أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 13















المزيد.....

إختفاء رباب ماردين 13


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4103 - 2013 / 5 / 25 - 19:21
المحور: الادب والفن
    


كسر الحاجز
الى جانب الرعب الذي أصابني به حديثي الأخير مع شادية ماردين، تعجّبت من أمرها الى حد بعيد. خالجني ذلك الشعور بأنها فعلا أذكى مما توقّعت. وزادني في ذلك الشعور أنها كادت أن تكشف حقيقتي! قد تكون شراهتي لمعرفة ما جرى لرباب هي التي تكاد أن تفضحني، ولكن معها كان لساني يندفع ويلحّ أكثر، ربما لأنها تختلف عن الآخرين. ولكن ذلك كاد أن يكشفني أمامها. أثار هذا الأمر قلقي الشديد، وعرفت في نفسي أن عليّ الحذر أكثر.
ذات ليلة، فوجئت بدقات على باب غرفتي. التفتّ الى الساعة فإذ بها أشرفت على العاشرة. تردّدت قليلا قبل فتح الباب. ولكنني حين فتحت وجدت فقط كلوديا التي تقف وراء الباب.
"لم تكوني نائمة، أليس كذلك؟" قالت.
"لا، أبدا. تعالي، أدخلي."
دخلت وأغلقت الباب وراءها.
"آسفة أني جئتك في وقت متأخر كهذا. أرجو أن لا أكون قد أزعجتك."
"لا، ليس هناك إزعاج. اجلسي. ماذا تحبين أن تشربي؟"
"قهوة."
تعجبت منذ متى تشرب القهوة؟! عدت مع القهوة بعد تحضيرها وجلست جنبها على الأرائك. تأملت ثياب نومها وشعرها الطويل المنفوش. كان منظرها لا يشبهها. كنت أراها دائما في أفضل ترتيب وتزيين. ويبدو أنها لاحظت استغرابي فقد سمعتها تقول وابتسامة خجولة تمرّ على شفتيها: "كنت قد ذهبت للنوم. ولكن النوم بات يهرب مني في الآونة الأخيرة."
"لست الوحيدة يا كلوديا." قلت لها.
صوّبت نحوي نظرة فاحصة. "يبدو على وجهك القلق. لم أرك كذلك من قبل." قالت.
أحسست برغبة في البوح بما في صدري من قلق. نظرت اليها. كم كانت ملامحها هادئة... فتية. إنها في عمر لا يعكر عليها صفو حياتها سوى بثور هنا او حبوب هناك، ووجهها لم تشُبه هذه ولا تلك. فكيف لها أن تفهم ما يختلج في صدري؟!
أرخيت عينيّ ولم أقل شيئا.
سمعتها تقول: "لم أعد أراك كثيرا. يبدو لي أنك مشغولة بالسيدة ماردين هذه الأيام. ولكن صحتها قد تحسنت الآن، أليس كذلك؟ إنها ما تزال قوية ومناضلة."
قلت لها بنبرة جادة: "ما مرّ عليها ليس قليلا. السيدة نخايلة كانت عزيزة عليها كثيرا."
"معك حق." قالت بشيء من الفتور، ثم سدت فمها وانغمست في الصمت.
بقيت صامتة أنا ايضا.عاودني منظر السيدة نخايلة ومنظر الدم الذي لا يفارق ذهني.
بعد لحظات طويلة... قالت: "ما زلت لا أصدق أنها قُتلت. تقول أمي إن هذا البيت أصبح مشؤوما، وقد طلبت من والدي أن ننتقل من هنا."
رفعت نظري اليها متفاجئة. "ماذا؟ هل ستتركون البيت؟"
"أنا لن أترك هذا البيت أبدا." قالت بنبرة الحزم.
"وماذا عن والدك؟ ما رأيه في الموضوع؟"
"إنه لا يمانعها فهو يفكر في ذلك منذ زمن. ولكن أنا لن أذهب معهما. سأبقى هنا."
"الى هذا الحد تحبين هذا البيت؟"
"إنه كان بيتي منذ فتحت عينيّ على الدنيا. لا أعرف بيتا آخر. سأبقى هنا."
"رغم كل ما حدث؟"
"لست جبانة مثلهما. أحب هذا المكان. إنهما لا يفهمان."
بدت لي كلوديا مضطربة للغاية، فهي تعلّقت بهذا البيت وأفراده خلال سنواتها السبع عشرة وبدت مصمّمة على البقاء.

...............................................................

بعد مرور عدة أيام، وبعد انقضاء طعام العشاء، خرجت مع حميدة أخشيد الى الشرفة لشرب القهوة، بعد أن اتّخذ الرجال الثلاثة عصام أخشيد، حسام ووسام ماردين مكاننا على الأرائك، لعقد جلسة عمل على فنجان القهوة. لاحظت أن كلوديا تركت المكان على غير عادتها.
"إنها تتعبني كثيرا هذه الأيام." قالت لي السيدة أخشيد قاصدة كلوديا بكلامها. "عرفتِ أننا سنترك البيت؟"
"سمعت ذلك من كلوديا. الأمر جاد إذن؟"
"أنا وعصام نخطّط لذلك منذ مدة. نريد أن يكون لنا بيت خاص. السيدة ماردين كانت لطيفة جدا معنا حين سمحت لنا بالسكن في بيتها. ولكنه يبقى بيتها هي وعائلتها. إننا الآن في حالة تسمح لنا شراء بيت خاص. ولكن لا أدري ماذا سأفعل مع كلوديا. إنها متعلقة جدا بهذا البيت."
"ليس من السهل لفتاة في مثل عمرها أن تنقل مكان سكنها. عليك أن تتفهمي ذلك. ولكنني متأكدة أنها ستهدأ مع الوقت. تحلي بالصبر معها. أنا أعرفها. إنها طيبة القلب ومرهفة الإحساس. امنحيها بعض الوقت."
تنهدت السيدة أخشيد ولم تضِف شيئا.
لم تطل بالجلوس واستأذنت للذهاب. كان من الواضح أنها قلقة.
بعد ذهابها، قمت من مكاني واقتربت من الدرابزين. كانت أمسية دافئة، رائقة، والسماء خالية من القمر، منثورة النجوم. تنفست هواء الليل الذي هبّ من البحر محملا برائحة الأشجار العطرة. حاولت أن أفرغ رأسي من الأفكار.
وبعد دقائق، فوجئت بصوت من خلفي.
"لماذا أحس أنك تتجنبينني يا آنسة؟" كان ذلك حسام. اقترب مني وفي يده فنجان القهوة. "أتبغضينني الى هذا الحد؟" سأل بلهجة لا تخلو من السخرية.
حدقت في عينيه وأنا أبحث عن رد لائق. بعد لحظة قلت: "إعترف أنك لم تكن لطيفا معي الى الآن."
رأيته يومئ برأسه موافقا. "فعلا. عليّ الاعتراف بذلك." قال. ثم أضاف: "ولكنني... بصراحة... لا أريد أن تبغضينني."
"وماذا تريد إذن؟" سألته مستغربة.
فكر قليلا قبل أن يرد. ثم قال: "أريد أن نكسر الحاجز بيننا."
"لماذا؟"
"لأننا نعيش في بيت واحد. ولأنني... أحس أننا سنتفاهم."
"على ماذا؟"
"على التعايش بسلم في بيت واحد. وربما... استطعنا أن نكون... أصدقاء."
قلت متعجبة: "ببساطة؟؟"
" أليس ذلك أفضل من أن نتجنب بعضنا؟"
فكرت في كلامه قليلا وأنا أدرس ملامحه. وبعد لحظات... أجبته وأنا أبتسم له بشماتة: "لا أمانع أن نبقى كما كنا الى الآن."
ارتفعت ابتسامة غريبة على شفتيه. "فهمت." قال. "معك حق. أعرف أنني لا أشدك ولا أثير نطفة من اهتمامك... كما يفعل أخي."
أدهشني كلامه. أحسست في نبرته بغيرة مبطنة. قلت: "أنت غريب الأطوار."
"وهذا ليس بجديد." رد ببساطة.
تأملت وجهه للحظات وأنا أقلب الأمر في رأسي. خالجني شعور بأن هذا الرجل، الذي نفرت منه منذ لقائنا الأول، ربما يملك وجها آخر غير الذي عرفته، وربما يكون متملقا لسبب ما أجهله. ولكنني لن أخسر شيئا إن مالقته أنا الأخرى.
قلت له: "حسن. سأبدأ بكسر الحاجز إذا سمحت."
"افعلي من فضلك."
"أنت ووسام... لا تتصرّفان كالإخوة. هناك شيء غريب بينكما. أليس ذلك صحيحا؟"
اضطربت ملامح وجهه قليلا وبدا عليها الارتباك. بعد لحظة، نظر الي وقال بجدية بالغة: "سأقول لك شيئا، ولا أدري إن كنت تعلمين... ولكننا نصف إخوة فقط."
بهتّ لكلامه. "لم أعرف ذلك." قلت.
"هذه هي الحقيقة. والد وسام كان الزوج الأول للسيدة ماردين، وكان مريضا. وبعد وفاته، تزوجت من والدي وأنجبتني. حتى شادية... ولدت من زوجها الثالث."
"لم أعرف أن السيدة ماردين تزوجت ثلاث مرات." قلت بدهشة.
"يعني أننا، نحن الثلاثة، نصف إخوة فقط، من أم واحدة. ربما لهذا نختلف كثيرا عن بعضنا البعض، وكأننا لسنا إخوة. وسام كان دائما الابن المفضل والمحبب الذي يغمر البيت بالفرح والبهجة بلطفه ودماثته وخفة ظله. هكذا كان دائما. لم يكن ملزما يوما لبذل الجهد حتى يكسب إعجاب أحد، وخاصة في محيط النساء. كانت له دوما شعبية كبيرة منذ صغره. حتى النساء اللاتي كان يصدهن كن يلاحقنه دون توقف. لا أدري لماذا. ولكنني متأكد أن بإمكانك أنت معرفة السبب أفضل مني. إنه يقضي أيامه في اللهو والمتعة. أما أنا... فلست كذلك. كنت فظا طوال حياتي. ولا أجيد كسب إعجاب أحد. أقضي أيامي في أعمال الشركة ومتاعبها ولا أعرف الدبلوماسية والدماثة واللباقة. هكذا كنت دائما. وهكذا كان هو دائما. أترين الآن الفرق بيننا؟"
"ولكنك تزوجت. ولا بد أنك كسبت إعجاب زوجتك." قلت.
انسرحت عيناه بالتفكير ولم يرد.
خيم علينا الصمت. فكرت بما يكون قد أحس وهو يرى أخاه الأكبر محببا ومفضلا وهو الذي ينفر منه الجميع. إنه لم يقل الكثير عن نفسه، ولكنني تخيلت كم هو صعب مثل هذا الأمر.
بعد لحظات... توجه الي. "أريد أن أسألك شيئا." قال بجدية تامة. "لماذا أحس أنك مهتمة برباب بشكل خاص؟"
ارتبكت قليلا. قلت بافتعال: "وهل أنا أفعل ذلك؟"
"نعم. أنت مهتمة بأمرها كثيرا وتريدين أن تعرفي عنها كل شيء."
"الكل يريد أن يعرف." قلت. ثم نظرت الى وجهه، وسألت مستغربة: "هل تعرف أنت ماذا حصل لها؟"
رد: "ربما."
صوبت نحوه نظرة صلبة، وقلت: "أخبرني، ماذا تعرف؟"
ولكنه لم يقُل شيئا.
"أتظن أنها هربت؟" سألته من جديد.
"ربما."
"وربما... ماتت؟!"
زفر أنفاسه، وأجاب: "لو كانت قد ماتت لوُجدت جثة."
"ولو كانت قد هربت، فما الدافع؟"
"أنت تسألين أسئلة تحتاج إجاباتها الى معرفة شاملة للأحداث."
"أخبرني اذن."
نظر الي نظرة حادة، طاعنة، ولم يقل شيئا.
فقلت برقة: "ألم نتفق أن نكسر الحاجز؟"
"وقد كسرناه. فوجدتك مهتمة برباب أكثر مما تصورت."
قلت وأنا أحاول إخفاء ارتباكي: "أعترف أنني أفعل ذلك. أريد أن أعرف ما حدث معها في هذا البيت."
"لماذا؟" سأل بتعجب شديد.
"لأنني..." تمتمت. "... أحب أن أعرف. إنه الفضول. أنت كنت زوجها... أعني أنك مازلت زوجها. لا بد أنك تعرف شيئا."
"أنت تفاجئينني يا آنسة مدنية."
"ألا تريد أن نكون... أصدقاء؟"
"أصدقاء؟"
"ألم تكن أنت من اقترح ذلك قبل قليل؟"
"ماذا تعنين بالضبط... بأصدقاء؟" سأل بارتياب.
"أعني أصدقاء... يتبادلون الثقة."
"ولكنني أحس أن من وراء اهتمامك وفضولك سرا لا تكشفين عنه. وكأنك... كأنك كنت تعرفين رباب!"
ارتعش قلبي لسماع ذلك وأحسست أن وجهي قد امتقع. لم أتفوّه بكلمة.
ثم قال برقة لم أعهدها فيه: "لِم لا تخبرينني ما تخفين عنا؟"
تأملته بدقة. "ما زلت لا أعرفك." قلت له.
أومأ رأسه بتفهم ولم يقل شيئا. وبعد لحظة من التفكير سأل بفضول: "هل يعرف وسام بالأمر؟"
"لا."
"لماذا؟"
وبعد شيء من التفكير... أجبت: "لسنا أصدقاء الى هذا الحد."
لمحت ابتسامة غامضة تعبر شفتيه، وكأنه كان سعيدا لسماع قولي. وفي الحقيقة، كنت سعيدة أنا أيضا. اكتشفت في ذلك الرجل وجها آخر لم أكن أراه من قبل. وكنت سعيدة لما زوّدني به من معلومات جديدة. لمست فيه رقة لم أعهدها من قبل، والرجل الفظ، الشامت والمقيت اختفى كأنه لم يكن.
وجدت نفسي متعاطفة معه ورأيي فيه كاد أن يتغير... الى أن ظهر ناظم ماردين.

يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضميني
- إختفاء رباب ماردين 12
- اختفاء رباب ماردين 11
- إختفاء رباب ماردين 10
- إختفاء رباب ماردين 9
- إختفاء رباب ماردين 8
- إختفاء رباب ماردين 7
- اختفاء رباب ماردين 6
- الرجل غير العادي
- إختفاء رباب ماردين 4
- اختفاء رباب ماردين 3
- شيء من دفء- قصة قصيرة
- إختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين 1
- المستعجلة
- أنا أحس
- حديقة مفتقدة
- دراجة نارية صغيرة
- ليلة خائبة
- جدي


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 13