أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - ممنوع اللمس















المزيد.....

ممنوع اللمس


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 22:46
المحور: الادب والفن
    


ممنوع اللمس

مقالة سيد قشوع في صحيفة هآريتس الإسرائيلية في يوم 1.11.13

كانت الساعة الثامنة صباحا حين وصلت الى محطة القطار. رغم أن القطار الذي سيحضر صديقها يصل في 8:20 ولكنني لم أرَ حاجة في العودة الى البيت بعد توزيع الأولاد الى مدارسهم فقررت التوجه الى المحطة، أستمع قليلا الى الراديو وأنتظر القطار. هناك شيء ما رومانسي، على كل حال، في انتظار القطار، فكرت في نفسي حين أركنت السيارة ونظرت الى مبنى المحطة التي تحيطها أسوار حديدية تبدو بها أشبه بالسجن أكثر منها الى محطة سفر. أطفأت المحرك، أعدت تشغيل الراديو الذي انطفأ لوحده وبحثت عن محطة تذيع الأخبار. "تحرير المخربين المجرمين"، قال مذيع الراديو الذي أصر طوال الوقت على استخدام هذا التعبير "تحرير المخربين المجرمين" مشددا عليه. وقد تحدث عن ذلك المرض الفظيع في رؤوس هؤلاء الذين احتفلوا بإطلاق سراح المخربين المجرمين، وأشار الى أن العقل السليم غير قادر على استيعاب كيف يمكن لبني بشر أن يفرحوا لإطلاق سراح مخربين مجرمين قاتلي نساء وأطفال.
أقوال المذيع أثارت أعصابي كثيرا دون أن أدرك تماما ما السبب. الحق معه طبعا. فأيّ بني آدم هذا الذي لا تروعه مثل هذه الجريمة النكراء فحسب، بل ويحتفل أيضا بتحرير هؤلاء الحيوانات البشرية بهمجية متعطشة للدماء؟ فلماذا إذن بدت لي أقواله محرّضة، مهيّجة، حتى فضلت إغلاق الراديو؟ ربما يكمن السبب في التعميم الذي يُستخلص من أقواله والذي يوحي بأن الحديث يدور حول مخربين مجرمين الذين هم من العرب، هؤلاء المرضى ذهنيا هم عرب، فقط هم يستطيعون أن يرقصوا على الدماء ويروا بمثل هذا التحرير انتصارا. وربما يكون السبب أن أقوال المذيع ونبرة صوته توحي أن للعرب منطق آخر، ثقافة مبنية على التعطش للدماء، الذي لن نستطيع فهمها نحن أبناء النور للعالم. لا أدري. لست متأكدا، فكرت عندما خرجت من السيارة لإشعال سيجارة.
كنت قد أخذت نفسا حين رفعت رأسي فلمحت حقيبة ظهر خضراء، جديدة، مستلقية على الإسفلت الذي بين السيارتين الراكنتين قبالتي. نظرت من حولي على أمل أن أرى أحدا يبحث عن حقيبة ضائعة لأشير له بيدي وأساعده في إيجاد ضائعه، ولكن دون جدوى. محطة القطار في القدس، رغم ساعة الصباح الباكرة، التي يفترض أن تكون ساعة الذروة، والقطار الذي كان مفترضا أن يصل، كانت خالية بشكل مفاجئ.
كان واضحا لي أن الحقيبة ليست مشبوهة. يعني لم يكن يبدو عليها أنها حقيبة عربية. على العكس، كدت أجزم أنها حقيبة أشكنازية*، باهظة الثمن، مع قنينة مياه معدنية مغروزة في كيسها الجانبي. تأملت حولي في المحطة. عدا عن بضع سائقي سيارات أجرة ينتظرون وصول القطار مثلي لم يوجد فيها أحد تقريبا، وطبعا ليس أحدا أستطيع أن أميزه كعامل في المحطة والتوجه اليه بشأن الحقيبة.
هل أتجاهل؟؟ إنها ليست حقيبة سوداء تبدو منها خيوط بنية وخضراء، ولا أصوات تكتكة علت منها. سأنتظر قليلا فلا بد أن يركض أحدهم خارجا من المحطة ويأتي لأخذ حقيبته. قررت أن أنتظر، وبما أنني كنت متأكدا بأنها حقيبة ودودة لم أرهق نفسي حتى في الابتعاد وبقيت بالقرب من السيارة، على بعد إصابة كل شظية.
وماذا لو يظهر رجل أمن فجأة، يرى الحقيبة ويسألني: "أهي لك؟" وأنا سأرد: "لا"، وهو لن يستوعب لماذا أقف بالقرب من حقيبة يتيمة دون أن أشعر بحاجة للإبلاغ عنها. سؤالان اثنان من رجل الأمن ويفهم أنني عربي وقد أجد نفسي المشتبه به الرئيسي. وإن تبيّن أن هذه الحقيبة الأشكنازية هي فعلا ملغومة، فقد راحت عليّ دون شك. مؤكد سيطلق سراحي بعد ثلاثين عاما وسيقولون عني في الراديو مخرب مجرم.
