أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - -قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد الإنساني















المزيد.....

-قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد الإنساني


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 19:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم" – الرسالة الجديدة للعهد الإنساني

ألاحظ دائما ً الخلط الإسلامي لليهودية بالمسيحية و الخلفية التي ينطلق منها مسلمون ناقدون أو ملحدون من أصل إسلامي لنقد المسيحية كرسالة عقائد و ممارسات، و ترتكز في كل حوارتها على نقطتين غالبتين هما قول السيد المسيح "ما جئت لأنقض لكن لأكمل" و هي التي تفيد نفس المعنى الذي يفهمو نه من الآية القائلة "لأن تزول السماء و الأرض أهون من أن تزول نقطة من الناموس" و النقطة الثانية الخاصة بالآية "ما جئت لألقي سلاما ً بل سيفا ً" و هما أساس نقدي إسلامي بالدرجة الأولى لا يعني المسيحية في شئ لكن يتطلب توضيحه لفهم أفضل ٍ للمسيحية يمكن أن يُعطي العقل النقدي الإسلامي مُرتكزا ً مسيحيا ً يساعد في الحوار و يوضح بعض الإلباسات التي لا يتكمن الناقدون من التوصل إلى أصولها النافية لهابأنفسهم، نظرا ً لأنهم لا يقرأؤون الإنجيل المحرم قراءته شرعيا بناء ً على الحديث الذي ظهر غضب رسول الإسلام من عمر بن الخطاب عندما رآه يقرأ في التوراة، و لأنهم يلجأون للحكم المسبق بضم المسيحية إلى مجموعة العقائد الخاضعة للنقد من باب إسلامي لا ينطبق عليها، هذا الباب الذي أجد كلما تمعنت في قراءة نقدهم أنه فهم ٌ إسلامي بحت.

بداية ً علينا أن نوضح الاختلاف بين مفهوم الوحي الإسلامي و الوحي المسيحي. فبينما يؤمن المسلمون أن الوحي في الإسلام هو كلام ألقى به جبريل و الذي هو نفسه الروح القدس للنبي بكلمات منطوقة تكتب بحرفيتها و تفهم بحرفيتها و يتم تجميعها في سور القرآن كما ألقاها الله إلى الرسول بواسطة روحه "جبريل" و بالتالي هي ثابتة غير متغيرة، نفهم نحن المسيحيون أن الوحي هي تأثير للروح القدس و الذي هو الله نفسه و ليس جبرائيل أو أحد الملائكة على الأنبياء و الرسل، و هذا الوحي هو فعل ٌ إلهي مباشر يستهدف النبي في الفعل و يتجاوزه إلى المؤمنين في قصد الرسالة فيكون النبي في هذه الحالة أداة لنقل الرسالة و لا يكون له فضل ٌ يعصمه من الخطأ أو الخطية لكن فضله هو في كونه وعاء النقل و حامل الرسالة و مترجمها.

و يستتبع من هذا الفهم بالضرورة أن تُقر المسيحية أن هذه الترجمة من الإلهي للإنساني ستمر في العقل البشري و سيقوم العقل البشري باستيعابها و التعبير عنها في عملية تمثيل مرادفها الإنجليزي كلمة Synthesis تترجم الفعل الإلهي و تأثيره إلى كلام بشري مُسجل في التوراة و الإنجيل مما يعني أيضا ً بالضرورة و التحليل المنطقي أن هذه الكلمات لا بد أن تكون كلمات يعرفها الكاتب من بيئته و من خلفيته المجتمعية و الثقافية و الحضارية العلمية و لا يستطيع أن يتجاوزها لكون المُسجل محدودا ً بدائرة المعرفة الخاصة بالنبي، و قد تناولت هذه الموضوع بشبه تفصيل في مقالاتي "تمثيل الوعي داخل الحواس – رحلة الله و الناس" على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=381036

مما سبق نعرف أن المسيحية ترى أن الرحلة الإلهية البشرية مستمرة، لم تُختم و هذا منطقي و صحيح لأن الله أزلي غير محدود ديناميكي في خلقه سُنـّـًتُه هي الاختلاف (إن كنتم لا تصدقونني تأملوا التنوع في الطبيعة و الكون و الكواكب و النجوم و المجرات حتى في الحشرات و عظمتها الفائقة)، و مما سبق أيضا ً يستتبع بالضرورة و بحكم المنطق أنه ما دام البشر مستمرين على هذا الكوكب و حضاراتُهم مختلفة و بيئاتهم مختلفة فيجب أيضا ً أن يُلبي الرب الخالق حاجاتهم الروحية المختلفة بالزمان و المكان، من هذا المُنطلق نفهم أن الوحي في المسيحية لم يُختم و لن يُختم حتى نهاية العالم التي لا نعلم كُنهها و لا زمانها و لا طريقتها.

