فلسفة البوط العسكري في سوريا

احمد عسيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4206 - 2013 / 9 / 5 - 18:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

يحكى ان رجلا اعتدى على اخر فضربه و جرحه بسكينه بطريقة همجية جدا ثم سرق منه امواله و موبايله...و بينما كان في تلك الحالة مر معالج نفسي بالقرب من الضحية وعندما وجده بهذه الحالة المحزنة صرخ : يا الهي من فعل بك هذا يحتاج الى المساعدة العاجلة
ربما تكون هذه الحكاية مجرد نكتة للسخرية من طريقة تفكير المعالجين النفسيين لكني وجدتها تنطبق علي تماما عندما رأيت ما تناقلته صفحات الفيسبوك منذ عدة ايام لصورة فتاة سورية خرجت بالولايات المتحدة بمسيرة مؤيدة لبشار و هي تضع على رأسها الحذاء العسكري و على التيشرت صورة القائد الفذ بشار الاسد
فكل التعليقات تقريبا كانت استهزاء و سخرية من هذه الفتاة التي عاشت في الولايات المتحدة لكنها الى الان تصر على ان تعيش تحت الحذاءالعسكري السوري
لكن بالفعل لم اضحك من هذه الصورة و لا من الوضع الذي يعيشه معظم مؤيدي الاسد....بل انتابني نوع من الشفقة و الحزن على هذه الفتاة و شعرت انها بحاجة للمساعدة
فهذه ليست المرة الاولى التي يظهر بها مؤيدي الاسد و هم يحملون الحذاء العسكري فوق رؤوسهم او يقبلونه او يلمعونه ......بل ان هناك مجسم في مدينة اللاذقية مسقط رأس بشار الاسد على شكل بوط عسكري يرمز للوضع الذي يجب ان يعيش عليه السوريين
..... لنأخذ وجهة نظر النظام و نقر ان لجيش الاسد دور كبير في الحفاظ على الوطن....لكن للعسكر رموز كثيرة ممكن ان توحي بالجندي او المؤسسة العسكرية بشكل عام و ترمز الى تفانيهم بخدمة الوطن......لماذا اختار النظام و أوحى لمؤيديه برمزية البوط تحديدا؟؟؟؟ لماذا لم يرمزوا له بقبعته مثلا ويضعها كل مؤيدي جيش الاسد على رؤوسهم بدل القبعات الاخرى كرمز للدعم و المساندة الشعبية.......لماذا ليست الاشارات التي ترمز للرتب العسكرية او حتى النسر و معروف ان النسر يرمز ايضا للعسكر......او النجمة او حتى قطعة قماشة بلون البدلة العسكرية ممكن ان تفي بالغرض .....لماذا كان البوط هو الاكثر تعبيرا عن العسكري؟؟؟
الامر بكل بساطة ان المقصود من وراءذلك الرمز ليس الجندي و اعلاء قيمته....بل المقصود هو الشعب كله و الحط من قيمة هذا الشعب في نظر نفسه
فالثورة السورية و قبلها ثورة تونس و مصر جعلت الكثيرين يشعرون بكرامتهم و انسانيتهم ....و الشعور بالكرامة و القيمة الانسانية هو العدو الاول لاي نظام دكتاتوري......و بالتالي فان محاولة اخضاع الانسان السوري و اذلاله لاعادة الاحساس السابق بالمهانة كان الهم الاول للنظام ...و من هنا جاءت رمزية البوط و ليس القبعة او سواها كي يحمله السوريون على رؤوسهم و يقبلونه و ينحنون له بكل اذلال و احساس بالمهانة...اما القبعة او الاكتفاء باللون العسكري كدلالة على العسكر فربما تشعر السوري بالقوة او الارادة و هو مالا يريده النظام السوري و لا يريده بطبيعة الحال اي نظام دكتاتوري لشعبه
.....فلا يمكن ان يحكم نظام دكتاتوري الا من خلال اضعاف الشعوب و اذلالها و تفريغ نفوس ابنائها من اي احساس بالكرامة او القوة او الارادة....بل يجب على كل الشعب ان يسيطر عليه احساس دائم و مستمر بانعدام الحيلة و الضعف و التسليم بالذل كشرط للسلامة و البقاء
و اذا عدنا الى مثال الفتاة هذه نعلم انها مجرد ضحية للنظام و اجهزة قمعه
وهي ليست بالتحليل النهائي سوى انسان فقد كرامته و انسانيته ووجوده....و فقد احساس الرفعة و الرقي الذي يميز البشر و هذا عائد الى خبث اجهزة مخابرات جعلت همها الاول بقاء سيدها بالحكم....اجهزة عرفت كيف تخضع شعبا كاملا عشرات السنين.....و ان لم يكن هذا النوع من البشر بحاجة للمساعدة النفسية ......فمن هو بحاجة اذن؟؟؟؟؟
نحن لا نستطيع ابدا ان نطلب من الجميع ان يكون لديهم نفس الاستعداد للاحساس بالكرامة و نفس قوة الشخصية و الثقة بالنفس التي تؤهله لاسترداد كرامته بعد فترات طويلة من السكوت و الخنوع...... فالبشر متفاوتون بالقدرات حسب طبيعة شخصيتهم و حسب الظروف التي تحيط بهم...و يجب ان نكون كسوريين متعاطفين مع بعضنا لنشر هذا الاحساس بالكرامة الى الجميع.....و بهذا فقط نسقط الدكتاتورية الحالية و اي احتمال لنشوء دكتاتورية اخرى في المستقبل
وبما ان الجميع الان اصبح على قناعة ان النظام اصبح في حالةاحتضار ....لذلك يجب علينا ان نكون مستعدين لمرحلة البناء و اعادة الاعمار بعد سقوطه.....و الالة العسكرية لم تحطم فقط البنية التحتية لسوريا مع انها لم تقصر ابدا في هذا الاجرام.....بل حطمت الانسان و حطمت الروابط التي تشده الى كرامته....من هنا فان علينا كأطباء نفسيين مهمتين كبيرتين اولهما هو العلاج النفسي و الدعم النفسي للاشخاص الذي عانوا من ويلات الدمار و التهجير و التنكيل و هم في معظمهم من معارضي الاسد.....و ايضا علينا محاولة ترميم نفوس مؤيدي الاسد الذين مرت من قربهم نسائم الكرامة لكنهم رفضوها و خافوا منها......و فضلوا ان يستجيبوا لضغط النظام في البقاء تحت حذاء حكمه
و هؤلاء اولى بالعلاج................

#احمد_عسيلي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات