أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - اختفاء رباب ماردين 6















المزيد.....

اختفاء رباب ماردين 6


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


الاتهام

في صباح اليوم التالي، حين دخلت الى غرفة السيدة ماردين، وجدتها راقدة في فراشها والى جانبها جلست السيدة نخايلة في مقعد قريب.
"تعالي، إجلسي بقربي يا آنسة مدنية." قالت لي السيدة ماردين.
أشارت لي السيدة نخايلة الى المقعد المقابل لها، فجلست.
"قولي لي، آنسة مدنية، هل تشعرين بالارتياح معنا في البيت؟" سألتني السيدة ماردين. وأضافت دون أن تنتظر إجابة: "إن ضايقك أي شيء او أي أحد، أرجوك أن تخبريني او تخبري السيدة نخايلة. إنها مدبرة منزل ممتازة وتعالج كل الأمور على أحسن وجه."
"أشكرك يا سيدة ماردين. هذا لطف منك." قلت.
"هل تعرّفت على حسام، ابني الأصغر؟"
"نعم. التقيت به البارحة بالصدفة."
"غدا ستتعرفين على ابنتي الوحيدة حين تأتي لزيارتنا."
"ابنتك؟"
"نعم. ابنتي شادية."
"لم أعلم أن لديك ابنة."
"إنها لا تعيش معنا منذ وقت طويل. شادية... مريضة... وتعيش في مصحة نفسية. إنها في مثل عمرك تقريبا. المسكينة شادية تأثّرت كثيرا من فقدان والدها. كانت ما تزال صغيرة جدا، لم تتجاوز الثامنة من عمرها، حين توفي والدها، وكانت متعلّقة به الى حد كبير. وبعد وفاته... تعذّبت كثيرا. فقدت شهيتها فلم تعد تقبل الأكل ولا الشرب، وأصبحت تنعزل كثيرا ولا تقبل مشاركة أترابها في اللعب ولا الحديث، حتى نحن... لم تعد تكلّم أحدا منا. وبعد مدة... باتت تتوهّم أشياء غريبة... أنها... أنها ترى... أباها... وتكلّمه... فعرضناها على الأطباء. ولكن، للأسف، لم يسطع أحد منهم فعل شيء لمساعدتها. إنها تعيش في المصحة منذ ذلك الوقت. المسكينة!"
توقفت السيدة ماردين من الكلام وأرخت عينيها، وكان من الواضح أنها تتألم لابنتها. وبعد لحظتين، أكملت: "إنها تأتي الينا من وقت الى آخر وتقضي معنا بعض الوقت. غدا ستكون هنا وتتعرفين عليها. ستكونين مكلّفة بالإشراف على أدويتها وصحتها بشكل عام."
بعد أن خرجت من غرفة السيدة ماردين، انضمت اليّ السيدة نخايلة واقترحت أن نجلس في الشرفة ونحتسي القهوة.
"أنا قلقة جدا على السيدة ماردين." قالت. "أشعر أنها ضعيفة جدا. ربما كان من الأفضل أن لا تسمح للآنسة ماردين بالمجيء الى البيت في هذا الوقت. لكنها لم تكن هنا منذ أشهر."
استغربت من كلامها، وسألت: "ألا تريد السيدة ماردين أن تراها؟"
رأيتها تمطّ شفتها، ثم قالت: "بلى، ولكن... شادية ليست متّزنة. أحيانا تفقد السيطرة تماما وتثير المشاكل، خاصة حين تتذكّر أباها. أنا خائفة على السيدة ماردين. لا أريدها أن ترهق نفسها كثيرا فهي ضعيفة وصحتها غير مستقرة."
"ألا يزورها أحد من العائلة في المصحة؟"
"ليس كثيرا. شادية لا تحب الزيارات. إنها انعزالية جدا منذ صغرها."
"حتى والدتها؟؟"
صمتت السيدة نخايلة وبدا عليها التردد. ثم قالت: "سأخبرك بشيء، وأرجو أن لا تفهمي كلامي على وجه الخطأ. منذ صغرها شادية... تفضّل أباها على أمها. كانت متعلّقة به كثيرا وهو كان... ربما... كان يحميها."
"يحميها؟! ممّن؟"
"شادية كانت غريبة الأطوار حتى قبل مرضها. كانت متمرّدة، دميمة... ووقِحة. لم تكن مثل باقي الأطفال. كانت تأبى الخضوع لأوامر السيدة ماردين. لا أدري من أين جاءت! تصوّري كيف ستشعر السيدة ماردين تجاه من لا يخضع لها، بل ويتمرد عليها، وهي طفلتها! مجرد طفلة! صدقيني حين أقول لك، كنت أحسّ أحيانا أن هذه الطفلة ستُفقدها صوابها. كم أرهقتها! كانت السيدة ماردين... ربما... تقسو على البنت قليلا. فتعلّقت البنت بأبيها الذي كان يحبّها حبا كبيرا ويحميها من كل من حولها، وهو الوحيد الذي كان يفهمها ويستطيع تهدئتها. ثم قُتل المسكين وبقيت شادية وحيدة."
"قُتل؟! أهو مات قتلا؟"
"نعم، للأسف! قتله بعض أعداء الشركة، بعد أن استطاع إنقاذ الشركة من الإفلاس وأعادها الى نجاحاتها. كان هو وعصام أخشيد من أنقذا العائلة من الانهيار."
تملّكني عطف شديد نحو الطفلة الصغيرة التي فقدت الإنسان الوحيد الذي تعلّقت به نفسها، وسط عالم نفرها ولم يفهمها... وفقدته قتلا! كم كانت الحياة قاسية عليها!
لم تفارق شادية ماردين تفكيري طوال ذلك اليوم، وكنت متشوّقة لرؤيتها.

