أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - العراق قبل وبعد الحرب العالمية الأولى















المزيد.....

العراق قبل وبعد الحرب العالمية الأولى


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 4147 - 2013 / 7 / 8 - 14:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


العراق قبل الحرب العالمية الأولى
كان الصراع قائماً بين الإمبراطورية الفارسية (الصفوية) والإمبراطورية العثمانية (التركية) في السيطرة على العراق وقد تناوبت كل من الإمبراطوريتين في السيطرة على العراق الذي كان مقسماً إلى ثلاث ولايات هي بغداد والموصل والبصرة، في حلول عام/ 1638 حسم النزاع بين الإمبراطوريتين لصالح الإمبراطورية العثمانية بالظفر والسيطرة عليه لمدة استمرت أربعة قرون من الزمن، وهي بلا شك فترة طويلة عاشها الشعب العراقي تحت سلطة الحكم العثماني وتركت أثرها على سكان العراق.
كان الوالي العثماني يقف على رأس الولاية التي تخضع للسلطة المركزية في اسطنبول، كما كان في ذلك العهد سلطة لمختار المحلة في الولاية التي يديرها الوالي بالرغم من بعض المحاولات الإصلاحية التي قام بها بعض السلاطين والولاة إلا أن الضعف والفساد الإداري هما السمتان المميزتان للسلطة الحاكمة والجهاز الإداري بصورة عامة.
كان العراق آنذاك تتكون أرضه في الشمال والشمال الشرقي من مرتفعات تسكنه الأكراد، ومنطقة منبسطة محاذية لنهري دجلة والفرات نشأت فيها المدن تسكنها الطبقة الحضرية وكانت تحيطها أراضي خصبة صالحة للزراعة استغلها الفلاحون والرعاة في الزراعة ورعاية الحيوانات، أما المنطقة الصحراوية في البادية الغربية من العراق كانت تسكنها القبائل البدوية. أما تركيبة المجتمع العراقي فإنها كانت فسيفساء من الاثنيات القومية والدينية، وكانت الشريعة الإسلامية قانون الدولة العثمانية الرسمي الأعلى.
كما يبدو من أقوال المؤرخين عدم وجود نظام إقطاعي في تلك العهود حسب المفهوم العلمي للنظام الإقطاعي الذي يعتبر الإقطاعي هو ذلك الإنسان الذي يمتلك مئات الآلاف من الهكتارات الزراعية كما بينها الدكتور إبراهيم كبة في كتابه (الإقطاع في العراق) الذي صدر في العهد الملكي قبل ثورة 14 تموز/ 1958 كما أشار إلى ذلك الدكتور غسان العطية، إن الأرض التي كانت تزرع من قبل أفراد العشيرة كان يطلق عليها اسم (الديرة) ظلت هي الأساس في ملكية الأرض إذ لم تكن هناك أية ملكية فردية في الغالب، ولذلك فأبناء العشيرة بموجب هذه القاعدة لم يكونوا أفراداً مالكين ولا عمالاً زراعيين بل مزارعين في أرض يملكها المجموع، وقد ذكر الدكتور عبد الجليل الطاهر في كتابه الموسوم (تقرير سري لدائرة الاستخبارات البريطانية عن العشائر والسياسة في العراق) بعد الاحتلال المغولي للعراق سنة 1258م أصبح العراق ساحة صراعات دامية فحلت به الكوارث والمصائب الكبيرة، مما سبب الخراب والدمار في جميع مرافق الحياة وفقد الأمن والنظام وعمت الفوضى في أنظمة الري مما أدى إلى تراجع الزراعة ونتيجة لذلك كان من الطبيعي أن يبرز دور العشيرة في الريف، كونها التنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الوحيد الذي ربط أفراد العشيرة.
وتعقيباً على ما تقدم تشير إلى ما ذكره الأستاذ حنا بطاطو في موسوعته الموسومة (العراق الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية) برزت سلطة شيوخ العشائر بعد انهيار نظم الري وتراجع نفوذ المدينة نتيجة لسلسلة الغزوات التي جاءت من أواسط آسيا (يقصد بذلك الاحتلال المغولي للعراق عام/ 1258م) (كاتب السطور) والحروب المختلفة عبر المراحل التاريخية فتحولت مسارات الأنهر وامتلأت القنوات القديمة بالطمى وانتشرت الملوحة فكانت معظم الأراضي الزراعية والمراعي في العراق تحت سيطرة العشائر.
كما يذكر الدكتور محمد سلمان حسن في كتابه الموسوم (التطور الاقتصادي في العراق) أن محاولة مدحت باشا لبناء الأرضية القائمة على أساس نظام الطابو، رغم كونها السياسة الوحيدة القادرة على حل المشكلة العشائرية في العراق لأن هذا التحول لم يقضِ على البناء العشائري، حيث ظلت البقايا العشائرية قوية لأنها أمكنها أن تحجب التناقضات الطبقية وتمنع أوسع الجماهير الفلاحية من أن ترى رؤساء العشائر الذين تحولوا إلى إقطاعيين كبار وأعداء طبقيين لهم.
كما أن محاولة القضاء على ملكية العشائر الجماعية للأرض ويجعل الأرض المشاعية ملكاً للدولة، ومنحها لشيوخ العشائر وجعلها بمثابة مناصب وراثية تعهد إليهم بموافقة السلطة الحاكمة وسبب ذلك إلى قيام عوائل إقطاعية كانت تمتلك أصقاعاً واسعة من الأراضي، لم تجر دون مقاومة الجماهير الواسعة من الفلاحين المعدمين.
كان من نتيجة سيادة النظام الإقطاعي في العراق وإفرازاته على أبناء الريف من الفلاحين، إضافة إلى التسرب الاقتصادي للرأسمال الأجنبي الذي أدى إلى انخفاض الإنتاج الحرفي في المدينة العراقية إلى حد كبير مما أدى إلى تخريبها.
يقول الدكتور محمد سلمان حسن في كتابه (التطور الاقتصادي في العراق) : إن الهيمنة العثمانية على العراق عرقلت تطور التجارة والحرف الصناعية بسبب الثروات الضخمة التي كانت تسلبها من العراق على شكل ضرائب مختلفة، بالإضافة إلى الآثار السيئة للنظام الإقطاعي السائد في البلاد. وفي القرن التاسع عشر من القرن الماضي اندمج العراق بالسوق الرأسمالية العالمية حيث تم في ذلك القرن تحويل الحبوب إلى بضاعة تصدر إلى الخارج فبلغ تصدير العراق من هذه المادة (95 ألف طن). كما ظهرت عوائق لتطوير المدينة هو توطيد مركز الاستعمار الذي حول البلاد إلى منتج للمواد الخام تابع للدول الرأسمالية والسوق العالمية.
لقد كانت المؤسسات التي تطورت من خلال إطار الإنتاج الحرفي قليلة جداً وضعيفة ومن خلال ذلك فإن التطور الوحيد الجانب للعلاقات الرأسمالية في الاقتصاد العراقي قد جاء مع تسرب الرأسمال الأجنبي الذي تكيف لتلبية احتياجات مختلف فروع الاقتصاد العراقي.
في تلك الفترة التي كان فيها العراق تحت سيطرة الحكم العثماني لم يكن العمال الذين يزاولون الأعمال الموسمية كعتالين وعمال بناء وغيرها قد يتجاوزوا عشرات الآلاف من العمال وكانت الأجور منخفضة جداً، وكان أولئك العمال الموسميون الوقتيون يؤلفون الجانب الأكبر من الطبقة العاملة الجديدة التي ما تزال تمر بمراحل التكوين الأولي، وبما أن تلك الطبقة الجديدة الموسمية كانت مكونة من الفلاحين المهاجرين من الريف فقد امتازت تلك الطبقة من العمال بالازدواجية لعدم ارتباطهم النهائي بالآلة وبطبيعة الحال أثر ذلك بشكل مباشر على تكوين ونمو وعي العمال الطبقي والسياسي مما جعل تلك الطبقة غير مؤهلة بالقيام بأي دور سياسي على الساحة السياسية العراقية آنذاك.
إن الظروف والأوضاع التي كانت سائدة، لم تساعد على وجود حركة اقتصادية لتنشيط السوق المحلية بسبب انقسام سكان العراق إلى مجتمعات منعزلة ومتفرقة وفقدان شروط الوحدة الوطنية بسبب النزعات الطائفية والقبلية مما جعل تلك السلبيات تنعكس على مجرى الحياة السياسية وأعاقت ظهور الفوارق الطبقية في المجتمع كما أن البورجوازية الكبيرة لم تكن تتعارض مع الإقطاعيين وإنما تواطأت واتفقت معها مما أدى إلى استغلالها لمصلحة العثمانيين والمستعمرين.



العراق بعد الحرب العالمية الأولى
كانت الحقبة العثمانية الممتدة أربعة قرون من الزمن المتخلف قد شكلت قاعدة انطلاق مهمة لدراسة التطور اللاحق للعراق المعاصر بسبب من أنها تركت بصماتها القوية وتأثيراتها العميقة في طبيعة المجتمع العراقي حتى بعد التخلص من النير التركي غير أن كابوس التخلف الذي جثم على العراق في تلك الحقبة، لم تكن خالية من آفاق التطور، لاسيما في عهدي ولاية داود باشا (1817 – 1832) ومدحت باشا (1869 – 1783) اللذين قاما بإصلاحات عديدة الأوجه بقيت محفورة في ذاكرة الناس ومطرزة في بطون الكتب. ومهما كانت أسباب ودوافع هذه الإصلاحات فإنها أدت بالنتيجة إلى متغيرات موضوعية ومتقدمة نسبياً في تاريخ العراق اللاحق وأفرزت العديد من النتائج على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، وبما أن أي شيء في الوجود لا يبقى جامداً وثابتاً وإنما في حركة وتغيير فإن تلك الإصلاحات ستتضخم أكثر فأكثر مع الهيمنة البريطانية على العراق ومع نشوء الحكم الوطني لتولد وتترعرع وتنمو الطبقة البورجوازية بمختلف فئاتها ومكوناتها الرئيسية المتمثلة بفئة الملاكين العقاريين من أبناء الريف والمدينة والفئة التجارية (المحلية والطفيلية المرتبطة بالاستعمار (الكمبرادورية)) والفئة الصناعية والتي ستولد من رحمها حفارة قبرها (الطبقة العاملة).
كانت البداية لظهور الطبقة البورجوازية من خلال نشأت الملاكين العقاريين بوصفهم فئة اجتماعية ارتبطت بعملية تفكك النظام القبلي الذي كان يمثل نظاماً متيناً في العراق في عهد الحكم العثماني، التي كانت العشائر تمثل كيانات مستقلة بسبب الروح البدوية المتأصلة فيها التي تجعلها ترفض أية سلطة خارج كياناتها وغريبة عنها، ولذلك اعتبر قانون الأراضي العثماني لسنة 1858 الذي وصفه مدحت باشا أحد الأسباب التي أضعفت الكيانات العشائرية العراقية بحكم ذلك القانون الذي طبق نظام سندات الملكية والذي يقضي بتقسيم جديد للأراضي وتحويل أبناء العشائر إلى مزارعين ملاكين للأراضي محددة قانونياً، ويجعل أبناء العشائر مسؤولين مسؤولية مباشرة أمام سلطة الدولة المركزية وإحلالها محل سلطة الشيوخ.
إن أبناء العشائر لم تتجاوب مع ذلك القانون خوفاً من الجندية والضرائب الحكومية كما أنهم لم يكن بوسعهم امتلاك الأموال في الحصول على سندات الطابو، وبذلك حرمت العشيرة كهيئة اجتماعية من امتلاك الأراضي وعزوفهم عن شراء سندات الطابو مما أفسح المجال أمام الموظفين الكبار وتجار المدن وبعض شيوخ العشائر لشراء الأراضي والحصول على سندات الطابو، لقد كانت هذه الفئات تمتلك الأموال وتدرك أهمية التطور والتقدم من خلال الطلب الكبير على المنتجات الزراعية والتجارية بها مما أدى إلى تسابق تجار المدن غير الزراعية والموظفين الإداريين لشراء الأراضي الزراعية وقد رافقت هذه التحولات التي أدت إلى اختراق وتفكك العلاقات القبلية القائمة على التجانس والالتزام بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الشيخ وأفراد عشيرته وقد أتاح ذلك لشيخ القبيلة السيطرة على النشاط الاقتصادي في القبيلة، كما تمتعوا بامتيازات إضافية وفرتها لهم الإمكانات الاقتصادية التي حصلوا عليها مثل تكوين حرس مسلح يحمي مصالحهم وبذلك فإن نظام الطابو ساعد في نهاية الأمر على إضعاف النظام العشائري وتفكيكه، وأصبح أبناء العشيرة مستأجرين للأراضي أو عمالاً يزرعون أرضاً مملوكه لأحد أفراد القبيلة أو لأحد سكان المدن بعد أن كانت ملكاً جماعياً للعشيرة.
لقد أدى هذا القانون إلى ظهور طبقة من الملاكين الزراعيين من أغنياء المدن وبعض شيوخ العشائر، كما أدى إلى امتلاك الأراضي الزراعية إلى فئات لا يمتون للزراعة بأية صلة أطلق عليهم (الملاكون الغائبون) مثل عائلة سركيس البغدادي وعائلة اليهودي مناحيم دانيال وعائلة الكليدار وجميعهم من سكان المدن، كما استطاع كبار موظفي الدولة وضباط الجيش العثماني الحصول على الأراضي الزراعية عن طريق الهبة أو التفويض، وقد توزعت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في مدينة البصرة على أربعة أشخاص من الملاكين الزراعيين ووجهاء المدينة وشيوخ العشائر، كما تم توزيع بساتين ديالى على أربعة بيوتات ثرية من أبناء بغداد، وقد بلغت مساحات تلك البساتين أكثر من 500 هكتار، كما استحوذت عوائل معروفة ومشهورة في بغداد كعائلة السويدي والهاشمي وجميل زاده على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وفي مدينة الموصل شارك زعماء قبائل البدو وأثرياء المدن في الاستحواذ على مساحات واسعة من أخصب الأراضي الزراعية.
لقد اهتمت سلطات الاحتلال البريطاني بزراعة المحاصيل التي تشكل المواد الأولية للصناعة البريطانية كالقطن والتبغ وتربية دودة القز لإنتاج الحرير والتمور والكتان. مما جعل من العراق مصدراً للمواد الأولية وسوقاً لتصريف منتجات المصانع البريطانية والذي أدى بالتالي إلى خلق بورجوازية زراعية وبورجوازية (طفيلية) وكلتاهما مرتبطتان بالرأسمال الاستعماري البريطاني.
في الحقبة العثمانية كانت تنتشر في المدن العراقية الصناعة المحلية الحرفية، وهي صناعة يدوية بسيطة يقوم بإنتاجها صاحب العمل الذي يشترك مع بعض مستخدميه في عملية الإنتاج وغالباً ما يكون المستخدمين من أفراد عائلته الذي يؤسسون لأنفسهم مصلحة خاصة بهم، وفضلاً عن ورش النسيج اليدوي التي بلغت في القرن التاسع عشر أكثر من اثنا عشر ألف ورشة، وتركزت هذه الورش في المدن العراقية، كانت هنالك عملية دباغة الجلود وصناعة الأحذية والنعل وأعمال الصياغة للمخشلات الذهبية والنحاس وصناعة الطابوق في الكور وبناء الزوارق والسفن والعربات (الربل) التي تجرها الخيول وصناعة الأدوات الزراعية كالمحراث اليدوي والمسحاة وأعمال النجارة والحدادة والفخار. وفي أواسط القرن التاسع عشر أنشأت الدولة خمسة معامل على حسابها الخاص معملين لطحن الحبوب ومعملين لصناعة الثلج ومعمل واحد للنسيج. وجدير بالذكر أن الحرف اليدوية قديمة وتمتد إلى العصور ما قبل العهد العثماني وكثير من العوائل العراقية المعروفة يعود نسبها وأصولها إلى تلك الحرف مثلاً (النجار والحداد والدهان والقزار والبزاز والكواز وغيرها) وحينما بدأت الصناعة الأجنبية تغزو الأسواق العراقية وخاصة بعد الاحتلال البريطاني للعراق، أصاب الصناعة الحرفية الكساد لعدم استطاعتها مزاحمة الصناعة الأجنبية من حيث الجودة والسعر مما أدى إلى ضمور وانحلال تلك الصناعة الحرفية اليدوية، فهجرها أصحابها والتحقوا بصفوف الطبقة العاملة إلا أن القليل من أولئك الحرفيين استمروا بحرفهم إلى يومنا هذا بعد أن ورثوا هذه الحرفة والصناعة اليدوية من آبائهم وأجدادهم وتجد الآن بعضهم كالصفارين والصاغة والنجارين والحدادين، ولابد من ذكر أن هؤلاء الصناعيين الحرفيين كانوا يتجمعون في أسواق ومحلات خاصة بعملهم مثلاً (سوق الصاغة وسوق الصفارين وسوق الحدادين وسوق النجارين) وكانت هذه الفئات تقيم في المناسبات الدينية في المآتم أو مراسيم العزاء كل فئة بمعزل عن الفئات الأخرى مثلاً مجلس عزاء الصفارين أو النجارين أو الحدادين.
لقد كان للنشاط التجاري المرتبط بالسوق العالمية التي كانت ترتبط به البورجوازية الطفيلية (الكومبرادورية) كوكلاء ومستوردين للبضائع والسلع الأجنبية دور كبير في تفويض الصناعة الحرفية مما عمق الأزمة التي أطاحت بالحرفيين وهددت الصناعات التقليدية التي كانت سائدة آنذاك في العراق، فظهرت المشاريع الصناعية بالمواد الإنشائية إضافة إلى القليل من الصناعة الإنتاجية للحرف اليدوية الرخيصة الثمن.
نتيجة لاستيراد البضائع الأجنبية التي غزت السوق العراقية مما أدى ذلك إلى الاندماج بالسوق الرأسمالية وأثرت بصورة كبيرة في صناعة النسيج، وأسست معامل جديدة لتصنيع السلع والبضائع للتصدير مثل معامل تعبئة التمور في البصرة وعدة مراكز لتنظيف الصوف التي أسستها شركة بيت لنج وداربي أندروز البريطانيتان ومعمل عرق السوس الذي أسسته شركة ماك أندرو الأمريكية، كما حلت السلع والبضائع المستوردة المصنوعة بالآلات والمكائن محل السلع والبضائع المحلية المصنوعة بأيدي الحرفيين والتي أزاحتها من الأسواق العراقية وسببت الفقر والعوز لكثير من العوائل العراقية التي كانت تزاول تلك الحرف اليدوية، وكان عدد الحرف اليدوية لصناعة النسيج قد بلغت مائة وعشرين بعد الحرب مقابل أربعة وعشرون ألفاً في عام / 1866 مما اضطر الكثير منهم إلى ترك نغازلهم والتحول إلى استيراد الأنسجة من الخارج أو وكلاء للشركات الأجنبية المنتجة للنسيج الأوربي، وتحول العراق إلى مصدر للمواد الأولية وبشكل خاص التمور والصوف والحبوب وعرق السوس وغيرها. في الوقت الذي أخذت الصناعة الحرفية اليدوية بالانهيار والانقراض وتحول كثير منهم إلى عمال في المؤسسات والمنشآت التي شيدت وانتعشت بعد الاحتلال البريطاني للعراق حيث استوعبت نشاطات هذه المؤسسات والمنشآت أكثر من خمسة عشر ألف عامل في السكك الحديد وميناء البصرة وشركة نفط العراق وشركة نفط خانقين وجمعية إنتاج القطن العراقية كما استوعبت مؤسسات القطاع العام العائدة للحكومة العراقية مئات العمال وزعوا على مطبعة الحكومة والبريد والبرق وميناء البصرة، وقد اقتصر دور القطاع الخاص على مصانع للمواد التي تصدر إلى الخارج وعلى ورش لصناعة مواد البناء. نتيجة لذلك برزت النزعة الاستهلاكية بين أبناء المجتمع العراقي والإقبال على البضائع الأجنبية مما زاد من تضييق الخناق على الصناعة الوطنية العراقية مما أدى إلى الإضعاف الشديد للتراكم الأولي لرأس المال اللازم لبناء وتطوير الصناعة الوطنية مما أثر سلباً على تكوين وتنمية البورجوازية الوطنية الصناعية العراقية. أما قيام بعض المشاريع الصناعية، فإن ذلك يعود إلى حاجة الصناعة البريطانية إلى مواد الأولية المصنعة في العراق.
وسط هذه الأجواء سارت عملية نشوء وتكوين ونمو الطبقة البورجوازية الصناعية العراقية ببطء شديد نتيجة أسباب وعوامل وغايات وأهداف كان يسعى ويعمل لها الاستعمار البريطاني المحتل للعراق، وبذل شتى السبل الممكنة من أجل عرقلة التطور الصناعي في العراق، حتى يبقى ذلك الوطن المحتل مصدراً للمواد الأولية التي يمول بها معامله ومصانعه، وسوقاً رائجة لتصريف السلع والبضائع التي تنتجها تلك المصانع والمعامل، وكان ذلك أيضاً من خلال الضغوط والعراقيل التي كان يتعرض لها أصحاب الصناعات الحرفية اليدوية البسيطة من قبل الاحتكارات الأجنبية والبورجوازية الطفيلية الكمبرادورية في توسيع مشاريعهم وتحويلها إلى صناعات حديثة، ولذلك فإن الأهداف والخطوات التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال البريطاني كانت تنسجم مع مصالحها الاستعمارية فاستغلت توفير ورخص الأيدي العاملة، وتوفر المواد الأولية فتوجهت احتكاراتها واستثماراتها نحو تصنيع المنتجات الزراعية والمواد الإنشائية في العراق، فجعلت النشاط الإنتاجي الصناعي مرتبطاً بالإنتاج الزراعي لحلج الأقطان في العراق والصوف والتمور والجلود وغيرها. ومن أجل تعزيز وإشاعة سياستها الاستعمارية في إضعاف الطبقة البورجوازية الوطنية الصناعية وعرقلة نشاطها عملت على سيادة الإنتاج الطبيعي الزراعي وإضعاف العلاقة بين المدينة والريف وتخلف وضعف التبادل التجاري على الصعيد الداخلي وعلى ضعف القدرة الشرائية لدى الفرد العراقي حتى لا يستطيع أن يتحول إلى مستهلك مشجع لظهور نوع جديد من الإنتاج الوطني.



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الشيوعي العراقي
- من وحي التجربة
- الطبيعة الديمغرافية للشعب الأمريكي
- ما المقصود بمحاربة الفكرة بالفكرة ؟
- أمريكا والعالم بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
- الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية
- الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية
- الدولة القومية والفكر الديني بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
- الفكر الماركسي والقومية و الفكر الماركسي والدين
- العلمانية والأممية
- صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية/2
- صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية
- النظرية الماركسية والعولمة
- الرفاق الأعزاء
- الى من يهمه الأمر .. مع التحية
- رسالة حب إلى صديقي الدكتور عدنان الظاهر
- حوار مع مشروع بول بريمر الجديد
- التغيير والتجديد في الفكر الماركسي الخلاق
- حديث الروح(30)
- حديث الروح(29)


المزيد.....




- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - العراق قبل وبعد الحرب العالمية الأولى