أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - الأنترنيت وأليات السرد في نص -في كل أسبوع يوم جمعة-للروائي إبراهيم عبد المجيد















المزيد.....


الأنترنيت وأليات السرد في نص -في كل أسبوع يوم جمعة-للروائي إبراهيم عبد المجيد


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4213 - 2013 / 9 / 12 - 23:52
المحور: الادب والفن
    


الانترنت وآليات السرد فى نص
" فى كل أسبوع يوم جمعة "
د. أمانى فؤاد
يواكب الروائى "إبراهيم عبد المجيد" التطور التكنولوجى الخاص بالاتصالات وفاعلياته المستحدثة فى المجتمعات، ليصنع سردية خاصة، سردية روائية تعتمد على آليات وتقنيات شبكة الإنترنت ، وألفاظة التى شاعت فى وسائل التواصل، وفى اللغة اليومية بوجود مكثف؛ ليصوغ عالماً روائياً شديد السبك والإبداع، وليشير فى مستوى فلسفى عميق إلى طبيعة التحولات التى طرأت على العلاقات الإنسانية، كما يشير إلى كهوف النوازع البشرية وتنوعها، من خلال توظيفه لتقنيات السرد على هذا النحو، آليات السرد التى تشبه إلى حد ما السرد القائم على الرسائل مثل رواية "جورج آبلى الراحل" فى السرد العالمى(1)، أو سرد الرسائل فى أدب "المنفلوطى" وإن افتقدت رسائل "المنفلوطى" الحبكة الدرامية المتماسكة.
يهيئ "إبراهيم عبد المجيد" لنصه تراجيديا محكمة من خلال "سرد الشات" إن صحت هذه التسمية، وهو ما افتقدته أوائل الأعمال التى اعتمدت على موجات السرد التى صيغت على هذا النحو مثل "بنات الرياض" "لرجاء الصايغ"(2).
وهنا قد تدعونا هذه الموجة السردية التى تعتمد على تقنيات النت وطبيعة التواصل به إلى تساؤل جوهرى: هل عندما يلجأ الروائى لاستخدام أو توظيف هذه التقنيات يصبح معنياً بالجرى وراء الموجات أو التقاليع الأدبية التى تتوالى على الساحة الروائية؟ أم أن التقنية ذاتها لها أبعادها الاجتماعية والفكرية والثقافية الخاصة والتى تجعلها ضرورة وحاملاً أساسياً لما يستشف منها، ويؤخذ من مغزى استخدامها؟ أى أنها موظفة من أجل أنها بتشكيلها هذا تحمل دلالة ومضموناً فكرياً، وتسهم فى توصيل منظور يريد أن يشير إليه الفنان الذى تخيرها دون ما عاداها(3).
أتصور أن لاختيار الروائى عوالم الشات والإنترنت فى نسج سرديته مغزى فكرياً وفنياً سأحاول تقديمه فى دراسة تحليلية لرواية "فى كل أسبوع يوم جمعة".
يحشد الروائى لنصه عدداً كبيراً من الشخوص الرئيسية والثانوية؛ ليشكل عالماً يحاكى عالمنا وواقعنا، يحاكيه ويغازله، يسخر منه ويفعل فيه، يكتوى به، يفلسفه ويرفضه، يحاكمه ويذعن له، يكشف عن عواره والعنف الكامن فى الفطرة البشرية، أو تلك النوازع الدموية المتأصلة بها حتى فى صورتها البكر.
ويتوالى البوح أو الحكايات على لسان أكثر من ثمانية عشر شخصاً، كل منهم له بنائه الخاص، وحكايته شديدة التأثير، جميعهم نماذج لا تخرج عن واقعنا، من الإمكان أن نلتقيهم ونحاورهم دون أن نعرف تلك المناطق المتوارية من آبارهم النفسية، إختيار البوح الإرادى هو ما يتيح عرض هذا المسكوت عنه فى النفوس البشرية، كما تتجلى براعة الروائى أيضاً فى قدرته على الاختفاء التام من شخوص النص والاختفاء النسبى من العمل، فلكل شخصية من شخصيات النص بصماتها الخاصة، وملامحها الداخلية والخارجية شديدة التميز، ولسانها الثقافى الذى يتلاءم مع معطياتها المجتمعية والنفسية دون أن تطل رأس الروائى وشخصيته فى أى من شخوص نصه.
يعد ثنائى عماد وروضة هما محور النص، روضة هى ما دعت لتشكيل الجروب من أجل التعارف والبوح، ونكتشف مع الصفحات أنها من خلال هذا الجروب تقتنص الرجال؛ لتشبع رغبتها فى الجنس، ورغبة عماد زوجها المنغولى فى الاستمتاع بالقتل فى كل يوم جمعة من الأسبوع، وفيه يمارس عماد شهوته فى تقطيع الجثث والإجهاز عليها، فى حين يقدم الكاتب هذه الفئة من البشر من ذوى الاحتياجات الخاصة وكأنهم الصورة الصافية أو "البيور" من الجنس البشرى، وهنا يطرح النص أحد التساؤلات الجوهرية عن الطبيعة البشرية وهل تقبع بها كل هذه الحيوانية؟ يقول الروائى على لسان مختار كحيل عن المونغولى ".. لكن لأنهم الحالة الإنسانية فى تجليها البكر. قبل أن تصاب بكل هذا الزيف الذى بدأ مع اختراع الزى حتى هذا الجهاز الذى نتراسل عليه(4).
ويقدم الكاتب فى روايته سرداً تفاعلياً جديداً بين طبقات وفئات متنوعة. بين المحلى والمحلى فى المجتمع المصرى قد يجمعهم الواقع الفعلى، لكنه لن يجمعهم فى موقف بوح حقيقى، وهو ما يشير إلى إضافة جديدة فى نوعية العلاقات البشرية العصرية، ومن ثم فهو يخلق سياقاً تفاعلياً مفتوحاً، يتيح التلاقى والتواصل، كما يتيح تنوع التساؤلات والهموم والقضايا بين مستويات مختلفة، أو أنساق متباينة من النوازغ والدوافع ومستويات تلقى العالم والتفكير فيه، لذا فهو يقدم عالماً أكثر اتساعاً وتنوعاً، كما يتيح له هذا الوجود الاتصالى تشكيلاً أوسع عما نعهده فى الأعمال الروائية المحدودة بالزمان والمكان، وحيزهما المحدود وإن اتسع.
لقد أدرك الروائى حاجتنا لجذب وتخليق أشكال مختلفة من السرد الروائى فى سياقنا التفاعلى الجديد، أشكال تتسق وما نحياه من طبيعة خاصة من الاتصالات البشرية التى تعتمد على شبكة الإنترنت.
الشخصيات التى التقت على النت فى نص "فى كل أسبوع يوم جمعة" لا صلات مباشرة تجمع فيما بينهم، فهم شتات متنوع من الثقافات والطبقات والنوازع وبالرغم من هذا اجتمعوا، وفى هذا التجمع يكمن عمق الفكرة التى يقدمها الروائى واعياً بأن الروح الجماعية فى الكائن البشرى تتحرك فى أنفسنا كحيوان ضخم متوحش كما يقول البلغارى الياس كانيتى(5) وأنه إن مرت فترات على البشرية كان انعزال الإنا عن الأخر فيها سعياً إنسانياً، وأن الشعور بالعدمية فى الثقافة البشرية حتمياً كما يقدمها "مختار كحيل"، أحد شخوص العمل، إلا أن الثقافة ما بعد الحداثية تقدم اعتماد كل شئ على الشئ الآخر، واتصاله به، وانفتاح المحلى على المحلى والمحلى على العالمى، والطبقات على مستوياتها، والإنسان على الإنسان، ولقد أتاح الإنترنت براحاً تتلاقى وتتجاور وتتفاعل فيه كل المتناقضات والاختلافات والطبقات وبالرغم من وحشية وجنسية الغرض من الجروب الذى دعت إلى تكوينه وانضمام الأعضاء إليه "روضة رياض"، إلا أنه يشير إلى رغبة الإنسان المستمرة فى التواصل، ونلمس هذا فى توجه شخوص العمل إلى التلاقى والحوار، والأهم فى التحول الذى حدث لشخصية "مختار كحيل"، وانخراطه مع الآخرين رغم إيمانه بالعدمية والغياب والنهايات الحتمية.
ولطبيعة البوح على الشات، ولأن معرفة الجروب لبعضهم البعض لا تتم إلا عبر الإرادة، ومعرفتهم لبعضهم البعض لا تتحقق على المستوى الواقعى؛ لذا يأتى البوح فى بعض المناطق وكأن هناك مارداً يخرج من كل شخصية. يسرد مأساة الشخصية دون رتوش، الحقائق والأحداث دون ما يسترها، غواية أن يقدم الإنسان ذاته عارياً ودون أن يراه الآخرون، إذاً هو فقط ما يذكره عن نفسه، تلك غواية قد تتيح بوح المدى الأقصى، أو التجمل إلى قدر محدود، وهو ما حدث مع معظم شخصيات الجروب، وهو ما يعضد أنه لا قاعدة أو قانون فى سلوك الجنس البشرى، لا يمكن أن تصح التوقعات أو النظريات، فالإنسان دائماً ما يأتى بالجديد غير المتوقع وغير الخاضع لنظرية أو قاعدة كما أن كل فرد حالة خاصة للغاية.
ويبدو العمل برغم سوداويته، وكم السخرية اللاذعة به، مفعماً بالحيوية والقدرة على تقديم فكرة الدفع فى الحياة، وفكرة التغيير التى هى سمة أساسية فى حياة الإنسان والتى تهبه خصوصيته ككائن فى طور التشكّل المستمر، فعلى لسان بعض الشخوص يقدم النص نظرات عميقة إلى الأشياء تغاير ما هو متوفر ومعهود بين البشر، كأن يقول "مختار كحيل" عن الفنانين التشكيليين "كيف حقاً يقولون عن الفنانين بأنهم مجانين، بينما هم العقلاء الذين رأوا الدنيا كيفما يجب أن تكون لا تخلو من التشوه الذى هو أساس الجمال فى كل الأشياء"(6).
- النص يكرس إذن للتعدد والتنوع لا الوحدة والتشابه ولذا يقدم سرديته ولغته تفاعلية تستند على فكرة البوح والتواصل وتعتمد على نبذ التمركز حول القوة الذاتية؛ لتفتح حواراً وحكياً وسخرية.
- يقدم النص فى بدايته الشخصيات الذين انضموا للجروب، وفى أول الصفحات يتيح الروائى لكل شخصية مساحة من السرد تحوى مقتطفات سريعة ومركزة، دون الوقوع فى الاستطرادات، كلها نتف عن الشخوص، أو دلالات مرسلة متروكة لاستنتاجات القارئ دون توغل، كأنه يقدم شخوصه على مسرح هوائى غير متعين إلا من خلال شبكة غير مرئية.
- ولتنوع ثقافات الشخوص ومستوياتهم الاجتماعية والتباين بين أعمارهم تتنوع فى السرد عدد من السمات أو الظواهر والتى من أبرزها:-
(1) تفاوت القضايا التى يبوح حولها الشخوص فهى إما مغرقة فى اليومية والعادية والأمور الشخصية للغاية، مثل السرد على لسان باسم السكرى وتامر كونيكشن، أو قضايا تجريدية متعالية على لسان مختار كحيل(7).
وهى قضايا جريئة تندفع باتجاه الجنس أو الشذوذ على لسان روضة ونهى ومريم ولمياء المشتاقة(8)، أو العلاقات غير الشرعية مثل حكى رنا وسليمان، أو عرضها لنماذج من النصوص والأفكار المعلبة التى يكتوى بها واقعنا الاجتماعى من تصور قاصر وسطحى عن الدين عن لسان "أحمد بن على"(9).
كما يتخلل الحكى عرض للمشكلات الكثيرة التى يعانيها مجتمعنا مثل التجربة الانتخابية الصورية، والزواج غير الشرعى بين الدين والسلطة، وربما أصاب السرد بعض الافتعال على لسان "باسم السكرى"(10) وكان أميل إلى العموميات الاجتماعية، والاستطرادات التى تتسم بنوع من الافتعال، لزج الأوضاع السياسية والاجتماعية بنوع من القصدية الملحة والتى تنافت مع تلك الومضات التى تخيرها الروائى لتقديم شخصياته فى أول النص من أجل عرض الجروب الذى يتكون.
استطاع الروائى أن يقدم مسحاً أفقياً لحياة الشخوص وهو يعرض لشخصيات العمل ثم تحول هذا العرض الأفقى نسبياً إلى النفاذ راسياً فى حياة كل شخصية على حده، وبالقدر الذى يصنع لكل شخصية وجهين أو قناعين، برغم اعتماد العمل على فكرة البوح والشات وهو ما يقوله الفرد على لسانه للآخرين.
ثنائية السرد وتحولات الواقعية:
هناك مستوى حكى آخر يشبه المنولوج الداخلى تبوح به الشخصية لذاتها لا للآخرين، مثل ما قُدِّم على لسان روضة ومريم وسامية وآخرين، ويظل للإنسان دوماً تلك الطبقات الغائرة التى تشبه متاهات الكهوف حتى وإن تخير هو فكرة البوح، ومن هنا تأتى ثنائية تقنية السرد ودرجة صدق البوح فى العمل بما يتسق مع طبيعة البشر ومستويات ذواتهم، وتعدد الأقنعة على وجوههم.
ولا يتوغل الكاتب خلال هذا النفاذ الرأسى فى شخصيات العمل ليستبطن الغرائز والدوافع، أو ليبرر أحياناً ما يبدو غريباً وعنيفاً فى سلوك الشخصيات وتوجهاتهم نحو الغرائبى من العنف أو الشذوذ؛ لتظل هناك علامات استفهام مفتوحة لا يمكن أن تنتهى إلى تفسير أو تأويل، أو لأن بناء العمل ذاته والغرض منه لا يقدم إجابات أو نهايات، بل يعرض لنماذج من الحياة تعيش بهذه الأقدار وتلك الحكايات التى تخفى فى أعماقها وآبارها أكثر مما تظهر.
- ولطبيعة السردية التى تعتمد على تقنيات "النت" وكونها اتصالات غير ملموسة ولا تعتمد على المواجهات المادية المتعينة، وهب الروائى لشخوصه قدرة التلاعب فى الحكى، لأنها شخصيات غير مرئية ولا معاشة ولا معروفة إلا بما تحكيه عن نفسها، لا ما يلمسه الآخرون منها ويمكن التيقن من حدوثه، مثل القص على لسان د. إبراهيم يقول بعد حكى عن تسجيله كل ما يأكله ونوعه واليوم الذى أكله فيه، والشركة التى أنتجته "هل صدقتم هذه التخاريف؟ أنا يا إخوتى سمين بالوراثة"(11).
- ويمكننا أن نصنف العمل بأنه يندرج تحت الرواية الواقعية، فالنص لا يبتعد عن الواقع المصرى بكل القضايا والمشاكل التى تمور بداخله، ويقدم نماذج من إفرازاته الحقيقية، ومناطق احتقاناته فى السياسة أو الدين وقضايا المجتمع والثقافة، لكن العمل يشير إلى منطقة جديدة تذهب بالواقعية إلى طبيعة أخرى، ربما نبعت هذه الطبيعة من التقنية التواصلية التى اعتمد عليها النص.
هل يمكن أن تتحول الواقعية التى عهدناها من قبل مع تغيير طريقة التواصل وعبر بوح الآخرين ورؤاهم، عبر حكيهم ووجهات نظرهم ورؤيتهم للحقائق، عبر المسافات والعوالم الذاتية التى تفصح عما تريد فقط، وعبر الغياب فى الحيز المكانى المتعين من الآخرين، ما يحكى أو يقص هو ما تريد الشخصية أن تقدمه، وعبر الوحدة فكل عالم من عوالم هذه الشخصيات لا يتشكل بالتفاعل مع الآخرين والإندماج معهم إلا بقدر، وفى الوقت الذى تريده الشخصية، ولذا تظل الواقعية فى مقام الشك الدائم فلا واقع غير ما نتصوره ونهيئ لذواتها أنه هو الواقع، وهذا ما أكده واقعية السرد عبر الغياب، وبعد المسافات، لقد تحولت الواقعية فى أعمال "إبراهيم عبد المجيد" منذ أول أعماله "فى باطن الأرض" وهو ينفذ فى عوالم عمال التراحيل، وفيها يلامس طين الأرض وعرق الرجال ومعاناتهم من شطف الحياة وقسوتها إلى واقعية الاتصال عبر الشبكات، الواقعية بعد أن بعدت مسافة عن وقت حدوثها ومن ثم فقد أخذت مسافة أو مساحة من التفكير فى أحداثها وبلورتها ثم تجميل الحكى عنها، والبوح والحكى للآخرين عبر الغياب لا وقت الحدث، وفى الحضور أو المشاركة المتفاعلة عبر المكان، ووقت حرارة الأحداث وما تصدره من انفعالات اللحظة، إنه عالم من الاتصال عبر الغياب، عبر البعد والمسافات.
فى "عتبات البهجة" 2006(12) قدم الروائى الواقعية من منظور مغاير، نموذج واقعى لفنان يحيا بطريقة بوهيمية فى بيئة شعبية ويطرح الحياة من خلال رؤاه المتباينة التى تتفاعل مع البشر فى الواقع.
ويتلاعب الروائى فى سرديته وفنياتها بما يتماشى ويتفق مع طبيعة تكوين شخوص العمل التى استطاع الكاتب أن يخلق تنوعها بمهارة أبعدتهم عن التكرار أو التشابه، أو تداخل شخصية الروائى معهم، فلكل منهم حكايته وشخصيته ومفرداته الخاصة.
فيصور الكاتب مشهداً فى منطقة بينية بين اليقظة والنوم، بين الأمنيات والواقع، فيبدو مثيراً للخيال والتساؤلات يقول فى موقف تهيؤ روضة لقدوم زاهر ".. وهى نامت انغلقت عيناها، لكنها لا تزال تراه، وسط ضباب أبيض ثم بين مطر بدأ فعلاً يسقط فى الخارج رغم أنها لا تسمع صوته، إنه يقف بسيارته أمام باب العمارة.." وهكذا(13).
وفى براعة صوغ هذا المشهد ربما يقفز سؤال أعمق هل تخير الكاتب هذه الصياغة ليثبت قدرته على المراوغات الفنية الجميلة، أم لأنها بالفعل - أعنى هذه الصياغة - تدلل على منطقة نفسية تحياها روضة، ومنها أو فيها تمارس الجنس والقتل فهى أشبه بالمنومة نفسياً، الشخصية التى يتنازعها رغبتها فى الانتقام من الحياة والأقدار، وخوفها من أن يقتلها عماد إن لم يجد رجلاً ليقتله ويمارس فى إنهاء حياته شهوته للدماء، وطبيعته الحيوانية، أيضاً تمارس معهم روضة صنيع أنثى النحل التى تأتى على ذكرها بعد أن يواقعها وكلها أشياء شديدة الحيوانية، تستدعى هذه المناطق النفسية المضطربة، هذه المنطقة البينية من الوعى بين الوهم والأحلام وبين الواقع وتخلق سرد بينى جميل يثير الخيال ويدفع الذهن إلى التفكير الفنى والنفسى العميق.
تأثرت اللغة فى النص بطبيعة التقنية التواصلية التى اعتمد عليها فتخللتها كثير من مفردات التواصل على النت كأن تقرأ فى النص "أنا خلاص دلت على رسايلك مسحتها يا وسخ يا معرص.."(14).
كما نلاحظ هذه المسحة من التدنى اللغوى والمفردات البذيئة، وهى ما شاعت فى لغة هذا الجيل الذى يتعامل مع هذه التقنيات التواصلية بكثافة ملحوظة وتهبط مفرداته فى مستواها الأخلاقى.
يؤكد ما ذهبت إليه من ميل الإنسان والمجتمعات إلى الانفتاح على العالمى، ما يذكره الروائى من لغة إمام المسجد الجزائرى فى فرنسا، ذلك الذى يضفر لغته بين العربية والفرنسية، يقول مثلاً: إنا خلقناكم من لاتير يقصد التراب وإليها نعيدكم. "إن أو ترفوا" يعنى تارة أخرى.."(15).
أتصور أن الروائى يؤكد الاتصال الذى حتماً سيحدث بين كافة الحضارات واللغات.
ويربط الروائى بين سرد الشات والواقع بكل قضاياه وتأتى شخصية لا شئ وفقده لولديه فى البحر أثناء سفرهما ليؤكد استيعاب التقنية التواصلية والسردية لكافة قضايا الواقع يقول لا شئ. ".. باكياً من جديد أنا دخلت الموقع ده يمكن ألاقى حد مهم يوصلنى لأى مسئول يساعدنى.."(16).
تأثر الحوار أيضاً بهذه التقنية التواصلية على شبكة الإنترنت فهو حوار حقيقى بين شخوص مادية متحققة، لكنها غير مرئية ولا تواصل إلا عبر هذه التقنية التفاعلية عن بعد، ولذا اتسم الحوار بالجرأة وانفتحت فيه سراديب المكنونات، ولذا تنوعت لغة الحوار بين الفصحى والعامية بما يتسق مع الشخوص، وجاءت اللهجة العامية على قدر كبير من البساطة والطرافة وخفة الظل، تقول والدة باسم السكرى "راجل جاهل صحيح" يقول على الزهرى زهير... مسكين يعرف منين الفرق وهو فرَّان"(17).
تعامل الروائى أيضاً مع النكات على مستويات متعددة فهى بقدر ما تدفع بخفة الظل فى النص وتضفره بالسخرية الجميلة، إلا أنها موظفة أيضاً من أجل أفكار فلسفية عميقة، وفى مستوى آخر من أجل الإشارة إلى أوضاع اجتماعية يود الروائى أن يسلط عليها ومضات مركزة وكاشفة، مثل ما ذكرته د. أمينة عن قصة أو نكتة الحمير، وفيها إشارات إلى فكرة الخلق والعدل والربوبية وتوزع الأدوار على كوكب الأرض وإشارات إلى طبيعة المخلوقات وكلها يتم سرده فى أسلوب جميل خفيف الظل(18).
وتتشكل لغة النص فى سلاسة وعذوبة دون وعورة أو تعمد تزايدات بلاغية بما يتسق والواقعية التى تخيرها الروائى لنصه، إلا فى بعض العبارات المبررة التى تأتى على لسان بعض الشخوص "مثل زهير" على يقول واصفاً رحلات الصيد".. كثيراً ما أشعر أن الله خلقنا الآن فقط، ليس قبلنا تاريخ ولا زمن "ولا وراءنا مكان يمكن أن نعود إليه..(19). أو بعض الفذلكات الفلسفية على لسان مختار كحيل.
وتبدو اللغة على لسان "أحلام عبد الله" ممزوجة بالأحلام فى منطقة وردية مصطنعة وهى تدرك ذلك لكنها تراها الحل؛ لأنها كما تقول "مؤمنة بقدرة الأحلام على إنقاذنا نحن الفقراء والمرضى والمقهورين"(20).
ويشير الروائى لقدرة دفاعية خطيرة عن الإنسان وهو يعرض لنماذج شخوصه وبنائهم النفسى والفنى فلكل شخصية قدرة على خلق عالم موازى يهرب فيه الإنسان من الواقع الخانق الذى يحياه، فيهرب البعض إلى الدين وعوالمه الغيبية مثل أحمد بن على، أو الأحلام والتهيؤات مثل شخصية أحلام عبد الله، أو الجنس مثل روضة ولمياء، أو الشذوذ مثل نهى ومريم أو عوالم النساء مثل د. إبراهيم وزاهر على أو الأفكار المجردة المتعالية مثل مختار كحيل، أو حياة لا يريدها ولم يخترها مثل صنيع د. أمينة مع حبيبها السابق ورغبتها فى الانتقام منه لكرامتها التى أهدرت فى علاقتها السابقة به.
يؤكد الكاتب على الميكانيزمات الدفاعية وتنوعها عند الإنسان، تلك الآليات التى اخترعها الإنسان لتمكنه من الاستمرار، وتحقق شهوة الحباة لديه والاستمرار بها، تلك المناطق التى يلجأ إليها الإنسان وتعينه على تحمل واقع حياة ضاغطة يناله فيها الفشل أو القهر من الآخرين أو من المجتمع، فهى أقدار تجابه الإنسان ويحتال عليها.
من تلك المنطقة القدرية تتشكل منظومة الأسماء التى تخيرها الروائى لنماذجه فكلها يأتى عبثاً وكأنها لعبة يصنعها الكاتب ويبتغى منها السخرية من الحياة، معظم الأسماء تأتى للسخرية لا علاقة بين الإسم والكيان الإنسانى الذى يحمله وأقداره، حتى أننا لو صنعنا مسحاً لوجدناه يختار مثلاً إسم "سعاد سعيد" المأخوذ كله من السعادة ليشير إلى منتهى الشقاء فى الحياة، أو إسم "روضة رياض" ليشير إلى حياة الجحيم لا الجنان والرياض وهكذا، ثم تأتى بعض الأسماء الآخرى مثل إسم أحلام لتدلل على طبيعة حياة الشخصية بالفعل، ثم يختار لأحد نماذجه إسم خميس جمعة، لا منطق ولا دلالة وكلها منظومة عشوائية من الأقدار التى لا اختيار للإنسان فيها.
تخير الروائى للنص عنوان "فى كل أسبوع يوم جمعة" وهو ما يوحى بدلالات متعددة، لكن أقرب ما يقر بالذهن ويترك انطباعاً راسخاً هذه التكرارية وهذا التوالى الذى يمكن أن تحدث به هذه الحوادث والوقائع، والذى تتوالى فيه النماذج والشخصيات من البشر، ويأتون بكل الأفعال والجرائم والأحداث، يفعلون ويُفعل بهم، هكذا هى الحياة فى حركتها المستمرة.
ويضاف لفنيات النص العالية قدرته على المواكبة مع تقنيات التواصل المستحدثة مع عدم التضحية بخلق تراجيديا ساخرة ومعبرة عن عمق التحولات الثقافية والمجتمعية التى طرأت على المجتمع المصرى، فى سردية معاصرة ومنسوجة بقدرة روائية مميزة.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التماهي بين الموجودات في أدب خيري شلبي
- الإنسان والفن..والوحوش
- البناء الروائي في -عاشق تراب الأرض-للروائي :أحمد الشيخ
- الحدود في الأسلام والمعاصرة
- أشياء برع فيها الأخوان المسلمون
- روضة... هندسة القاهرة
- الصمت الصاخب بالموسيقي في -تانجو وموال- للروائية -مي خالد-
- بعيدا عن إطلاق الرصاص..
- سُحقاَ للتبعية
- الفانتازيا الذهنية بين روايتين صانع المفاتيح وعالم المندل
- المرأة والقهر المضاعف
- الإله في كتاب النحات
- الإعاقة بين الواقعية والفانتازيا
- صانع المفاتيح...سارق نار الفانتازيا الذهنية
- فطر عنيد
- كن اختيارك
- قراءة نقدية لحفيدات شهرزاد
- كلنا صرعي هذا الضريح..
- رجال بلون الحرباء
- لا للرفق بالقوارير


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - الأنترنيت وأليات السرد في نص -في كل أسبوع يوم جمعة-للروائي إبراهيم عبد المجيد