أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - نضال الربضي - مناهج التعليم – مُكَثَّف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة














المزيد.....

مناهج التعليم – مُكَثَّف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 09:08
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


مناهج التعليم – مُكـَـثــّـَـف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة

قبل أيام جاءني ولدي جورج الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ً إلى المطبخ، يحمل بين يديه كتاب التربية الوطنية و الاجتماعية أو ما ما كنا نُطلق عليه أيامنا اسم كتاب: التاريخ، و فاجأني بالسؤال التالي: "بابا صحيح الكنيسة كانت بتوزع صكوك الغفران؟"، سؤال ٌ مُباغت يشبه ضربة َ ملاكم ٍ لخصمه ِ بيساره، خصوصا ً و قد انتهيت ُ للتو من ارتشاف كأس الماء!

سألته: "من وين سمعت السولافة هاي؟"، فأجاب: "هيك مكتوب بكتابنا".

يا لهذه الكتب!

في درس اللغة العربية تتلو ابنتي آيات القرآن و تتعلم الأحاديث و تسألني عنها، و عند تحضيرها للدروس تطلب مني إجابات عن استعدادات المسلمين لمعركة "بدر الكبرى" كما تعرفها هي أو "غزوة بدر" كما درستها أنا، ثم تتباحث معي في سبب انتصار المسلمين و دلالات هذا النصر، فأجيبها، ثم في اليوم التالي حين تشارك الصف بإجاباتها ترتسم على وجة المعلمة ابتسامة و هي تسألها: "مين اللي جاوبلك على هاي الأسئلة؟"، الإجابات علمية تحليلية و ليست دينية و قد أدركت المعلمة أنه من الأفضل عدم "استشارة" مريم في المرات القادمة.

في درس العلوم لا بد من الحديث عن البرزخ الذي يفصل البحرين عن بعضهما البعض و الإعجار العلمي الموجود، و لا بد أيضا ً من تلقين الأولاد أن كل ما يتعلمونه له أصول قرآنية، و أن القرآن جامع ٌ مانع ٌ شامل ٌ صالح ٌ لكل عصر و زمان، و عند الحديث عن الفيزياء لا بد من التذكير أن هذا العلم هو قليل جدا ً من كل شئ و أنه بأمر و سماح من الله و أنه لو شاء تعالى لمنع عنا العلم و مهما فعلنا لن ننفذ من أقطار السموات إلا بسلطان!

مناهج توتاليتارية شمولية مؤدلجة بالكامل(أحب كلمة توتاليتارية لأن لها جِرسا ً موسيقيا ً)، هي في حقيقتها دروس ٌ في الدين الخالص مع "شوية علم" لا يضر و لا ينفع و كان من الممكن الاستغناء عنه تماما ً فالله هو الخالق الشافي المعافي الرازق العاطي المانع و ما دام أن الرزق معلوم و القدر محتوم و لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فإذا ً يا جماعة أغلقوا دور العلم و لنعد إلى زمن الخيمة و الفرس!

غير معقول هذا الذي يحدث!

أنا لست ضد أن يعتنق الإنسان عقيدته و يحيا بموجبها، و لست ضد الانفتاح على عقائد الآخرين، أنا نفسي أقرأ القرآن و لدي في البيت قرآنان أحدهما القرآن العادي و الثاني نسخة ٌ مُترجمة مُجازة من علماء السعودية المعتبرين عند إخوتنا المسلمين و فيها النص العربي يُقابله نص إنجليزي مع شروحات و هوامش، أقرأ فيها كثيرا ً لأتعلم أكثر عن هذا الكتاب الذي يراه إخوتنا أفضل كتاب ٍ على وجه الأرض، و يساعدني على فهم العقلية الإسلامية و أصولها و توجهاتها و منهج الحياة و الدعوة بحسبها.

لكني ضد أشياء أخرى:

أنا ضد دمج الدين أي دين في كل قطاعات الحياة و سيطرته عليها. أريد عندما تتعلم ابنتي اللغة العربية أن تقرأ لامرئ القيس و جرير و الفرزدق و المتنبي و النابغة الذبياني و الحارث بن حلزة، أريدها أن تسمع صوته بعقلها و هو ينشد: آذنتنا ببينها أسماءُ! يا الله يا أسماء ما أجمل اسمك ِ من فم الحارث، لكن ابنتي لا تعرفك ِ و لا تعرف الحارث!