............................................

بعد الظهر، كنت جالسة على الأرجوحة التي في الحديقة الصغيرة حين جاءت إليّ كلوديا.
"رأيتك آتية الى هنا،" قالت وهي تجلس بجواري. "وأردت التحدّث معك."
"هل هناك شيء؟" سألتها.
"لا. ولكنني لم أكن في صحبتك منذ وقت طويل." قالت.
أطلقت ضحكة خفيفة. "هل مللت من صحبة ليندا؟"
"أعترف أنني أملّ من صحبتها ولا أملّ من صحبتك، فأنت مثيهة* جدا برأيي."
ضحكت بفرح لكلامها. "هذا إطراء جميل منك يا كلوديا. لم أعرف أنني كذلك." قلت.
"ألم يسبق لأحد أن يقول لك إنك مثيهة؟" سألت بنبرة فيها غموض.
أجبتها: "في الحقيقة... لا."
رأيتها تبتسم نصف ابتسامة وتشرد بذهنها. وبعد لحظتين رفعت عينيها اليّ وقالت: "ولكن وسام ماردين... لا بد أنه يراك مثيهة، وإلا لما كان يقضي معك كل هذا الوقت."
نظرت اليها، مندهشة. لم أقُل شيئا. فقالت هي: "لقد رأيتكما أمس معا عائدين من جولتكما."
"أنا لم أرَك." قلت باستغراب.
"ربما لأنك كنت منشغلة في أمور أخرى. لم تعودي ترافقينني الى النادي كثيرا في الآونة الأخيرة."
"فعلا... ما رأيك أن نذهب غدا؟"
"ولماذا ليس اليوم؟" سألت ببراءة طفلة لحوحة.
ابتسمت لها وقلت: "حسنا. لنذهب."
ذهبت معها الى النادي، رغم أنني كنت راغبة في قضاء الوقت بمفردي لأشبع نفسي بالتفكير. ولكنني لم أرغب بخذلانها. فقررت أن أنتهز الفرصة كي أفهم منها بعض التفاصيل التي كانت تشغل بالي. قلت لها إذ كنا جالستين قرب بركة السباحة: "كلوديا، أريد أن أسألك شيئا، ولكن عديني أنك ستجاوبينني بصراحة."
"أعدك بذلك."
استجمعت كل جرأتي وسألتها: "أريد أن أفهم، لماذا تظنّين أن... أن حسام ماردين قتل زوجته؟"
بدا من ملامح وجهها أن سؤالي فاجأها. قالت: "لست وحدي من يظن ذلك." ثم أحدت نظرها الى عينيّ وقالت بحذر: "أنت مهتمة بالموضوع، أليس كذلك؟ سأقول لك شيئا، ولا أدري لِمَ أفعل ذلك... ربما لأنني أحسّ بأنك جديرة بالثقة..."
مالت اليّ بوجهها، وأكملت بصوت خفيض: "حسام ماردين كان يقسو على زوجته كثيرا. لم يكن يمرّ يوم واحد دون أن نسمع صراخه وهو يشاجرها. إنه رجل فظّ ومقيت. ورباب كانت رقيقة وحساسة وقد صبرت عليه كثيرا. حياتها معه كانت قاسية وصعبة. كان يغيب عنها كثيرا، والوقت القليل الذي يكون فيه معها في البيت يمضيه في الشجار والصراخ. لا أدري كيف كانت تتحملّه."
"ألم يتزوّجا عن حب؟" سألت باستفهام.
"لا أدري كيف تزوجا. كان زواجهما غريبا جدا. فقد غاب حسام مدة ثم عاد برفقتها وقال إنهما قد تزوجا. الكل كان يظن أنه في سفر من أجل العمل، ثم اتّضح أنه تزوجها وقضى شهر العسل معها. كان زواجا سريعا دون أي احتفال. هكذا أراد الاثنان، كما قالا. ولا ادري ما الذي دفعها للزواج."
