أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - اختفاء رباب ماردين 21















المزيد.....

اختفاء رباب ماردين 21


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 22:31
المحور: الادب والفن
    


اعترافات خطيرة

في اليوم التالي التقيت بكلوديا في الحديقة. كانت جالسة بمفردها على أحد المقاعد تقرأ كتابا. رأيتها من نافذة غرفتي وهبطت للتحدّث اليها.
"لم أرك منذ فترة طويلة." قلت لها.
فردّت بشيء من الفتور: "ألم تريني في حفلة عيد ميلاد السيد وسام؟"
"أقصد أني لم أكلّمك." صحّحت نفسي.
"هل هناك شيء؟" سألت.
ابتسمت لها بلطف، وقلت: "لقد رأيت الكابتن منصور في النادي قبل أيام وأخبرني أنك توقفت عن التدريب."
ارتبكت عيناها قليلا، ثم قالت: "فعلا. توقفت منذ مدة."
"لماذا؟"
"لم أعُد أحب التدريب."
"وماذا عن الكابتن منصور؟"
"ماذا عنه؟"
"هل توقفت عن رؤيته؟"
رفعت اليّ عينيها بنظرة باردة، وأجابت: "لم أعُد أراه."
"هل حصل شيء بينكما؟"
"لا."
ألقيت نظرة فاحصة عليها. قلت: "كان يبدو قلقا جدا ومتشوقا لرؤيتك. أظن أنه يحبك. ولكنه يظن أن هناك شخص آخر في حياتك."
"هل قال لك ذلك؟"
"نعم." أجبت. ثم أردفت سائلة: "ظننت أنك تحبينه؟!"
جذبت بطرف شفتها وقالت بشيء من الجفاء: "كنت أظن أني أحبه. ولكنني اكتشفت أن حبي له لم يكن الا إعجابا بإنجازاته."
"وهل... هناك شخص آخر في حياتك كما يظن؟" سألتها بشيء من الخبث.
وجدتها ترد ووجهها يعج بالانفعال: "لا، طبعا!"
فوجئت بنبرتها. قلت لها: "أنا آسفة. لم أقصد إزعاجك."
رأيت ملامحها تلين وهي تزفر أنفاسها. "أنا آسفة." قالت. "بتّ عصبية المزاج في الآونة الأخيرة. لم أعُد أحتمل شيئا." وكانت نبرتها تنمّ عن ضيق شديد.
"أما زلت منزعجة لأنكم ستتركون البيت؟" سألتها.
"انا لن أترك هذا البيت!" فاجأتني بحدة نبرتها مرة أخرى.
سألتها متعجبة: "ماذا ستفعلين؟"
لم ترد. ولكن نظرتها وهي تتأمل البيت الكبير أمامنا كانت لا تقل حدة عن نبرتها.

