|
شيء من دفء- قصة قصيرة
حوا بطواش
كاتبة
(Hawa Batwash)
الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 12:55
المحور:
الادب والفن
أختي كريمة
لا أدري ماذا سيكون شعورك بعد أن تقرئي هذه الرسالة. أتراك ستحزنين لفراقي؟ أم تفرحين كأن هما ثقيلا أزيل عن صدرك؟ لا أدري أيهما أريدك أن تشعري. أحاسيس عجيبة تعتريني لا أدري كنهها. أنا مشتتة، محبطة، وحائرة. لا أدري لمَ فعلت بك كل ما فعلت، رغم أنك أختي الكبيرة التي ساعدتني كثيرا. ترى، ماذا كان مصيري الآن لولا مساعدتك لي إذ آويتني في بيتك وأنقذتني من أبي وإخوتي الذين يلاحقونني لقتلي لغسل العار الذي ألصقتُ بهم؟ لا أدري كيف يمكنني شكرك على مساعدتك. رغم أنها جاءت بسبب إحساسك الداهم بالظلم، وربما الندم، ورغبتك بأن تكفري عن ذنبك الذي ارتكبته بحقي حين قررت أن تكشفي أمام أبي وإخوتي علاقتي السرية مع مراد. أتعجب ما الذي خطر لك في تلك اللحظة الرهيبة ودفعك لفعل أمر فظيع كهذا؟ وكيف تجرأت لفعله دون أن تفكري بعواقبه؟ ولكن المؤكد أنها كانت لحظة فوران جنونية مرّت بك، ثوران أفقدك وعيك لجزء من الثانية. في عينيك رأيت بريقا غريبا لم أعهده فيك من قبل، كأنها الرغبة في الانتقام تتأجّج في داخلك، ذلك أن مراد الذي كنت ألتقي به سرا لم يكن سوى الرجل الذي أصبح زوجك اليوم، وهو الرجل الوحيد الذي أحببته في حياتي. الحب شعور فقدته تماما منذ أن ماتت ماما. لم أعرف هذا الشعور إلا معها... ثم مع مراد. بموتها ماتت قطعة من روحي. كنت طفلة في السابعة من العمر حين اختفت فجأة من حياتي... ضاعت مني، وظهرت لي زوجة أبي التي كرّهتني حياتي ونفسي الى حد لا يمكن لأحد تصوّره. لم أعُد أعرف طعم الحياة، لا الحب ولا الفرح. مراد كان الوحيد الذي أحببت من بعد ماما، أحببته بكل كياني ووجدت فيه شيئا من دفء افتقدته كثيرا. وأنت... أنت يا أختي كريمة، حرمتِني من ذلك الذي أحببت، وأعاد لي طعم الحياة الحلو بعد طول المرارة التي أثخنتني وكادت أن تهدني. أنت حرمتِني من الحب والدفء والسعادة التي كانت تتوق إليها نفسي. كيف فعلت ذلك بي؟ كيف حرمتني ممن أحببت دون أدنى اكتراث؟ كيف قتلت ما تبقى من روحي بهذه القسوة؟ مراد كان من حقي. أنت افترسته مني بشراسة الذئاب في الغابات المدلهمة، كأنني لست أختك ولا يجمعنا شيء. تملكتِه، تزوجتِه وذهبتِ به بعيدا... بعيدا جدا....حيث لا يمكنني الوصول. ومرة أخرى، فقدت كل شيء. مراد كان أملي الوحيد في الحياة، ضاع مني... فضاعت معه ما تبقى من روحي. هربت. لم أعد قادرة على البقاء في ذلك البيت الرهيب. لم أعد أحتمل. هربت من ذلك السجن، من سلاسل قيود أبي وإخوتي. لم أرَ أمامي خيارا آخر، ولم يعد شيء يهمّني حقا. الشوارع غابة كبيرة، قاتمة، باردة، ظالمة، لا مكان للرحمة فيها. لا شيء سوى الصراع على البقاء. ظننت أنني سأقضي بقية حياتي فيها، كنت خائبة ومستسلمة لها. وفجأة، ظهرتِ أمامي مرة أخرى. لا أدري تماما كيف عثرت عليّ. لم تقولي لي ذلك بصدق كل مرة سألتك فيها. ولكنك وجدتني ولملمتِ أيامي من غابة الوحوش البشرية. قلتِ إنك تتألمين على ما آل إليه حالي بعد الذي فعلتِ، وأنك تودين تصحيح الخطأ. وأمام إصرارك رضختُ، رغم جرحي وغضبي ... وافقتُ. سافرت معك الى بيتك البعيد إليه لن يصل أبي وإخوتي الوحوش. سكنت في بيتك... معك... ومع زوجك. حين أفكر بذلك الآن وأسترجع بذهني كل ما حدث، لست أفهم كيف طاوعتك نفسك لفعل شيء كهذا. كيف منحتِني هذه الثقة التي هي أكبر مني ومنك، وكأنك لم تعرفيني من قبل، ولم تعيشي معي في بيت واحد طوال السنين. مراد كان مرتابا من وجودي في بيته. كان من الواضح لي أن وجودي لا يعجبه ولا يرتاح له. وكان يتجنبني في كل حين، أمام ملاحقاتي ومحاولاتي للتقرب منه أبدى رفضا وجفاءً بشكل قاطع. ولكنني لم أستسلم. إنه رجل مثله ومثل غيره، لا بد أن يسقط عن برجه العالي يوما ما، عاجلا أم آجلا. كنت واثقة أنه ما زال يحتفظ لي برواسب من حبنا القديم. لم يعترف بذلك في بادئ الأمر. كان يلعب أمامي لعبة اللامبالاة التامة، كأنني مجرد امرأة بلا أنوثة، بلا جاذبية، بلا شيء. وباتت غايتي الأساسية في ذلك البيت أن أحطم تلك الكبرياء وأثبت العكس. أردته أن يعترف لي أنه لم ينسَ، وأن حبنا لم يكن هراءً، بل كان حقيقة... حقيقة كالشمس. ولا أدري كيف تحققت رغبتي في تلك الليلة الهوجاء، حين لحقتُ به، كعادتي، بعد أن استسلمتِ أنت لتعبك وذهبت الى غرفتك للنوم، ذهبتُ أنا وراءه الى الحديقة، حيث كان يختلي بنفسه، وربما كان يستتر مني. جلست جنبه في المقعد وفتحت معه الحديث ذاته مرة أخرى، ألححت عليه... ضغطت... وأثقلت عليه... مثل كل مرة، في محاولة أخرى لجرجرته في الكلام، حتى ينطق بما أردت. لا أدري حقا ماذا تغيّر وما الذي حصل في تلك الليلة، وربما ما حصل له علاقة بليالٍ أخرى سابقة، أو ربما هو شيء ما بينكما كان السبب. في كل الأحوال، في تلك الليلة، اعترف لي، أخيرا، بحبه الذي لم يذبل في قلبه ولا اختفى، وبأنه لم يكف عن حبي رغم محاولاته لتجاهله. واكتشفت كم كان متيّما بي، حتى أكثر مما ظننت وتصورت. ومنذ تلك الليلة، تغيّر كل شيء، وانقلبت الأمور رأسا على عقب. فقد بات هو من يلاحقني ويبحث عني في كل ليلة بعد أن يغيّبك النوم. كان يأتي إليّ بنفسه، بلهفة واشتياق. عندها، تحرّك شيء ما بداخلي. وربما الحب لم يكن ذلك الذي أبحث عنه، فقد كنت متيقنة تماما أنني فقدت ذلك الشعور الى الأبد. أهو الانتقام؟ ربما. كنت قد حصلت على ما أردت وتحررت من حقدي وغضبي... لم أعد أريد منه شيئا. وبدأت أحسّ بنوع من العطف نحوك. "لماذا تأتي إليّ،" سألته ليلة أمس. "وقد اخترتَ أختي بمحض رغبتك وفضلتها عليّ؟" فاجتاح الشحوب وجهه، جلس ساهما لحظات طويلة، وبقي سؤالي معلقا في الصمت. ظننت أنه لن يجيب، ولكنني وجدته يزفر أنفاسه ثم يقول: "أنا أحب كريمة، أحبها جدا. ولكن... معك... كل شيء مختلف. أنسى نفسي وأنا معك وأنسى كل شيء. أنت لا تشبهين أحدا غيرك. معك أحسّ بدفء لم أعرفه من قبل. و... أنا... أحتاجك." جفلت. شيء ما في داخلي جعلني، فجأة، أرتعب... أرتعب من نفسي... من خيانتي. لم أعد قادرة على البقاء. كل شيء قد انتهى. انقضى الخريف، وفصل آخر من حياة لا لون لها ولا طعم. ها هو الشتاء يتقدم بخطاه الكبيرة، المهيبة، ورياح تشرين لا تتسامح. سأرحل عن بيتك وأدعك تكملين حياتك مع زوجك وترتاحين مني إلى الأبد. سأعود إلى ظلام الشوارع التي تترقبني، تتربص بي، لتتلقفني كلابه وذئابه ووحوشه مرة أخرى. سأكون في مكان ما بعيد... بعيد... في لجة برد لا ينزوي، ورعب لا ينقطع، تحت رحمة غابة لا أمل فيها ولا حياة . سأهرب منك ومن إخوتي، من كل الماضي، وأواصل بحثي عن شيء من دفء.
كفر كما 19.1.13
#حوا_بطواش (هاشتاغ)
Hawa_Batwash#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إختفاء رباب ماردين 2
-
اختفاء رباب ماردين 1
-
المستعجلة
-
أنا أحس
-
حديقة مفتقدة
-
دراجة نارية صغيرة
-
ليلة خائبة
-
جدي
-
الحب والعاصفة 23
-
كلمات حب في القمامة
-
رحلتي الى باريس
-
تساؤلات بريئة- الجزء الثاني
-
الحب والعاصفة 22
-
أنانية أنا
-
ابتسامة الصباح
-
الحب والعاصفة 21
-
قوة التأثير على الناس البسطاء
-
الحب والعاصفة 20
-
عائدون الى الروضة
-
الحياة حسب ايفا ايلوز- سيد قشوع
المزيد.....
-
رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي
...
-
ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و
...
-
كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي
...
-
رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
-
لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر
...
-
-أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح
...
-
“انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف
...
-
وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا
...
-
الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار
...
-
سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو
...
المزيد.....
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|