كدت أبوح لها بأنها كانت تحبّه منذ صغرها، ثم استدركت نفسي. كنت في دهشة من كلامها. كيف يمكن أن يتحوّل كل هذا الحب الى شجار وصراخ؟! ألم يكن حسام يحبها؟ لماذا تزوجها اذن؟ ولماذا بقيا معا بهذا الوضع؟
أحسست بعطف شديد نحو رباب، الإنسانة الرقيقة، الطيبة، المحبة... التي لم تجِد لدى من أحبت سوى القسوة والشقاء. وتقزّزت من التفكير في ذلك الزوج الدنيء. أحسست بأني أمقته.
أكملت كلوديا: "وذات مساء، عاد حسام الى البيت وأخذ يسأل: أين رباب؟ ولم يعرف أحد منا مكانها ولم يرَها أحد في البيت بعد الغداء. كانا قد خرجا معا من البيت بعد الغداء، وعاد هو الى الغرفة وجهّز نفسه وعاد الى الشركة. أما هي... فلم تعُد. لم يرها أحد بعد أن خرجت معه. يبدو أنه قتلها في تلك الأثناء. ولكن محققي الشرطة لم يجدوا ضده اي دليل ولم يجدوا جثة او اي أثر لها. فأغلقوا ملفّ القضية بسرعة بتدخّل من قِبل السيدة ماردين التي لم ترغب في إثارة الضجة أكثر من ذلك، وأرادت تفادي الفضيحة."
"وهل صدّقت السيدة ماردين بأن حسام قتلها؟"
"لا أحد هنا يقول علنا بأنه القاتل، ولكن الكل يعرف أن ذلك هو ما حصل."
"وما رأي وسام بالموضوع؟"
"وسام كان أول من اتّهمه بقتلها. لقد كان متعاطفا جدا مع رباب، لأنه كان يعلم بعذابها ومعاناتها. وحين رأت السيدة ماردين أن الأمر وصل الى القتل، دفعت المحققين لإغلاق القضية. في الحقيقة، السيدة ماردين لا تحبّ حسام كثيرا. حتى من قبل اختفاء رباب. فهي كانت تفضّل وسام من بين أولادها. شادية كانت غريبة وحسام فظ. ولكنها أرادت تفادي الفضيحة. إن السمعة الطيبة مهمة جدا للعائلة وللشركة."
أذهلتني التفاصيل الجديدة التي كشفتها لي كلوديا. ليس فقط من قسوة حسام ماردين التي تبعث على التقزّز، بل من تصرف السيدة ماردين مع أولادها الثلاثة. كان ذلك غريبا حقا. كما تعجّبت من وسام. لماذا يتّهم حسام بالقتل؟! ألمجرد تعاطفه مع زوجته المعذبة؟ أم أنه يعرف شيئا ما؟ وكيف يتهم أخاه بجريمة قتل؟

يتبع...

...........................................

*مثيهة- مثيرة للاهتمام (فاروق مواسي/ البديل من العبرية- المدونة الرابعة عشرة
http://mnbrna.com/ViewArticle.aspx?Aid=3466&CatsId=11)



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل غير العادي
- إختفاء رباب ماردين 4
- اختفاء رباب ماردين 3
- شيء من دفء- قصة قصيرة
- إختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين 1
- المستعجلة
- أنا أحس
- حديقة مفتقدة
- دراجة نارية صغيرة
- ليلة خائبة
- جدي
- الحب والعاصفة 23
- كلمات حب في القمامة
- رحلتي الى باريس
- تساؤلات بريئة- الجزء الثاني
- الحب والعاصفة 22
- أنانية أنا
- ابتسامة الصباح
- الحب والعاصفة 21


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - اختفاء رباب ماردين 6