* * *

منذ أن عاد من سفره الأخير أصبح وسام يطلب لقائي أكثر من ذي قبل. وبعد ظهر أحد الأيام، كنت ألعب معه كرة المضرب. وحين جلسنا للاستراحة نشرب عصير البرتقال البارد، سألته: "قل لي، هل صحيح أن رباب هي قريبة بعيدة للعائلة؟"
التفت اليّ وسام وسأل: "أما زلت مهتمة بأمرها؟ نعم. هذا صحيح. إنها ابنة أخ والد شادية."
"وكيف تعرّف عليها حسام؟ أكانت تزوركم؟"
"نعم. كانت تأتي مع عائلتها فيقضون معنا بعض الوقت وأحيانا كانوا يبيتون عندنا ويبقون لعدة أيام. غالبا كان ذلك خلال عطلات المدرسة. وهكذا، تعرفنا كلنا عليها وعلى عائلتها. وكان لها أخ أصغر منها لا أذكر اسمه."
"وهل كانت رباب مهتمة بحسام آنذاك؟"
"كانت ما تزال صغيرة. أظن أنها كانت في الثالثة عشرة من عمرها. ولكنها، على كل حال، لم تُبدِ اهتماما تجاهه حتى حين كبُرت وأصبحت صبية."
ثم سألته: "وأنت؟"
"ماذا عني؟"
"ألم تكن مهتمة بك؟"
ارتبك أمام سؤالي. "ولِم تهتمّ بي؟"
"لأنك الأكبر والأجمل، ولا بد أنك كنت محط أنظار الفتيات اللاتي في عمرها، أم أنني مخطئة؟"
وجّه الي وسام نظرة ارتياب، وقال: "يبدو لي أنك تعرفين شيئا ما وتريدين التأكد منه."
أرخيت عيني للحظة وأنا أنتقي كلماتي بدقة، ثم رفعتهما اليه وقلت بنبرة هادئة، رائقة: "نعم. هذا صحيح. أعرف أنك كنت على علاقة معها قبل أن يتزوجها أخوك."
اكتسح الشحوب صفحة وجهه. "حسام أخبرك؟" سأل.
"لم يكن سرا!؟"
"لا. لم يكن سرا. فعلا... كانت بيننا علاقة."
"كنت تحبها؟"
لم يجرؤ على النظر الى عينيّ وهو يجيب: "كنت أحبها. كنا نحب بعضنا البعض."
"ولماذا لم تتزوجا؟"
رد وهو يشد من صدره نفسا عميقا: "لأنني لم أكن مستعدا للزواج." وبعد لحظة صمت، أضاف: "لقد انتظرتني طويلا ثم يئست وتزوجت من حسام."
"ولماذا حسام بالذات؟" قلت مستغربة. " أكانت تحبه؟"
"لا أدري." قال. "ولكن الأمر تم بسرعة. لا أفهم لِم تزوجته بهذه الطريقة. ربما لأنها كانت بائسة."
"وأنت؟ ماذا فعلت؟"
"لم أفعل شيئا. سلمت بالأمر الواقع."
"اذن كنت ما تزال تحبها وهي تحبك... حتى بعد زواجها؟!"
رفع اليّ عينين مرتبكتين ثم رد بنبرة مشحونة بالقلق: "ربما." ثم أضاف بعد تفكير: "فالحب الذي يشتعل في القلب لا ينطفئ بسرعة."
وبعد تفكير قليل، تشجعت لأسأله: "هل كان بينكما شيء... بعد ذلك؟"
ازداد اضطراب جسمه وارتباك عينيه. عرفت أن سؤالي فاجأه. قال: "لا أدري لِم تسألينني كل هذه الأسئلة، ولكنك تبدين غامضة اليوم."
"ولماذا أنت لا تحب أن تخبرني؟"
"لأني... نسيت الأمر. لا أحب التفكير في أمر قد مضى."
"قل إنك تخفي عني شيئا... أنت الذي تطلب الزواج مني."
قال جازما: "لقد انتهى كل شيء."
"اذن بإمكانك أن تكشف كل شيء." قلت بإصرار.
"أكشف... ماذا؟"
"ما تخفيه في صدرك. أحب أن تكون صريحا معي... وواثقا مني."
"أنا واثق منك يا لينة."
"وأنا سعيدة بذلك." قلت برقة باهتة.
رأيته يطرق رأسه ويسرح قليلا، وبعد لحظتين، قال باستسلام: "حسنا."
تنهد قليلا ثم فتح بقوله دون أن يرفع عينيه: "بعد أن تزوجت رباب بوقت قصير، توجهت اليّ... تستغيثني... أن أنقذها من حسام. قالت إنها أخطأت بزواجها وطلبت أن نعود. ولكن ماذا كان بإمكاني أن أفعل؟ لقد أصبحت زوجة أخي! لم يجبرها أحد على الزواج. قلت لها إن ما كان بيننا يجب أن ينتهي. ولكنها ظلت تلاحقني وأنا أشفقت عليها. وهكذا... كنا نلتقي... بالسر. وكلما قررت أن يكون لقاءنا هو الأخير عدت لأشفق عليها لأنها كانت تعاني كثيرا من قسوة حسام عليها." سكت لحظة... ثم أضاف بصوت تسللت اليه الرجفة: "وربما... كنت أحتفظ لها بحنين من بقايا حبي القديم."
رمقته بنظرة حادة... ثم قلت وأنا أهز رأسي: "ولكن ذلك... لا يجوز. هذه خيانة... وظلم لأخيك."
تقلصت ملامح وجهه فجأة وهو يرد: "أي ظلم وأية خيانة؟! هو الذي ظلم وخان حين تزوج رباب وهو يعرف أنني أحبها."
"ولكنك أنت الذي لم ترضَ الزواج منها." قلت.
"أنا لم أكن مستعدا للزواج في ذلك الوقت. وهو استغلني واستغلها." انفجر ساخطا. ثم رأيت ملامح وجهه تلتوي بمقت وهو يستأنف بلهجة باردة: "منذ صغرنا وهو يشتعل حقدا وحسدا. كان يعلم أنني أحبها وظل يحاول أخذها مني بشتى الوسائل. الى أن استطاع أن يقنعها أني لن أتزوجها وأخذها لنفسه."
"ولكنك قلت إن أحدا لم يجبرها على الزواج!"
رأيته يرميني بنظرة عتاب مشوبة بالغضب. "أنت تدافعين عنه."
"أنا فقط أذكرك بما قلت."
"بل أنت تصدقينه وأحس أيضا... أنك مهتمة به." قال وأشاح بوجهه. بعد لحظة... تابع بنبرة حزينة: "لقد رأيته وهو يراقصك في حفلة عيد ميلادي ورأيت نظراته اليك. لقد أخذ مني رباب... وها هو الآن يحاول أن يأخذك مني."
"الأمر ليس كذلك." قلت. "أنا أحاول فقط أن أنصفه."
"لماذا؟" سأل متعجبا، غاضبا.
"لأني أحس أنه تعرض للظلم."
"ظلم؟"
"طبعا. مهما كان الأمر، رباب هي زوجته وأنتما كنتما تلتقيان من وراء ظهره. وهذا ما يجعلني... ربما... أتعاطف معه."
"ولا يزعجك أنه قتلها؟!"
تفجر غضبي. "وكيف تعرف ذلك؟ مادامت جثتها لم توجد؟ ألا ترى؟ هذا ظلم آخر. كيف تكون واثقا أنه قتلها؟!"
فقال ووجهه محتدم وكأنه ينفث في وجهي كل ما اختزنه من هم ثقيل: "لأني كنت معها! كنت معها في غرفتها في نفس ذلك اليوم الذي اختفت فيه!"
جمدت في مكاني وقد شلتني الصدمة. بقيت أحدق في وجهه مذهولة، وبقي هو بوجهه الثائر، الساخط، يشحذني بعينيه.
تمتمت: "... كنت معها ... في غرفة نومها؟؟"
"نعم." سمعته يرد دون أن يتردد صوته. "ثم تركت أنا وعاد هو... وقتلها. ربما عرف بأمرنا... هاج هائجه وقتلها... ثم أخفى الجثة."

