أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن















المزيد.....



الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1205 - 2005 / 5 / 22 - 11:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


نشأت الحركة القومية العربية، و أقصد هنا حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تأسّس سنة 1947 و حركة القوميين العرب التي تأسّست سنة 1951 و الناصرية التي بدأت بعد ثورة يوليو سنة 1952 و تشكّلت كتيار و كحركة سياسية بعد سنة1956. أقول نشأت الحركة القومية في المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية. حيث كانت الدول الإستعمارية – بريطانيا و فرنسا خصوصاً – قد أُنهكت و أخذت تنسحب من مستعمراتها بفعل الوضع العالمي الذي تشكّل على ضوء موازين القوى التي أوجدتها الحرب ذاتها، و التي أسست لبروز الولايات المتحدة و الإتحاد السوفييتي كقوّتين جديدتين، و حيث كانت الحرب الباردة قد بدأت بينهما.
فقد أوجدت هذه التحوّلات خلخلة في السيطرة الرأسمالية على العالم، و أوجدت حليفاً مهماً لما بات يسمّى منذئذ: حركات التحرّر القومي، هو المنظومة الإشتراكية التي باتت تشمل مساحة واسعة في رقعة العالم. و حيث كانت معنية في الإستفادة من كل الصراعات التي باتت تقوم ضد المنظومة الرأسمالية، الأمر الذي كان يربك السياسات الرأسمالية و يضعف من قدرتها على التحكُّم بالأمم المتخلّفة و المستعمرات.
هذا الوضع هو الذي تطوّرت فيه الحركة القومية العربية. و كانت هزيمة فلسطين سنة 1948 و قيام الدولة الصهيونية هما عنصر الفعل المباشر لنهوضها، و تحوّلها إلى قوّة تغيير طالت مصر و سوريا و العراق و الجزائر و اليمن الجنوبي و السودان و ليبيا، خلال عقدين من الزمن ( 1952- 1969 ). و إذا كانت قد بدأت في كل من مصر و السودان و ليبيا دون حزب، و من ثَمّ تبلورت في حركة أو تيار، و هذا هو حال الناصرية، فقد بدأت في المشرق العربي من خلال حركة حزبية كان حزب البعث العربي الإشتراكي أكبرها، لكنها ضمّت كذلك حركة القوميين العرب، تلك الحركة التي سرعان ما تماهت مع الناصرية قبل أن تتفكّك و تتحوّل فروعها في الأقطار العربية إلى الماركسية، و بالتالي تنشئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و تستلم السلطة في اليمن الجنوبي بعد حرب تحرير قادتها الجبهة القومية. و من ثَمّ لتجري محاولة لإعادة تأسيسها من جديد في إطار حزب العمل الإشتراكي العربي، الذي كان عبارة عن توحيد بعض فروع الحركة التي إعتنقت الماركسية، لكن فروع الحزب ظلّت ضعيفة، و كذلك كان المركز الذي بدا كتحالف لتلك الفروع التي كانت بمثابة أحزاب " مستقلة "، و كان أكبرها و أهمها: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. و ربما كان وضع الجبهة يحتاج إلى تقييم خاص، و كذلك تجربة اليمن الديمقراطية الشعبية.
لكن كان الدور الأهم في المشرق العربي خصوصاً، هو لحزب البعث العربي الإشتراكي، حيث إستطاع أن يستولي على السلطة في كل من سوريا و العراق، و أن يمتدّ وجوده التنظيمي إلى كل من الأردن و لبنان و فلسطين و اليمن الشمالي و الجنوبي و السودان و تونس و أيضاً إلى موريتانيا. و بالتالي فإن تقييم تجربة الحركة القومية العربية في المشرق العربي، يدفع إلى التركيز على تجربة حزب البعث ذاته. تجربته في السلطة خصوصاً لأن إنتشاره خارجها في البلدان الأخرى أصبح إنعكاساً لسلطته، و إنحكم لتكتيكاتها. إضافة إلى أن إنقسامه بين سوريا و العراق بعد أن حكم في كل منهما، تعمّم إنقساماً في البلدان الأخرى كذلك. و بغضّ النظر عن حجمه في هذه البلدان، حيث كان كبيراً في بعضها ( الأردن، لبنان، اليمن ) و صغيراً في البعض الآخر ( تونس، السودان )، فقد لعب دور المعارضة أو هادن، وفق علاقة الحزب/السلطة في كل من سوريا و العراق بالبلد المعني. و حيث كان " تطوير " الأفكار و رسم السياسات من إختصاص " المركز " السوري أو العراقي.
فقد نشأ حزب البعث العربي ( و هذا هو إسمه الأوّل قبل أن يتّحد سنة 1953 مع الحزب العربي الإشتراكي )، بعد تلاشي الحركة القومية العربية القديمة، التي لعبت دوراً في النصف الأوّل من القرن العشرين، من أجل تحقيق إستقلال العرب و وحدتهم، و التي كانت الإنعكاس السياسي لأفكار عصر النهضة العربية. و لكنها سرعان ما تفكّكت إلى أحزاب قطرية، و دخل بعضها في مساومات مع الإستعمارين الإنجليزي و الفرنسي، لقطف ثمار نضالها و إستلام السلطة. و بالتالي التخلّي عن الأهداف القومية التي كانت قد ناضلت من أجلها، و التكيُّف مع السياسات الإستعمارية سواء فيما يتعلّق بالإقرار بالتجزئة التي أنشأتها إتفاقيات سايكس/بيكو في المشرق العربي، و بتكريس البنى الإقتصادية/الإجتماعية التي كانت قائمة ( و هي بنى إقطاعية في الغالب، أو عشائرية )، و من ثَمّ التخلّي عن حلم التطوّر الصناعي و تحقيق الحداثة، هذا الحلم الذي بزغ منذ تجربة محمد على باشا.
و هنا يجب أن نلمس مسألة في غاية الأهمية، كان لها الأثر الكبير في صياغة تجربة الحركة القومية العربية بمجملها، و تجربة حزب البعث على الخصوص، سواء فيما يتعلّق بالأهداف التي طرحتها أو في الأساليب التي إعتمدت عليها للوصول إلى السلطة. فقد كان فشل الحركة القومية القديمة ( و أيضاً فشل أحزاب وطنية في أكثر من بلد عربي، مثل الوفد في مصر ) هو التعبير عن العجز الذي كان يعانيه الميل الذي كان يبرز بين الحين و الآخر، لتحقيق الإنتقال من العلاقات الزراعية و المجتمع الزراعي إلى العلاقات الصناعية و المجتمع الصناعي، هذا الميل الذي حُمل كمشروع سياسي منذ تجربة محمد علي باشا و أحمد عرابي، و حُمل كمشروع إقتصادي من قِبل بعض الفئات الموسرة التي حاولت التوظيف في الصناعة ( و المثال الأبرز هنا هو تجربة بنك مصر ). لكنه هُزم عبر القوّة في الحالة الأولى، و عبر المنافسة و السياسات الإستعمارية و تبعية الأنظمة في الحالة الثانية (1). و لهذا تكيّفت الحركات السياسية التي لعبت دور التغيير مع السيطرة الإستعمارية أو حصلت على الإستقلال بالتوافق مع الدول الإستعمارية. و ظلّت العلاقات الإقطاعية هي المسيطرة، بعد أن تشابكت مع الرأسمال العالمي عبر الفئات التجارية التي كانت تتشكّل. فخبا الطموح نحو التطوّر و الحداثة و الوحدة، و قُبل الأمر الواقع الذي رسمته الدول الإستعمارية.
كان البديل عن هذا الخيار التطوّري هو ما بات يتوضّح منذ ثورة أكتوبر الروسية سنة 1917، و الذي إمتدّ إلى الصين و الهند الصينية و بلدان أخرى، و هو المشروع الشيوعي. لكن الحركة الشيوعية العربية حملت مشروعاً آخر، تحدَّد في مساندة البرجوازية في تحقيق مشروعها الرأسمالي الذي قلنا للتو أنه فشل (2)، و بهذا كانت التناقضات المجتمعية تتفاقم، خصوصاً في الريف الذي كان يعاني من وطأة العلاقات الإقطاعية، و لكن في المدينة كذلك حيث بداية نشوء الطبقة العاملة. و كان تفاقمها يفرض تحقيق الإستقلال و الإصلاح الزراعي و التصنيع، و أيضاً الوحدة و الحداثة. و كان الوضع الدولي الجديد الذي جرت الإشارة إليه، يفتح الإمكانات التي كانت تبدو مغلقة قبل إذ.
نشوء حزب البعث إرتبط بذلك، حيث بدأ بما يمكن أن نسميه بتحفُّظ كإنشقاق في التيار الشيوعي في سوريا و لبنان خصوصاً، أو كإبتعاد مبكِّرٍ عنه. حيث ترك ميشيل عفلق و صلاح البيطار موقعيهما على هامش الحزب الشيوعي السوري اللبناني ( كما كان يسمّى آنئذ )، ليبدءا رحلة تأسيس البعث العربي(3). لقد كانت سياسات الحزب الشيوعي إلى سنة 1935 تقوم على أساس رؤية عربية عامة، و تهدف إلى تحقيق الوحدة القومية العربية و الإستقلال و الإصلاح الزراعي و الحداثة و الديمقراطية (4)، و هذا ما كان يجعل عفلق و البيطار في التيار. لكن التحوّل الذي تحقّق سنة 1937 و قلب سياسات الحزب، لتصبح قطرية و داعمة للتطوّر الرأسمالي الذي كان يبدو أنه في مأزق (5). هذا التحوّل دفع إلى تأسيس تيار البعث الذي أصبح هو القوّة المهيمنة بعد ذلك.
إذن، كان البعث يطرح " خياراً ثالثاً " في عالم كان يتوضّح أن التطوّر الرأسمالي لم يعُد ممكناً نتيجة هيمنة النمط الرأسمالي العالمي و إحتجازه التطوّر في الأطراف، و بات الخيار الإشتراكي هو الذي ينتصر في أرجاء العالم المتخلِّف. و لهذه الواقعة أهمية تتعلّق بالتكوين الذي صِيغت فيه تجربة الحركة القومية العربية ككل، حيث بدت أنها تحقِّق التطوّر الرأسمالي في شكل إشتراكي، رغم أن المآل أوضح أنها محاولة لم يُكتب لها النجاح، سرعان ما أفضت إلى التكيُّف مع السيطرة العالمية للرأسمالية. لقد كانت الظروف الواقعية تدفع نحو التخلّص من الإستعمار و من الطبقة التابعة له، التي كانت تتشكّل من كبار ملاّك الأرض و البرجوازية التجارية المتداخلة معهم، و من الوجاهات و أعيان المدن. و كانت الأزمة الإجتماعية تتفاقم. لكن كانت الفئات التي قادت الحركة القومية و التي حملت مشروع التقدّم قد تخلّت عنه، و كان البديل الشيوعي لازال يأمل أن تنتصر الرأسمالية. الأمر الذي دفع بفئات جديدة كي تقوم بدور تغييري عبر الإنقلاب العسكري، في وضع دولي ( أشرت إليه منذ البدء ) كان يسمح بأن يتحقّق الإنقلاب و أن يتحوّل إلى " ثورة "، حيث قامت الفئات المنتصرة عبر الجيش بتدمير البنى الإقتصادية الإجتماعية المكرّسة بفعل السيطرة الإستعمارية، و بإتخاذ سياسة معادية للرأسمالية عبر التأكيد على الإستقلال و تحقيق التطوّر و السعي لتحقيق الوحدة العربية.
نشوء الحزب:
و لقد تشكّل الحزب من فئات مدينية مثقفة و متعلمة درس بعضها في أوروبا ( ميشيل عفلق ) و كان ذو ميول يسارية، لكنه تأثّر بالميول القومية الأوروبية، و بنقد التجربة السوفييتية ( نقد أندريه جيد و رومان رولان ) (6). لهذا كانت الفكرة القومية هي محور سياسة البعث، و بدت المسائل الأخرى التي جرى إعتناقها لاحقاً كمكمّل لذلك (7). من هنا جرت الإشارة إلى الطابع " الرومانسي " لفكر البعث، حيث " القومية قدر محبّب "، و " القومية حب " و " القومية حقيقة حيّة خالدة " (8). و هذا ما أسّس لإشكالٍ عميق فيما يتعلّق بمسألة الوحدة العربية، التي بدا تحقّقها قدرياً نتيجة أنه يرتبط بوعي ضرورتها فقط (9). و سنلحظ أن مشروع البعث تجاوز مشروع النهضة العربية الذي نادى به مفكرون عرب منذ بداية القرن العشرين، في سياقين ملتبسين، الأوّل: " الإشتراكية "، حيث كان المشروع النهضوي مشروعاً رأسمالياً بشكل واضح، و الثاني: تهميش الديمقراطية التي كانت عنصراً أساسياً في المشروع النهضوي. لكن يمكن أن نشير هنا إلى أن مشروع البعث إفتقد عقلانية المشروع النهضوي كذلك، و تشرّب صوفيّة ظلّت تحكمه (10).
لكن قوّة الحزب و نفوذه تشكّلا بعد أن إستطاع أن يتغلغل في الريف، و أن يعبِّر عن تناقض الفلاحين مع الإقطاع و كبار الملاّك في مناطق هامة من سوريا خصوصاً، حيث كان الريف يشكّل الكتلة الأساسية من السكان، و كان الصراع بين الفلاحين و كبار الملاك و الإقطاعيين هو محرّك الصراعات في المجتمع. و كان الإصلاح الزراعي ضرورة أساسية لتجاوز إضطهاد الفلاحين و فقرهم و تخلّفهم. و هذا الوضع هو الذي كان يدفع فقراء الريف إلى الإنخراط في الجيش الذي أصبح منذ إنكشاف الوضع الدولي و إحساس الشعب أنه غير قادر على الإستمرار في وضعه القائم، هو قوّة التغيير التي كنست النظم القديمة و الطبقة المسيطرة الممثلة في كبار الملاّك و البرجوازية التجارية و الوجاهات، و فتح الأفق لتحقيق تغيير عميق في بنية المجتمع، و بالتالي تحوّل من أداة للسلطة القديمة إلى هادم لها.
و رغم أن مختلف القوى السياسية كان لها وجودٌ في الجيش، و الشيوعيون خاصة، إلا أن قوّة البعث في سوريا و العراق هي التي دفعت الجيش لأن يقود الحزب إلى السلطة، و أن يصبح " ضبّاط " الحزب هم من يقرِّر سياسته، و من يرسم مصيره، و من بات هو الحزب في النهاية. لهذا بدت المسألة و كأنها هيمنةٌ للريف على المدينة، و قادت إلى " ترييف " المدينة، و لكن أيضاً إلى تمدين المجتمع. الأمر الذي طبع التجربة بطابعه، و أسهم في تحديد مآلاتها.
و إذا كانت الفئات المدينية التي شكّلت الحزب تعطي الأولوية لمسألة الوحدة العربية و للعمل القومي العام، و تطمح إلى تحقيق التطوّر لكن في إطار ضبابي، فإن سيطرة الفئات الريفية أعطى للتطوّر و للسلطة لوناً " عملياً "، مما قاد إلى تجاوز أولوية القومي لمصلحة " التطوّر القطري "، و جعل " الأهداف القومية " غطاءً لعملية داخلية قامت على أساس أولوية " المصلحة الخاصة " للفئات التي باتت حاكمة، في سياق تجربة حقّقت بعض التطوّر لكنها خدمت نشوء برجوازية جديدة حقّقت تراكمها الأوّلي عن طريق النهب و في إطار سلطة إستبدادية، و حيث بات الحزب واجهة تتحقّق عبرها الهيمنة على الطبقات الشعبية، في إطار دور حاكم للأجهزة الأمنية المتعدِّدة.
و لاشك في أن الدور المباشر لضبّاط الجيش القادمين من أصل ريفي، هو الذي أدى إلى ذلك. و هنا تصبح تجربة الحزب هي تجربة السلطة، التي بات يُطرح أنها أداة تحقيق الوحدة العربية و التقدُّم و هزيمة الدولة الصهيونية. و باتت فروع الحزب العربية هي إمتداد لهذه السلطة و منفِّذ تكتيكاتها كما أشرت من قبل. و إذا كان الحزب قد فشل في تحقيق أي شكل من أشكال الوحدة، حتى و هو يحكم في القطرين المتجاورين، سوريا و العراق، فقد باتت تجربة السلطة هي محدِّد مآله الأخير، لأنه تماهى بها و أُخضِع لها، مما أفرغه من مضمونه الشعبي الذي كان بدأ به، و رغم تضخُّم عضويته فقد بات منفِّذاً لسياسات يرسمها فرد هو الرئيس، و أصبحت العضوية تعني الخضوع من جهة، و تقود إلى تحقيق المصالح ( المادية و المعنوية ) من جهة أخرى.
هذا هو التوصيف الممكن لوضع الحزب، الذي بات " حاكماً " في سوريا و العراق، و معارضاً و مهمّشاً في الأقطار الأخرى. و رغم أنه يمكن الإشارة إلى تمايزات بين تجربته في كل من سوريا و العراق، إلا أن الطبيعة العامة للتجربتين كانت متشابهة إلى حدٍّ كبير، رغم " الحيوية القومية " التي ظلّت تطبع التجربة العراقية، و " الحكمة " التي طبعت التجربة السورية. لهذا يمكن أن يكون التقييم اللاحق شاملاً التجربتين معاً.
و المسألة الأساسية هنا تتمثّل في تحديد كيف أن الأهداف القومية العامة، تمخّضت عن تجربة تطوّرية قطرية محدودة الأثر سرعان ما إنهارت. و بالتالي كيف تحوّل الحزب القومي إلى حزب قطري ذو إمتدادات قومية؟ و كيف أن السلطة التي حظي بها الحزب أصبحت وسيلة نهب و دكتاتورية مناهضة للشعب بدل أن تكون منطلق تحقيق المشروع القومي؟
هذا التحوّل هو الذي يشكِّل تجربة حزب البعث العربي الإشتراكي. و هو التحوّل الذي كسر مسار الحركة الجماهيرية العربية التي كانت مندفعة لتحقيق الوحدة القومية و الإستقلال و التقدُّم. و عمّق من وضع الدولة القطرية، و حاول تأسيس كيانيّتها (11). و أفضى إلى تفتيت الحركة السياسية و تهميشها، مما أوجد فراغاً سياسياً بات واضحاً للعيان.
السلطة البطركية:
و إذا كان الوصول إلى السلطة قد جعل الوضع الداخلي ذو أولوية، حيث من الضروري تحقيق تطوّر المجتمع و أيضاً تطوير قوّته، فقد بدا أنه أصبح مربكاً في سياق إكمال مهمات الحزب القومية، ربما نتيجة الإشكال الذي طرحه من حيث آليات الوصول إلى تحقيق الوحدة العربية، لأن فكر البعث لم يكن واضحاً فيما يتعلّق بالطريق الموصل إلى الوحدة، على العكس بدا أن الطريق هو طريق سحريّ ما دامت الأمة قدر أو وعي، و ما دام تحقيقها يتطلّب وعي هذه الحقيقة فقط. فهل تكون القوّة هي طريق الوحدة أو ننتظر إنتصار الحركة القومية في الدول الأخرى لكي تتحقّق الوحدة إستناداً إلى " الرغبة الطيّبة " للقادة الوحدويين؟ هذه الرغبة الطيّبة لم تُفلح في تحقيق الوحدة السورية العراقية رغم الإنتماء إلى حزب واحد، بل قادت إلى الإنقسام إلى حزبين، و إلى تصعيد التناقضات بينهما إلى حدّ الصراعات العنيفة أحياناً، و إلى شقّ الحزب في الأقطار الأخرى إلى حزبين متعاديين. و أيضاً إلى تأسيس التحالفات العربية كلٌّ في مواجهة الآخر، مما أضعف دورهما العربي و كرّس النظام الإقليمي العربي.
هنا نلمس طبيعة السلطة التي تشكّلت بعد صراعات داخلية، في الحزب و الجيش، أدت إلى إنتصار فئة و تشكيلها سلطة شمولية مستبدّة. و لقد كان التكوين البطركي الذي كان يسود الريف، و الذي كان نتاج " الإرث التاريخي " الطويل، و القائم على سلطة مطلقة لها طابع أبوي (12)، و تميل إلى تحويل " الزعيم " إلى أسطورة، و أحياناً إلى نصف إله. كان هذا التكوين هو أساس صياغة السلطة الجديدة، التي بدت مستبدّة إلى أبعد الحدود، و مطلقة المركزية، حيث كانت سلطة فرد هو ما يسمى الرئيس، عبر أجهزة أمنية متعدّدة، و في غياب كامل لمفهوم الحق و القانون، و حيث أجهزة الدولة هي المنفّذ لإرادة مطلقة. هذه الصيغة هي خلاصة التجربة التاريخية لدولة الخلافة، و التي تكثّفت في الوعي الريفي و في التكوين الإجتماعي الريفي، و عادت للبزوغ في المستوى السياسي مع سيطرة الفئات الريفية على السلطة. و هنا يكون فكر حزب البعث قد نُحّي جانباً، و أقصد ذلك الفكر المستمدّ من التراث الديمقراطي الأوروبي، و الذي كان يؤكّد على " حرية الفرد "، و على حرية الكلام و الإجتماع و الإعتقاد التي كان يعتبر أنها مقدّسة كما صاغها الحزب في دستوره المقرّ سنة 1947(13). و أيضاً على سيادة الشعب و أنه مصدر كل سلطة. و على النظام النيابي الدستوري و اللامركزية و حق المواطنة و إستقلال القضاء (14). و بالتالي أعاد إنتاج سلطة الخلافة في شكل جديد هو ما تبقّى من دستور الحزب. لنلمس كيف أن كل الآليات الحديثة ، من برلمان و إنتخابات و أحزاب، باتت تخضع لسلطة مطلقة متمركزة بيد الرئيس، الذي يتعامل إنطلاقاً من أنه " المخلّص " و " الملهم " و " الفذّ ". و ليكون العنف المتمثّل في سلطة الأجهزة الأمنية هو العلاقة الوحيدة بين السلطة و الشعب، و بالتالي السياسة و الحركة السياسية، و مع كل تململات المجتمع و ميوله الإحتجاجية. و حيث يعتبر ذلك تمرّداً على " الإرادة الإلهية "، و عصياناً عليها.
و لقد أفضى تكريس هذا النمط من السلطة إلى إعادة صياغة الحزب بما ينسجم مع كونه أداة منفّذة لإرادة الفرد، و بالتالي أن يتخلّص من كل الإتجاهات المعترضة أو التي لها رأي ربما لا ينسجم مع " الفرد/ الإله ". و من ثَمّ أن يصبح " الولاء " هو المقياس لحسن السلوك، و أيضاً للترقية في المناصب الحزبية و في الدولة. الأمر الذي فتح الباب واسعاً لإنخراط ذوي المصالح الخاصة، بعيداً عن أي همٍّ أيديولوجيّ أو سياسي، و بالتالي بعيداً عن التفكير بالهمّ العام الذي كان هو الدافع لكل أفكار البعث. ليتحوّل الحزب من حزب " عقيدة " كما كان يقول إلى حزب مصلحة. فتتفشّى البراجماتية في صفوفة، و يصبح " الكسب " هو مقياس العلاقات و التحالفات، مما ربط قطاعات منه بالأجهزة الأمنية تحقيقاً لمصلحة و حماية من عقاب على مخالفات ترتكب كل يوم. الأمر الذي أنتج جيلاً من الأعضاء لا يعرف السياسة إلا كونها مصلحة، مما يجعله الآن أضعف من أن يقود السلطة.
و بالتالي فقد كانت السلطة البطركية مدخلاً لتحقيق مصالح الفئات ذاتها، عبر نهب التراكم الرأسمالي الذي بات في حوزة الدولة. و أصبح النشاط الإستثماري للدولة هو ذاته النشاط الذي يسمح بإقتطاع جزء منه لمصلحة الفئات الحاكمة هذه. كما أصبح ضبط الدولة للعلاقات الإقتصادية ( الإستثمارية و التجارية ) هو الأساس الذي بات يسمح بالمشاركة أو بالحصول على سمسرة، بغض النظر عن إنعكاس ذلك على مجمل الإقتصاد الوطني. من هنا بات يعيش " القطاع العام " أزمة عدم الربحية ( التي لعب سوء التخطيط و فرض الكادرات غير الكفوءة قيادة له، دوراً مهماً كذلك في الوصول إلى هذه النتيجة )، و بدأ يتعثّر. لكن كانت فئةٌ في السلطة تراكم الرأسمال ( و ربما كان الأدقّ القول أنها كانت تراكم المال لأنها كانت تهرّبه إلى البنوك الأجنبية )، و ربما تتقصّد إفشال شركات القطاع العام، من أجل أن تفرض ذاتها القوّة المهيمنة في الإقتصاد، لتندفع إلى تعميم إقتصاد السوق، و إلى التشبيك مع الرأسمال العالمي.
و إذا كانت هذه العملية تلغي الطموح القومي، و تقود إلى التكيّف مع مصالح الرأسمال العالمي، فقد كانت تنهي صيرورة التطوّر القطري كذلك، و تعيد إنتاج النمط الرأسمالي التابع رويداً رويداً. و إن كانت لم تصل إلى هذا الحدّ في العراق حيث جرى إنهاء السلطة عبر الإحتلال الأميركي، فهي لازالت تترنّح في سوريا، لكنها تقف على عتبة تغييرٍ تلعب الولايات المتّحدة دوراً رئيسياً فيه، أو ربما تتكيّف المافيات التي أثرت مع سلطة الخارج، أو الإثنين معاً.
من الإشتراكية إلى النهب:
لكن لماذا هذا المآل، حيث تتحوّل الأحلام الكبيرة إلى نتوءات صغيرة؟
كان الوصول إلى السلطة أساس عملية تحوّل، قلبت الإهتمام من الأهداف العامة و السعي لتحقيق التطوّر العام للوطن العربي، إلى الميل لتحقيق المطامح الخاصة، التي كان تحقيقها يقوم على الضد من الأهداف العامة و يشكّل معيقاً لتحقيقها. و ربما لم يكن هذا التحوّل واعياً، أي ربما لم تكن الفئات التي قادت السلطة تعي أن تحوّلاً يمكن أن يحدث نتيجة ميلها لتحقيق مصالحها في سياق تحقيق المصلحة العامة كما كانت تعتقد، لكن التجربة فرضت إنتصار المصلحة الخاصة لتبدو الأهداف القومية كغطاء لذلك. و هنا المسألة التي تحتاج إلى تأمّل و نحن نناقش مشكلة التطوّر، حيث سيبدو أن رابطاً دقيقاً يقوم بين ما يمكن أن نطلق عليه المصلحة القومية، و بين مصالح الفئات الإجتماعية التي تتبوأ عملية التغيير.
لقد تبنى حزب البعث الإشتراكية منذ تأسيسه ( 1947 )، و إعتبر أنها " النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكاناته "، و أن " الثروة الإقتصادية في الوطن ملك للأمة "، و طالب بتحديد الملكية الصناعية و الزراعية، و بإلغاء التفاوت و التمايز الطبقيين (15). لكنه أصرّ على التناقض مع النظرية الماركسية في هذا المجال، حيث أبقت " إشتراكية البعث " على " حق الملك " رغم أنها " حدّدته بقيود ثقيلة تزيل المحاذير التي تنشأ عنه " (16). لتمتاز عن الماركسية " بالحق في الملكية الخاصة و بالحرية " (17). بمعنى أن الإشتراكية هنا لا تقوم على إلغاء الملكية الخاصة، بل تقوم على ما يمكن أن نسميه التساوي في الملكية، أو تقليل الفروق بين الملكيات. هذا النمط من الإشتراكية كان معروفاً في أوروبا قبل الماركسية، و دخل ماركس في سجال مع أطيافها، مؤكّداً أن وجود الملكية ذاتها هو الذي يُنتج اللامساواة و التمايز الطبقي، و أساساً الطبقات المتصارعة (18). و ربما توضّح تجربة البعث هذه المسألة بجدارة، حيث أن الشكل المطلق الذي طرح فيه حق الملكية فتح الشهية للخروج على الضوابط الأخلاقية، و سمح ب " الإعتداء على الأموال العامة " لتحقيق التراكم الأوّلي الذي أفضى إلى تحقيق التمايز الطبقي في الواقع، و إلى إعادة الإستقطاب بين أقلية غنية و أغلبية مفقرة. فقد بدت السلطة كوسيلة نقل للثروة من طبقة إقطاعية رأسمالية قديمة إلى طبقة جديدة، أصبحت جزءاً من الرأسمالية التابعة.
و إذا كانت هذه النزعة تعبّر في المرحلة الأولى من تأسيس البعث عن ميول الفئات المثقفة المدينية التي كانت تحس بوطأة التطوّر من خلال الحاجة لدور الدولة في تحقيقه، لأن البرجوازية كانت عازفة عن بناء الصناعة. لهذا طُرحت الإشتراكية كنظام إقتصادي فقط في هذا السياق، على خلاف الإشتراكية الماركسية التي كانت الإشتراكية بالنسبة لها تمسّ التكوين المجتمعي ( الطبقات و الحياة الروحية ) (19)، و بالتالي دُمجت في هذا الإطار في رؤية فكرية لا تمنع الملكية الخاصة بل تكرِّسها. إذا كانت هذه النزعة تعبّر عن ذلك، فقد أدى إندماج البعث بحزب فلاّحيِّ الطابع سنة 1953، هو الحزب العربي الإشتراكي الذي أسّسه أكرم الحوراني في مدينة حماة و ريفها خصوصاً، إلى أن يُعطى مفهوم الإشتراكية معنى آخر، إرتبط بميل الفلاّح إلى التملُّك، و بالتالي باتت تعني الإشتراكية حق المساواة في التملُّك، أو تعميم الملكية الزراعية عبر مصادرة جزء من أملاك كبار الملاّك و توزيعه على الفلاحين دون تحقيق المساواة، كما حدث في قوانين الإصلاح الزراعي.
و لقد تداخل المعنيان ليشْكلا على " الملكية العامة " التي باتت في حوزة الدولة، حيث بزغ الحق في التصرّف في هذه الملكية التي أسميت " ملكية عامة " ( أو قطاع عام )، و طغى النزوع لتحقيق التملّك الفردي، الأمر الذي أدى إلى المراوغة و التحايل، و من ثَمّ السرقة و السمسرة، و أيضاً النهب. ليصبح حق التملّك هو حق الإثراء و التحوّل إلى طبقة رأسمالية جديدة، لكن ليس عبر المنافسة بل عبر النهب و إقتطاع جزء كان لا يني يتضخّم من ما كان مفترضاً أنه ملكية عامة، و في ظلّ سلطة مستبدّة تخفي ما يجري بالعنف ( ملاحقة الحركة السياسية المعارضة )، و تهيمن على المجال السياسي و أيضاً على المجال المجتمعي ( النقابات )، و على الصحافة، و الجامعات و المدارس، و على المؤسسات الأهلية.
لقد ضاع الفاصل بين الخاص و العام من أجل أن يتحوّل العام خاصاً. و بهذا بدأ يتسرّب التراكم الرأسمالي من الدولة إلى الأفراد، و بدل أن يعاد توظيفه في الإنتاج أصبح يهرّب إلى البنوك الأجنبية. هذه هي صيرورة التفكّك، التي عنت توقّف الخطوات المهمة التي بدأت مع التجربة، و المتمثّلة في إزالة الإقطاع و الرأسمالية التجارية التابعة، و تحقيق الإصلاح الزراعي، و البدء بالتصنيع، و تعميم التعليم الإلزامي المجاني، و حقوق العمال في العمل و الأجر المناسب و الضمان الإجتماعي. و من ثَمّ توقّف التوسّع الصناعي و بناء القاعدة التحتية، و تشوّه التعليم ( الذي أسمي تبعيث التعليم )، و دخول الإقتصاد في أزمة عميقة نتيجة سوء التخطيط و عدم الكفاءة و النهب، و تحقُّق التمايز الطبقي بين أقلية بالغة الثراء و أغلبية مفقرة و تعاني من البطالة. و بالتالي ناسَ مشروع التقدّم، و إنتصر منطق الإلتحاق بالرأسمال العالمي من موقع التابع، عبر العودة إلى إقتصاد السوق و الخصخصة و تحكّم الرأسمالية التابعة. هذا هو وضع سوريا اليوم، بينما إنتهت التجربة العراقية قبل أن تتفسّخ بعد أن دخلت في حروب متعدِّدة كانت جزءاً من محاولات الخروج من مأزق التناقض بين المشروع القومي و التجربة القطرية، أو في مواجهة الدور الإمبريالي الذي عمل على حصارها و من ثَمّ هزيمتها بإحتلال العراق.
خلاصة:
إذن، سنلمس هنا أن التجربة واجهت مشكلات ثلاث. فقد واجهت أوّلاً مشكلة الفئات التي لعبت دور القيادة، حيث قاد التغيير الأوّلي الذي أحدثته في البنى الإقتصادية الإجتماعية بعد أن أصبحت هي السلطة، إلى أن يتغلّب موضوعياً منطق المصالح على منطق الأهداف و الشعارات الكبيرة و المصلحة العامة، الأمر الذي جعل محاولة التطوّر قصيرة المدى و مؤلمة و لم تفعل سوى تدمير البنى القديمة و تحقيق بعض التحديث و تحسُّنٍ في التعليم. و واجهت ثانياً مشكلة التناقض المزمن مع القوى العالمية المسيطرة، أي قوى النمط الرأسمالي العالمي، التي تحتجز التطوّر في الأطراف، و بالتالي تمنع بناء الصناعة و الوحدة القومية و الحداثة ( بما فيها في مجال الفكر و النظم السياسية )، و لهذا ليس من رادع أمامها في التدخّل و التغيير بالقوّة، خصوصاً بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية. و ثالثاً مأزق الرؤية الفكرية التي حكمت الحركة القومية العربية، و خصوصاً حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي كان تكوينه الأوّلي يتّسم بالرومانسية المفرطة، و كان منطقه يكرّس القدَرية و العفوية، و تسكنه إرادوية هائلة ما دام أن وعي وجود الأمة يفضي حتماً إلى تحقُّق وحدتها، و يعاني من إختلاط التصوّرات كما حاولت التوضيح فيما يتعلّق بالإشتراكية. و حين حاول الإفادة من الماركسية و التجارب الإشتراكية تعامل مع الأفكار من زاوية تقنيّة بحتة بما يخدم التخطيط الإقتصادي أو آليات القمع السلطوي. هذا الفكر لم يكن قادراً على وعي الواقع بتنوّعه و تعدُّده و عمق مشكلاته، و بالتالي على صياغة الرؤية التي تقود إلى تغييره. و هذا الفكر فتح الأفق لإنتصار الإختيارات الذاتية، و البراجماتية العملية التي رجّحت مصالح الأفراد في عملية نهب سريعة، دون المقدرة على بناء ما يساعد على دوام التطوّر و على حمايته في مواجهة القوى الرأسمالية.
و إذا كان حزب البعث السوري ينتظر النهاية، فإن البعث العراقي ينخرط في المقاومة ضد الإحتلال الأميركي، لكنه ينخرط محمّلاً بإرث ثقيل من العنف الدموي الداخلي و من ممارسات الإضطهاد السياسي ضد المعارضة، و من سلطة غاشمة مستبدّة. الأمر الذي يلقي بظلاله على إمكانيات أن يلعب دوراً مهماً في المقاومة، نتيجة العجز عن إستقطاب القاعدة الشعبية الضرورية لأن يصبح قوّة أساسية. و من ثَمّ يبدو وضع الحزب في الوطن العربي صعباً، و لا يبدو أنه يمكن أن يلعب دوراً ذا بال.
و يمكن هنا الإشارة إلى أن الحركة القومية العربية باتت في مأزق عميق، حيث لازالت لم تستطع تحليل أزمة إنهيار نُظمها، و كيف يمكن أن تحقِّق التطوّر دون أن تكسر أحلامها و تُنبت طبقة جديدة حريصة على الإرتباط بالرأسمال العالمي، و لا كيف يمكن أن تتحقّق الوحدة العربية، حيث مالت كل البحوث في هذا المجال نحو " التريّث " و التدرّج و راهنت على البدء من الإقتصادي ( الوحدة الإقتصادية التي خُفِّضت إلى السوق الإقتصادي ). و إذا كان الفكر القومي بات يتبنى مسألة الديمقراطية كونها الحل السحري و التجاوز لمشكلات الحركة القومية، فإن ذلك لم يسمح لهذا الفكر أن يعيد إنتاج مجمل الفكر القومي في صيغة مطابقة للواقع القائم، و لم تشكّل الديمقراطية مخرج النجاة بعد تجربة مؤلمة قادها و هو في السلطة، أو بفعل المآل الذي أفضت إلية التجربة ذاتها.

______هوامش:
(1) لقد حاولت دراسة ذلك في: سلامة كيلة " التطوّر المحتجز: الماركسية و إختيارات التطوّر الإقتصادي الإجتماعي في الوطن العربي " دار الطليعة الجديدة/دمشق ط1/2003.
(2) يمكن العودة إلى: سلامة كيلة " مشكلات الماركسية في الوطن العربي " دار التكوين/ دمشق، ط1/2003.
(3) أنظر حول ذلك في: ميشيل عفلق و صلاح البيطار " القومية العربية و موقفها من الشيوعية " إصدار مكتب البعث العربي – دمشق 1944.
(4) أنظر الوثيقة في: محمد كامل الخطيب ( تحرير و تقديم ) " القومية و الوحدة " سلسلة قضايا و حوارات النهضة العربية، إصدار وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية – دمشق 1994، حيث ترد الوثيقة في القسم الثالث الصفحات 1105- 1116.
(5) أنظر المقدّمة التي كتبها خالد بكداش في: ستالين " طريق الإستقلال: المسألة الوطنية، نشؤها- تطوّرها- حلولها " مكتب المطبوعات السياسية و الإجتماعية 1939. و يمكن معرفة رأي عفلق بشكل واضح و محدَّد في: ميشيل عفلق و صلاح البيطار " القومية العربية و موقفها من الشيوعية " مصدر سبق ذكره.
(6) موقف عفلق من التجربة الإشتراكية و الإتحاد السوفييتي و رأي أندريه جيد وارد في: ميشيل عفلق و صلاح البيطار " القومية العربية " سبق ذكره.
(7) يمكن العودة إلى: ميشيل عفلق " في سبيل البعث " دار الطليعة/بيروت، ط3 تشرين الثاني 1963، الصفحة 199.
(8) عفلق " في سبيل البعث " سبق ذكره، الصفحات 45- 49. و سنلمس أن هذا المنطق قد إنعكس في دستور الحزب المقرّ سنة 1947. أنظر، محمد كامل الخطيب ( تحرير و تقديم ) " القومية و الوحدة " سبق ذكره، صفحة 1150. و هنا بحث وافٍ في هذه المسألة في: مصطفى دندشلي " مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الإشتراكي 1940- 1963" الجزء الأوّل، إصدار المؤلف ط1/ 1979. الصفحات 75- 76.
(9) مصطفى دندشلي " مساهمة " سبق ذكره الصفحات 88- 90.
(10) المصدر السابق الصفحات 40- 44.
(11) أنظر معالجة لهذا الموضوع في : جورج طرابيشي " الدولة القطرية و النظرية القومية " دار الطليعة/ بيروت، ط1/
(12) في هذا المجال يمكن العودة إلى: الدكتور هشام شرابي " البنية البطركية، بحث في المجتمع العربي المعاصر " دار الطليعة- بيروت، ط1/ 1987. و أيضاً، الدكتور هشام شرابي " النظام الأبوي و إشكالية تخلّف المجتمع العربي " مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت، ط1/1992.
(13) يمكن العودة إلى دستور الحزب المنشور في: محمد كامل الخطيب ( تحرير و تقديم ) " القومية و الوحدة " سبق ذكره، الصفحة 1149.
(14) المصدر ذاته الصفحة 1151، و أيضاً الصفحات 1152 و 1153.
(15) المصدر ذاته الصفحات 1151 و أيضاً 1154، و كذلك 1157.
(16) عفلق " في سبيل البعث " سبق ذكره، صفحة 211.
(17) أنظر دراسة ميشيل عفلق، الإشتراكية و الحرية الإنسانية، واردة في: مجموعة كتّاب " دراسات في الإشتراكية " دار الطليعة- بيروت 1960، ص 138- 159.
(18) هذا ما يعالجه كل من ماركس و إنجلز في الفصل الأخير من البيان الشيوعي، أنظر: كارل ماركس و فريدريك إنجلز " البيان الشيوعي " دار دمشق- دمشق،ط1/ 1959. و لقد إعتمدنا على الطبعة الرابعة الصادرة سنة 1972، الصفحات 79-96.
(19) عفلق " في سبيل البعث " سبق ذكره صفحة 199 و أيضاً صفحة 210.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار الخصخصة في سوريا
- عودة الى الطبقة العاملة
- الحركات الشعبية و دور أميركا
- التغيير التائه بين الداخل و الخارج
- ديمقراطية الطوائف
- أميركا و الأصولية
- منزلقات الأصولية
- الإصلاح ليس ضرورة
- الى الأستاذ حسقيل قوجمان
- نداء إلى كل الماركسيين في الوطن العربي
- غيبوبة السياسة السورية
- بوش في أوروبا، هل يمكن تحقيق التوافق؟
- طبيعة المقاومة العراقية
- الماركسيون و الليبرالية، حول أوهام نقد الليبرالية
- بصدد الماركسية، حول الأيديولوجيا و التنظيم
- الجغرافيا السياسية للمشرق العربي بعد إحتلال العراق، ما يمكن ...
- عفوية الجماهير و دور الحركة الثورية في الوطن العربي
- في مواجهة إقتصاد السوق
- بعد عرفات، إحتمالات قاتمة؟
- ثورة اكتوبر ، محاولة للتفكير


المزيد.....




- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل
- جهود عربية لوقف حرب إسرائيل على غزة
- -عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم- مر ...
- شاهد.. سيارة طائرة تنفذ أول رحلة ركاب لها
- -حماس-: لم نصدر أي تصريح لا باسمنا ولا منسوبٍ لمصادر في الحر ...
- متحف -مرآب المهام الخاصة- يعرض سيارات قادة روسيا في مختلف مر ...
- البيت الأبيض: رصيف غزة العائم سيكون جاهزا خلال 3 أسابيع
- مباحثات قطرية أميركية بشأن إنهاء حرب غزة وتعزيز استقرار أفغا ...
- قصف إسرائيلي يدمر منزلا شرقي رفح ويحيله إلى كومة ركام
- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن