أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - رفة شبح في الظهيرة - 2013 شعر / مؤمن سمير















المزيد.....



ديوان - رفة شبح في الظهيرة - 2013 شعر / مؤمن سمير


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 20:21
المحور: الادب والفن
    


رَفَّةُ شَبَحٍ في الظهيرةِ

شـعـر
مـؤمن سـمير
دراسـة : د/ محمــد عــزت

تم نشر الكتاب في الهيئة المصرية العامة للكتاب 2013



" ليسَ النهارُ
سوى إبطال
لنورنِا نحنُ ... "

ماريان ناكيتش


تم تدوين النصـوصِ في ديسمبر ،
الممتد من 1999 وحتى 2001 ...



I

يَحيكُ الظِلالَ وأرتديها



مونولوج

أعطني حفرةً
في قلبِكَ ....
....
لأطفو ..




ضرورةُ الرملِ

صيفٌ
قد لا ينحتُ الموسيقى ،
المُندَّاة من عندِ لُهاثي ..
لكنهُ لن يقنِصَ
مُكْتَنِزَاً ،
يومئُ
في رعبِ الأسلافِ ......





بَسْمَةُ اللهِ

لم يَحُلْ
دون أن تصنع له فطيرةً من سخونةِ دمائِها
أو أن تُزَيِّنَها بحلمتَيْها
أنها بلا سقفٍ ولا طائرٍ ..

....... ولا أن تهِبَ جسدها كلَ مطرٍ ،
.. لبسمةٍ عريضةٍ ..
.. لظِلٍّ
في حانةٍ ...
...........



الفرصة
لا أريدُ شيئاً كثيراً ..
لا عدةَ أشباحٍ
ألحق بهم بَلعتيْ النورِ
ولا أن يمنحني المُتَجَهِّمُ
مَرايَاهُ لنصفِ عمرٍ ..
، الغيمةَ التي تستخفُّ بالمراكبِ ..
، وخيالي الذي لن أشوفَهُ
يجوسُ سماءَ الجيرانِ
ونيرانِهم
..........
ما أريدهُ شيءٌ أبسطَ من ذلكَ ..

ألا تزاحموني في الصورةِ ..

البليغةِ ،
كأنها قسوتُكِ ...



وهكذا . يَقتفونَ أثَرَنَا

بالرغم من أنني أُحِسُّهُ يبالغُ حقاً
قُدَّامَ حوائطِهِ والمدفأةِ
لم أحرمه متعتَهُ الصغيرةَ
: أن أحيكَ الظلالَ
كلما فات الخشبيونَ
وأن أَحوطَ جَناحَ
النافذةِ ،

للمثقوبينَ
بالمحبةِ ....



الأحمر

كانت في الشمس نقطةٌ سوداءُ
أتراهنُ مع الظِلِّ
على من يحرقها
بركلةٍ ،

أو بعمْرٍ ..




العظــيم

نشيرُ لَهُ
عَليْنَا
و ننامُ دونَ حقد ..




من أعلى

كانت رائعةً جداً وعاقلةً
عندما أخفت رسمَ السِكِّينِ تحتَ الوسادةِ .
لاحِظ
أنها أعطت للمَلاكَاتِ فرصةَ التسلُّلِ
والفضولِ ..
للأسماكِ أن تبيتَ في صدرها ..

و للظلِّ ثقوباً ،
يطلُعُ منها
الرقصُ ...
.......






بقايا غِبْطَةٍ

تُحِسُّ بكلِ هذا الضوءِ
عندما تلمحُ الضحكةَ الخضراءَ
تحتَ سجادتِها ..
لكنَّ الطائرَ المتيبِّسَ
يشي الآن بالرعشةِ
و العيونُ غادرت نحو
جِلْدِكَ ،

على شَمَّاعةِ القنصِ ........




.. من كلِ عامٍ

اتركها تقتل ما تريد
لكن لا تبتئس بَرِيَّاتُكَ
أو يتناثرَ الشتاءُ
خارجَ ملابسكَ ..

ناور شَبَحكَ ،
.. من قلبِهِ
.. من صوفِ يقينِهِ ..
وامحني ،
قبلَ المرآةِ ...




الوصــيةُ

تتمناهُ بشدة
ذاكَ المنقوشُ عليهِ
بعددِ سنينِ العمرِ .
وعندما صارت شبيهتَهُ
صاحَبت طراوةَ الكابوسِ
وصارت تحزنُ أقل ..
: العجوزُ التي كَفَّنوها بالبَرْدِ
وابتسَمت ،
لطائرٍ
ماكرٍ ....





حكمةُ البورتريه

... ثم لن يمضيَ سَيْلٌ سَمينٌ
إلا وقد لَبِسَ اللونُ خيمتَهُ ...،

وحَفَّ
ذاكرتَهُ ...،

كأنهُ
نفسُ
الظِلِّ ..



دَفعَةً واحدةً ... لا تدحرج العمرَ كثيراً
• هو قاتِلٌ ، لا جِدالَ في ذلكَ
لكنهُ سيندمُ ، كزورقِهِ وأوراقِهِ
لأنه لم يستمع إليَّ ،
و مَسَّدَها قربَ التشفي ..
وسابَ للجَدَّ ..،
دَوَّاماتَيْنِ ...

• أيها القرصانُ .. لا تصمت .. يا أبي
ولا تبني الغاباتِ
في خلفيةِ الذكرى ..
أنت الآن تَنْهََشُ القبعةَ ، بصَخَبٍ ..

القبعةُ التي من الوَخْزِ ،
والتي تسترني ..
• من أجلي
اليومَ فقط ـ
: رُدَّ عليَّ بَسْمَةِ الميتِ
قبل أن تفوتَ الريحُ ..
...............




الذي هناكَ

الذي خلفَ الظِلِّ المنكسرِ
والذي جاهدتُ سنواتٍ
لأصافحَ عينيهِ ..
لم يكن في حاجةٍ ماسةٍ
إلى كلِ هذا الظلامِ ..،
لأشُمَّ
عبادتَهُ
لغيري ..




البعيدُ هنا

الأكاذيبُ الأصغر
والأسرارُ الأصغر
الذين نهشونا مسافاتٍ وخَرائِطَ
في البحيرةِ ...........
نرتعش من ملوحتِكم ..
....................
نُطَيِّرُ عُشَّكم كلَ صحراءَ ..
.......................
نحبُّكم ..






لمعةُ شيخِ الجامعِ

الشيطانُ العظيمُ ....،

لماذا تقفُ بعيداً
ولا تجرِّبُ ارتعاشَ اليدينِ ..
الجميلَ
الجميلَ ؟



من الجنةِ ، بإزاءِ الأرضِ

السماء خاليةٌ ،
كأنما الكبيرُ
سيهبطُ حالاً .
..................
كلُ عشرِ خطواتٍ ،
نخطِفُ نظرةً .
...................
في آخرِ الطريقِ
نسينا نظرةَ امتنانٍ ..

عَلَّ كلباً طيباً ،

يَتَعثَّرُ
فيها ..




II


أَجُوسُ في صدقي المُؤَجَّلِ ، بابتهاجٍ حَقيقيّْ


يؤدونَ الخدمةَ العسكريةَ

تقابلهم في السياراتِ ، رؤوسهم محلوقةٌ ، والتراب يسقطُ من نظراتِهم .
دقائق وينامونَ على أكتافِ بعضهم
لكنَّ العيونَ تَظَلُّ مثلَ بندولِ الساعةِ .
يرتعدونَ من الشرطةِ العسكريةِ ، ويحكونَ
كيف أوقفَ الضابطُ المسافةَ
وقال " يبدو عليكم عدمَ الطيبةِ
يـا ملاعينُ يا كَفـَرة "
ثم كَرِهَهُم في وجوهِهم .
مع أنهم ، والشهادة لله ، كانوا يلبسونَ " الباريه "
والخياطة من أثَرِ " تقييفِ " الملابسِ لا تُلِّوحُ للمارةِ في الأعيادِ و " البيادةُ " مُلمَّعةٌ ، يبانُ فيها الطريق .
تكتشف وهم نازلون ،
أنَّ الأخضرَ الثرثار ، جعلهم أخوةً وأصحاب .

يصمتون فجأةً ، بعد مَصِّ السحاباتِ القانيةِ ، الصديقةِ ..
الأول يتذكر حبيبته .
هي ليست غريبة ، هي ابنة العَظْمِ واللحمِ .
سيأخذها العابرُ
وتعود تلبسُ كحلاً نَفَّاذاً ،
و كل هذا البريق ..
( الفقرُ صديقٌ ، يختارُ أحباءَهُ بدقةٍ ، لأنهُ طيِّبٌ )
الثاني ، يعترفُ لنفسهِ أنهُ لم يعد يثور ..
شتَمَهُ المُقَدِّم كثيراً ، لكنهُ سَبَّ " المؤهلاتِ " أيضاً ..
( هي حياةٌ أم أكثر)
إذا كان في جَيْبِ أحدهم نقوداً
يسرعُ ويضعها في عَيْنِ الظروفِ
وصَدرِها ..
لكنهم ..
لن يعطوا الشحاذينَ
المُلَوَّنينَ ،
ولو بعدَ حين ..................




الحنينُ لا يقع من السقفِ

مجردُ تَسَمُّعي صوتَ الرعدِ ، وهو يحاصرُ الكابوسَ ..... قد يثيرُ بلداً من الريبةِ
إذا تمَّ استدعاءُ الذي انتحرَ ، لمجرد رغبةٍ مُلِحَّةٍ في شمِ ورودِ النورِ .
قريبي ساذجٌ بجد
ويليقُ على طيورهِ وأنهارهِ ، وروحُهُ تشبهُ زحمَةَ قبرهِ كلَ مساءٍ ......
سَأضحكُ أيضاً على النافذةِ ،
خبَّأت تاريخها خلفَ الصدأِ و انتظرَت أن يَنبُتَ لظلِّها
شجرة ...........

في ليالٍ مثلَ هذهِ ، أنا أكشفُ الأمورَ ..
أرمي عليها من لُهاثي وعَظْمِي .. فيتقشَّرَ الزمنُ ،
و تعودُ مجلوةً ..

أنا العَرَّافُ الشريفُ ، لا أخفي شيئاً عن أحدٍ ،
لهذا أُسجِّلُ : أنَّ محاورةَ الرعدِ أحلى كثيراً
من تمشيط عَنَاءِ الساحراتِ والبومِ ..
وأن الصمتَ
ثرثارٌ كبيرٌ ..،

ولا
يُشْبِهُكِ .....





سَأُنيِمُ اليمامةَ في كُمِّي

بعد ليلةٍ أَيْرُوسِيَّةٍ ، أَلقيْتُ برأسي من نافذةِ الدورِ الأخيرِ .
المتواطئونَ في المرآةِ ، أشاروا عليَّ
وأبلغوا الجدرانَ
لتَكْبُر .
ثم أعادوني لبرودتي ، على وعدٍ بأن أتركهم
يرعونَ آخرينَ
يحتاجونهم أكثرَ مني ...

بعد سنةٍ ، أَلقَيْتُ بشهقتي في الحفرةِ
ثم بَكَيْتُ بحرقةٍ ، وقلت لستُ أنا
وإنما الأشباحُ الطيبونَ ، قرروا الأمرَ قديماً ...

النافذةُ أَصَمَّت قلبها
والريحُ فتحت كيسَها المختومَ
وصَادقَت حُلْمَيْنِ ،
خلفَ الجبلِ البعيدِ ..


.. لم أطلبَ شيئاً
سوى أن تصفقوا ،

ويختفي بريقكم
......




يومٌ مجيدٌ آخر

العَربَةُ الكبيرةُ ،
كلما تَمُرُّ ، نصطفي قربةً من الدماءِ و نقشِّرُ أجسادَنَا
برويَّةٍ ،
لتهدأ وتَبوحَ وقد تنسى .
ألعابُنَا الناريةُ هذا أَوانُها ، لتصحوَ من الفونغرافِ
و تملأَ سماءَنَا بالقماشِ الطَريِّ ، الملَّونِ بالريشِ القديمِ .
وهو يتأرجحُ مثل نغمةِ الآباءِ ، البيتُ يبتسمُ .. ذاكرتهُ المثقوبةُ ، لم تعد تنفلتُ ، بعدَ كلِ هذا الكَمِّ من المتلصصينَ
والمرتعبينَ ..

أصبحَ ناجحاً بحق ، في أن يأخُذَ
حَذَرهُ ،
فينا ....

هل تعلمونَ أن بيتَنَا هذا كانَ من كبارِ الأفنديَّةِ
لكنَّ عدم إتقانِهِ الآلاتِ الحديثةِ ، جعلَ جالبي الموت ، يرونَ في ترفُّعِهِ ، مجردَ نَسيمٍ على وجهِ عابرين ... ؟

أربعون يوماً وهو على هذهِ الحالةِ ..
شاشةُ التليفزيون ، جَمَّدت نظراتنا عليها وانتظرت ..
" المَشَّايةُ " الأماميةُ
وضعت مادةً من الحنينِ
على خطواتِنا المرتابةِ .. " الكَنَبةُ " .. الغرفةُ الغامضةُ ،
بنتُ الأرواحِ اللاهيةِ .. مخابئُ الرطوبةِ ...
كلهن سرقن
رَفَّاتِنَا
المتواليةِ
ووهبنها للفلكيينَ .

قال بيتُنَا
أنا العصاميُّ الحَقُّ
أرتدي حزني بِحَذَقٍ
لكنَّ الثورةَ ـ تعلمونَ ـ
لابدَّ منها
كل صورةٍ ..



لذا أَتحصَّنُ
منذُ اليوم ...
اقتربوا مني
يا أحبَّائي ـ


بنظراتكم
اللامعةِ

عندما
تَهْوِي ....





خياناتٌ أخرى

مُعَلقٌ بحبلٍ يسقطُ من شجرة ، الهواءُ الخائنُ يلعبُ عَبْري
وأنا الثقيلُ الأصيل ...
المسرحُ من حولي ثلوجٌ .. وقمةُ جبلٍ وآثارُ الدببةِ
وأفكارُ كلابِ الصيدِ وخشبُ التدفئةِ الثرثار ...
البطلُ ، يُصَوِّبُ على الظِلِّ ويبتهل لقلبِكِ ..
يخيبُ لأن عمري نسيتُهُ في الجيْبِ الداخليِ ، الأبعدَ منكِ ..
تمنى أن يصبح طائراً ثلجياً ، ويَشُمَّ نعيمي
لكنَّ العُلْوِّيَ ، تطيشُ تساؤلاتُهُ
ومدَدُهُ تأخرَّ على السفينةِ ....

الباب مُوصَدٌ
والنافذةُ غريبةٌ من جهةِ القلبِ ...

عندما كنا نظنُ ،
كانت الأشباحُ
تخافُ ....


لكنها اليومَ
هنا ...
وهنا ..


وفي حريقِ
صورتِكِ ...
........





الراوي العليم

صدرُهَا مزيفٌ .. مليءٌ بالقطنِ والشاشِ والأحزانِ ..
وهو يقف على الكرسيِّ . المسافةُ بين النافذتينِ
ترسمُ للباعةِ الجائلينَ والترابِ ، أن يتعانقوا مع رغبةٍ تطلُعُ رويداً رويداً ......
تتمنى ألا يكون موظفاً . حياةُ أبيها ليست مثيرةً بالمرة .
ضمَنَت طيورها أن يحبها وتحبُهُ ، ويقبلها خلسةً لحظةَ أن يفوتَ النورُ كَسَهمٍ في الممرِّ .
يوم الأربعاء يأتي مع قلبِهِ ..
الخميس تتجمع أخواتها البنات بأولادهن لِيَقْنِصْنَّ الدعاءَ ويتركن الشكاوى المريرةَ ، تسممُّ باقي الأيام .
إنه الآن يعريها .. يخمشُ بأظافرِهِ الذكرياتِ واللؤلؤة الرابضَةَ في كيسِهَا .............
البنتُ قلبُهَا بليغٌ ..
والولدُ يَهِلُّ في عينيهِ ، طائرٌ مَسَائِيٌ ..
البنتُ تحبُّ البَحَّةَ في الأصواتِ ،
والولدُ عنده أجزاء " الصامتون في المعاركِ " .. كاملة .
كلُ هذا لا يمنعُ أنهما أغبياءَ كباراً . أعطوا أمانهم للهواءِ .. أَمَا لاحظوا أنهُ يمرحُ دائماً بينَ البيوتِ والجداولِ ..
ِيَغِشَّ الروائحَ والأنفاسَ
ثم في البكور يزرعهم قربَ المدافنِ ؟!
ثم إن لي دوراً رئيسياً في تحريكِ الأحداثِ
بامتدادِ التاريخ ، يغفلونَهُ عامدينَ .
أنا الذي زَوَّجتُ كلَ رجال الحيِ ، وأنا الذي أعطيتهم سَمتَهُم ، وألبستهم ملابسَ لاتقتفي الخوفَ والانتقامَ ..
ثم أَمَتُّهُم في نهايةِ الشَوْطِ ... وارتعشتُ ..


فلأُنزل لهاثي
وأبتهلُ
لئلا يكونا مثلهم ..،
هذان اللذانِ يَلُوحَانِ ..،

في
الغيمةِ
الضاحكةِ ....




أعطيتُهُ وأعطاني

بارعٌ حقاً .... وكان يُشَخِّصُ بكلِ أعصابِهِِ ..
عيناهُ لا تَطْرُفَانِ ، ويداهُ لا تطيرانِ عندَ الصقرِ ..
يضئُ بينَ كلِ عبارةٍ وأخرى ، ويُهلِّلُ للأقزامِ السَحَرةِ
في حروبِ الشُّبَاكِ المجاورِ .
يقول إن بارعاً حقاً ، وكان يُشَخِّصُ بكلِ أعصابهِ ....

.. لفرط براءتها ، صَارَحَتْهُ بكل ما جرى في الأحلامِ الطويلةِ وعلى الجدرانِ وفي الأدراجِ ..
إنه يشكُّ
بل يوقنُ
أنها ستُشْرِقُ بعيداً ..
وتَشْمَتُ فيه الأمهاتُ ، اللاتي كن يحذِّرنَ الأطيافَ ،
والأقدارُ والحُفَرُ ..

عندما أَكَدُّتُ لهُ
أنها مغلوبةٌ من عندِ وَحشِ الجزيرةِ ..،
غافَلْتُنِي
وغَمَزْتُ ...




.. خاطَ أربعةَ بنطلوناتٍ .. للذي طَيَّرَ نَعْشَ الملكِ

ماتَ والدُ زوجةِ المنيرِ .
الجالسونَ في الهواءِ الضخمِ
تحدثوا كثيراً ، عن دفءِ عظامِهِ و أمطارهِِ الكريمةِ
ثم أكملوا تحتَ ابتسامتهِ المعلقةِ في الرائحةِ .

مجردَ خَيَّاطٍ ضحكَ عليهِ نبضُ قلبهِ وهو نائمٌ .
اعتادَ أن يشتري كلَ سبعِ سنواتٍ أو ثمانٍ بذلةً جاهزةً غير مُفَصَّلَةٍ ويقارنُ في المساءِ وينتصرُ .. كما أنه مسرفٌ في الجواربِ ، لا يستغني عنهم خاصةً جنبَ ديسمبر ..
عندما فتحَ عليهِ الأشباحُ بعد أيامٍ غابَ فيها صوتُ ظِلُّهُ وهو يحجِلُ ليسنِدَ الأركانَ ...
وجدوهُ على سريرهِ الذي وقعَ بهِ معها
وأحبَّ نسيانَ إصلاحِهِ ...

كان متعفناً وقلبُهُ يحكي للمشيِّعينَ ويبتسم .

جاورتُهُ مرةً على المقهى ، بعد أن انفضَّ التَنفُّسُ . كان يريهم صوراً أغلبها كالح ، مع قبلاتِ زوجتهِ ونشوتِها ، وغمزةِ تحية كاريوكا .. في مظروفٍ أصفرَ مطوياً أربعاً .
عيونه ترمي طيوراً
رغم أن الجميعَ يُغمضونَ
بدونِ شهيةٍ .
صورةٌ مُوقَّعٌ عليها من عبد الوهاب ،
صورةٌ مع صوتِ الشيخ مصطفي إسماعيل ، صورتُهُ و القَدَرُ يحبُّهُ أمام " نادي المختلط " ، وأربع صورٍ لهم ، لمَّا كانوا يطيرونَ .. في " اأستوديو كمال صاروفيم "
بالمَنْيَل .
بعد أن تهدأ الأصابعُ وتدفنُ الجميعَ في ظِلِّهِ ، ينظرُ في نفسهِ ويدندنُ لهم حتى ينعِس .
حَطَّني في الزحامِ وقال إنَّ عبد الناصر كان ابن بلدٍ ، وأنهُ لم يسترح لقسوةِ أسفلتِ هذهِ الأيامِ ..
حاولوا معي كثيراً
وكنت أُوَلِّي منهم .

لن يحتملُني أيُ طَيْفٍ
سوى النائمينَ في الدولابِ ..
ثم إني أحبُّ أن أصطادَ
قوسَ قُزَحٍ من الأطباقِ ،
وأخافُ أن يخافوا ..

لم ينطقوها ..
إنهم طيبون ومقام الحسين ،
لكنني أعلمُ .

أنا هكذا سعيد .........
أمضغ نِكاتَ الجيرانِ
بِتُؤَدَةٍ
وأقرأُ همهماتِ العابرينَ
وأشيلها في ألبومي الخاص ..
أُعَدِّي القسوةَ
وأضحكُ على الحُفَرِ
بالعدسَةِ المُكَبِّرَةِ ...

بعد أسبوعٍ
واعدتُ خطواتي القتيلةِ
كلها ،

لأنساها
تحتَ إبطِكِ ............





تلقائيةٌ لا تَليقُ بالفَزَعِ

1 - القِطُ في طريقِكِ
مائدةٌ لنبيٍّ جَوَّالٍ
................................
2 - الذَيْلُ الطويلُ ، ينفعُ بحراً لا مثيلَ لنقوشِهِ
وسَميكٌ ، يجيد ربط التواريخِ والرعشاتِ
..................................................
3 – اللصُ ، جارَنَا
اعتادَ أن يرمي الدُمْيةَ المُدَمَّاةَ عند أقدامى
كي يبدأ بقِطٍ يسرقُ عَشاءَ نبيٍ ،
ورياحٍ تَحُطُّ على اللوحةِ
وأقدامٍ خَوَّافةٍ
و صافيةٍ
..........

لا سبيل لعبوركَ ،
إلا أن تجرح المرآةَ

.... في
خائفيها .....





III


صباحُ القسوةِ يا رجلَ المطرِ



نقطتــان

1
يا حبيبي
يا صائد الدهشةِ
و راشـقَـها أمامي .
لا تحطم الصندوقَ الرائي ، لا تفزع
ولا تحاصر صوتَ شبحِكَ
الذي يندهُ منذُ البارحةِ .

هي روحي
التي أخفيتُها فيهِ

لمَّا نِمْتَ
على
ساعةِ
البهجةِ ...

2
لا تصدقوا
غناءَ الراقصةِ
" أَعُضُّ
قلوبكم
لأني أعبدُ جسدي
وأُصلِّي
للأزَلِ " .

إنها فقط تَشِفُّ ..
وتختبئ من الصقيعِ ،

في
الروحِ
الأقدمِ ....





لا يتصادفُ دائماً

1

نُخرج ما بداخلنا من حنينٍ
لنفاجَأَ أنهُ كثيرٌ فعلاً .

على جانبِ الردهةِ
نُكوِّمُهُ دونَ تستيفٍ
لنتمشى جوارَهُ
ونغيبُ .................

كلَ قتلٍ ،
وكذا
بجوارِ شهقتِكِ ...

2
تصعدُ فوق البيانو الكبير
يقولُ عزمُهَا
أنجحُ في خنقِ النغمةِ .
كلُ الأشياءِ المرعوبةِ
تهلُّ بإزاءِها : الطنينُ بداخلِ الرعشةِ
ثم تقليبهم النظراتِ
بيني وبين الذكرى
بقَدْرِ الشماتةِ
المعهودِ ..

