أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - نظرة للإعلانات التسويقية المتلفزة و علاقتها بالنمط الاستهلاكي.














المزيد.....

نظرة للإعلانات التسويقية المتلفزة و علاقتها بالنمط الاستهلاكي.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 09:15
المحور: المجتمع المدني
    


نظرة للإعلانات التسويقية المتلفزة و علاقتها بالنمط الاستهلاكي.

صوت ُجرس الباب و تفتح الأم، الإبن مُبتسم ببراءة بينما تتغير صفحة وجهها و تسأله باستنكار "كاين تمشي على إيديك؟"، تركز الكاميرا على يدي ثوب الإبن الأبيض و الذي هو الآن بني طيني و ينتقل المشهد بسرعة ليعرض مجموعة أطفال بينهم الإبن يتسابقون و هم يمشون على إيديهم بدل أرجلهم، وسط حقل طيني مُسرف في الطينية و القرف، وبعدها ينتقل المشهد ليعرض اسم مسحوق الغسيل و شكل الثوب بعد خروجه من الغسالة أبيض َ ناصعا ً.

دعاية ٌ أخرى، سيدتان جالستان في صالون إحداهما، الجو ودي للغاية و المخرج حرص على أن نشتم َّ الإثارة في تلقائية الموقف و عفويته الجاريتين و سؤال أحدهما و هي الأقل ابتساما ً للأخرى المبتهجة المكتفية "هوا جوزك مبقاش يتزل الـئهوى زي الأول ليه؟" و هنا تجيب المبتهجة أن زوجها بدأ باستخدام اسم المنتج، و تتضاحك السيدتان، و تُنهي الدعاية بقولها "خذ (مش عارف اسمو إيه) و حتبقى جامد يا حامد".

هذا اللعب على وتر الحاجة مُقلق و مستفز، و دليل أن بشريتنا على هذا الكوكب قد تكاثرت جدا ً و مع تكاثر أعدادها تكاثرت حاجتها إلى المأكل و المشرب و الملبس و مساحيق التنظيف و مساحيق التجميل و ووسائل النقل و وسائل الحماية و الأمان و وسيطي الترفية و السياحة والسفر و العلاج و الدواء و تحديات إيجاد الوظائف للشباب و توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكافية للعيش بكرامة.

وسط هذا الخضم تبرز المؤسسات الحكومية و الشركات الخاصة و التي تقوم بعملية الإنتاج لكل مصادر الحياة السابق ذكرها، و يحتاج هذا الإنتاج إلى أن يلقى طريقه إلى قبول المستهلكين أولا ً فإلى بيوتهم كنتيجة نهائية لرحلة المُنتج. و هذا القبول يستدعي عملية تسويق تستفز الحاجة الكامنة في الكائن البشري للحصول على انتباهه أولا ً ثم عرض ميزات المنتج و قدراته و إمكانياته ثم الربط بين الحاجة عند الشخص و إمكانية المنتج التي ستتكفل بها.

إن ازدياد الأعداد البشرية و حاجتها للحياة و الاستهلاك مع ازدياد الخيارات والمنتجات يدفع بالعملية التسويقية إلى مستوى تنافسي أعلى من المستوى المعقول أو المُعتدل، إلى المبالغة في عرض الحاجة بما يضخمها و يعرضها بشكل أكبر بكثير مما هي عليه، ثم المبالغة بعرض المنفعة المردودة من المنتج و الدفع بالمستهلك عن قصد إلى الوصول إلى مرحلة إدمان هذا المنتج و احتلاله لمساحة عقلية حاضرة دوما ً في البال تستدعي إشباعها بالاستهلاك، بشكل يتجلى بجمل مثل "أطلب أكثر أكيد في أكثر" أو "سعادة دائمة ً أو "عيش حياتك" أو "لا توقف" أو "مين قدك" و ما إلى ذلك من شعارات مشروعة تكفي نظرة واقعية إليها لتعلم علم اليقين أن المنتج لا علاقة له من قريب أو بعيد بتحقيقها حسب ما يدعي أو حسب ما يُدغدع وعيك لتُصدقه.

يبرز تفوق الآلة التسويقية و سطوتها على الوعي و الشعور في قدرتها على تسويق منتجات لا يحتاجها المرء أصلا ً و يعيش بدونها بسعادة أكثر و صلة إنسانية أعظم، لكنه يختارها طوعا ً و يسعد بها و يغير نمط حياته على ضوئها، و يعيد تعريف علاقاته مع محيطه بواسطة تبعات استخدامها. و كمثال على هذا النوع من التسويق نجاح شركتي Apple و Samsung في تسويق هواتفها الذكية و التي هي في الحقيقة كماليات للكبار و الصغار لا يحتاجونها في شئ إلى أنها قد أصبحت المُسيطر الأول و الراسم الأول لشكل حياة من يقتنونها من مستهلكين.

إن بروز هذا المستوى من الاستهلاك و التسويق إلى واجهة الحياة البشرية هو بلا شك على حساب انسحاب العلاقات الإنسانية و شبكة الاعتمادية البشرية إلى الخلفية بحيث تفقد بريقها و قوتها و الإحساس بحاجتها أمام منتجات هي في الحقيقة تقدم استقلالية ميتة باردة لا طعم لها لكنها مريحة و تُعفي من عناء الاحتكاك بكائن بشري آخر تحتاج أن تتعامل مع عقله و جسده و كلماته و أنفاسه في عملية متكاملة تغنيك عنها تلك المنتجات و تبرع الآلة التسويقية في تخدير فطرتك البشرية و ضميرك عن تبيان حقيقية قتلك لكل فرصة رائعة للتفاعل مع نظيرك البشري مع ازدياد اعتماديتك على ما هو بين يديك.

في وقت يتجه فيه البشر نحو التطرف في الاستهلاك، التطرف في رفض الآخر، التطرف في الاستكانة إلى لذة القناعات التي يملكونها، التطرف في الانعزال عن المحيط، التطرف في النظرة إلى الآخر بالشك، تدعم الآلة التسويقية كل ما من شأنه تحقير إنسانيتنا.

الحقيقة نحن بحاجة إلى جرعات اعتدال لا نجدها، و دعوات تفاعل إنساني لا نحصل عليها، و مناسبات بشرية خالية-إلكترونيا ً و هي معدومة. نحن بحاجة إلى بعضنا البعض، و عندها سندرك أن حلقة الاستهلاك و التسويق ما هي إلا الخدعة الكبرى و الطامَّة العُظمى و الفخ المحبوك بعناية شديدة ليخنق كل ذرة من إنسانية بقيت لدينا.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطان شرف الدين – احتكار الله و استعباد البشر – بين الانفص ...
- مسيرة المسجد الحسيني– خليط التعاطف المذهبي و تجاوز الدولة كم ...
- المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب ش ...
- تمثيل ُالوحي داخل الحواس – رحلة الله و الناس
- فلسفة الوعي – الإدراك و التركيب العضوي و ما بينهما


المزيد.....




- الصحة العالمية تحذر من -حمام دم- ومن امتداد المجاعة لجنوب ال ...
- فرار 8 معتقلين من سجن في هايتي والشرطة تقتل 4 آخرين
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة باتفاق رهائن مع حماس
- ميقاتي ينفي تلقي لبنان -رشوة أوروبية- لإبقاء اللاجئين السوري ...
- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - نظرة للإعلانات التسويقية المتلفزة و علاقتها بالنمط الاستهلاكي.