أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - دروس من مصر.. صراع الهويات وصراع البرامج















المزيد.....

دروس من مصر.. صراع الهويات وصراع البرامج


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 16:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أتابع كما يفعل غيري ما يحدث في مصر بإهتمام, وقائمة الأسباب مفتوحة, لكن أهمها ثلاثة. أولها أن مصر, ومهما كانت طبيعة الإختلاف مع نظامها السياسي هي في القلب من كل عراقي كان تفاعل مع تاريخها ومبدعيها ونيلها وأهراماتها. وبالنسبة إلى جيلنا فإن حب مصر كان تمكن منا منذ أن خرج زعيمها عبدالناصر ليعلن تأميم قناة السويس, فَرِحْنا, ونحن على مقاعد الدراسة الإبتدائية, نطوف الشوارع لنهتف بإسمها ونحي صمودها ونعلن إستعدادنا للقتال إلى جانب أهلها.
ولا أظن أن الإستبشار والفرحة اللذان عما بعد سقوط حكم الأخوان هما بعيدان عن واقعية الإحساس بأن مصر تسلمت من جديد راية الوقوف بوجه التردي العربي الذي يحاول تيار التخلف الإسلاموي السياسي أن يعجل من وتيرته ويكرسه كواقع سيأخذ المنطقة إلى مراحل مفتوحة من الجاهلية والعتمة.
أما ثاني الأسباب فمعرفتنا أن الساحة المصرية هي واحدة من أهم ساحات القرار العربية, فهي مع سوريا والعراق والسعودية تشكل مربعا للأمن السياسي العربي, وبإنهيارها أو تراجعها أو بتدهور أنظمتها وتخلفها, مع يمكن أن يحدث لباقي الأضلاع, فإن بقية الساحات العربية, وهي ساحات إستجابة في أغلبها, لن تملك فرصا حقيقية للصمود, ولذا رأينا أن ما يحدث في مصر هو أمر يهمنا, حتى كأنه يجري بالنيابة عنا.
أما ثالث الأسباب فيؤكد على حقيقة أن ما جرى في مصر أخيرا وتنج عنه إزاحة حكم مبارك ومن ثم حكم مرسي العياط, ليس خاصا بمصر وحدها, فعلى صعيد المبادئ العامة أوجب الحدث المصري ضرورة الوقوف الجدي لإعادة مراجعة الكثير من قضايا الديمقراطية في المنطقة وأهمها مفهوم الشرعية إضافة إلى موقع صندوق الإنتخابات كآلية هامة من آليات الديمقراطية.
وما أفرزه الحدث المصري هنا هو واضح وجلي, وهو أن محاولة تضخيم دور صندوق الإنتخابات على حساب دور الآليات الديمقراطية الأخرى, وفي المقدمة منها إستفتاءات الشارع, هو أمر قد يؤدي إلى تسويف إرادة الجماهير وتعطيل فعلها وقرارها ودورها الرقابي وتحويل هذا القرار والدور إلى حق يمارس كل أربعة سنوات فقط . ولا بد للأمرَين, صندوق الإنتخابات من جهة ومن جهة أخرى حق الجماهير في إبداء رأيها , وصولا إلى الإستفتاء على إستمرار الرئيس من عدمه, أن ينظر لهما من خلال معادلة متوازنة من شأنها أن تضبط واقعية العلاقة بينهما بشكل عادل, فلا يتم والحالة هذه إغفال أهمية الصندوق ذاته لكن مع مراعاة أن لا تجري عملقة دوره على حساب دور الشارع الجماهيري وثقله ومشروعية دوره الرقابي المستمر.
صحيح أن الديمقراطية في الغرب قد أوكلت إلى مجالسها المنتخبة مهمة مراقبة مؤسسة الرئاسة ومنحتها بحكم الدستور حق سحب الثقة من الرئيس فضيقت إلى حد كبير دور الشارع الرقابي وحقه في التعبيرعن نفسه خارج مساحة هذه المؤسسات, لكن علينا أن نراعي حقيقة أن ديمقراطية الغربيين قد حصرت اللعبة السياسية في ميدان النظام نفسه, وساهم الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي للنظام الغربي, ورسوخ هويته, على أن يكون الإختلاف على البرامج لا على الهويات.
أما في مجتمعاتنا فإن الأمر بهذا الإتجاه يختلف بشكل اساسي عما هو في الغرب, إذ أدى صعود الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربي إلى أن يخرج الصراع من مساحة الإختلاف على البرامج إلى ساحة الإختلاف على الهويات, وهي ساحة لا تهتم بها الديمقراطية في العادة وإنما تهتم بها الثورات.
إن أزمة مصر مع الأخوان المسلمين في جانبها الأهم تكمن هنا, في إستعجال الأخوان للعمل بالتفويض الممنوح لهم من قبل الشعب المصري في ساحة مختلفة لم يكن جرى الإتفاق على أن تكون هي الساحة التي منحوا الشرعية للعمل فيها, وهي ساحة الإختلاف على الهويات بدلا من ساحة الإختلاف على البرامج.
وأجزم أن الأحزاب الإسلامية, ليس في مصر وحدها, وإنما في كل الدول العربية أو الأخرى ذات الأكثرية الإسلامية, إنما تجلب إلى السلطة هذا النوع من الصراع الذي يستهدف تغيير هويات الدول الوطنية العلمانية إلى دول بهويات دينية. وسأوافق على أن الأزمة الإقتصادية المتفاقمة (بطالة. وقود, كهرباء, إنخفاض الجنيه وتصاعد الأسعار) قد أدت بدورها إلى زيادة مساحة المعارضة ضد حكم الرئيس المعزول مرسي العياط, لكن الشباب الذين قادوا حملة تمرد, مع مجموع قوى المعارضة الأخرى, كانوا فعلوا ذلك لإدراكهم أن مصر باتت مهددة بهويتها أولا, وبدورها ثانيا, وبإستقلالها ثالثا, وشاعرين بأن الوقت ليس في صالح مصر في النهاية.
وأجزم أن مرسي وأخوانه قد فقدوا شرعيتهم الأخلاقية حينما أرادوا العمل بها في ساحة هي غير الساحة المصممة لها, والمنتخبين من أجل العمل ضمنها, ومن ثم فقد كان الخروج المصري الكبير هو لغرض إستصدار موافقة جماهيرية قانونية لسحب رخصة الشرعية هذه.
أما الحديث عن أهمية أن تجري تصريف الرغبات الجماهيرية من خلال المجالس والمؤسسات المنتخبة فهو حديث مشروع لكنه سيرجعنا مرة أخرى إلى طبيعة الصراعات السياسية ذاتها والساحات التي يتحرك فيها هذا الصراع, ففي ساحة الصراع على الهوية التي دخل إليها الأخوان بسرعة قياسية فإن التمرد لم يقم ضد مؤسسة الرئاسة لوحدها وإنما ضد النظام السياسي وما يحتويه من مؤسسات ومجالس تشارك الرئيس مهمة تغيير هوية الدولة ذاتها, وهذا يختلف بكل تأكيد عما هو في الغرب, فالأزمات مع مؤسسة الرئاسة غالبا ما تكون مع شخص لوحده (نيكسون, كلنتون.. على سبيل المثال) ولا تمتد لتشمل النظام السياسي ومؤسساته الأساسية كالبرلمان مثلا, التي تملك حق سحب الثقة من الرئيس, أما في الحالة المصرية, فالتناقض لم يكن حدث مع مؤسسة الرئاسة لوحدها وإنما أيضا مع المجالس التي تحيط بها, وهذا هو بالعادة شكل وحجم وإتجاه الصراع الذي يثيره الصراع على الهوية.
إن أهم ما يجب أن نوليه إهتمامنا, أن ديمقراطية الغرب لا تعمل في مساحة الصراع على الهويات وإنما في ساحة الصراع على البرامج, وأعتقد أن الديمقراطية بشكل عام قد صممت للتعامل مع النوع الثاني من الصراع. أما في بلادنا, التي تعيش اليوم معركة حسم هويات, فإن الإقتراب من المسألة الديمقراطية يجب ان يراعي هذا الإختلاف الجوهري في طبيعة الصراع, فلا يسقط ديمقراطية على أخرى بالشكل الذي يلغي شخصية الزمان والمكان.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية .. فاتنة أم فتنة
- أخوان مصر.. نجاح في الفشل
- عوامل ساعدت الأخوان على الفوز في إنتخابات الرئاسة المصرية
- كيف صارت الخيانة مجرد إختلاف في وجهات النظر
- وما زال الحديث عن المؤامرة الخارجية مستمرا
- المطبخ لا الطباخ يا دولة الرئيس
- عن مصر والعراق .. وعن شعب بدون شعب
- صندوق الإنتخابات وقرآن معاوية ..
- موالاة مرسي.. خوف من الفتنة أم حرص على الشرعية
- المصريون وصندوق الإنتخابات.. خرجوا له أم خرجوا عليه ؟!.
- حزب الله والموقف من الثورة السورية.. بين الصحيح السياسي والخ ...
- الساحة السورية ..صدام الأخلاق والسياسة
- هل ستأكل جنسيتك الثانية من عراقيتك
- أردوغان .. بين أسلمة العلمنة وعلمنة الإسلام
- الأزمة التركية .. أزمة إسلام سياسي
- الشاطر حسن والرقص مع الذئاب
- نصف الحل ونصفه الآخر
- بعيدا عن عروض العضلات.. هذا رأي بما حدث في الأردن
- القنينة والسدادة والغازات الطائفية السامة
- فن التخويف بالقاعدة


المزيد.....




- السعودية تحدد قيمة مخالفة من يضبط داخل مكة والمشاعر دون تصري ...
- بوتين يؤدي اليمين الدستورية لولاية خامسة.. شاهد ما قاله عن ا ...
- غزة: ما هي المطبات التي تعطل الهدنة؟
- الحرب على غزة| قصف إسرائيلي عنيف على القطاع ومخاوف من -الغزو ...
- وداعا للسيارات.. مرحبا بالمشاة! طريق سريع في طوكيو يتحول إلى ...
- يومين فقط من إطلاقها.. آثار كارثية للعملية الإسرائيلية برفح ...
- البيت الأبيض يعلق على -محاولة اغتيال- زيلينسكي
- اكتشاف سبب جديد يؤكد أن غواصة تيتان كانت ستقتل ركابها لا محا ...
- -إنسولين فموي- بتقنية النانو قد يغني عن الحقن لمرضى السكري
- السجن لمصري جمع 100 ألف دولار من أبراج الكويت


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - دروس من مصر.. صراع الهويات وصراع البرامج