"في مرحلة ما من التاريخ استطعنا أن ندون لقاءنا بهذا الكائن، نعلم أنه يحبنا و نحن أيضا ً نحبه، و نحن نسير معه دوما ً"

لا تخجل من إيمانك، فقط إخجل إن فقدت إنسانيتك، و كن واثقا ً أن الله لا يمكن أن يُفقدك إياها.

من له أذنان للسمع فليسمع!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين َ يُجن ُّ العاشق - فلتحترق الدنيا حين نكون
- قراءة في سفر التطور – عندما عوى الذئب
- مناهج التعليم – مُكَثَّف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة
- حينما ذهب – من وحي الخياطة
- قراءة من سفر الحكمة – الفصل الثالث
- نيتشه – الإنسان عاريا ً.
- الهجوم على المسلمين – الإنصاف يقول توقفوا
- المطرانان المخطوفان – موسكو و الشيشان و حلب
- قراءة في سفر الإنسان – الله
- أضواء على التطور – القرد الذي لم يصبح إنسانا ً
- حين رأت جدها – لا تخافي
- مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد
- هذربات الفلافل - قصيدة نهاية الصيف
- تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء
- الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
- المُشترك الأعظم – الإنسانية
- الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
- الرجال و مرآتان لهوية التعريف
- الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
- Tell me why بين الإيمان و الإلحاد


المزيد.....




- من سيكون بابا الفاتيكان المقبل؟ ترقب قبل أيام من بدء أعمال م ...
- البابا فرانسيس أوصى بتحويل -عربته- إلى عيادة لعلاج أطفال غزة ...
- الحاج بدر أبو اسنينة.. 47 عاما في حراسة المسجد الأقصى
- مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية يدعو مجلس النواب للتصويت ب ...
- صحيفة روسية: باريس وواشنطن تخوضان صراعا في الفاتيكان
- تنزيل أحدث تردد قناة طيور الجنة 2025 DOWNLOAD TOYOUR EL-JAN ...
- ’إيهود باراك’ يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى والكيان من ’ ...
- ما قصة الحرس السويسري ذي الملابس الغريبة؟ وكيف وصل إلى الفات ...
- اغتيال بن لادن وحرب النجوم أبرز محطات أسبوع مايو الأول
- بعدما نشر صورته بزي بابا الفاتيكان.. هكذا جاءات الانتقادات ل ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - من قلب الله - إن شئت َتُبصر