من هذا المنطلق قال المسيح أن الروح القدس سيكون في المسيحية لكي "يرشدكم إلى الحق كله" هذا الحق التفاعي الإنساني هو مُستمر ديناميكي نامي غير المختوم غير ثابت غير ناقص (لأنه مُستمر) و غير كامل (لأنه مُستمر) و الجاهز دوما ً للمراجعة و إعادة الفهم و التطوير. من هنا نبدأ.

قال السيد

"قد سمعتم أنه قيل عين ٌ بعين و سن بسن أما أنا فأقول لكم من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الآخر أيضا ً"

"أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم صلوا لأجل الذين يفترون الكذب عليكم"

"من سخرك ميلا ً فامش ِ معه ميلين"

"من سألك فاعطه"

هذه المفاهيم الثورية هي تأسيس للعلاقات بين الناس، تأسيس للمتمعات في وقت لم يكن فيه مواثيق حقوق إنسان و لا أمم متحدة و لا حكومات قطبية كالولايات المتحدة و لا اقتصاديات عظمى كالصين و لا أيدولوجيات شيوعية أو رأسمالية مثلما نرى الآن.

المسيح يرى و يعلم أن الإنسانية هي الجامع الأول و هي تتعارض بشكل جوهري مع عقيدة "الغويم" أو الأُمـِّين أو الأُممين اليهودية والتي ترى اليهود مُفضلين على العالم كما أنها تتعارض بشكل رئيسي مع عقيدة الغزو و السلب و النهب الداؤودية الموسوية المُستمرة، و مع عقيدة ذبح الحيوانات و رفع المحرقات الكهنوتية الهارونية، هذه العقائد المحدودة بزمانها و مكانها التي لا بد لها من تغير، فهي عقائد بدوية بالدرجة الأولى خاصة بقبيلة تسكن في مكان جغرافي تتجه من البدواة للدولة لكن بمفهوم بدائي غير مُتطور، و هي لا تصلح بأي شكل من الأشكال لمجتمع حديث، خصوصا ً أن المسيح يحيا في دولة رومانية ورثت فلسلفات يونانية تتسم بتعددية إلهية بآلهة كثيرين هم بشكل من الأشكل أو بآخر انعكاس للفكر الإنساني، و قد استطاع المسيح أن يرى ما وراء الفلسفة و الأصنام تعبيرا ً بشريا ً و توقا ً نحو الانعتاق الروحي الذي يسمح باستكمال الكمال الإنساني و النمو من رمزية الصنم و الفلسفة و شريعة اليهود نحو فضاء الألوهية غير المحدود و فضاء الإنسانية غير المحدود أيضا ً.

المسيح يرى رؤية ثورية جديدة تضع الإنسان في الموضع الأقدس الأول فهو الذي يخرج عن السبت اليهودي الذي يطلب من اليهودي أن يكون مجرد صنم حي لا يعمل في السبت لا خيرا ً و لا شرا ً، Robot مُبرمج له تعليمات Instructions لا يتخطاها و لا يعرف أصلا ً كيف يتخطاها حتى لو أراد، يرى في الإنسان إنسانا ً يهوديا ً كان أو غير يهودي، حُرَّا ً غير مُبرمج قادرا ً على أن يرى الإنسانية جامعة ً له مع نُظرائه الذين يشتركون معه في الإنسانية، فيشفي المسيح أشل اليد في السبت و المرأة منحنية الظهر في السبت و المشلول في السبت و يصنع الخير كله في السبت و يقول القول الثوري الأعظم و الأوضح " إن أبي يعمل في السبت و أنا أيضا ً أعمل في السبت".

