طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 21:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذه ترجمتي, مع بعض التصرف, لاستعراض Chris Byron للكتاب
"ديالكتيك الطبيعة البشرية في فلسفة ماركس"
Dialectics of Human Nature in Marx’s Philosophy
Palgrave Macmillan, New York and London, 2012
تأليف: Mehmet Tabak
http://marxandphilosophy.org.uk/reviewofbooks/reviews/2013/758
---------
للوهلة الأولى يبدو ان ماركس يحمل وجهات نظر متضاربة حول الطبيعة البشرية, حيث تكلم ماركس في أعماله المبكرة بانتظام عن مفاهيم مثل "النوع البشري"، "جوهر الإنسان "، و"الطبيعة البشرية" . ولكن الفلاسفة، بعد ظهور كتابه "أطروحات حول فيورباخ"، شككوا بامكانية وجود نظرية ماركسية للطبيعة البشرية, بسبب إطاره المادي التاريخي اللاحق.
هنالك عدة مدارس في هذا الشأن . البعض، مثل ارنست ماندل، يعتقد أن ما كتبه ماركس لاحقا هو استمرار ومواصلة لأعماله المبكرة, وبالتالي, فإنه مع تخلي ماركس في اعماله المتأخرة عن مصطلح "ألنوع البشري"، ولكنه مع ذلك احتفظ بالمفهوم لاحقا. يعتقد آخرون أنه ليس فقط من المستحيل التحدث عن نظرية ثابتة للطبيعة البشرية حسب المفهوم المادي التاريخي للتطور البشري، ولكن ماركس ايضا رفض صراحة مثل هذه النظرية في اطروحته السادسة. آخرون, مثل شين سايرز, يعتقدون أن أنه على الرغم من انسيابية نظرية ماركس للطبيعة البشرية ، فإنها, مع ذلك, استمرت بالاحتفاظ بآرائه الإنسانية ومفاهيم الفلسفة الإنسانية بشكل عام. وأخيرا، هناك معسكر آخر، يمثله نورمان جيراس، يحاول أن يظهر أن مفهوم ماركس للطبيعة البشرية لا يتعارض منطقيا مع الأطروحة السادسة، ولكنه لا يقدم طرحا محددا لنظرية ماركس حول الطبيعة البشرية. وبالنظر إلى كون هذه المدارس المختلفة قد اتخذت مواقعا محصنة على مدى عدة عقود، فانه ليس من المستغرب فقط ظهور كتاب تاباك هذا, ولكنه يشكل أيضا "نسمة" هواء نقية ومساهمة فريدة من نوعها تماما و جديرة حقا بالنقاش.
حتى لو كان قد فشل في مشروعه، وهو ما لم يفعله، فان براعة تاباك الهائلة في شق طرق جديدة في أراضي غير مستكشفة مسبقا تستدعي قراءة هذا الكتاب الجديد (والأول ) له, وحتى لو أختلف احدنا معه, فان قدرته الفائقة في التنظير تجبرنا على التفكير.
الهدف الرئيسي ل تاباك من وراء تأليفه هذا الكتاب هو "ايجاد مخطط لنظام فلسفي لدى كارل ماركس" . وقد تم ذلك من قبل. ولكن بالرغم من ذلك, فان ما يجعل كتاب تاباك مثيرا للفضول جدا هو أنه بالنسبة له فان "الانسانية هي أساس المادية التاريخية الجدلية لدى ماركس"، و بالتالي فان "الطبيعة البشرية تشكل وجهة النظر الأولية لماركس, لأن الإنسان هو الموضوع و المادة الرئيسية لما هو شمولي موضوعيا وتاريخيا". يشرح تاباك باقتضاب نظرية ماركس بان نمط الانتاج يقوض قوى الإنتاج ، مما يترتب عليه تطور في العلاقات الاجتماعية، و هذا يؤدي بدوره الى حدوث تكيف او تشكيل جديد للبنية الايديولوجية او الفوقية. وينظر هنا عادة الى العلاقات الإنتاجية كأساس للمجتمع. ولكن تاباك يريد أن يؤسس نظاما ماركسيا منسجما مع نظرية ماركس للطبيعة البشرية. امتلك ماركس وجهة نظر معينة بخصوص (الطبيعة) البشرية ، والتي, من خلال علاقتها مع العالم الخارجي المادي، تحدد بشكل كامل نمط وظروف الإنتاج. هذا يؤدي إلى الاستنتاج بأن جميع اللحظات الجدلية في نظام ماركس (على سبيل المثال، الاغتراب، والمجتمع البرجوازي، والهياكل الاقتصادية للمجتمع، وتكيف البنية الفوقية) ، مستمدة من عمليات النشاط البشري، و كذلك من تحقيقها وإنكارها.
يعتقد تاباك, المفكر الجدلي الحاذق, بانه اذا لم يفهم القراء نظرية ماركس بخصوص الطبيعة البشرية، فانهم حتما سوف يسيؤون فهم نظامه بأكمله. وبالتالي، فإن من الأهمية بمكان التأكيد على نظرية ماركس في الطبيعة البشرية. لدى ماركس نوعان من المحددات الثابتة في التاريخ : البشر والطبيعة. وبالتالي يجب على ماركس وضع نظرية للإنسان ضمن نظريته في التاريخ. مفهوم ماركس للطبيعة البشرية "هو مركب من الجوهر والوجود". الجوهر هو سمة دائمة تتعلق بالهوية. جوهر البشر هو القوى الفاعلة والمنتجة والتي يمكن أن تشكل العالم الخارجي. عندما يكون البشر قادرين على ممارسة جوهرهم فهم يتصرفون ك "اناس يمارسون بنشاط ومسؤولية الفعاليات التي تقرر مصيرهم" . يغير هذا النشاط الإنتاجي العالم الخارجي، وبعد حين يبدأ في تغيير البشر وعلاقاتهم الاجتماعية. هذا يؤدي إلى الاستنتاج بأن تصور تاباك بخصوم مفهوم ماركس للطبيعة البشرية يتكون بواسطة محورين مترابطين, وهما: "محور الخصائص البشرية الدائمة والمتغيرة و محور من الخصائص الداخلية والخارجية ". جوهر الإنسان هو "الطبيعة الداخلية الثابتة للبشر", حيث يكون متواجدا جنبا إلى جنب في علاقة تذبذب مع العالم الخارجي الذي يشكل جزءا من الطبيعة البشرية الشاملة للجنس البشري. هذه العلاقة الجدلية تشكل طبيعتنا البشرية الشاملة. وهكذا يبقي تاباك على عناصر ثابتة في الطبيعة البشرية. ان رأي كهذا يدعم الزعم بأن ماركس اعتقد بوجود نظرية عابرة للتاريخ من الطبيعة البشرية، بالرغم من وجود سمات مختلفة لها في أية لحظة تاريخية معينة.
يسعى تاباك, بعد انهائه لشرح نظريته في الطبيعة البشرية, الى تطبيقها لحل بعض المناقشات الأولية داخل الاوساط الماركسية الأكاديمية: على سبيل المثال، نظرية المادية التاريخية، والاغتراب، ونظرية ماركس للدولة، ونظرية ماركس - أو عدم وجودها - بخصوص العدالة والأخلاق.
كمثال لحلوله هو ذلك المتعلق بنظرية ماركس للأخلاق. تاباك يوحي بان جدلية ماركس النقدية تتتألف من ثلاثة مراحل مترابطة. الأولى هي انتقاد المجتمع القائم فعلا (أي نقد جوهري). الثانية هي الدعوة إلى العمل الثوري داخل المجتمع. وأخيرا، السعي للحصول على حل "للصراع بين الجوهر والوجود", والذي يتطلب فهما لجوهر الإنسان و الطبيعة البشرية. ان هذه المراحل مترابطة جدليا، وبالتالي فان كل مرحلة تتطلب نظرية وتطبيقا عمليا من اجل تعليم وتشكيل المرحلة الاخرى. يمكن للمرء أن يستشف هنا كيف ان فهم نظرية ماركس في الطبيعة البشرية هو الهدف الأسمى. فإذا أردنا انتقاد المجتمع فنحن بحاجة الى قاعدة لنقدنا (على سبيل المثال، أننا لا نستطيع التعبير عن جوهرنا) . وإذا أردنا أن ننخرط في التطبيق العملي الثوري الذي يعمل على حل التوتر بين الجوهر و الوجود، يجب علينا أن نفهم جوهر الإنسان، ويجب ان ننخرط في التطبيق العملي الثوري الذي يسعى لتحقيق الحل.
انه سيتجاوز هذا الاستعراض شرح كيف انه يستخدم نظرية الطبيعة البشرية لحل كل توتر في النقاش الأكاديمي، ولكن حتى عندما تكون قرارته اولية، فهي دائما منورة وبارعة.
بالرغم من بعض الانتقادات التي يمكن توجيهها بخصوم مفهوم تاباك حول الطبيعة البشرية من وجهة نظر ماركس, فان كتابه, مع ذلك يشكل مساهمة مهمة جادة بخصوص النقاش الجاري حول ماركس و الطبيعة البشرية . قيمة الكتاب لا تكمن فقط في شرح تاباك للطبيعة البشرية، ولكن أيضا في الطريقة التي يحل فيها مشاكل مختلفة في الاوساط الأكاديمية الماركسية. فحتى أولئك القراء الغير مهتمون في نظرية ماركس في الطبيعة البشرية، انهم سيجدون في الكتاب الكثير مما هو مفيد بخصوص نظرية ماركس عن الدولة أو الأخلاق
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