رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 4154 - 2013 / 7 / 15 - 03:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتصاعد أحداث العنف من التيار الإسلامى بعد أحداث 30 يونيو وبيان القوى الوطنية الذى أعلنه الفريق السيسى بما أطلق عليه خارطة المستقبل وما تلى ذلك من عزل الرئيس الإخوانى ووضعه تحت الاقامة الجبرية وتعطيل معظم قنوات التحريض الدينية وإلقاء القبض وطلب الضبط والإحضار لأهم قياداتهم وعلى الرأس منها المرشد الحالى والسابق والنائب الأول للمرشد ومعظم أعضاء مكتب الإرشاد بالإضافة لبعض حلفاء الجماعة من المحرضين على العنف.
لقد بدأت أحداث العنف فى الجزائر عقب إعلان الجيش وقف المرحلة الثانية من الإنتخابات التشريعية التى فاز الإسلاميين بأغلبية مقاعد المرحلة الأولى منها وتأكد فوزهم بالمرحلة الثانية فى يناير 1992،هذا العنف الذى حصد أرواح 200 ألف ويزيد من الجزائريين والذى إستمر لمدة عشرة سنوات كئيبة ولم يزل بعدها بوتيرة أقل حتى الآن.
جرت المرحلة الأولى للإنتخابات البرلمانية الجزائرية فى نهاية عام 1991 فى مواحهة جبهة التحرير الوطنى التى تم هزيمتها فى الدورة الاولى بسهولة من جبهة الإنقاذ الإسلامية الوليدة التى حصلت وحدها على 188 مقعد، ليتفاجأ الجيش بما حدث وحقيقة أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة مختلفة عززتها كلمات القيادى بالانقاذ على بلحاج "إن المصدر الوحيد للحكم هو القرآن وإذا كان اختيار الشعب منافيا للشريعة الإسلامية، فهذا كفر وإلحاد حتى إذا كان هذا الاختيار قد تم ضمن انتخابات شعبية" وتصريح زعيمها عباس مدنى "الآن انتهت الديمقراطية وبدأ حكم الإسلام".
لقد خاضت الجزائر عشرية دموية أظهرت أسوأ ما فى هذا المجتمع من عنف ووحشية وإرهاب بربرى لم يسبق له مثيل فى تاريخ البشرية من خلال مجموعات مسلحة من أمثال جيش الإنقاذ الوطنى ذراع جبهة الإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة والحركة الاسلامية المسلحة والجبهة الاسلامية للكفاح المسلح، ذلك الصراع الذى بدأ فور إلغاء الدورة الثانية للإنتخابات، ولكن جذور العنف كانت كامنة فى المجتمع الجزائرى منذ أحداث "اكتوبر الأسود" عام 1988 التى سقط فيها 500 قتيل، بعدها قرر الشاذلى بن جديد استجابة منه للواقع الجزائرى المتغير اطلاق الحريات وحق تكوين الأحزاب فتشكلت الجبهة الاسلامية للإنقاذ فى مارس 1989 وعلى رأسها عباسى مدنى الذى سبق له القتال فى صفوف جبهة التحرير الوطنى الجزائرية.
لا شك أن ما حدث فى الجزائر شتاء عام 1992 هو إنقلاب عسكرى بكل مكوناته لإيقاف تقدم جبهة الإنقاذ ووصولها للحكم بواسطة صناديق الاقتراع فما أن أعلنت نتيجة المرحلة الاولى حتى أعلن الجيش إيقافها وتشكيل المجلس الأعلى للدولة المكون من 6 أفراد على رأسه محمد بوضياف أحد قادة جبهة التحرير الوطنى، على أن العضو الفاعل فى المجلس كان الجنرال خالد نزار وقد اتخذ المجلس عدة قرارات منها إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية وعدم استكمالها وإقالة رئيس الجمهورية الشاذلى بن جديد وإعتقال الآلاف من أعضاء جبهة الإنقاذ والقوى الإسلامية والزج بهم فى سجون بالصحراء الكبرى وبعدها صدر قرار حل الجبهة الاسلامية للإنقاذ ومطاردة أعضائها، لذا فقد اعتبرت تلك القوى الامر بمثابة اعلان حرب وقررت خوض غمار حرب مسلحة مع ذلك النظام الانقلابى ولجأت الى المناطق الجبلية فى شمال الجزائر تتحصن بها وتخوض غمار تلك الحرب التى بدأت ضد قوى الجيش والشرطة ولكنها تحولت سريعا بحكم تسرب عناصر جهادية الى الحركة كتنظيم التكفير والهجرة (المصرى المنشأ) وغيرها لإستهداف المؤسسات المدنية والأفراد من الاوساط الفنية والمدنية وغيرها.
مثل كثير من الدول العربية والاسلامية بدأ نهوض التيار الإسلامى بالجزائر فى بدايات السبعينيات من القرن الماضى، فرغم أن حرب التحرير الوطنى التى بدأت فى 1954 هى إمتداد للمقاومة الإسلامية للغزو الإستعمارى بقيادة الشيخ عبد الحميد باديس الا ان جوهر حرب التحريرهو التضحية والاستشهاد وبذل الدم ليس من أجل مثل دينية بل من أجل الوطن، وقد لامست القيادة ما كان سائدا فى جميع حركات التحرر من إنجذاب للفكر اليسارى والماركسى تحديدا واتخاذ جيفارا وكاسترو وهوشى منه وماو وغيرهم رموزا ومعلمين، وكانت العلاقة بينهم وهنرى كورييل ومجموعة روما وبفرانزفانون وغيرهم من الماركسيين علاقة ايدولوجية فى الاساس، واستمر الحال كذلك إبّان تولى بن بيللا للرئاسة ولكن الحال تغير نسبيا بعد إنقلاب هوارى بومدين الذى كان مجاورا فى الازهر الشريف، حيث أنه دخل فى صراع مع رفقاء الأمس وفى صدام مع الأفكار اليسارية والعلمانية مما جعله يكرر ما قام به السادات بتشجيع الحركات الاسلامية لمواجهة التيارات اليسارية والقومية واستوزر مولود قاسم وزيرا للدين والتعليم ليناصر الإسلاميين فى صراعهم مع العلمانيين، وفى السبعينات تمكن الاسلاميين من السيطرة على الاتحادات الطلابية فى الجامعات وازاحة الماركسيين، واستمر تحريض الجماهير فى الشارع ضد من يسمون "المجاهدين" ممن شاركوا فى حرب التحرير وتحولهم الى طبقة مميزة يخصص لها جزء من غنائم التحرير، وتوجهت سهام الاسلاميين الى فشل النظام المدنى العلمانى القومى المتأثر بالغرب الصليبى فى حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للوطن واستطاعوا التغلغل فى أوساط الطبقات الشعبية والمهمشة والمهنيين وفى معظم قطاعات الدولة، وتركز هجومهم على الناطقين بالفرنسية .
لا يمكن بأى حال تكرار النموذج الجزائرى فى مصر بتفاصيله، لكن من الممكن بل والمتوقع أن تكون هناك محاولات متعددة لإحداث نوع من الفوضى قد تستمر لسنوات من تفجيرات هنا وهناك وإغتيالات لبعض رموز المعارضة من السياسيين والمثقفين والفنانين والحقوقيين وخاصة فى محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية وعلى الأخص فى شبه جزيرة سيناء التى تعشش فيها وترتع أشكال متعددة من الجماعات الإرهابية وتقوم بعمليات شبه يومية ضد الجيش والشرطة مرشحة للإزدياد، على أنه ليس من المتوقع تكرار النموذج الجزائرى فى مصر لأسباب مختلفة نذكر منها:
1- لا يجب أن نبالغ فى الفروق بين طبيعة الشعبين المصرى والجزائرى من جهة الميل البيولوجى للعنف ولكن طبيعة الصراع الذى جرى فى حرب التحرير الجزائرية إتسم بدرجة غير مسبوقة من العنف والإبادة تم خلالها إحراق قرى بأكملها بمن فيها، لذا فليس من المبالغة ذكر أنها ثورة المليون شهيد بحق، لذا فإن العنف الذى شهدته الجزائر فى التسعينات كان فى حقيقته عنفا مكتسبا وليس جزء من الطبيعة الجينية المتوارثة فى الشعب الجزائرى.
2- بعد إلغاء الانتخابات فى الجزائر ونشوء العنف والإرهاب كان الإسلاميون يطرحون النموذج الاسلامى فى مواجهة الحكم المدنى العلمانى بشكل نظرى بدعوى أن الشعب لم يتح له تجربة الإسلاميين فى الحكم، على أن ما حدث فى مصر مختلفا من جهة أنه قد تم بالفعل تجربة حكم تيار الاسلام السياسى لمدة سنة كاملة ثبت خلالها فشلهم الكامل فى تحقيق ما يسمى بالمشروع الاسلامى وخرجت الملايين فى مواجهته.
3- لم يعد وضع الإسلام فى مواجهة اللاإسلام مقنعا أو جذابا لعموم المصريين، حتى أن الإخوان تراجعوا نسبيا عن وضع الشريعة فى المواجهة بل يطرحون بالأساس قضية الشرعية فى مواجهة الإنقلاب العسكرى والتمسك بالديموقراطية فى مواجهة الخروج عليها، ونعلم يقينا أن التيار الإسلامى بعمومه لم يعرف عنه يوما ما أنه الأكثر حرصا على تطبيق الديموقراطية.
4- الإرهاب والعنف يحاولون صنعه ليس فى مواجهة طرفا وحيدا فى السلطة يتبنى العنف تجاههم ولكنه إن حدث فهو موجه الى قطاع متسع من الشعب يشمل معظم طوائفه.
هكذا إذن فإن ما يمكن حدوثه على الأكثر هو مجموعة متفرقة من حوادث العنف لا يمكن بأى حال أن تتطور الى حرب أهليه لكنها ستكون فى الأغلب مواجهات محدودة مع أجهزة الأمن يمكن تحجيمها، لكن الأخطر هو العمل الطويل الثقافى من كل قوى المجتمع المدنى لإعادة تهيئة الشعب وإعادة تثقيفه بمبادئ المساواة والتسامح وقبول الآخر.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