داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 13:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدستور والأخلاق
داود روفائيل خشبة
مواد الدستور التى تخرج إلينا من لجنة الخمسين تمتلئ بذكر الأخلاق والدين والأصول والتقاليد وقيم الأسرة المصرية (ليست أمامى النصوص فأنا أذكر ما توافينى به الذاكرة). وفى هذا خطر يجب أن نتنبّه له، إذ يفتح بابا واسعا لتقييد الحريات والحقوق بزعم حماية الأخلاق ومراعاة الدين، إلى آخر هذه الذرائع.
ليس القصد من الدستور أن يؤسس الأخلاق. الأخلاق ينشئها المجتمع. أما الدستور فالمطلوب منه تحديد سلطات ومؤسسات الدولة (وليس المجتمع) وبيان اختصاصاتها وعلاقاتها فيما بينها.
وأجده لزاما علىّ أن أكرّر ما أعلنه دائما، فأنا لا أدعى علما ولا خبرة بشئون الدساتير والقوانين أو السياسة فى عمومها. إنما أتكلم كمواطن لا أريد من الدستور أو القانون أن يتحكم فى أخلاقياتى، إنما أريد من الدستور والقانون أن يحدد علاقاتى ببقية المواطنين وعلاقة بقية المواطنين بى، ما حقوقى وما التزاماتى تجاههم وتجاه سلطات ومؤسسات الدولة، وما التزامات سلطات ومؤسسات الدولة تجاهى وتجاه بقية المواطنين.
فِعْلِى الذى يؤثر على غيرى، هذا يخضع للقانون. أما أن أحبّ أو أن أكره، أن أكون فاضلا أو أن أكون بؤرة رذيلة، فهذا شأن يخصّنى وحدى. من حق بقية المواطنين أن يحترمونى أو أن يحتقرونى، أن يصادقونى أو أن ينبذونى، ولكنْ أخلاقى وسلوكياتى التى لا تمسّ الآخرين ليس لأحد أن يُخضِعها لقانون. لا تخضع أخلاقى للقانون إلا حين ينشأ عن هذه الأخلاق فِعْل يؤثر على الآخرين.
إقحام الأخلاق فى الدستور شىء قد نفرح به ونتباهى به، لكنه شىء يمكن أن يساء استغلاله ليتيح لمن يدعون لأنفسهم أنهم حَفـَظـَة الفضيلة والأخلاق أن يستلبوا حرياتنا وحقوقنا.
يجب أن نميّز تماما دور ووظيفة المجتمع عن دور ووظيفة الدولة. المجتمع يكرم أو يدين، يستحسن أو يستقبح، يحبّذ أو يستهجن، فى مجالات الأخلاق والجماليات والذوق العام، لكنه فى كل ذلك لا يحق له أن ينتقص من حرّيات وحقوق المواطنين. هذا بالضبط هو ما يميّز الدولة المدنية الحضارية عن القبيلة ذات السلطة الأبوية الاستبدادية. الدولة لها أن تقسر وأن تعاقب حين يقترف المواطن فِعْلا فية اعتداء على حريات وحقوق الآخرين. ما أقول به هنا هو بعد آخر من أبعاد فصل الدين عن الدولة.
القاهرة، 29 أكتوبر 2013
http://khashaba.blogspot.com
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