أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - ليلة القبض على المدينة- قصة قصيرة















المزيد.....

ليلة القبض على المدينة- قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


ليلة القبض على المدينة
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي

لم أكن قبل عَقدٍ من الزمن معنيا بما يجري ، ذلك كما أعلم من شأن الذين لم أصل آنذاك لعتبة أعمارهم بعد ، كثيراً ما كنتُ أتمنى أن أبلغ ما بلغوه من العمرفي تلك الأيام لألتحقَ بهم ولكنني عندما كنت أرى الهم يسيل من صفحات وجوههم ، أحجم عن رغبتي تلك وأتخلى عنها ، أراهم مهمومين تعلو سحناتهم غيوم الكآبة وألوان الحزن الصُفر ، أوليتُ كثيراً من اهتمامي بما يتطلبه مبلغي من العمر دون الركون إلى تلك الرغبة القديمة في حرق المراحل وكأنني في سباق لا ينتهي ، أحياناً كانت تملؤني الرغبة في السؤال وعندما أنظر إلى الوجوه المكفهرة أسارع إلى لجم هذا السؤال وردّه على أعقابه ومن ثم نسيانه بعد لحظات ، لكن ذلك لم يدم طويلا بعد تلك الليلة التي ظننتها لن تنتهي ، لقد كنا جميعا أنا ومن يقف على العتبة العمرية ذاتها خائفين ولكننا لا نعلم مم نحنُ خائفون ، بيد أننا نستطيع أن نؤكد ذلك الخوف من مجرد النظر إلى وجوه أبائنا وإخوتنا الكبار، الكل يتحدث عن اقتراب موعد ما ، الكل يبدو وجلا لا يقرّ له قرار فنُصابُ نحن الصِغارُ بعدوى الوجل بسهولة ، ليس لي أن أفسر لك أسباب ذلك الإنتقال الحتمي للخوف منهم إلينا ، أسبابه واضحة تكمن في الهزيمة والإنسحاق تحت وطأة خوف لا تفهمه عقولنا الصغيرة لكنه موجود بل تنضحه وجوه الكبار ، كلما اقتربنا من الليل، في الليالي الثلاث الأولى لانسرابنا نحو تلك البساتين المظلمة خارج المدينة كان القصف بالمدفعية متواصلاً وبين لحظات سكوت صوت القصف كنا نسمع ذلك الصوت الزاجر الآتي من مكان ما عبر مكبرات الصوت ، في تلك اللحظة وددت أن أسأل أبي ولما هممتُ أن أفعل ذلك التفتُّ إليه فوجدته منشغلاً بهلع لم أرَ له مثيلا على سحنته عمري كلهُ إلاّ هذه اللحظة فأحجمت عن إطلاق سؤالي وقدّرت أن هذا الهلع الهائل ربما يتحول إلى غضبٍ عارم عليَ فسكتُّ، كان وصولنا إلى( بستان جاني*) الواقع على مبعدة من المدينة كالنزهة بالنسبة للأولاد أضرابي رحنا نطارد الفراشات ونعبث بأغصان الصفصاف الباكي على ضفتي دجلة جنوب المدينة، لا أنكرُ أنني لاحظتُ بعض ارتياحٍ قد دبّ في نفوس الكبار حال وصول رتل الهاربين لتلك البساتين من هول القذائف التي تنفلق بشكل عشوائي في أزقة المدينة لكن ذلك لم يدم طويلاً ، كان الليلُ باردا في العراء وتحت أشجار النخيل يسّاقط الندى مبكرا في أوائل آذار(1991) ولم تنفع تلك الأغطية التي نصبها الآباءُ كأشباه خِيّم ٍ تنتهكها الريح القادمة من المدينة حاملةً معها أصوات فرقعات الإنفجارات وهدير الإطلاقات المتواصل ، بينما تجمع بعض الآباء والأولاد الكبار بحلقات حول نيران أشعلوها ليتدفأوا لكن سرعان ما أُطْفِأَتِ النيرانُ على أثر سقوط قذيفة هاون من عيار 60 ملمترا ًعلى أطراف البستان وراح الجميع يتراكضون صوب عوائلهم كالمجانين و كأن القذيفة قد وقعت على العوائل المرتعبة جميعا ، ساد الهرجُ للحظات ثم أعقبَ ذلك هدوء مريب قطع فيه الكبار والصغار النفس وراحوا يسترقون الهواء عبر رئاتهم المحتقنة خوفا وبردا ، شيئا فشيئا تجمع بعض الآباء بحلقات صغيرة وراحت المخاوفُ تتناسل وتتكاثرُ كديدان فوق جثة الوقت ، كان أحدُ مصادرها ذلك الرجل الهزيل الذي راح يمسح نظارته الطبية باستمرار وهو يتحدث، شارحاً لهم ما جرى في الهندوراس وكولومبيا مؤكدا إن الأحداث تستنسخ نفسها هنا كان يقول: لقد زادت مخاوفي عندما اختطفتِ الجماهير ومن ثم ألقيَتْ إلى الشوارع تقودها العناصرذاتها التي تعادي الجماهير ، سأله أبي:- ماذا يُراد بنا ؟ أجابه الرجل المثقف أنا متشائم يا أخي وفي هذا الرأس تزاحمت كثير من المعلومات حول ما فعلوه في كثير من بلدان العالم المتخلف والآن نحن نقف في الطابور لا نعرف ما يراد بنا ، قبل أربعة أيام أوقفَ (شوارزكوف**) تقدمه وفي خيمة سفوان كان الجنرال يستمتعُ بشمّ رائحة الشواء بعد (حفلة صيد الديك الرومي***)،أظن أن دورنا قد أزِفَ و إن الصفقةَ قد تمت.
في الليل سمعت أبي يقول لجارنا ولم يكن منتبها لوجودي: ما يدريك يا أخي ماذا يخططون لنا نحن بنظرهم خونة وهم يطوقوننا القوات تحاصر البساتين من كل جانب ألم تسمع الأستاذ وهويشرح وضعا مشابها في الهندوراس ، يقول أن القوات اقتحمت الغابات بعد محاصرتها وأبادت السكان هناك ، لم أكن أعي ما يقولون، لكن الليل كان طويلاً .. طويلاً جداً ، كان أبي يقول لجارنا في البستان : الليلُ أكثر وطأةً على نفسي من النهار عازيا ذلك لحوادث مرعبة كانت تحصل دائماً تحت جنح الليل ، قال الرجل: حقاً أنا أيضا أكره أن يفعلوا ذلك بنا ليلاً ،وأفضل إن كانوا يخططون لإيذائنا أن يفعلوا ذلك في النهار ، على الأقل إنك في النهار ترى عدوك القوي وإن كنت ضعيفا أو أعزلا وربما تسنح لك الفرصة للموت بشرف ، لم تنتج هذه الأحاديث إلا مزيدا من الخوف والترقب ، نمتُ تلك الليلة تحتَ وطأة مشاعر الخوف المنعكس من وجوه الكبار التي صقلها الرعبُ حتى باتت مثل مرايا لا تعكسُ إلا ذلك الرعب استيقظتُ منتصف الليل ، كانت سجائر الكبار تومضُ بالتناوبِ بضوءٍ أحمرَ واهنٍ فعلمتُ أنهم لم يذوقوا طعم النوم تلك الليلة .
في الساعة العاشرة من صباح اليوم الرابع لإخلاء المدينة من سُكانها صدرت الأوامر بعودة السكان إلى منازلهم وكان الرتلُ يمرُّ عبر نقطة تفتيشٍ يقف فيها جنود غُبر الوجوه يتفحصون سحنات العائدين ويلتقطون منهم من لا يعجبهم شكله و أغلبهم من الشباب ، كانت إحدى النساء متشبثةً بابنها بقوة فأخذوها معه وقد اختفى جميع من أُخِذَ في نقطة التفتيش ولم يعودوا إلى المدينة أبداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*بستان جاني: أحد بساتين النخيل الكبيرة جنوب مدينة العمارة
**شوارزكزف :قائد قوات أمريكية وصلت إلى مشارف بغدادفي سنة 1991 ولم تواصل التقدم إثر الإتفاق مع حكومة صدام في خيمة سفوان.
***هي العملية العسكرية التي قصفت فيها الطائرات الأمريكية وحدات الجيش العراقي المنسحب من الكويت بقذائف اليورانيوم المنضب مع استثناء وحدات الحرس الجمهوري الذي سُمِحَ له بالرجوع للقضاء على الإنتفاضة في الجنوب حسب اتفاق سفوان.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبي على وطني -نص مدور
- شطرنج - قصة قصيرة
- حلول
- مقهى بوحي
- سُبل مقفلة
- جُنَّ خيطُ الريح
- أعداء المثقف أعداء الثقافة
- الأقزام- قصة قصيرة
- أنابيب فارغة-قصة قصيرة
- حكاية- قصة قصيرة
- قابيل- تهويمات
- ثمن الحرية البخس
- أمانٍ عاريات
- وادي السلام
- شجرةٌ في البرية
- حدث ذات يوم-قصة قصيرة
- قطط و أحلام
- نظرةٌ إنطباعيةٌ
- رجع قريب
- الشبيه


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - ليلة القبض على المدينة- قصة قصيرة