يعرف المسيح أن هذه الدعوة الجديدة و أن العهد الجديد المُستمر بين الله و الإنسان سيجلب على من يعتنقه الويلات و المشاكل، فالمجتمع لن يقبل هذه الدعوة الجديدة بسهولة و سيحاربها و يحارب من يعتنقها، و سيبلغ الأمر الاضطهاد الفكري و الجسدي، حتى أن المجتمع اليهودي كما يعلمنا التاريح سيحرم لاحقا ً من عضوية المجمع اليهودي كل من سيدين بهذا الدين المشيحاني الجديد، و سيضطهد أفراده بضغط الفكر و سيف الإيذاء الجسدي، هذا السيف المجازي الذي قال فيه السيد "ما جئت لألقي سلاما ً بل سيفا ً" و الذي أوضحه في الآيات التابعة حين قال "فيصير أعداء الإنسان أهل بيته".


الدعوة المسيحية لا شأن لها بالسياسة و رجال الدين و السلطة، هي دعوة إنجيلية بمعنى البشرى السارة، و هي دعوة لتغير النفس و القناعات و الانسجام التام مع البيئة و المجتمع و الأنسان و الدولة و القانون، لذلك يستطيع المسيحي أن يتعاطى مع الأنظمة الإجتماعية و السياسية المختلفة الديموقراطية أو الديكتاتورية، و يسعى نحو التغير للأفضل بواسطة الشرائع و القوانين البشرية الوضعية التي لا نرى فيها كمسيحين أي مشكلة طالما أن قانون القيمة المجتمعية النافعة هو القانون السائد بمعنى أن المُجتمع يُشرِّع لنفسه ما ينفعه و ما يضره دون أن يرى أن الله يرفض أو يقبل هذا القانون ما دام أن الخير العام مُصان و الإنسان بكل إنسانيته محمي و مرفوع فوق كل شئ.

المسيحية في المسيح هي دعوة الثاثر الأبدي على الظلم، دعوة الداعي إلى إعلاء شأن الإنسان، إلى قبول طبيعتنا البشرية و التعامل مع حقيقتها لا مع فرضيات ايدولوجية من النصوص الجامدة، المسيح الحي هو الذي يقول "قد سمعتم أنه قيل" (في الماضي الذي ذهب الذي هو غير موجود الذي لا نعيشه الذي لا شأن لنا به) "أما أنا فأقول لكم" (و هي دعوة إلى التشريع الإنساني الديناميكي الصالح للمجتمع كما يُقره المجتمع نفسه حسب حاجته بدون ظلم لأي فرد فيه)، المسيحية هي الثورة الأبدية للثائر الأبدي، هذا الصالح السيد الذي يجبر المكسور و يقوي الضعيف و يرفع كل إنسان إلى تمام إنسانيته.

هذا مسيحُنا.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق العربي حين ينبش ليقتلع الأساس - هجرة المسيحين العرب
- الوطن العربي – الكوكب الآخر – مأساة مدينة الأشباح.
- نجيب محفوظ – ما بين الفينامولوجيا و الأنثروبولوجيا الدينية و ...
- حميمية العلاقة بين الله و الإنسان – النبي إرميا نموذجا ً
- -أعطني لأشرب- – لماذا نحب المسيح، من وحي اللقاء مع السامرية.
- ثرثرة في الثورة المصرية
- ظاهرة التحرش بالفتيات – بين نظرة المجتمع، التشخيص و الحلول.
- التأريخ الأنثروبولوجي الديني في روايات نجيب محفوظ – الثلاثية ...
- التأريخ الأنثروبولوجي الديني في روايات نجيب محفوظ – الثلاثية ...
- عقل العربي – جولة في مساحة الاطمئنان كردة فعل على العجز
- نظرة للإعلانات التسويقية المتلفزة و علاقتها بالنمط الاستهلاك ...
- السلطان شرف الدين – احتكار الله و استعباد البشر – بين الانفص ...
- مسيرة المسجد الحسيني– خليط التعاطف المذهبي و تجاوز الدولة كم ...
- المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب ش ...
- تمثيل ُالوحي داخل الحواس – رحلة الله و الناس
- فلسفة الوعي – الإدراك و التركيب العضوي و ما بينهما


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - -قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد الإنساني