ولكن هذه ليست القضية. فالمذيع لم يكذب. وأي سبب يملك حتى يكذب؟ هؤلاء الناس حقا قتلوا، ليس فقط جنودا، انما طلابا جامعيين وسائقي سيارات أجرة وأناسا لمجرد كونهم يهودا. لقد قرأت الجرائد واستمعت الى الأخبار وسمعت ذوي الضحايا يتحدثون عن غواليهم وعن الطريقة المروعة التي قتلوا بها، سمعت أسماء القتلى، رأيت صورهم. فكيف يمكن لأحد أن يفرح من أجل القتلة، حتى لو كانوا من ذويهم وأقربائهم؟ ولماذا يرغب أحد في إطلاق سراحهم حتى في إطار تسوية سياسية؟
بقيت الحقيبة في مكانها. لم يأت أحد بحثا عنها ولم يبق أمامي خيار آخر الا أن أخطو تجاه مبنى المحطة وأبحث عن أحد العاملين فيها. أنا أيضا، أولا وأخيرا، تربيت على القناة الأولى، وأعلم كما تعلم، أن الجسم المشبوه ممنوع لمسه. دخلت الى المحطة واعتليت الدرجات المتحركة، وفجأة، دهمتني ذكرى ذلك الإعلان التوضيحي عن الجسم المشبوه. كان ذلك في المدرسة، الى جانب أطفال يهود فرحين يلعبون بالطابة في الساحة، وأنا الغبيّ ظننت أن عليّ الحذر مثلهم، ولم أعلم أننا كذلك، نبحث عن الأطفال بالذات.
"عفوا"، توجهت الى رجل الأمن الذي جلس بالقرب من المدخل. "هناك حقيبة في الموقف". قلت متبنيا قدر استطاعتي اللهجة الأكثر إسرائيلية.
"أين؟" سأل وقام فورا من مقعده وهو ينادي لزميله أن يستبدله في المدخل. خطا رجل الأمن ورائي تجاه الحقيبة، وفي داخلي أدعو ألا يسألني أي سؤال. أعلن خلال جهاز الاتصال عن بلاغ عن جسم مشبوه وأنا فكرت في "المخربين المجرمين"، عن الضحايا، وعن صورهم المبتسمة، وتعجبت من الذي قتل عددا أكبر من الأبرياء في هذه المعادلة الدموية. وكيف كان سيبدو لو أننا عرفنا كل ضحية من الفلسطينيين، عرفنا اسمه، رأينا صورته واستمعنا الى ذويه يخبرون كيف قٌتل. لو عرفنا اسم القاتل الإسرائيلي، وما اذا كان جالسا في دبابة أطلقت النار، أو طائرة أسقطت قنبلة، خطا في أحد أزقة البلدة القديمة أم جلس في مكتبه، خطط وأعطى أمرا. لو كان على كل ضحية من الفلسطينيين مذنبون إسرائيليون فكيف كان سيبدو كل هذا؟
هل هناك قتل أكثر إنسانية من غيره؟ وهل الضغط على زر عن بُعد هو أكثر إنسانية من طعنة بالسكين؟ أنا لا أدري، حقا لا أدري. كل ما أدريه أن لا تستكبروا من فضلكم، ولا توهموا أنفسكم أنكم الأفضل. لأنكم لستم كذلك.
"هناك"، أشرت لرجل الأمن الى الحقيبة الخضراء الجميلة وقنينة الماء في كيسها. ثم أحسست، فجأة، بعطش شديد.

(ترجمتي من العبرية)

................................................................................
* أشكناز- اليهود من أصل أوروبي الذين يعتبرون النخبة السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الإسرائيلي (المترجمة).










#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباح التعصيب
- شرود
- اختفاء رباب ماردين 21
- مؤتمر اللغة الشركسية في أنقرة
- العطر
- اختفاء رباب ماردين 20
- اختفاء رباب ماردين 19
- اختفاء رباب ماردين 18
- إختفاء رباب ماردين 17
- إختفاء رباب ماردين 16
- إختفاء رباب ماردين 15
- إختفاء رباب ماردين 14
- شركس 100%
- إختفاء رباب ماردين 13
- ضميني
- إختفاء رباب ماردين 12
- اختفاء رباب ماردين 11
- إختفاء رباب ماردين 10
- إختفاء رباب ماردين 9
- إختفاء رباب ماردين 8


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - ممنوع اللمس