أريد أن يتعلم ولدي معنى الحب و الإخلاص من فم جرير و هو يقول: لولا الحياء ُ لهاجني استعبارُ و لزرت ُ قبرك ِ و الحبيب ُ يُزارُ. أريده أن يفهم معنى الشراكة و العشق من فم شاعر ٍ مكلوم ٍ في زوجته ِ، و يعلم أن الرجال أيضا ً لديها حياء و مشاعر و ليست صُخورا ً صمدا ً تحمل السيوف و تغزو البلاد.

أُريد لأطفالي أن يتعلموا عن تطور الجنس البشري و الكائنات و يتناقشوا في أسباب انتصاب البشر على أقدامهم و تخليهم عن استخدام أيديهم للمشي. أريدهم أن "تتعب" عقولهم و هي تفكر في فيزياء الكم و اختلافها عن الفيزياء الكلاسيكية و في نظرية النسبية لأينشتاين، أريدهم أن يناموا و هم مضطربون لأنهم لم يستطيعوا أن يفهموا معنى انحناء الزمان و المكان فيكون هذا سبب اجتهادهم في اليوم التالي للبحث و التنقيب على شبكة الإنترنت و التباحُث ِ مع أصدقائهم حتى يفهموا و لن أقبل منهم أقل من أن يفهموا.

أريد لأطفالي عندما أعطيهم معلومة ً أي معلومة أن يفكروا و يردوها علي إن كانت خاطئة ً و يناقشوني فيها بلا خجل ٍ لا داعي له، و بدون شعور ٍ بأنهم ينتهكون َ حقوق الأبوة المقدسة، لأنهم يؤمنون بأحقية الحقيقة و سلطان العلم الأحق َّ من أي سلطان، و أن يستثيروا فيَّ غريزة الدفاع في النقاش و الحوار، أريد من مناهجنا أن تصنع لهم هذا! لكن ما أراه يقول لي: لن يحصل من تلك الجهة. فإذا ً علي أن أُكمل أنا ما بدأته، و أستمر في "مناهجي" الخاصة التي أربيهم عليها و هو ما أفعله.

حسن ٌ جدا ً: ماذا قلت لجورج حين سألني عن صكوك الغفران؟

ببساطة قلت له الحقيقة: شرحت له ما هي، و الحقبة التاريخية التي كانت فيها، و الظرف السياسي، و بينت الخطأ فيها و أخذته للحاضر حيث أوضحت ُ أن الكنيسة قد تعلمت من أخطائها و بينت له كيف فصل الأوروبيون الدين عن السياسة عن الدولة، ثم عدت إلى الماضي و شرحت له عن الحروب بين العرب و الأوروبين، و أسبابها، و بينت الأخطاء الموجودة في التاريخ الإسلامي، و هو حديث لا أحب أن أخبر أبنائي عنه لكن مناهجهم تضعهم في مواقع دفاعية أمام زملائهم المسلمين الذين يتهكمون عليهم فُأضطر أن أُلبسهم درعا ً واقيا ً و أعطيهم سلاحا ً من الوعي لكي تتوازن القوى.

أرأيتم ماذا يفعلون بأطفالنا و على ما يجبروننا؟ أرأيتم لم يجب أن يتوقف هذا الجنون!

لكني بعد كل هذا ختمت النقاش بأننا جميعنا إخوة و يجب أن نحيا في الحاضر و ليس في الماضي و علينا أن نبحث عن المشتركات لنعيش فيها و ننمو، و هذه الخاتمة هي شعوري الحقيقي و إيماني المطلق الذي أريد أن يأخذه عني أبنائي.

غيروا هذه المناهج، إنسوا الماضي، عانقوا العلم، ذوبوا في الإنسانية، كفانا حماقات!

أليس كذلك؟



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما ذهب – من وحي الخياطة
- قراءة من سفر الحكمة – الفصل الثالث
- نيتشه – الإنسان عاريا ً.
- الهجوم على المسلمين – الإنصاف يقول توقفوا
- المطرانان المخطوفان – موسكو و الشيشان و حلب
- قراءة في سفر الإنسان – الله
- أضواء على التطور – القرد الذي لم يصبح إنسانا ً
- حين رأت جدها – لا تخافي
- مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد
- هذربات الفلافل - قصيدة نهاية الصيف
- تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء
- الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
- المُشترك الأعظم – الإنسانية
- الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
- الرجال و مرآتان لهوية التعريف
- الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
- Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
- ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
- قوك يا أردن – مع محمود الحويان
- كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - نضال الربضي - مناهج التعليم – مُكَثَّف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة