بعض دلالات صفقة تبادل الاسرى في سوريا

احمد عسيلي

الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 15:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

توصل الجيش الحر-لواء البراء من جهة و نظام الاسد من جهة ثانية الى صفقة لتبادل الاسرى تعتبر من اغرب الصفقات في العالم و من اكثرها دلالية و مؤشرات و ستترك هذه الصفقة تأثيرا كبيرا على الواقع السوري و على الروح المعنوية لكل من انصار الاسد و الثوار السوريين......و يمكن اجمال اهم دلالات هذه الصفقة و تأثيراتها في النقاط التالية
1- اعادت هذه الصفقة احترام الناس لمفهوم الجيش و دور المؤسسة العسكرية ......فمع بداية الثورة السورية علق الكثير من المواطنين السوريين الآمال على المؤسسة العسكرية بأن تأخذ موقف شبيه بموقف المؤسسة العسكرية في تونس و مصر.....و قاموا بتسمية احد جمع الاحتجاج باسم جمعة حماة الديار...لكن رد فعل هذه المؤسسة في سوريا كان مخيبا جدا للآمال.....و هذا مفهوم و متوقع نوعا ما اذا عرفنا بنية هذه المؤسسة و التركيبة الديمغرافية و العائلية لقادة الالوية و الفرق في الجيش السوري.....هذه التركيبة القائمة على الصلات العائلية اساسا و التحالفات العشائرية و الطائفية و التشابك بينها و بين مؤسسات الامن....فهذه الصلات تشل تماما مؤسسة الجيش و تجعله مكبل بسلاسل من حديد تحركه بعض القيادات من عائلة الاسد.....هنا و مع ازدياد حجم تورط الجيش في الدم السوري بدأت هذه المؤسسة تتحول الى رمز للقتل و الدمار و الاجرام في العقلية السورية......و فقدت هيبتها شيئا فشيئا و اصبح ثياب الجندية ورتبها العسكرية يثير الغيظ و الحقد لدى السوريين......طبعا لهذا تأثير سلبي جدا على المستقبل السوري لأنه بالنهاية يجب ان يكون لنا جيش وطني يحترمه الجميع .....فجاءت هذه الصفقة في تحرير المدنيين السوريين من المعتقلات بواسطة و بجهود احد ألوية الجيش الحر لتعيد الاحترام لدور الجيش في حماية المدنيين و في تحريرهم و الدفاع عنهم في وجه الاستعمار و الذي هو عصابة الاسد في هذه الحالة و
اعتقد ان هذا التأثير يضاهي اي تأثير سواه في الاهمية.....لأنه يخص هنا نفسية الشعب و نظرته الى جيشه و الى مكانة الجيش في روح الامة......وهذا ما سيكون له تبعات كثيرة خاصة على مستقبل بناء الوطن في مرحلة ما بعد الاسد
2- اظهرت هذه الصفقة الدور الحقيقي الذي يقوم به النظام في المنطقة....فهو ليس اكثر من ذراع لإيران و خادم لها.....فبالرغم من وجود الالاف من اتباع النظام من ضباط و جنود و شبيحة في سجون الجيش الحر فهو لم يقم ابدا بالتفاوض عليهم و لم يسأل ابدا عن مصيرهم و انما تفاوض فقط على الايرانيين ال48...اي ان ال48 يفوقون بأهميتهم اي تابع له....و هذه الحقيقة الاخلاقية و ان لم تكن جديدة و مستغربة عن هذا النظام لكنها احد المرات التي دلت بشكل لا يقبل الشك على دور هذا النظام حتى بعيون مؤيديه الذين بدأوا بإثارة هذه الاسئلة
3- ايضا اظهرت هذه الصفقة عبثية و فوضوية البناء المؤسساتي في سوريا.....و ان نظام الاسد ليس اكثر من مافيا تأخذ الشعب كله رهينة....فال2126 ليسوا من الجيش الحر و ليسوا جنود تابعين له او من احد الافراد الذي يعملون معه.....بل هم مدنيين عاديين.....و هنا يظهر السؤال المهم......لماذا كان هؤلاء في السجن اذا لم يكن صادر بحقهم اي اتهام و خاصة ان قانون الطوارئ غير معمول به حاليا في سوريا........اين القضاء و اين اوامر النائب العام و اين و اين...........ربما تبدوا هذه الاسئلة سخيفة نوعا ما حين نتحدث عن الواقع السوري......لكن هذه الصفقة دليل قانوني على خراب الواقع السوري و النخر الحاصل في بنية المؤسسات السورية و بطريقة قابلة للإثبات امام القضاء في مرحلة ما بعد الاسد
4- ايضا من اهم ما بينته هذه الصفقة هي حالة الضعف الشديد الذي وصل اليه النظام في سيطرته على الاراضي السورية حتى في العاصمة دمشق.....فمن المعروف ان هؤلاء الايرانيين ال48 قد اسرهم الجيش الحر في دمشق و على طريق مطار دمشق الدولي......و بالرغم من كل محاولات النظام لإعادتهم فقد باء بالفشل....فإعادتهم لها اهمية كبيرة دولية و خاصة امام حليفه ايران كي يدل على انه مازال مسيطرا على الاقل في العاصمة دمشق.......لكن هذا الفشل الذريع و اضطراره للتفاوض مع احد الوية الجيش الحر حول اسرى في العاصمة هي صفعة كبيرة لكل مقولات (تحت السيطرة) و التي يتشدق بها دائما اعلامه
بالنهاية تعد هذه الصفقة نقلة هامة في مسيرة الثورة السورية......و سيكون لها تداعيات كثيرة في الواقع السوري.....ربما اهم دلالاتها هي الاهمية المتنامية لقوة الجيش الحر و الذي يثبت يوما بعد يوم انه بالفعل جيش وطني يأخذ دوره الحقيقي بعدما مسخ نظام الاسد دور الجيش....ويدل تماما على ان الجيش الحر اصبح قوة قادرة على أخذ دورها كبديل لجيش الاسد في مرحلة بعد السقوط

#احمد_عسيلي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات