أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد














المزيد.....

مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 15:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يحتم علي عملي أن أسافر إلى إفريقيا بضع مرات ٍ في السنة، أتعرف ُ هناك على شعوب ٍ ترى الحياة بطريقة أخرى غير طريقتنا و تتعاطى معها بمورث ٍ اجتماعي ٍ حضاري ٍ مُختلف. و لأني أُشرف على بعض المشاريع المُتعلقة بفرق المبيعات يتطلب عملي أحيانا ً قليلة ً جدا ً أن أزور عملاء ً معينين مع هذه الفرق.

أحد هؤلاء العملاء كان مديرا ً في مصنع ٍ للكابلات و المعدات البسيطة في منطقة ٍ على أطراف كامبالا عاصمة أوغندا، و كان الطريق لهذا المصنع غير مُعبد ٍ بالأسفلت بالكامل، تُرابي و طيني في كثير من أجزائه، يحتوي على الحُفر التي يتطلب التعامل معها حذرا ً شديدا ً، و يتطلب منك حتى تصل إليه أن تمر بأحياء سكنية ٍ هي في الحقيقة تجمعات لبشر في منازل منها شديد التواضع و منها ما هو المقبول.

كنت في فترة ٍ صعبة من حياتي أصارع فيها مُعضلة ً تؤرقني و تضغط على أعصابي باستمرار هي "مشكلة الشر في العالم" و كانت هذه المشكلة بالذات سبب تجربتي الإلحادية و اللاأدرية لمدة عامين متواصلين، استطعت ُ بعدهما أن أرتب أفكاري و اصل إلى سلام ٍ مع عقلي و قلبي و محيطي.

زيارة ذلك المصنع و مروري بين البيوت أتاحت لي أن أشاهد الفقر بشكله القاتل الذي لم أره في حياتي، صبيان ٌ صغار بطونهم منتفخة يرتدي أحدهم قميصا ً، فقط قميصا ً لا شئ آخر، حافو الأقدام عُراة ٌ من الأسفل أمام بيوت ٍ تجلس أمامها أمهاتهم. صبي ٌ و فتاة مرا من أمامي يرعيان خنزيرا ً واحدا ً لا غير، بدا شعر الخنزير أكثر ترتيبا ً و جمالا ً من كثير ٍ من مكونات ذلك المشهد.

مررنا أمام مدرسة هي في الحقيقة غرفة كبيرة أمامها ساحة مسورة بسورفيها التلاميذ الصغار، بعضهم حُفاة، آلمني المشهد و سألت أحد افراد فريق المبيعات الذين معي بالإنجليزية: "لماذا لا يرتدي حذاء ً؟"، ضحك و قال بلهجة فيها عدم مبالاة بالمشهد و كأنه طبيعي ٌ جدا ً أن يكون الوضع هكذا: "معظمهم يملكون حذاء ً واحدا ً يرتدونه فقط يوم الأحد حيت يذهبون للصلاة في الكنيسة". أحسست وقتها أن عملاقا ً وضع يده على موضع الألم عندي ثم اعتصره بجبروت ٍ لا مثيل له، و زاد ذلك من حنقي على الظلم و "زعلي" من الله و مقاطعتي له.

بعد شهور ٍ من ذلك الحادث وجدت الله مجددا ً ووجدت نفسي معه، أدركت أنني لم أكن أقبل الله لأن غروري الشخصي و رغبتي في تحديد القوانين و ما هو صالح و ما هو طالح و ما يجب أن يكون عليه الوضع الصحيح كما أراه كان يعميني عن الكثير من الأمور، و خصوصا ً عن المنطق و العقل.

لكم أن تعودوا إلى مقالي التالي لملخص من الأفكار عن مشكلة هذا العالم و الدور الذي نلعبه كبشر في تدميره و تدمير أنفسنا، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=384075 و لن أكرر تلك الأفكار في هذا المقال، فأنا أردت أن أقول شئيا ً آخر. أريد أن أقول أننا بغرورنا الإنساني و قصورنا عن إدرك العلاقات الصحيحة بين الأمور و تكامل كل عناصر الفعل و رد الفعل مع بعضها البعض نعتقد أننا "نفهم" ما هو الصواب، و كيف "يجب" أن تكون الحياة، و نستطيع أن نضع "المقايس" الصحيحة للعدالة و نحدد "الفرضيات" التي يجب على أساسها أن تكون حياة البشر، ثم بعدها "نحدد" من هو الله، و ما هو دوره و كيف يجب أن يتصرف، ثم نقارن الموجود مع تلك المقايس فنحكم على الله.

أنا لست ُ محامي الله الشخصي، لكنني رجل ٌ لم يتعود أن يلوم الآخرين على نقائصه أو عيوبه أو أخطائه، و أحب دائما ً في كل حين أن أقيم الأمور بعد أن تجتمع العناصر الفاعلة كاملة ً أمامي بدون إغفال أي جزء، و بدون أن أبدأ بفكر مُسبق، فهذا مهم جدا ً إن كان الإنسان يتحرى الحقيقة و يسعى وراءها، و لهذا أقول أن علاقتي مع الله هي علاقة حب و عشق و ليست علاقة معرفة تُحدد من هو أو تدعي أنها تفهمه، لكنها علاقة شاكرة لحضوره المحب في حياتي و بيتي.

بعد عودتي إلى الله ما زلت أذكر ذلك الموقف في أوغندا و لا يغيب عن عيني أبدا ً لكني أراه الآن بطريقة مختلفة تماما ً. في ذلك اليوم رآيت الأطفال الحُفاة و تألمت، لكني الآن كلما تذكرتهم أشعر بخجل ٍ أشبه بخجل تلميذ ٍ عجز َ أن يجيب على سؤال ٍ بسيط أمام زملائه ِ الطلبة لأنني وقتها أغفلت ُ ما آراه الآن في الموقف.

بعد عودتي إلى الله تذكرت ُ و أنا متعجب ٌ كيف أنني لم أنتبه لذلك مُسبقا ً أن جميع هؤلاء الأولاد الحفاة كانوا يلعبون مع بعضهم البعض بفرح ٍ شديد ٍ جدا ً أمام المدرسة صدقوني أني لا أراه عندما أمر أمام مدارسنا الفخمة في الأردن، و أنه يفوق فرح أولادي أنا في البيت، و الذين يملكون ال S4 و الحاسوب و البلاي ستيشن و يرتدون ماركات الثياب.

هذا الفرح الذي كان في ضحكات ٍ هؤلاء الأطفال الأوغندين غاب عن عيني لأن غروري و غضبي أعميانني و جعلا مني الحكم على الله و الخصم و المُنفذ في نفس الوقت. اختصمت ُ الله في محاكمة ً غاب عنها الله و حضر فيها الغرور، و قصر النظر و تغيب المعطيات و أنصاف الحقائق و محدودية الفكر.

لا زلت ُ أفكر بمشكلة الشر في العالم و أتألم مع المتألمين، إلا أنني الآن أستطيع أن أقول بكل اطمئنان أن الحضور الإلهي في نفس البشر جميعا ً المتألمين و غير المتألمين هو بلا شك ٍ معين ٌ كبير لكل ٍ حسب حاجته و تذكير لهم بإنسانيتهم الجامعة و دعوة لقويـِّهم ليحمي ضعيفهم و خيـِّرهم ليساهم في جعل مجتمعاتهم أفضل و أكثر عدلا ً.

فلندع "معاير قبول الله" جانبا ً و لنقبل الله، فالله الذي أعرفه "محبة" و فيه الإنسان هو الأعظم و الأعلى و الأغلى، و يتجاوز المادية الاستهلاكية بنفس السمو الذي يتجاوز فيه العقائدية الميثولوجية و تداعيات النصوص.

الله يعيش ُ فينا و علينا نحن أيضا ً أن نعيش في الله!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذربات الفلافل - قصيدة نهاية الصيف
- تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء
- الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
- المُشترك الأعظم – الإنسانية
- الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
- الرجال و مرآتان لهوية التعريف
- الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
- Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
- ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
- قوك يا أردن – مع محمود الحويان
- كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
- الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
- قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
- رسالة إلى السيكلوب
- من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ
- السنة و الشيعة – هل هؤلاء مجموعات جديدة؟
- قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكش ...
- السينما بين السبكي و الأخوين واتشسكي – طرفا البعد الإنساني
- -قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد ...
- الشرق العربي حين ينبش ليقتلع الأساس - هجرة المسيحين العرب


المزيد.....




- من سيكون بابا الفاتيكان المقبل؟ ترقب قبل أيام من بدء أعمال م ...
- البابا فرانسيس أوصى بتحويل -عربته- إلى عيادة لعلاج أطفال غزة ...
- الحاج بدر أبو اسنينة.. 47 عاما في حراسة المسجد الأقصى
- مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية يدعو مجلس النواب للتصويت ب ...
- صحيفة روسية: باريس وواشنطن تخوضان صراعا في الفاتيكان
- تنزيل أحدث تردد قناة طيور الجنة 2025 DOWNLOAD TOYOUR EL-JAN ...
- ’إيهود باراك’ يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى والكيان من ’ ...
- ما قصة الحرس السويسري ذي الملابس الغريبة؟ وكيف وصل إلى الفات ...
- اغتيال بن لادن وحرب النجوم أبرز محطات أسبوع مايو الأول
- بعدما نشر صورته بزي بابا الفاتيكان.. هكذا جاءات الانتقادات ل ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد