أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الرماد














المزيد.....

الرماد


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4268 - 2013 / 11 / 7 - 15:26
المحور: الادب والفن
    



لمْ َيكنْ بدّ مِنَ التململِ اوتحريكِ ساقيّ لجرّ أقداميَ فقد شعرتُ كأني والمدينةَ في جوفِ كائنٍ خرافي من ذلك النوع الذي ينفث النارَ ، الأرضُ تحت أقدامي محروقةٌ وبصيصٌ من غبشٍ مقهورٍ يُغلفُ المنظورَ بسلطة ظلامٍ مُعتق لم يغادرأمكنته منذ زمن بعيد فلا شيء غير الرماد، الرماد وحده المهيمن مشبعا برائحة الحرائق ، ذاكرتي قد مُحيَتْ تماما إلا من شعور ساحق بالخوف والترقب محاذرا من التمادي والإفراط في الحركة أشعر بثقل عيون كثيرة تراقبني وتتحين فرصة للإمساك بي ، لا شيء بكياني في هذه الآونة غير انتفاض غريزة البقاء، أمد نظري نحو الإتجاهات فلا أجد غير الرماد ، حتى السماء كانت تمور بها من فوقي سحبٌ رمادية والظلام لا زال يكتنف الأبعاد مخلوطا مع بقايا ضوء محتضر مغلفا كل ما حولي بالأسرار والغموض وبينما كنت أختلس نظراتي اختلاسا انبثق ليس بعيدا عني عمود من دخان رمادي أعقبه على مسافات متباعدة أعمدةُ دخان أخرى ، لاحظتُ بصيص نار أسفل الدخان ، أشعلَ جذوةً من الأمل في نفسي ، فقد كنت تائقا لملاقاة أي كائن بشري وسط هذا الخراب حتى لو كان عدوا وتحركت بحذر شديد نحو أقرب عمود دخان ورويدا رويدا بدت ملامح بناء يتوضح لعيني مثل تلك الأبنية التي كنا نساق إليها إبان عصر العسكرة ثكنات جند تتحيز مكانها وسط هذا الرماد والموجود في تلك البناية لم يكن جيشا كما أعرف لكنه خليط من المدنيين التي نزعت عنهم صفة المدنية كتحصيل حاصل لما يسود من رماد يطغى على كل شيء ومن بعض الجند بزيهم المعروف وسحناتهم التي انتهكتها واستوطنتها الحرب منذ زمن بعيد ولا زالت تنتهكها بضراوة وذلك بادٍ من رثاثة ملابسهم المعفرة برماد قديم ، يتحركون ببطئ وكأنهم عالقون بأوضاعهم وقد ألِفوا اليأس و الإنتظار الطويل وجدتني أنسل بينهم فقد كان وصولي إليهم غير ملفتٍ وكأنهم كانوا يتوقعون وصولي دون اكتراث وبصمت اصطحبني إثنان منهم إلى قاعة تبعثرت فوق أرضها مقاعد خشبية عتيقة مثل تلك التي يستعملها الجنود في معسكراتهم ، تم اقتيادي إلى ركن منها يحيط به تكوين خشبي مثل منضدة استقبال في فندق من الدرجة الثالثة يجلس خلفه رجل غائر الملامح كأنه آت من زمن سحيق وخلفه اصطفت أربعة رفوف تكدست عليها كتب ومجلدات عتيقة كدت أشم رائحة عفنها عبر النضد الذي يحجزني عنها وكان يحيط بي أربعة رجال لونهم كلون الرماد ، بدا لي أنني كنت أشبه بأسير أو مشكوكا بأمره ، تناول الرجل خلف النضد كتابا من الرف الثاني ، بدا ككتاب قديم بغلاف جلدي مثل تلك الكتب التي توجد في خزائن الأديرة القديمة ، وضع الكتاب أمامه على النضد ثم فتحه وبدأ يقلب بأوراقه حتى استقر على صفحة بعينها قائلاً:
- سنختبرك !
- .....!!!!
- كيف هو صوت الحمار؟
- هاء هاء هاء هيييييي
- وصوت الكلب؟
- هو هو ..هوهو ..هوووو
- والذئب؟
- آوووووووو
- الآن عليك أن تعرف صوت الديك؟
- ....
لسبب ما لم أتذكر ما هو الديك ولا صوت الديك !!!
سُرّ الرجل ورفاقه بإجابتي و أمتعتهم حيرتي، أغلق الكتاب و أعاده إلى مكانه ، بدأ الرماد ينث على كياني حتى استحلت في لحظات إلى واحد منهم ، أشبههم تماما ، انفضّ من حولي الرجال الأربعة ثم استدار الرجل خلف النضد وخرج مختلطا بالمجموعات التي تؤثث المكان وهي تتحرك مثل عوالق في سائل نصف شفاف وبقيت راكدا بمكاني و أدركتُ أنني سأختلط بهم وأكون واحدا منهم عاجلا أم آجلا لكن قلبي كان منشغلا يبحث عن إجابة لسؤال الرجل الأخير، ما الديك؟ وكيف يكون صوته؟.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفل حطلة
- الرغيف
- كتاب الريح- قصيدة
- شجرة ملعونة - قصة قصيرة
- الضحية- قصة قصيرة
- المَخاضةُ - قصة قصيرة
- أزهار جابر السوداني الفجائعية- قراءة إنطباعية
- إخطبوط - تهويمات
- قبائل الأحلام-قصة قصيرة
- حقيقة الأشياء - قصة قصيرة
- مطر أحمر قصة قصيرة
- طقوس - نص مدور
- الخندق الأخير - قصة قصيرة
- بان كي مون
- زمن ميّت- قصة قصيرة
- الطين
- ثلاجة الموتى- قصة قصيرة
- ليلة القبض على المدينة- قصة قصيرة
- قلبي على وطني -نص مدور
- شطرنج - قصة قصيرة


المزيد.....




- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الرماد