* * *

طوال تلك الليلة لم يُغمض لي جفن. بقيت غارقة في لجة أفكاري وتنتابني أوهامي. كان ذلك اعترافا هاما. لقد كان وسام بصحبة رباب بعد الظهر في غرفة نومها. ثم غادر هو وعاد حسام. كلوديا قالت إن حسام لما عاد الى البيت مساءً لم يجد رباب، ولم يرها أحد بعد أن غادرت البيت بعد الغداء بصحبة حسام. ثم عاد هو الى البيت، جهز نفسه وخرج مجددا الى الشركة. أما هي فلم تعُد ولم يرها أحد بعد ذلك. ولكن وسام كان معها في غرفتها. أي أنها عادت الى البيت بعد خروج حسام والتقت بوسام. ثم غادر وسام الغرفة وعاد حسام في المساء ولم يجدها.
إذن، لقد اختفت رباب في الوقت الذي بين مغادرة وسام وعودة حسام.
أين اختفت؟ وماذا حدث؟
هل كانت في الغرفة حين عاد حسام؟ هل أدرك حسام أن وسام كان في غرفة نومه... هاج هائجه... وقتلها؟!
تسرب الخوف الى جسدي وارتعش قلبي.
إذن كيف يشاركني حسام في بحثي عن رباب؟!

يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر اللغة الشركسية في أنقرة
- العطر
- اختفاء رباب ماردين 20
- اختفاء رباب ماردين 19
- اختفاء رباب ماردين 18
- إختفاء رباب ماردين 17
- إختفاء رباب ماردين 16
- إختفاء رباب ماردين 15
- إختفاء رباب ماردين 14
- شركس 100%
- إختفاء رباب ماردين 13
- ضميني
- إختفاء رباب ماردين 12
- اختفاء رباب ماردين 11
- إختفاء رباب ماردين 10
- إختفاء رباب ماردين 9
- إختفاء رباب ماردين 8
- إختفاء رباب ماردين 7
- اختفاء رباب ماردين 6
- الرجل غير العادي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - اختفاء رباب ماردين 21