أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - نيتشه – الإنسان عاريا ً.















المزيد.....

نيتشه – الإنسان عاريا ً.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4272 - 2013 / 11 / 11 - 14:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نيتشه – الإنسان عاريا ً.

يثير في َّ نيتشه مشاعر متضاربة عند قراءته، هناك فقرات أشعر فيها بتواصل كبير مع هذه الأفكار النبيلة العميقة و هذا الشخص الرائع، و هناك فقرات أخرى تجعلني أنفر من هذا المُستعلي المغرور الذي يعرض أبغض أنواع العنصريات و يخلو من أي مشاعر الرحمة و التراحم، بينما تبدو فقرات أخرى مجرد "ثرثرات" في سير الحياة و تسجيل لكل شاردة وواردة ترد عقله لا تضر و لا تنفع و تُكتب بغرض توثيقها فقط.

يقول نيتشه في كتابه "هذا هو الإنسان" Ecce Homo :

"أن يكون إمرأ ً ذا تكوينة جيدة يعني أن يكون شيئا ً تستسيغه حواسنا
مصقولا ً من خشب ٍ صلب و لين و شذي الرائحة في الآن نفسه
شخص لا يستطيب إلا ما كان نافعا ً
و حالما تتجاوز الأشياء حد المقدار النافع يكف عن استساغتها و التلذذ بها
إنه يدرك بمحض حدس ٍ وسائل العلاج ضد كل ما هو مُضر
و يحول لمصلحته الصدف الكريهة
و على العموم فكل ما لا يتسبب في هلاكه لا يمكن إلا أن يجعله أكثر صلابة ً"

عند قرآتي للجمل السابقة أشعر أنها تصلح لأن تكون منهجا ً شاملا ً للحياة، ففيها نيتشه يُعرِّف بواقعية شديدة (هذه الواقعية التي هي منهجه إلى حد التطرف) الإنسان الصحي و السوي، أو الأصح أن أقول: يُعرِّف ُ الإنسان بما يميزه من صفات البشرية.

يبدأ نتيشه بالكلام عن الحواس و يجعل منها آلية تحديد و قياس لما هو نافع و لما هو ضار، فحواس الإنسان البسيطة تعلمه أن يُقبل على ما يتفق مع طبيعته البشرية ، و معيار هذا الاتفاق هو قبول المحسوس من قبل الحواس، و يبتعد عما تنفر منه، حيث يكون المعيار عندها هو عدم توافق المحسوس مع الطبيعة البشرية. إن نفور الحواس من موضوع ٍ محسوس ٍ ما هو الا استجابة بيولوجية نفسية صحيحة لموضوع خارجي من شأنه أن يضر بالشخص.

يخوض نيتشه أكثر في تحديد البنية الجيدة فينتقل من تحديد آلية القبول و الرفض للموضوع الخارجي إلى تحديد الشخصية الجيدة نفسها و التي تمتلك الحواس، هذه الشخصية التي يجب أن تكون قوية ً صلبة و في نفس الوقت مرنة قادرة على التعاطي مع الأحوال و الظروف المختلفة، تستجيب لها و تكون ردود أفعالها إيجابية بناءة يستسيغها المحيط البشري، و قد عبر نيتشه عن هذا في قوله "شذي الرائحة" فمن الواضح أن شذى الرائحة لا بد أن يشمه أشخاص ٌ آخرون يقررون أنه شذي و يعترفون بهذا الشذى و إلا كانت الرائحة ُ ضائعة إن لم تصل إلى شهود ٍ يذكرونها و يشيدون بشذاها.

يمضي نيتشه أكثر نحو تحديد صفات البنية الجيدة و الشخص الجيد فيقرر المعيار الأعلى و المرجع الأول في قياس الجودة حسب رؤيته و هو "العقل"، فهو عندما يقول "شخص لا يستطيب إلا ما كان نافعا ً " يعني بالضرورة شخصا ً يحتكم إلى عقله في تحديد النافع و الضار خصوصا ً إذا ما كان النافع و الضار منسجما ً مع قرار الحواس الأول و مع خصائص القوة و المرونة و الإيجابية في التعامل السابق ذكرها.

تقرير النافع و الضار عقلانيا ً يستتبع عند نيتشه الالتزام بنتيجة هذا التقرير العقلي و السلوك بحسبه في الاستطياب أو الرفض، و معنى هذا أيضا ً بالضرورة التخلص من عبودية الأدلجة الاجتماعية أو السياسية أو الدينية حينما تتعارض مع تقرير العقل و نتيجة الاستدلال المنطقي المدعم بالحواس و خواص البنية الجيدة.

و يكون أنه أيضا ً بالضرورة لا بد من إعادة النظر في كل المفاهيم الموروثة و المغروسة في النفس بفعل التنشئة الوالدية أو المدرسية أو الدينية أو المجتمعية أو السياسية أو على تنوعها غير المحصور بحسب كل مجتمع ٍ و فرد، بُغية تحديد موضعها من حياة هذا الشخص و اتخاذ قرار بشأن استمرار قبولها كما هي في منظومة القيم التي يتبناها، أو تعديلها أو إخراجها تماما ً. بالنسبة لنيتشه القرار محسوم: كل ما هو نافع يبقى، كل ما هو غير نافع يذهب، النافع سبب للذه، و الضار عدو اللذة الحسية. و حتى نضع الأمور في سياقها لا بد من التذكير أن اللذة هنا هي الانسجام مع الحواس و ليست الترفيه و التسلية كما يُمكن أن تُفهم خطأ ً.

المنهج العقلي عند نيتشه هو منهج ينبع من الواقع نفسه بدون تحايل عليه، بدون نظرة هذيانيه من حيث تعريف الهذيان أنه تشويه للواقع. هو منهج الإنسان كما هو، كما تُعرِّفه طبيعته البشرية و ليس كما تصنع منه الأيدولوجية أو تفرض عليه التنشئه. هو الإنسان عاريا ً من الأدلجة، من ثقل التنشئة، ناظرا ً إلى الطبيعة يدون نظارات مُتحدا ً معها بدون انفصال ٍ سببته الحضارة و صبغته الأديان، حافيا ً تلامس قدماه الأرض بدون حذاء.

هذا المنهج العقلي و الاستجابة الناتجة عنده هي في حد ذاتها فعل تطوري يُغذي العقل أكثر مما يستهلكه، ففيها يتمكن الإنسان من النظر إلى جوهر وعيه الإنساني في العقل الواعي نفسه و بواسطته و بمعونته، و يستطيع بهذا الوعي العقلي أن يمارس الفعل التطوري و يستطيبه و يتلذذ به و يتمكن من استثماره لمصلحته بتحويل "الصدف الكريهة" كما يرويها إلى أحداث يجني منها ثمارا ً إيجابية لم تكن موجودة في "الصدف الكريهة" نفسها، لكن الشخص الواعي بعقله و المستجيب بحواسه و الفاهم المُدرك يعيد تشكيلها و يغير في بنيتها بحيث يستهلك منها و يستخرج ما هو لمنفعته و يحولها من مُستهلكة ٍ لمصادره الوجودية و مؤثرة ٍ فيها إلى مُساهمة ٍ مُنتجة في بناء هذه المصادر و استدامتها مُتأثرة ً بها خاضعة ً لها.

و تأتي الجملة الأخيرة ُمن فلسفته السابقة "و على العموم فكل ما لا يتسبب في هلاكه لا يمكن إلا أن يجعله أكثر صلابة ً" كنتيجة ٍ منطقية لمنهجه في بناء و تعريفه لـ ِ "التكوينة الجيدة" و هي تتوافق بشكل كبير مع ما يحيا بموجبه الكثيرون من أصحاب الإرادة القوية، هذه الإرادة التي نعبر عنها في المثل الأردني "الضربة اللي ما بتكسر الضهر بتقويه".

كنت أود أن أعود للفقرة الأولى من المقال لتبيان أمثلة على بعض الفقرات التي توضح الوجه الآخر لنيتشه، الوجة العنصري المغرور المُستعلي غير الرحيم و غير المتراحم و المُحتقر للضعف و المُمجد للقوة، لكني أعتقد أن عرض المتناقضات على الرغم من كونه منهجا ً شموليا ً يتيح للقارئ حرية الحكم و يعطيه فكرة كاملة عن الموضوع، إلا أنه لا يخدم هذا المقال تحديدا ً، و ذلك لأسباب كثيرة منها أنني اليوم لا أكتب عن نيتشه كشخص لكن كفلسفة، و أريد أن أتناول منها جزئية ً معينة هي التي عرضتها، و في هذا كفاية.

نيتشه هو الإنسان في إنسانيته:

في جماله المتألق المُشع
في قُبحه ِ العنصري الفائق
و في ثرثرته التي يمضي بها تسجيلا ً لوجوده على قيد الحياة لا أكثر

نيتشه هو الإنسان في حلوليات وجودية موازية كل وجود منها تجسيد لصفة أو خاصية من التناقضات البشرية!

مجموعها جميعها طفل ٌ عار ٍ خرج للتو من رحم أمه، لم تمسسه يد الطبيب حتى!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجوم على المسلمين – الإنصاف يقول توقفوا
- المطرانان المخطوفان – موسكو و الشيشان و حلب
- قراءة في سفر الإنسان – الله
- أضواء على التطور – القرد الذي لم يصبح إنسانا ً
- حين رأت جدها – لا تخافي
- مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد
- هذربات الفلافل - قصيدة نهاية الصيف
- تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء
- الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
- المُشترك الأعظم – الإنسانية
- الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
- الرجال و مرآتان لهوية التعريف
- الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
- Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
- ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
- قوك يا أردن – مع محمود الحويان
- كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
- الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
- قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
- رسالة إلى السيكلوب


المزيد.....




- الإمارات تشهد هطول -أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث-.. وم ...
- مكتب أممي يدعو القوات الإسرائيلية إلى وقف هجمات المستوطنين ع ...
- الطاقة.. ملف ساخن على طاولة السوداني وبايدن
- -النيران اشتعلت فيها-.. حزب الله يعرض مشاهد من استهدافه منصة ...
- قطر تستنكر تهديد نائب أمريكي بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع ا ...
- أوكرانيا تدرج النائب الأول السابق لأمين مجلس الأمن القومي وا ...
- فرنسا تستدعي سفيرتها لدى أذربيجان -للتشاور- في ظل توتر بين ا ...
- كندا تخطط لتقديم أسلحة لأوكرانيا بقيمة تزيد عن مليار دولار
- مسؤول أمريكي: أوكرانيا لن تحصل على أموال الأصول الروسية كامل ...
- الولايات المتحدة: ترامب يشكو منعه مواصلة حملته الانتخابية بخ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - نيتشه – الإنسان عاريا ً.