أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - ذكرياتي مع العيد الكبير !! (4)















المزيد.....

ذكرياتي مع العيد الكبير !! (4)


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 15:22
المحور: المجتمع المدني
    


الحرف الموسمية .
الأعياد لا تخلف مواعيدها ، تتأقلم مع المواسم ، وترتدي شكل صبغات مختلف الفصول المتعاقبة ، فتكون لها في الصيف نكهة خاصة مختلف تماماً عن طعمها في فصل الشتاء ، ورغم كل ذلك التبدل والتغير والتأقلم ، تبقى مناسبة سانحة لبروز العديد من الحرف البسيطة الموسمية المصاحبة لها ، والتي تنتشر بالمدن والقرى المغربية ، بين القديم المترسخ بحكم طقوس وعادات كل منطقة ، وبين الحديث والمستحدث المتجدد وفق متطلبات وحاجات الناس ، وبين إكراهات الواقع المعاش ، والتي تكثر بشكل ملفت بحلول هذا العيد أو غيره ..
تتميزُ المهن الموسمية بكونها غير مُهَيكلة ولا منظمة ، وبسيطة ، وظرفية ، وقليلة التكلفة ، وتَدُرُ ربحاً يعتبر جيداً نسبياً ، ولا يؤثر مداخيلها الضعيفة والمحدودة بزمان المناسبة الوجيز ، إيجاباً في ممارسيها ، وحتى لو ارتفعت في بعضها كما هو الحال مع العيدين الكبير وعيد الفطر وشهر رمضان وعاشوراء مثلا ، فإن توزيعها على باقي شهور السنة ، يجعل عائدها ضئيلاً لا يكفي لسد حاجيات الأسر ، ويكرس حالة الفاقة والحرمان داخل المجتمع المغربي الذي تشعر الغالبية العظمى من أسره بالحرج عند حلول الأعياد باعتبارها مناسبات تتطلب حاجات استهلاكية إضافية ومصاريف زائدة ومتعددة ، بسبب ما تثيره فيهم نشوة تلك المناسبات من رغبة في الانشراح والمسرة ، والانعتاق من التيبس والشح الذي يفرضه العوز وقلة الدخل طيلة السنة ، وطرح الكآبة والملل جانباً ، والعيش أيام العيد كما يروق للناس أن يعيشوها ، ينفقون خلالها بلا قيود .. وإذا كان هذا امل الراشدين في الأعياد ، فما بال الأطفال والفتيان ، وهم المنذورون للفرح والتحرر من القيود بحكم براءتهم وبداهتهم ، والانشراح الذي يكمن في دخيلتهم وأشواقهم لبهجة وكرم العيد الذي لا تحدها حدود ،والتي لا يملك أحد من الكبار حرمانهم من الاحتفال بها مهما ضاقت بهم الأحوال ، وتعسرت الأمور ، وألقت الأوضاع الاقتصادية الصعبة بظلالها ، وزادت من حاجة الطبقة الفقيرة إلى المداخل الإضافية لتوفير متطلبات العيد الذي يدفع بالعديد من العاطلين وصغار الموظفين إلى تحويل نشاطهم ضمن إطار هذه المهن الموسمية لسد بعض العجز وتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات والمتطلبات الحياتية الملحة.
فما أن يطل شهر ذو الحجة من كل عام ، بل وقبل ذلك بكثير، حتى تظهر العديد من المهن المقترنة به ، ويتسابق إلى مزاولتها -التي تستوجبه المغامرة تجارية ، وتتطلب الخفة والشطارة - جيوش العاطلين والمعطلين والمياومين وحتى صغار الموظفين ، الذين يَعمَدُ بعضُهم إلى أخذ إجازات من الوظيفتهم ، لتوفير المصاريف التي تفرضها عادات العيد على بسطاء الناس وفقرائهم ..
ومن يعاين المهن الموسمية ، التي رسخت في هذه الأعياد وجودها الموسمي ، واتخذت لها مكانة خاصة ضمن طقوسه ، والتي يجد فيها هؤلاء الرجال والنساء مهربا من نار البطالة ولو بشكل مؤقت ، لاشك سيجدها أن ممارستها تبدأََ قبيل حلول العيد بنحو عشرة أيام او أكثر ، بحركة تجارية نشطة ، بضاعتها الاغنام التي تسر الخاطر وتمتع النفس ، ويسهل الحصول عليها وبمختلف الاسعار -رغم ما تعرفه أثمانها من تزايد عاما بعد عام - ومن مختلف الأنواع والأصناف المتوفرة بكثرة (والحمد لله) في كل الأسواق من "السردي و البركي وتيمحضيت ، والدمان و..." كم كنت ، وأنا صغير ، أستمتع بالتجوال ، مع والدي رحمة الله عليه ، في ربوع تلك السواق الشاسعة ، التي كانت تملأ كافة ساحات المدن وشوارعها ، أتأمل مشاهد الأسواق المكتظة بالناس الباحثين عن الخروف المطلوبة ذي الجودة العالية والثمن الرخيص ، وأتتبع عمليات البيع والشراء المبنية على "الشطارة" والمساومة التي كان يحكمها منطق "الله يجعل الغفلة ما بين البايع والشاري "..
مرورا بتجارة التوابل التي كانت تلقى رواجا كبيرا في هذه المناسبة ، فتتحول معها أزقة وشوارع المدن إلى متاجر مفتوحة ، تلبي رغبة وحرص الأسر المغربية على اقتناء مختلف صنوفها المستخدمة في تحضير الوجبات الخاصة بالعيد مثل "المروزية" والتقلية "طهي أحشاء الخروف " وتقداد اللحم ، أي تجفيفه تحت أشعة الشمس ، فضلا عن أكلات أخرى كثيرة تختلف من منطقة الى أخرى .
وإلى جانب كل هذه المهن التجارية ، تنتشر مهن جدماتية موسمية أخرى مرتبطة بالعيد ارتباطا عضويا ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، بيع السكاكين وآلات الذبح والسلخ والتقطيع والشوايات والقضبان الحديدية المحلية الصنع والمجلوبة ، وخاصة منها الصينية الصنع التي أغرقت السوق المغربية ، وشحد السكاكين ، إلى جانب بيع علف الأغنام الفحم وغيرها من لوازم العيد الخاصة والمتعلقة بالأكل من الأواني التوابل والخضر والفواكه الطرية والجافة التي يكثر عليها الإقبال و تمتلئ بها الأسواق وتفيض عنها لتحتل كل شوارع وأزقة الأحياء الشعبية وحتى الراقية للمدن المغربية .
وصولا إلى المهنة العجيبة والغريبة والتي ربما لا يمكن ان نصادفها إلا في بلادنا ، والمتمثل في عملية تشواط رؤوس الأضاحي أي شيها ، والتي لا يجد أكثرية المغاربة غضاضة في اللجوء إليها للتخلص من عناء شواء رأس وأرجل الأضحية ، التي كانت ربات البيوت يقمن بها بأنفسهن بعيدا عن الاستعانة بتلك الخدمة ، التي يقوم بها شباب كل الأحياء شعبية بإشعال النار في الصناديق الخشبية المهترئة وجذوع الشجار ، بوسط الأحياء ، وعلى قارعة شوارع المدن لشواء رؤوس الأضاحي مقابل اجر زهيد.
في هذا العيد ، وغيره من الأعياد ، يتحول آلاف الناس ومن كل الفئات والأعمار ، أطفالا وشبابا وحتى الكهول وربات البيوت والمطلقات والمتقاعدون ، إلى تجار صغار يملؤون أرصفة شوارع المدن المغربية وأزقتها وحتى أبواب المنازل ببسطات -"تفريشات" كما يسميها الباعة المتجولون - يعرضون عليها جميع أنواع السلع المجلوبة منها والمحلية وكل ما استطاعت عبقريتهم إنتاجه لمثل هذه المناسبات ، وتماشياً مع أجوائها الروحانية.
وحتى الحمالة "أولاد سيدي عيسى" يجدون ضالتهم هم أيضا في هذه الأجواء التي لا يُستغنى فيها عن خدماتهم التي يحضر فيها الجانب الثقافي الذي يربط المغرب بالحضارة العربية والإسلامية ، حيث يعيدون بذاكرة المغاربة إلى فترات تاريخية مضت كان فيها اولاد سيدي عيسى يحترفون نقل "التقدية" أو "القفة" او "السخرة" إلى البيوت مقابل عطايا ومكافآت مادية يتلقونها من السكان ، وفي زمن لم تكن فيه وسائل النقل والتنقل الحديثة موجودة .
يرى الكثير من العاطلين وحتى بعض المشتغلين في الأعمال المناسباتية غير المنظمة ، وما أكثرهم ، أن العيد الكبير يعود كل سنة ، ببركته على الجميع ، حيث يجد خلاله من لا مهنة له عملا وإن كانت مؤقتة ، يحصل منه على مدخول يساعده في إدخال بهجة العيد على أطفاله . لكنه في ذات الوقت يفضح الوضعية الهشة التي تعرفها جل الأوساط مع البطالة المقنعة وارتفاع غلاء المعيشة وانعدام قدرة متوسطي الدخل على مجابهة المصاريف العاتية ، وتبقي كلها الحلولا فردية موسمية مؤقتة تحتاج لحلول جذرية تَحُول دون تَحوّلِ نصف المغاربة إلى باعة متجولين يجوبون الشوارع وينشرون "بسطاتهم" وأكشاكهم المتجولة المجرورة والمحمولة في كافة شوارع وأزقة المدن ، وهم يصدحون في كل مكان ، وأمام حوانيت التجار الرسميين القارين لترويج بضاعتهم الأقل ثمنا من مثيلاتها المعروضة بالمحلات التجارية المرخصة ، وفي منافسة غير متكافئة مع التجار المرهقين بالضرائب ، وتواطؤ مع السلطة التي تغض الطرف عن المتجولين ، بدعوى قدسية المناسبة ، وتبيح لهم استغلال الأرصفة في كل الأمكنة لعرض بضاعتهم ، ما يتسبب في كساد نسبي للتجار في مثل هذه المناسبات ، وغيرها كثير .. ويرى بعض خبراء الاقتصادي أن انتشار هذه المهن المناسباتية وممارسة الشباب المغربي لها يبرز بوضوح مدى استفحال البطالة المقنعة بالبلاد ، وهيمنة القطاعات غير المُهَيكلة على الاقتصاد المغربي.
والى حلقة اخرى من ذكرياتي مع العيد الكبير..



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرياتي مع العيد الكبير !! (3)
- بين المقاصة والمقايسة ، ضاعت المنافسة !!
- ذكرياتي مع العيد الكبير !! (2)
- ذكرياتي مع العيد الكبير !!
- التعليم الأولي المغربي السقيم !!
- -من شر البلية ما يضحك-(5)
- العيد الكبير والمقايسة !!
- رياض الأطفال بعد الخطاب الملكي السامي عن التعليم !!
- هل هي مقايسة أم مسايفة ؟؟
- تجربتي مع التعليم .
- لا مصالحة مع من خان وطنه !!
- عيد المعلم
- ومن شر البلية ما أضحك .4 الجزء الرابع
- الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !
- ومن شر البلية ما أضحك !الجزء الثالث .
- ومن شر البلية ما أضحك !.الجزء الثاني
- ومن شر البلية ما أضحك !.
- حقيقة شعار - الأصابع الاربعة- ؟؟
- أفضل لحظات استرجاع الذكريات .
- ردا على أصوات ناشزة !


المزيد.....




- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...
- ممثلية إيران: القمع لن يُسكت المدافعين عن حقوق الإنسان
- الأمم المتحدة: رفع ملايين الأطنان من أنقاض المباني في غزة قد ...
- الأمم المتحدة تغلق ملف الاتهامات الإسرائيلية لأونروا بسبب غي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - ذكرياتي مع العيد الكبير !! (4)