أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - العطر














المزيد.....

العطر


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4222 - 2013 / 9 / 21 - 11:08
المحور: الادب والفن
    


منذ أيام كسرت قنينة عطر اشتريتها بالصدفة من رجل عربي متجول رآني في سيارتي على محطة الوقود. كانت هذه أول مرة في حياتي أشتري فيها قنينة عطر، ولم أكن أرغب في شرائها حقا، ولكنني اشتريتها فقط نزولا عند إلحاح الرجل الذي قام بلطفه بتنزيل هائل في سعرها الى حد خجلت أن أذهب عنه دون أن أشتريها.
لا أدري لماذا لا أشبه غيري من النساء اللاتي يحببن العطور وينفقن مئات الشواكل لشراء أجملها وأرقاها، وصرن خبيرات في معرفة الفروق بينها فيهدرن دقائق طويلة وثمينة لاختيار أفضلها. عندما أنبش الآن بذهني عن السبب المحتمل لا أجد سوى ما قالته لنا معلمة الدين في المدرسة الابتدائية في قريتي ذات يوم، إذ علمتنا أنه "حرام على البنت وضع العطر خارج البيت، أما الرجل فمسموح به بل ومرغوب".
وكم تعجبنا نحن الصغيرات من ذلك القول لأننا كنا نرى أمهاتنا وأخواتنا وعماتنا وخالاتنا وحتى معلماتنا يضعن العطر، فلماذا يفعلن ذلك إذن؟ وكيف لا يخشين من العقاب الذي ينتظرهن على فعلتهن؟
قالت إحدى زميلاتنا: "المعلمة فلانة دائما تضع العطر!"
وفي اليوم التالي حين دخلت علينا تلك المعلمة الشابة الجميلة التي قيل إنها تضع العطر كلنا فتحنا أنوفنا على مصراعيها حتى نشتم رائحتها وهي تمر بيننا للتأكد من صحة كلام زميلتنا. ولم يكن من الصعوبة علينا حقا أن تصل رائحة عطرها الى أنوفنا الصغيرة الوقحة، فأخذنا نتهامس بيننا: "حقا، إنها تضع العطر وترتكب الحرام!" ورشقناها بنظرات الاحتقار، حتى أن إحدى زميلاتنا تجرأت على إعطائها تلك الملاحظة، ولكن المعلمة الشابة فقط استنفضت ابتسامة مرتبكة من بين شفتيها ولم تعلق بشيء. توقعنا أنها قد تكف عن وضع العطر بعد ذلك الموقف المحرج ولكنها ظلت كما كانت دوما رغم كل شيء.
في ذلك الوقت كنت أسمع من معلمات الدين في المدرسة، وغير المدرسة، عن أمور كثيرة تعتبر حراما وأسمعهن يتحدثن عن العقاب والنار والعذاب ليقنعننا بعدم ارتكابها، وكنت أرى النساء من حولي يرتكبن اغلب تلك الأمور "الحرام" وعقلي الصغير لم يكن يفهم لماذا؟؟ وكلما مرت السنوات أدركت أن العديد من الناس في قريتي وفي عائلتي، وبالأخص النساء، لا يتصرفون حسب هذه التعاليم التي يعلموننا إياها ولكننا نتعلم عنها على كل حال. وبما أنني أدركت أن العديد من الأمور التي تفعلها نساء قريتي، ومن المرجّح أنني سأفعلها أنا بنفسي، تعتبر حراما وسأعاقب عليها، قررت منذ ذلك الوقت، على ما يبدو، أن بإمكاني الاستغناء على الأقل عن وضع العطر.
أحببت جدا رائحة العطر الذي اشتريته من الرجل العربي اللحوح، واستغربت كيف تشتري الناس عطورا بمئات الشواكل وهذا العطر الذي لا يبلغ سعره أكثر من 50 شيكل رائحته رائعة. حزنت جدا على كسرها.
قبل أيام حين كنت في محل في طبريا دخل رجل عربي آخر يبيع العطور وطفق يعرضها عليّ وعلى الموجودات، فرأيت نفس العطر معه. فرحت جدا وسألته ما سعره؟
فقال: "150 شيكل".
قلت له "لا، هذا غال جدا. سأعطيك 50 شيكل." فذهب عني رافضا بلا مبالاة مدهشة!!
لحقت به الى خارج المحل. كنت مصممة على استرجاع عطري المكسور ولكن ليس بذلك السعر. وبدأت بيننا مساومة على السعر. عرض علي أن أشتري كل العطور التي معه وعددها سبعة. قال: "خذيها كلها وأعطيني 250 شيكل ودعيني أرجع الى بيتي في الخليل."
قلت له: "والله وأنا أريدك أن تعود الى الخليل وسلم لي على كل أهلها ولكن ليس معي مال ولا أحتاج كل هذه العطور. أريد هذا العطر فقط!"
وبعد مد وجزر وأخذ وعطاء وعروض كثيرة من طرفه لأشتري أكثر من عطر وإصراري على شراء ذلك العطر الواحد والوحيد، أخيرا باعني اياه بلطفه بالسعر الذي أردت وارتاح قلبي على استرجاع عطري الى مكانه الآمن المستكين في الخزانة.

كفر كما
19.9.13







#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختفاء رباب ماردين 20
- اختفاء رباب ماردين 19
- اختفاء رباب ماردين 18
- إختفاء رباب ماردين 17
- إختفاء رباب ماردين 16
- إختفاء رباب ماردين 15
- إختفاء رباب ماردين 14
- شركس 100%
- إختفاء رباب ماردين 13
- ضميني
- إختفاء رباب ماردين 12
- اختفاء رباب ماردين 11
- إختفاء رباب ماردين 10
- إختفاء رباب ماردين 9
- إختفاء رباب ماردين 8
- إختفاء رباب ماردين 7
- اختفاء رباب ماردين 6
- الرجل غير العادي
- إختفاء رباب ماردين 4
- اختفاء رباب ماردين 3


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - العطر