|
بؤرةُ الوهمِ قديماً
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 06:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمثل بؤرة الوهم الأيديولوجية ملتقى الآمال الشعبية والطليعية بتوقع التحولات الإيجابية في المجتمع. وفي حقبة ظهور الإسلام كانت الفترة واعدةً مفصلية لتقدم الوحدة والسعادة للناس أجمعين. إن الدين حين يكون دولةً سياسية تبدو ممثلة للأمة، وهو أمرٌ تحقق في البداية التأسيسية، لكن عبر إجراءات سياسية كانتخاب الحاكم وجعل المُلكية العامة قائدة لكن هذه الإجراءات لم تُقبل كجوهر للدولة، وهو أمر سوف يكرسه الوعي الديني السائد. إن صيغةَ الدولة الدينية تغلبت على صيغة الدولة المدنية غير الدينية، وضمت الدولة الدينية كل الموروث في ذات الحقبة ورغم أن الجوهر السياسي لها كان معروفاً وسائداً في وعي الأولين، فإن التطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية طمست ذلك وصارت الدولة الدينية ذات أسس كثيرة وخاصة مسائل الإيمان والكفر والأركان الخمسة وجوانب الفقه المختلفة. لقد تمت تنحية طابع الدولة السياسي الأولي لصالح دولة دينية تُحسم المواقف فيها قضايا الإيمان. صار ذلك هو السياج الذي يؤطر الدولة والمنتمين لها. إن دولة الديانة المعمّمة المجردة تغلبت على دولة المواطنة اللادينية. فأي دخول قولي في دولة الديانة للحصول على الجنسية فيها، ولهذا أصبحت قضية الإيمان والكفر حاسمة. إن ذلك سوف يشكل بؤرةَ الوهم الرئيسية عبر قرون، فعبر الوعي السائد سوف يكون ذلك قياماً لجنة أرضية، فما دام الناس ذوي إيمان فالوعد بالتقدم والسعادة والخير للجميع سوف يتحقق كما بشر سائد الدينِ بذلك. لكن ذلك لم يتحقق. لقد حدثت منجزاتٌ ضخمة؛ توحيد القبائل وقيام دولة كبيرة، وتبدلت وسائل العيش المحدودة للصحراء العربية، وازدهرت مدنٌ جديدة، وانفتحت آفاقُ البلدان للقبائل المحصورة في الجزيرة العربية. لقد صُطدم الوعي السائد لدى المثقفين الدينيين من هذا التناقض، فرغم دخول الناس في الدين جماعات وشعوباً إلا أن الكوارث قد تتالت، فقام حكمٌ عضوضٌ، وتفاقمت الصراعات على الحكم ونشبت حروبٌ ضارية وضُربت مكة والكعبة فيها، وتحولت الفتوحات إلى حروب غنائم أثرتْ السلطات وكبار التجار وملاك العبيد منها، وتدنت مكانة النساء والفقراء وشعوب البلدان المتفوحة إلى آخر هذه الظاهرات التي بدت مروعة. لكن هذه الظاهرات لم تكن بلا أسباب وبلا مقدمات، فقد اضطربت مُلكية الدولة في عهد الخليفة الراشد الثالث، وتفجرت الصراعاتُ على السلطة فيما عُرف بالفتنة الكبرى، وقفز إليها من جنّد أكبر عددٍ من الجند الجزيلة رواتبهم، وتوارى من ضحى وصعد من نافق وارتشى. حدث تناقضٌ هائلٌ بين الآمال والواقع، فوقع الوعي الديني في اضطراب مماثل. وإذا كانت النصوصية وعرض البارز من الممارسة الفقهية هو دور الأئمة الأولين مع رفض ممارسة استبداد الحكام، فقد كان هؤلاء نادرون واختصاصيون ومن غير الممكن أن تكون ثقافتهم جماهيرية مؤثرة في نفي التناقض بين الحلم والواقع، ولهذا فقد ظهر نمطٌ من الوعي الديني سياسي ومعارض بشكل أكبر. إن هذا الوعي السياسي واصل طابع الدولة الدينية، فرغم إنه نشأ في الأقاليم المضطهدة وبين العامة والمثقفين فإنه عبر عن الدولة الشمولية كذلك. إنه لم يدرس طبيعة التناقض السياسي الاجتماعي بين الحكم الأولي والتالي، وبدأ يقرأ الوضع السياسي من خلال المقولات الدينية، مقولات الإيمان والكفر، لا مقولات المواطنة. فالدولة راحت تميز الناسَ من خلال هاتين المقولتين، وغدت المعارضة تقوم بذلك أيضاً، وصارت الدولة والمعارضة تشتركان في رؤية واحدة، ولهذا غدت الفرق دينيةً ذات تفاسير مختلفة. وإذا تجمعت بؤر التيارات في مسألة (مرتكب الكبيرة أهو مؤمن أم كافر؟) فإن ذلك يعني بدايات نسف الدولة الواحدة. فمرتكب الكبيرة لدى فرق الخوارج وبعض الإماميين هو كافر، وهذا الحكم استمر حتى ظهور فرقة المعتزلة التي قالت هو (في منزلة بين منزلتين)، وإذا كانت المسألة تعني الحكام وكبار المنتفعين بالثروة العامة ومبدديها، فإن ذلك يعني إما العمل داخل المجتمع لتطوير ظروفه، وإما تشكيل نظام آخر يهدم النظام الحالي. لقد التقت الفِرقُ في بؤرة وهم أيديولوجية واحدة مثل مظلة النظام الفكرية السياسية، فعبر مسألة ضميرية يتم ليس نفي حرية المواطن بل زعزعة كيان المجتمع. فإذا توجهت الفرق المتشددة لتشكيل دول أخرى، فإن المعتزلة وقعت في شباك الوعي الديني الاستبدادي، عبر إنتاج ثقافة فرقة دينية جديدة، وفيما المكفرون يهدمون الدولة من الخارج فالمعتزلة تهدمها من الداخل، بدلاً من إنتاج ثقافة المواطنة النقدية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سحرُ البيانِ
-
القمة المضطربة لأمريكا
-
مصطلحُ (الحرة) الاقتصادي الاجتماعي
-
المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب(2-2)
-
المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب (1-2)
-
في التطورِ العربي العام
-
ضد الانحدار المشترك
-
في جدلِ المعارضة
-
عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه (2)
-
عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه (1-2)
-
نقابيةٌ مستقبليةٌ
-
تراكمُ الإرثِ النضالي
-
الشباب والماضي
-
السيرُ للوراء
-
حين تتسعُ الرؤيةُ تتطورُ العبارةُ
-
علاقاتُ الوعيين القومي والديني
-
القوميون في الخليج (2)
-
الحركةُ القوميةُ في الخليج (1)
-
الإيديولوجيا والواقع في الخليج
-
العداءُ للرأسماليةِ في الخليج
المزيد.....
-
يستمتعان بأشعة الشمس معًا.. تعرفوا على الرجل الذي يسبح مع تم
...
-
تقرير يكشف ما تفعله إسرائيل بمدارس تستخدم ملاجئا والجيش يرد
...
-
كيف لعب الحظ دوراً في نجاة مدينة من القنبلة الذرية مرتين؟
-
التعريفات الأميركية الجديدة تدخل حيّز التنفيذ.. وترامب يحتفي
...
-
خطة نتنياهو لاحتلال غزة: خمس فرق عسكرية وتهجير مليون مدني
-
عراقجي يُعلّق على قرار الحكومة اللبنانية بشأن السلاح: أُعيد
...
-
التهميش المجتمعي
-
عُمان .. تسلق الجبال هواية أم تهور؟
-
إسرائيل تصادق على مخططات لإنشاء ثلاثة مستوطنات جديدة في الضف
...
-
ترامب يهدد باستدعاء الحرس الوطني لضبط الأمن في واشنطن
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|