الجاحدةُ ..
تنسى كلَ موتٍ ،
أن قلبَها يَنقشُ
حليبَهُ
من خلفِ ظَهْرِ
الراعي .....

3
ثدياها متهدلانِ
وجِلْدُها يصطادُ الحروبَ ،
لينسى ..


لذا
لن تطلبَ فيهِ
إلا أن تخرجَ
برويَّةٍ ..،

من نظرتِهِ ...

من
كابوسِهِ
الأخير
...........




يَدِّعي المهادَنَةَ

1
في كل مرةٍ
لا نسرقُ إلا المروجَ
والحيطانَ الخَوَّافَةَ
من عصا
الراعي ..

أو من
لُهَاثِهِ للربَّ ، في كلِ مرةٍ ...

2
الأصواتُ تسيلُ من أذني
أُشمر ذراعيَّ
وأَلُمُّهُم في صناديقَ
أستعيرها
من النائمينَ تحتَ الإبِطِ .
بعد الحَفْرِ
أشدُّ تَبَخُّرَها
قليلاً قليلاً ..
بلا
زحامٍ ،

ولا حتى مطر ...

3

أجمعُ العِظامَ
وأرسِمُ حفلاً .


شمعةُ ظِلِّي تَحوطُ الخوفَ
وتغفو عندَكِ ..

.. إنها الأخيرةُ ..


في

الطائرِ

الأخرسِ ....





ليسَ مرعباً

سِبْني أفتحُ عَيْني ..
وأنا أضمنُ
أَلاَّ تنسكبَ
اليومَ ...


من
صخرتي
وخلاصي ...





الطقوس

1
تخنقينَ الدهشةَ باستمتاعٍ ،
يدي يا يدي ...

أَمُرُّ بروحٍ نَفَّاذَةٍ ـ بين ساقَيْها
فأحرمُ نفسي من جزيرةٍ وعواصفَ
تملأُ مخداتي
لأعوامٍ قادمةٍ .

أنحرف عامداً ..
على الأقلِ ، لأبتعدَ عن الوَهَجِ
فأجدها تلهثُ
الطعنةَ المسكينةَ ـ في نفسِ النَفَق .
العام الماضي أيضاً كانت هنا
وبنفسِ الطقوسِ .
هما خيارانِ
أن أفوتَ في العَيْنِ
فأهوِي في دفءِ القسوةِ
أو أن أعودَ أدراجي مبكراً
قبل التَوَّرُطِ .

على الأقل
أنا الآن أُحَرِّكُ أقدامى بِهِمَّةٍ
لأسبِقَها ..،
الذكرى :
حِمْلانِ من الغبارِ
تبرعنا بهما للخريفِ
الفقيرِ ..
أربعُ أحضانٍ
تعفنوا ..
ومَلئوا الطريقَ
على شكلِ
سحابةٍ ......


لا أسمعُنِي وأنتِ بردانةٌ
.................................
......................
النملُ
فيكِ
وفِيَّ
.....................................
.......................

2
التي تخافُ منذُ زمنٍ بعيدٍ
ضلَّلَتهُم عن قصدٍ .

إنها تكرههم جميعاً :
• مرآتُها التي تنهشها باستمتاعٍ
• روحُها التي تَفِرُّ من قُدَّامِ الرعشةِ
• الغامضُ الذي يُحَوِّمُ فوقَ البحيرةِ
……………
……………

ابتهَلَت للقَدَرِ
" افعل طيباً يا أخي الطيب
واجعلني من عواصفِ
العامِ الفائتِ ...
شِلْني في عُلْبَتُكَ الدافئةَ ... "


البريقُ ..،
لما زادَ البريقُ ..
أعطَيْنَا ظهورنا
وشِلنا في عُلْبَةٍ ..،

ضباباً
كأنهُ
عَظْمُنَا
.......

3

النَوْمُ : منحوتٌ عليهِ
" سوف تشوفُ فيكَ الصحاري .. "
النَوْمُ : قريبُ ديسمبرَ ..
الضيق
الضيق



IV

كــأنني


ـ فصل ـ
الضبابُ الذي صَدَمني في الصباحِ الأولِ
هارباً في علبةٍ
تحاذي الأسلافَ وتتشهى ..
لم أمقتْهُ
ولا حفرتُ
في مسامِهِ المتناثرةِ ..
فقـط حاولت أن أتفادى مَعاوِلَ
الحَفَّارينَ
الذين اخترقوا ذاكرةَ الطريقِ
و تمنيت أن تكوني على بُعْدِ ركلةٍ ، ليسَ أكثر
فأصافحَ الأشباحَ
الطيبينَ ،

بعيني
الدافئةِ ...


ـ فصل ـ
بانتظامٍ
وعلى مدى السنواتِ كِلِّها ..
يَبُصُ يميناً ويساراً
ويبولُ على قاعدةِ التمثالِ
شَبِيهُ
ظِلَّكِ ...

تماماً حيثُ ماتَ بطلقةٍ
مُحْكَمةٍ ،
ثم يُحْكِمُ شَالَهُ
ويفتحُ
قلبَهُ ....


ـ فصل ـ
ستغامرُ وتغوصُ
: الطينُ على غيرِ العادةِ
ليسَ راقصاً ..
ومن دونِ أيِ خالقٍ
يتشكلُ وِدْيَاناً
و روائحَ
والماءُ يدوسُ على ذاكرتِهِ
فيصنعَ الجزيرةَ التي تتمناها ..،
كمَلاحٍ
يحُطُّ
حيث طارَ الطائرُ ..
.........

وذُبْتِ ..



ـ فصل ـ
وكان الأمر ينتهي غالباً بابتسامةٍ .

السماءُ خارجَ النَسيمِ السميكِ
لم تعد تلهو ..
والسورُ
يدخلُ بين الحينِ والحينِ
ليعطيكَ حِصَّتَكَ
بالكاملِ ...

كشَفْتَ أموراً كانت ماكرةً ..
مثل المقاصدِ الخفيةِ للرفاقِ
و اتجاهِ فخذِ فتاتِكَ في الأماسي ..
الخ الخ


فاترك
صوتي ....



والأمرُ غالباً ،

سينتهي
بكِ ...


ـ فصل ـ
دافئاً
مثلَ سحابةٍ
ـ كانَ يُطِلُّ
من فوقي ـ


وحيناً
بارداً
كَكفِّكِ ..


ـ فصل ـ
..... وقد ينطفئُ
النورُ الساخنُ
فأتمادى
في استحلابِكِ
مع الشَبَحِ ..

وعندما تهِلُّ المحبةُ ،
كجرذٍ صديقٍ ..،

أقبضُ على رقبتِهِ
وألهو ،

في
فزعِكِ ...



ـ فصل ـ
في الحفرةِ بَرقٌ
يُغافِلٌ الذبائحَ
والجبلَ
وجِلْدَ الراعي ..
ويقتنصُ
هِزَّتَكِ
.................


ـ فصل ـ
لم يَحُطَّ في أذني رائحتَهُ
ولم أحاول أنا ...

وفي صمتٍ ورويةٍ وهدوء
يميلُ فجأةً ،
......... ويَسِيبُنَا نشبهنا ..


ـ فصل ـ
الشجرةُ
جمعت الشرايينَ
وخاطت الحريقَ في ذيلِهِ
كي لا يحزنَ ثانيةً أو يغوصَ ..

و كلما تقابلا
لاحظت كلامَ الساحراتِ
وأخذتهُ في شهقتِها ..

ليقولوا
: " ترَكَت ظِلَّها
ورحلت .. "
.....

وكلما يَنُطُّ الشتاءُ
يغمِض ردائَهُ تحتَهُ ..

ليقولوا
" كانَ خفيفاً زمنئذٍ
فسَابَ نظرةً

وحفرتََيْنِ ... "
....


" تحتَ رَجَّةِ الحنين : عندما تجوسُ الشِعريةُ في العالم .. و تحكي مع الظِلالِ "
قراءة في ديوان " رَفَّةُ شَبحٍ في الظهيرةِ "
لمؤمن سمير ..
بقلم / د. محمد عزت

هناك مسافةٌ افتراضيةٌ بين مجردِ الطموح في جانب والإمكانية مع الإخلاص والاجتهاد في الجانب الآخر ، حيث إذا زادت هذه المسافة قَلَّ إنتاج المبدع كَمِّياً ، وكذا نوعياً بالأساس ، وهو أمرٌ يقترب من المنطق ، وإن قلَّت فإنك تستطيع أن تضمه لباقتك الخاصة ، المنيرة ، من المبدعين ، الذين تحكم عن طريق تجاربهم على الواقع الأدبي سلباً وإيجاباً – لأنك لابد وأن تستبعد غير الجادين كل فترة – وتصل إلى نتائجك وأحكامك وبالأحرى تستمتع ، بتلمس لَبِنات مشاريعهم المتميزة والقلقة بالضرورة . من هذا الصنف الثاني الشاعر مؤمن سمير ، الذي أصدر قبل ديواننا هذا تسعة دواوين تلمح فيها بوضوحٍ تام حرصه على الوصول إلى ما يميزه ويخصه بالذات ، بنفس دأبه في الخروج على أي منجزٍ شخصيٍ يبلغه وأي مرتقى يرتقيه .
إنه لا يستقر طويلاً في أي أرض ويعتبر أن الوصول والغاية ، هو الموت في الحقيقة .. وإذا طمحتَ لأن تضع تجربته في جملة مفيدة ، واحدة جامعة مانعة ، وهو أمر مرهق في حد ذاته فعلاً وغير علمي ولامنهجي لكنه منتشر عندنا للأسف ، كأن تردد في جلساتكَ الخاصة أنه من شعراء التسعينات المغرمين بالتفاصيل اليومية ونفي الأيدولوجيا والسرديات الكبرى الخ أو من المغرمين باللغة وألعابها وتشكيلاتها الخ أو أن نصه ينحو نحو التجريب والذهنية الخ أو أن الفكر والفلسفة يشدان النص للتثاقف والجفاف .. إلى آخر أكليشهاتنا المعلبة – فإنك قد تكون قد أرحت نفسك جمالياً ونصيا ً، لكن بالوهم .. لأنه يقترف نصاً قلقاً يصل به – سواء عبر الرؤية أو عن طريق بناء الجمل وصياغة المجازات الكلية والجزئية وتشكيل العالم الشعري الخ .. وكذلك (عبر) كل الصياغات والمقترحات الشعرية السابقة التي يمر بها ولاينتمي لأَيِّها ، في آن – إلى تأكيد منحى يشوفُ في الشعرِ طريقةً وحيدةً لا بديل عنها للعب مع العالم ، ليعود قابلاً للتعايش ، وللكشف عما يخفيه عنا منذُ القِدَم .. ويستخدم كل مافي طريقه الفكري والمعنوي والكتابي ، فوق ما ذكرناه من أنماطٍ فنية قبلاً – للكشف عن الشعر المخبوء ، بدايةً من اللعب مع المطلق ومساءلته والتمشية معه وفيه – كذا – فلسفياً بل وشعبياً وفنياً بالطبع ، وليس انتهاءً باللاوعي وطبقاته والأحلام والهواجس وتاريخ الذات المستتر/ الحقيقي وتاريخ الآخر أياً كان .. كل شئ عنده قابل لأن يصير رحماً للاعب المغوي المسمى بالشعر ، بلا أي مواءامات ولا أي تأطيرات جاهزة ... اللهم إلا الضرورات الفنية ، المتغيرة مع كل وعيٍ يبلغهُ نصه ..
ثم إذا ولجنا إلى عالم ديواننا هذا فإننا نرصد بداءةً أن العنوان مُحَمَّلٌ بالإيحاءاتِ المُرَكَّبة ، كعادة الشاعر ، حيث تخبرنا هذه العتبة أن الحالة الشعرية القادمة في الديوان ستكون ( تحت حالةِ ) تألمِ وعذاب هذا الشبح / البطل / الشبيه ، أو حتى النقيض .. ساعةَ ينهشه النور بكَّلاباتِهِ الساخنةِ .. تَرِفُّ عيونُ الشبح من وطأة النور القاسي ويرتعش الكيان ، وفي ( أثناء ) الرعشةِ تلك – بالذات وعلى سبيل التعيين – تنفجر منه قصائد هي إلى الاعتراف أو الصراخ أو حتى حكمة الألم المفاجئة القابلة للنقضِ الدائمِ ، أقرب ..
إن حالة الحنين التي قد تمر بنا بين الحين والآخر لتحزننا أو تفرحنا أو لتهدهد مشاعرنا بالأحرى .. هذه الحالة عندما اقتنصت الشاعر زلزلت المتماسك من حوله وضغطت على ( الجُوَّاني ) ، البعيد المستقر ، فانفجرت الذكريات واقتنصت وعيه تماما ًفانفصل عن الماحول وأعاد رسم ماكان بعيداً وغائراً .. الشاعر هنا مستسلم لسطوتها وجبروتها ، إنه تحت هذه الرَجَّة ، مقعيٌ ، يرضى بدور ( المَعْبَر ) لخروج ما كان أسيراً ومخبوءاً – أو مستقراً ؟ – في الأغوار البعيدةِ .. ينزاح الحنين هنا في شبكة وعينا من موقعه الرومانسي القديم الحالم إلى موقع الافتراس والسطوة القاهرة ووضع البطل الدرامي بإزاء حالة الاستسلام الكامل والتلاشي ، عالقٌ في هذه الحياة الملتبسة مع عذابه الدائم الذي يغير كل ساعةٍ وجهاً : الذكرى ..
إن عالمه الآمن هو الجُحر أوغرفته البعيدة ، الوحيدة المتوحدة ، فإذا خرج مضطراً – تحت تأثير هذه الحالة الجبارة من الحنين للحياة ، الحياة بكليَّاتها وكل ما تعنيه من تفاصيل حية وساخنة ، وكذلك مجرد التصورات عن الحياة – فإنه يرتعش ويقاوم كل مايعاين باعتباره مؤامرة ويلوذ بذكرياته التي هرب منها – والتي عذبته ، قديماً ودائماً ً، لكنه قد ألف مداخل ومخارج قسوتها واعتاد حتى على روائح آلامه وطعومها ، لهذا يكون البطل في مأزق التأرجح بين ما يعلمه ويرعبه وبين ما يجهله ويرعبه أيضاً وهنا يكمن الالتباس والخوف الذي يصل للقهر والقتل ، من الآخر ومن الذات .... كأنه شبحٌ ينصهر إذا عاين النور.. تصدمه الشمس فيرف بعيونه من الوهج ومن الانكشاف الفاضح للضعف ليبدأ رثائه لذاته ، تلكَ التي تم اقتناصها ، قديماً وحالياً ودائماً ....
وعندما نتجاوز هذه العتبةِ الأوَّلِيةِ وندلف إلى عالم وشوارع وبيوت الديوان نجد أنه يحدد تاريخ كتابة النصوص في ديسمبر ولكنه ليس ديسمبر المعتاد ، المؤقت ، إنه ديسمبر الممتد ، الكبير الجارح ، وهو ما يوحي بأن الحالة المسيطرة عليه في هذه السنوات ، جميعها ، كانت أقرب إلى تجليات ديسمبر وامتداداته في الداخل والخارج ، من الوحدة والخوف والشكِّ إلى البرودة القاسية ورعشةِ الأفكار والمشاعر ومذاق النهايات .
و لكي يُمَهِّد ويشير لنا على أن هذه التجربة تنتمي إلى جل تجاربه السابقة والتي يكون كل كتاب فيها وحدة واحدة وإن تنوعت المداخل والمخارج ، بالإضافة لكونها كذلك تمتح من فضاء واحد هو خياله الجامح الباحث عن الشعرية في أنهارِ أخرى – فإنه يُكمل بثالث العتبات ، بعد العنوان وتنويه سنوات الكتابة ، بالمقتبس الذي صَدَّرَ به النصوص ، فيكتمل الحوار الذي بدأ مع العنوان ، حيث أنه وإذ يُلَوِّحُ من بعيد بشكه وعدم يقينه فيما ينهال عليه من المحسوسات ، يربط بين انفجارة الحنين وانثيال الذكريات وبين ظنه دائماً بأن الأمر ينطوي على خدعة كبرى من خداعات اللاوعي الفسيح ، الغامض ، الذي لم يعهده أحدٌ واضحاً وطيباً من قبل ، إنه دائماً يخبئ ويخاتل ويرمي بإشارات .. فيكون النهار/ النور/ الكشف ، إذن .. ماهو إلا تورية وتمويه وخداع دائم وطول الوقت .. وقاسٍ وقاتل أيضاً ، كالمعتاد .
ينقسم الديوان إلى أربعة دوال أو علامات كبيرة تنضوي تحتها النصوص أو الإشارات أو الدوال الصغيرة مما يكوِّن في النهاية العالم الذي يمور داخلياً في الذات لكنه بهروبه أو خروجه مع هذه الذات ، يكون قد سحبنا بمكره لنندمج ونشارك في اللعبة التي قد نمارسها ولا نعي .
في العلامة الأولى " يحيكُ الظِلالَ وأرتديها " تحتفظ الذات لنفسها بمسافة مع الذكريات التي تدل عليها الفوتوغرافيا بتثبيتها الزمن عند لحظاتٍ بعينها ، لكنها تسمح بانطلاق التجليات .. إن البطل ما يزال خائفاً ومرعوباً – وسيظل – لذا يوهم نفسه ، كي يتنفس بحرية على الأقل ، أنه لم يسقط نهائياً في حفرة الذكريات ، إنه يمارس الخداع أيضاً ، ولو بخداع ذاته ، مع أنه ، بلعبته تلك ، يكون قد مارس وبدون وعي ، أول أسس اللعبة ، المفروضة والقَدرية . هذه المجموعة من القصائد القصيرة ، المصاغة بأقل قدر من الكلمات – وهو ما يتناسب مع حالة التحسس والارتعاش المرتبطة بالذكرى واكتشاف ماكان وكأنه الاكتشاف الأول ، بما يمهد بعد ذلك لقرار الخروج ، ليكون وكأنه الخروج الأول من الرحم / الجحر/ الأمان ، إلى العالم / الزحام / المجهول .. وكأنه يقدم للذات ما يملك أولاً ثم للعالم ولكن بشك كبير في تقبل هذا العالم / الآخر وموافقته على التواصل الذي يسمح بصنع حياة وذكريات جديدة .. تمتحُ القصائد من احتمالين : أن هذه المشاهد هي حديث الفوتوغرافيا – الحنين بمعنى أوسع – في طورها أو موقعها الشعري أو أنها انعكاسات تلك اللحظات الزمنية البليغة على نفسية البطل .. أي أنها حديثه هو ، وتشكيلاته هو وخيالاته هو ، فيستلم من الفوتوغرافيا فكرة خلق زمن جديد ليبني صوراً قد تتناقض مع الزمن الأول .. بما يعني أن الفوتوغرافيا هنا قد لا تكون علامة على ما جرى ولكنها تَصَوُّرٌ لما كان من المفترض أن يجري .. واللعبة الشعرية تكمن في أن هذين الاحتمالين يتضامان معاً ولا يمكن فصلهما ، فحديث الصور هو حديث حيوات البطل ورؤيته ، التي ما هي إلا تفاعله مع الفوتوغرافيا وتحويلها إلى دراما ، أي أن البلاغة هي بلاغة المشهد ورسمه وبلاغة التعبير عنه واختراعه ونقضه طول الوقتِ بالجمل الملتبسة ، معاً . تسيطر الوحدة والفقد والاغتراب على هذا الدال الكبير ، لتتفاعل معاً وتنصهر في أتون التفاصيل : " لا أريد شيئاً كثيراً / لا عدة أشباحٍ / ألحق بهم بلعتي النور / ولا أن يمنحني الرجل المتجهم مراياهُ لنصفِ عمرٍ " إنه ، برفضه الظاهري للتواصل ، إنما يضمر شكواه وألمه من فشله في تحقيق الاندماج ومن سوء التفاهم الدائم . هو يشك في نوايا الآخرين إزاءه : " بالرغم من أنني أحسه يبالغ حقاً / قُدَّام حوائطِهِ والمدفأةِ / لم أحرمه متعته الصغيرة : أن أحيكَ الظلالَ / كلما فات الخشبيون " الآخر ، القريب ، مريبٌ بالضرورة ، وعبارة عن ظلٍ أو علامةٍ على آخر خفي ، وكلما كان هذا الآخر بعيداً عن التصور القريب ، تكون الهوة أوسع ، مجرد كائن خشبي لا مشاعر عنده ولا نقاط تماس قابلة لصنع أي حياة مع ذلك القابع خلف ستارة النافذة ، يراقب ويتلصص على اللحظات الحقيقية : " كانت رائعة جداً وعاقلة / عندما أخفت رسم السِكِّين تحت الوسادة " أو " كانت تتمناه بشدة / ذاكَ المنقوشَ عليهِ / بعدد سنين العمر " أو " هو قاتلٌ لا جدال في ذلك / لكنه سيندمُ ، كزورقهِ وأوراقهِ / لأنه لم يستمع إلىَّ " .. لكن هل يمكن لنا أن نعتبر المتلصص أو المراقب الحذر الذي يبني بدائل درامية داخله عوضاً عن التواصل المفقود ، غير مشارك ؟ إلى أي مدى هو غير متورط ؟ لقد خلق من الجمادات والسكون حياةً مَوَّارة ، له دور فيها بالقطع ، دور يتراوح بين الفعل وصنع ردود أفعال ، وبين قبول أن يكون طيفاً يكشف ويفضح ويخرب العلاقات المستقرة ليستمتع هو برسم زوايا جديدة ، وجديرة ، للنظر : " الشيطان العظيم ، / لماذا تقف بعيداً / ولا تجرب ارتعاش اليدينِ / الجميل الجميل ؟ " .
في الدال الكبير الثاني المسمى " أجوسُ في صدقي المؤجل ، بابتهاجٍ حقيقيّْ " يكمل هذا الدور ولكن بتورط أكبر وبسرد يحمل قدراً واضحاً من الحميمية والبوح والهتك وليس الكشف فقط : " في ليالٍ مثلَ هذهِ ، أنا أكشف الأمور / أرمي عليها من لُهاثي وعَظْمي ، فيتقشر الزمن وتعود مجلوةً / أنا العَرَّافُ الشريف ، لا أخفي شيئاً عن أحد "إن هذا المقطع يحمل بيان الشعرية وطريقة لعبها وأبوابها الماكرة في الولوج إلى كل ما هو مخفي ، فبتصدير البراءة نتمكن من التسلل والدخول ثم يبتسم المراقب ، الدائم ، الذي لا يفلت شيئاً .. ذلك الذي يكمل فراغات القصص ويملأ الحكايات باقتراحاته التي لا تنفذ ، إنه الراوي العليم بكل الخلجات ، كما تصرح باسمه الشعرية ، كعنوان لأحد النصوص ، لكنه في لحظاتٍ يغادر موقعه فيكون راوياً مشاركاً : " عندما أكدت له أنها مغلوبةٌ من عندِ وحشِ الجزيرةِ / غافلتُنِي / وغمزتُ " فبما أنه يعلم فهو الذي يملك توقيت التورط وماهيته ، ليكمل القنص ، ولكن ليس في سكة الخيال وإنما واقعياً هذه المرة ، أو هكذا تومئ لنا الشعرية : " بعد أسبوعٍ / واعدتُ خطواتي القتيلةِ كلها / لأنساها " إن الزمن عندما يطول بالمتلصص فإنه يميل – حال خروجه – إلى الاستعراض ، إلى تحويل الانفجاريات المكتومة إلى لحظات درامية يحسها الجميع وقد يحملونها معهم وهم عائدون إلى بيوتهم . تظهر تقنيات السرد أكثر ما تظهر في هذا الجزء ، فيمكن أن تمسك بحادثة أو قصة لها امتداد خَطِّي – بداية أو وأحداث ونهاية .. الخ – وتتفاعل مع الانتقالات المفاجئة للأمام وللوراء والتي تتم عبر الزمن بأنواعه .. الخ – وتجد المشهدية والديالوج والبصرية السينمائية والتبئير .. الخ وتتقابل مع راوٍ يغير موقعه كل مرحلة .. الخ وتظل تدور مع الفجوات في النص لتكملها وهكذا .. ومن نافلة القول التركيز على أني أقصد هنا ( السرد الشعري ) بمعنى أن هذا النص الشعري يمكن أن نطبق عليه آليات علم السرد ولكن من زاوية أنه شعر مكتملٌ بداءةً ( ينبني من الصور والأخيلة والمجازات وإيقاع ظاهر أو خافت أو خفي .. الخ ) ولكنه جاء في بنية سردية وأهاب سردي ، وليس بالقطع ، سرداً في مبنى ومعنى شعري ، ولا أزيد .. إن البوح ، الذي يصل إلى درجة الهذيان في بعض الأحيان – هو انفجارة الوعي وصرخته من الكبت الطويل وسنوات الخوف وطبقاته وامتداداتها في الروح .. هو صرخة الطائر المذبوح ، سواء قبل خروج الروح بمسافة تسمح بالاعتراف أو في مرحلة الحلقوم الأخيرة صاحبة القدر الأكبر من السواد ...
وفي ثالث العلامات الكبيرة " صباحُ القسوة يا رجل المطر " يرجع البطل إلى وحدته ولكن وقد حمل على معطفه الكثير من نقاط المطر أو التجربة والتشارك ولو كانَ ذهنياً ، لهذا تميل أغلب نصوص هذا الجزء للتجريد واستكناه خبرة التأمل والحكمة المتولدة من مراقبة النار في المدفأة : " شمعةُ ظِلِّي تحوطُ الخوفَ / وتغفو عندكِ/ إنها الأخيرةُ / في الطائر الأخرس " ولكنَّ هذا يأتي بعد أن رسَمَ في نص " الطقوس " ما جرى له في رحلته المتخيلة والحقيقية في الآن ذاته ، وتراوحه بين العودة الآمنة لحضن الذات وبين تكرار الاشتباك غير مأمون العواقب مع العالم : " هما خيارانِ / أن أفوتَ في العينِ / فأهوِي في دفءِ القسوةِ / أو أن أعودَ أدراجي مبكراً / قبل التورطِ " .
ويبدو أن الذات الحائرة الخائفة ، صاحبة الأشباح ، الغريبة لأنها تعلم أكثر ، تحسم أمورها وتعود في كل مرة .. ترجع رغم الآلام ، للوحدة والشياطين المرعبة والصديقة ، ولها هي بالذات : " النوم : قريبُ ديسمبر/ الضيق الضيق " .
ويأتي الجزء الأخير في هذا النص – المتصل الحلقات ، المتشظي أيضاً – والتي أسمته الذات الشاعرة " كأنني " بكل ما يحمله هذا العنوان من قيم البوح والشك في نفس الوقت ، ليكون خاتمة المطاف ، فيروي عن نفسه ويفضح ذاته ، لكن مع ملاحظة أنه قد يحكي بالأساس لذاته وليس لأي كيانٍ آخر ، فيبدأ من صباحه الأول ويمر بأسلافه والرفاق والبنات والمقهى وذلك من خلال ديسمبر، الفضاء والسماء السوداء : ( وكلما يَنُطُّ الشتاءُ / يغمِض ردائَهُ تحتَهُ ليقولوا " كانَ خفيفاً زمنئذٍ / فسَابَ نظرةً / وحفرتََيْنِ .." ) إنه الاطمئنان الذي يسبق العواصف ويمهد لها ولو بخوفه ، و ينتظرها لاستعادة ما كان ، بعد تهيئة الجو النفسي ، الملتبس . إنه يعيد رسم الدائرة ليترك فرجةً لها كي تخرج وتتناسل وتتكرر مرة أخرى ولو في زمن آخر ومع أشباح آخرين وفي حيوات ثانية .. و لهذا تقسم الشعرية القصائد في هذا الجزء تحت مسمى " فصل " بما يوحي بالارتباط والتسلسل وأن النصوص تكمل بعضها ولا تنفصل وتخرج من معين واحد .. إن الجزء الأخير هو فضاء الأجزاء السابقة ، هو الأصل الذي جاءت تنويعاته وتجريدياته فيما سبق من نصوص ، وبطبيعة الدائرة ومطاطيتها تستطيع أن تغير مواقع البدء والختام دائماً . إنه البيت الذي خرجت أشباحه وظلاله لتشتبك مع العالم أو بالأحرى تقتنص منه ما يساعدها على اللعب وإعادة الخلق . إن البطل هو الشبح / شبيه الإنسان / أصله وحقيقته .. الذي يقبع لتستعمره الذكرى ، تلك التي يأتي هو بأدواتها : الفوتوغرافيا ، المحسوسات ، الأماكن والروائح الخ .. صاغراً ، مرتعشاً .. ثم ينفتحَ الوعي ليمارس رسم ما كان بأكبر قدر من البوح والاجتراح وتغيير الملامح والصياغات ، إنه الصدق الذي كان مؤجلاً دائماً . ثم تأتي المغامرة المحفوفة بالمخاطر والهلاوس المرتقبة .. والتي هي الخروج – سواءً الواقعي أو على مستوى التخييل – والاندماج والتواصل الفعلي مع العالم .. لنصل في نهاية هذه الرحلة إلى عودتهِ ليقبع مرة أخرى مع ذاته أو في ذاته وحولها ، باعتبارها أقنوم الأمان ، الملتبس ولكن الممسوك ، معوضاً أي تواصل مع الآخر– أي آخر– بإيهامنا – والذات – بحنين وذكريات قد تكون حدثت أو لا تكون .. لتكتمل الدائرة طارحة الشك طول الوقت ، وهو الذي يسمح دائماً بإعادة النظر من أي نقطةٍ على سطح الدائرة ، وهو ما يُثبت ما ألمحنا إليه في البداية وهو كون كل ديوان في تجربة الشاعر وحدة واحدة رغم تفريعاتها المختلفة ، وخروجاتها الدائبة على إطاراتها .......
وقبل أن ننهي تحاورنا مع الديوان نشير لخِصِّيصتَيْنِ فَنِّيَّتيْنِ بازغتَيْنِ عند المبدع وهما أولاً : الصياغة الخاصة ، المُركَّبة التي تفتح أبواباً شتى للتأويلات .. فعندما يقول النص جملةً من مثل " يحيكُ الظِلالَ وأرتديها " .. فإننا نكون بإزاء عدة احتمالات : أن يكون الفاعل الذي بلا مرجعية هنا ، للفعل الأول ( حياكة الظلال ) هو المطلق ، وفاعل الفعل الثاني ( ارتدائها ) هو بطل النص .. وفي هذه الحالة نكون بإزاء علاقةٍ طرفيْها غير متكافئيْنِ ، المطلق هو الفاعل الأصلي والشخص هو صاحب رد الفعل .. وكذلك والحالة بهذه الكيفية – يندمج الدالان " هو " ، و" الشبح " الماثل في لا وعي النص ، والذي يلعب النص مع تماثلاته مع البطل ، بدءاً من عنوانه الأول – ويصير الشبح مجرد تجلٍ للشخص ، أو العكس سواءً بسواء .. وتصير العلاقة الأساسية بين طرفين أولهما مطلق ، متعالٍ ، وغامض ، وبمنطق النص : جبار وقاسٍ .. بينما الكِفَّة الثانية ، التي تتكون من كائن جديد عبارة عن إنسان وشبح معاً – هي الأضعف ، المنسحقة ، الخائفة والمرتعشة طول الوقت ...
والاحتمال الثاني أن العلاقة قائمة بين طرفين أحدهما ، وفاعل الفعل الأول ، هو الشبح .. وفي هذه الحالة يعلو الشبح ليحمل كل الصفات العلوية المطلقة ، المرعبة .. ويرزح الطرف الثاني تحت صفات الضآلة والانسحاق .. بالرغم من أن هذا الشبح يمكن أن يكون نتاج كوابيس البطل الشخصية وعذاباته ، يعني شبحه الشخصي أو شبيهه أو قرينه أو حتى نقيضه وضده .. كما يمكن أن يكون شبحاً ( خام ) يخص راحلين أو لايخص .. الخ
ولا ننسى دال ( الظِلال ) ، المكتنز هو الآخر بالاحتمالات ، هل يرتبط بالبطل أم بالشبح أم بهما معاً : كمساوٍ لهما أو نظير أو حتى نقيض ؟ أو أنه بالأساس لاينبت ولايتخلق إلا في وعي المطلق ؟ .. وهكذا نلعب مع إشعاعات الفن واحتمالاته المتتالية ولانتعب ..
وثاني الإلماعات ، والتي نقدمها مع سابقتها كإشارات غير وافية ، لتمايزات الكتابة : دمج العجائبي مع التفاصيل وسبكمهما في سبيكة واحدة ، لتخليق نص لا نتوءات بين أجزاءه وخلاياه .. فتجمع الكتابة بين مالا يُظَنُّ أنه يصح فيه الجمع وتخلق منطقها من المصدرين معاً : الأسطورة والتفاصيل ، رغم إمكانية اقتناص الشعر من أيهما ، وهو السائد في هذا الجيل ... ولنتأمل هذه المقاطع : " في كل مرة ٍ/ لا نسرقُ إلا المروجَ / والحيطانَ الخَوَّافَةَ
/ من عصا الراعي / في كل مرة ٍ.. " .
وكذا " في الحفرةِ بَرقٌ / يُغافِلٌ الذبائحَ / والجبلَ / وجِلْدَ الراعي ويقتنصُ هِزَّتَكِ " .
أو " الشجرةُ /جمعت الشرايينَ / وخاطت الحريقَ في ذيلِهِ
/ كي لا يحزنَ ثانيةً أو يغوصَ وكلما تقابلا / لاحظت كلامَ الساحراتِ / وأخذتهُ في شهقتِها .." .
في المقطع الأول تصاغ الأسطورة بألفاظ وسرد يقترب
من التداولية ويؤكدها بعبارة ( في كل مرة ) الدالة على الديمومة والتكرار .. وفي الثاني يُدخِل المخاطبَة في المشهد بكل انسيابيةٍ لتنزل الأسطورة من سماءها بهدوءٍ ومكر .. أما المقطع الثالث فهو الأوضح على السبك
المحكم وعلى السرد الذي ينجدل من الأسطورة ويحكي لصديقٍ معاصر ، في الآن نفسه ..

مؤمن سمير ، هنا ، ينجح كعادته – رغم أن النصوص أقدم في زمن الكتابة من أعماله التي صدرت من قبل – في صنع قصائد تتخلق من وعي مديني منفتح ، بعيد عن أي رومانسية غابرة ، ويفلح في صنع مسرح واضح
الأركان وحياة من لحم ودم ، وخيالٍ أيضاً .. تستطيع أن تناورها بإيجابية لأنها بمكرها الفني الجميل ، تسيب لك المداخل والمفاتيح ، عبر لغةٍ مُحمَّلةٍ وحسَّاسة لأقصى درجة ، تتوسل بالسرد كما تصنع مجازاتها الماكرة المدهشة ،
تراوحُ بين الواقعي والأسطوري العجائبي بمهارةٍ ودَرَبَةٍ وتترك إشارات وجمل وحالات وحيوات في البداية لا تكتمل إلا في النهاية ، وإحالات تحتاج متلقياً واعياً ومشاركاً في إنتاج النص ..

وكما ألمحتُ قبلاً ، إن تأكدَّتَ أن المبدع صاحب مشروع ، يعمل له وعليه ، فصاحِبْه وأنصت له ، أو معه ..
لَمَّا يدلكَ على دبيب ماتحت السطوح ،
أو يتساءل معك أو يومئ لك أوفيك ...
كي لا تُحرم من اللعب الخالق
والبَهجات .....


المؤلف :
• مواليد : 15/11/1975
• عضو اتحاد كُتَّاب مصر .
• صَـدرَ لـهُ :
1- بورتريه أخير، لكونشرتو العتمة .
شعر ، دار سوبرمان 1998.
2- هواءٌ جاف يجرحُ الملامح .
شعر ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
3- غايةُ النشوةِ .
شعر، طبعة أولى : هيئة قصور الثقافة 2002 .
طبعة ثانية : مكتبة الأسرة 2003 .
4- بهجةُ الاحتضارِ .
شعر ، هيئة الكتاب 2003.
5- السِريُّون القدماء .
شعر، هيئة الكتاب 2003.
6- ممرُّ عميانِ الحروبِ .
شعر، هيئة قصور الثقافة 2005 .
7- تفكيكُ السعادةِ .
شعر ، دار هفن 2009.
8- تأطيرُ الهذيانِ .
شعر ، دار التلاقي للكتاب 2009.
9- بقعُ الخلاصِ .
مونودراما ، هيئة قصور الثقافة ،
بيت ثقافة الفشن 2010.
10- إضاءةٌ خافتةٌ وموسيقى .
مجموعة مسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب .2009
11- يُطِلُّ على الحواسِ .
شعر. كتاب اليوم . دار أخبار اليوم ، 2010.
12- الهاتف .
مسرحية للأطفال ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.
13- أورادُ النوستالجيا .
مقالات نقدية ، إقليم القاهرة الكبرى الثقافي . 2011
14- عَالِقٌ في الغَمْرِ ، كالغابةِ كالأسلاف .
شعر ، هيئة قصور الثقافة 2013 .
15- رَفةُ شبحٍ في الظهيرة ، شعر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2013 .
• قَيْد الصدور :
1– حَيِّزٌ للإثمِ ، شعر .
2– بلا خبز ولا نبيذ ، شعر .
3– رمل ، نصوص .
4– .. ومرايا الظِل ، نصوص .
5– الصياد والسمك الناطق ، قصص مترجمة للأطفال
6– اقترح أنت حلاً آخر ، الأعمال المسرحية .

* للتواصل : هاتف محمول : 01003815130 – 01116321147
بريد إلكتروني : [email protected]















• ……………
• …………… 3
4
• يَحيكُ الظِلالَ وأرتديها . 5 -24
• أجوسُ في صدقي المؤجَّلِ ، بابتهاجٍ حقيقي . 25- 48
• صباحُ القسوةِ يا رجل المطر . 49- 68
• كأنني . 69- 82
* الدراسة * 83-103
• .............. 105
• .............. 109



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظَلَمتني الرواياتُ والمقاهي ضَحِكَت عليّْ
- - عن الذاكرة و الصورة - قراءة في ديوان - يطل على الحواس- للش ...
- - منطاد - شعر / مؤمن سمير
- * تَلٌ من الهواءِ الأصيل *
- * حُفرَةٌ في البيتِ * شعر / مؤمن سمير
- - واخمشي بالأظافرِ ..- شعر/مؤمن سمير
- - حكايتهُ الكبرى ..- شعر/ مؤمن سمير
- - أطوي في الأدراجِ وأتمنى .... - شعر / مؤمن سمير
- - الشوارعُ المعتادة ...- شعر/ مؤمن سمير
- * اقتباساتُها
- - برداناً .. عارياً .. عامراً بالخوفِ ..- شعر / مؤمن سمير
- - أصابعُهُ تجوسُ في ظهري ..- شعر / مؤمن سمير
- - مستوفياً لكوابيسي - شعر / مؤمن سمير
- عمر شهريار يكتب عن : ما بعد جيل التسعينيات.. الموجة الثانية ...
- - صفحة من دفتر النشر الخاص في مصر - بقلم / مؤمن سمير
- - مُنْحَدرٌ ولُهَاثٌ - شعر / مؤمن سمير
- * أنا حبيبُ حبيباتِ أصدقائي * شعر / مؤمن سمير
- * نَخْبٌ لتشخيصِ المحبة * شعر / مؤمن سمير
- * أماكنُ للتخفِّي * شعر / مؤمن سمير
- * بجوار الملاحات * شعر/ مؤمن سمير


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - رفة شبح في الظهيرة - 2013 شعر / مؤمن سمير