أحمد مولود الطيار
الحوار المتمدن-العدد: 1186 - 2005 / 5 / 3 - 14:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يدور على ألسنة المسؤولين السوريين في السنة الأخيرة، ومن القمة الى القاع خطاب جديد ومفردات جديدة , يحاولون تمريرها وتثبيتها بين الأوساط المثقفة وصولا إلى كافة شرائح المجتمع، يدفعهم إلى ذلك ضغوط دولية متصاعدة وتغيرات عربية وإقليمية، وسقوط كافة ذرائعهم وشعاراتهم, يساعدهم في ذلك طابور خامس من كتاب، وأقلام انبرت تدافع عن حقبة ماضية لا زالت مستمرة. دفوعات، من وجهة نظري المتواضعة، تتميز بالتضليل والخداع, تحاول تثبيت شيء ثانوي لطمس الأساسي وتصوير ما حدث في سوريا في العقود الأربعة الماضية أنها أخطاء بشرية. إنهم في ذلك كمجرم قتل ليسرق وأمام المحكمة أمام الناس, لم يعترف إلا بالسرقة, محاولاً طمس جريمته الحقيقية، وهي القتل وتوجيه أنظار الناس إلى الجرم الأدنى يتأمل العقوبة الاخف .
في خطاب التنصيب أو كما سمّي القسم . يعترف الرئيس بشار الأسد بأنه لا يمتلك عصا سحرية معترفاً بوجود أخطاء في عهد سلفه الراحل. وفي خطابه الأخير " خطاب الانسحاب من لبنان " يعترف الرئيس بوجود أخطاء حدثت من قبل قواته الأمنية والعسكرية. ما بينهما, بين الخطابين, من خلال تجربة شخصية, كذلك يجمع كافة النشطاء في الحقل السياسي والإنساني العام ومن خلال الاستدعاءات الأمنية المتكررة معهم حديث ذوي الرتب العالية رؤساء الأفرع الأمنية, تأكيدهم: هناك أخطاء حدثت ويجب تصحيحها.
آخر الدلائين في صحوة الضمير تلك, السيد عبد القادر قدورة رئيس مجلس الشعب لدورات عدة منصرمة, حيث يتحفنا بتواضعه الجم قائلا: نعم هناك أخطاء حدثت في فترة حكم البعث ..!!!
لشدّ ما أضحكني حتى استلقيت على قفاي تعليق الدكتور عمار قربي الناشط في مجال حقوق الانسان وتشبيهه المسؤولين السوريين بالفنانات المصريات, عندما يصلن الى أرذل العمر يعلنّ توبتهنّ والله غفور رحيم.
مكمن الخطورة في تلك الاعترافات, وسنرى في المقبلات من الأيام القليلة القادمة الكثير منها ولن يفاجئنا تصريح من الأحمر أو خدام بل كافة المسؤولين الأمنيين, أن هناك أخطاء حدثت ...
قلت أن مكمن الخطورة في تلك الاعترافات هو طابعها الخداعي والتضليلي وأخمن أنها السياسة الرسمية المتبعة في الفترة المقبلة وسيروج لها كثيرا وهناك مروجون لها كثر جاهزون, أعضاء مجلس شعب ليسوا بعثيين, يعترفون كتابة وفي مقالاتهم وعلى الفضائيات العربية, كذلك أصحاب مواقع الكترونية عبر مواقهم القريبة من مراكز صنع القرار وعلى الفضائيات العربية : نعم يوجد أخطاء .
على مدى أربعين عاما خلت من حكم البعث, هل يجادل عاقل في تلك البديهية، جود تلك الأخطاء؟!
أنّى يممت وجهك تصفعك تلك الأخطاء. القضية أكبر من تصرف خاطئ هنا، تصرف خاطئ آخر هناك. مأزق سوريا والسوريين ليس هنا، فساد نتيجة لسياسة الإفساد، الاعتقال والقمع نتيجة للسياسة الأمنية الاستئصالية الشمولية.
في سويسرا يوجد أخطاء. في السويد تطالعك الصحف والأخبار عن وزير مرتش وآخر استخدم سلطاته لادخال طالب في كلية جامعية لا تخوله علاماته دخولها, لكن في تلك الدولتين الراقيتين استثناء, القاعدة هي لحكم القانون. لدينا في سوريا الهرم بالمقلوب.
دائما في " سوريا البعث في سوريا الأسد ", التضليل هو السياسة الرسمية المتبعة وللأسف انطلت على شرائح وفئات كثيرة في المجتمع السوري. بسطاؤه بحسن نية حينا ولامبالاة وسلبية أحايين كثيرة أخرى, ونخبه قد يدركون كذب ما يروج له ويقبلون به لضعف وقلة حيلة .
أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت هناك لازمة ردّدتها أجهزة المخابرات طويلا في تبريرها للفساد المستشري وبأن الرئيس الراحل مهموم ومشغول بالقضايا الاستراتيجية الكبرى والسياسة الخارجية وبلبنان وفلسطين - لم يدخل وقتها العراق في محنته الحالية وإلا لألحق كذلك- لا يوجد لديه أدنى وقت للقضايا الداخلية ولا يعرف ماذا يدور في الداخل, معتقدا أنه وضع تلك الملفات بين أياد أمينة.
حاليا ومنذ استلام الرئيس بشار الأسد وتعثر ما قيل عنه مشروعه التحديثي والتطويري (التحديث والتطوير) , أتحفونا بمصطلح حرس قديم وحرس جديد وأن الحرس القديم هو العقبة أمام مشروع الرئيس الاصلاحي والتحديثي, ذلك المشروع المتطلع الى الجديد بثوابت القديم!!
لا أود الخوض في هذين المثالين المضروبين. ما أود طرحه تساؤل برئ وساذج: كم يمتلك عبدالله الأحمر وعبد الحليم خدام ومحمد زهير مشارقة وكافة أساطين الحرس القديم من المدرعات والطائرات والقذائف والبوارج حيث أن من يملك هذه وتلك وهاتيك في الدولة الأمنية الشمولية يحكم ؟!
في الاجابة على ذلك السؤال الساذج, هناك جواب أكثر سذاجة.
يقول " فان دام " في كتابه " الصراع على السلطة في سوريا ": أن قائد القوى الجوية آنذاك ناجي جميل وهو من محافظة دير الزور, إذا أراد القيام بأي حركة انقلابية فانه سيفشل لأنه لا يستطيع تحريك سرب واحد من المقاتلات والسبب في ذلك أن كافة قادة الأسراب الموجودين تحت امرته هم من أبناء الطائفة العلوية الذين يثق بهم الرئيس الراحل حافظ الأسد!!
قد يكون هناك صراع ولكن ليس بين حرسين قديم و جديد. سموه ما شئتم.
أعود الى ما بدأت به وعن الاعترافات بوجود أخطاء. لا يا سادة, لم تكن أخطاء, بل نهج كامل وسياسة ممارسة ولا يمكن تقزيم وتبسيط الأمور الى تلك الفجاجة. فالقمع المطبق على الشعب السوري منذ أربعة عقود ونيف, لم يكن أخطاء ضابط مخابرات هنا وعنصر مخابرات هناك, وإلغاء مجتمع بكامله والآلاف من المعتقلين والمشردين والمنفيين والأموات, كان حصاد سياسة القمع المنظم وعدم الاعتراف بالآخر.
الفساد نتيجة والإفساد نهج وفعل وسياسة " حكيمة " أطلقت غولها يلتهم الدولة والمجتمع وإن أردت حصتك من المزرعة عليك بالولاء. كن مواليا مطيعا مرددا الطقوس بانتظام وسنطلق يدك لتحوز كل شئ. غير ذلك جهنم وبئس العذاب.
الرشوة والمحسوبية والاستزلام والاخصاء والنفاق نتائج طبيعية لذلك النهج الذي غدا ثقافة كاملة ومعممةيصعب اختراقها . ليست أخطاء .
ان تركيع سوريا أمام الخارج وتحويل مواطنيها الى عبيد لطغمة في الداخل, كان الحصاد المرّ.
عمل ذلك النهج على افراغ كل قيمة نبيلة من لبّها وجوهرها ويحال حتى الإنسان الى ديكور وديكور مبتذل فقد حتى بهارجه الجاذبة ولننظر على سبيل المثال الى أمثلة ساطعة ولمؤسسات كيف أضحى حالها على سبيل الذكر لا الحصر.
مراكز ثقافية عملاقة في كل محافظة من محافظات القطر لكن لا يوجد لا ثقافة ولا مثقفين, حيث المثقف الحقيقي مهمش أو مبعد. اتحادات للعمال يناقش فيها كل شئ الا هموم ومعاناة العمال.
في دمشق مقر مهيب لمجلس الشعب السوري, الغائب الأكبر فيه هو الشعب السوري, لا حرارة لحوار فيه ولا كتل نيابية تتصارع لخدمة الوطن, ويؤكد الواقع خلوه من أي تعددية سياسية, يسيطر عليه اللون الواحد ولا يتردد في جنباته القفر الا بالروح بالدم .
ما حال القضاء وأين ذهب العدل ؟
ما حال الجامعات التي تخرج طلبة أميين؟
ما حال قيمة القيم, الإنسان الذي تحول الى مهرج لا همّ له الا ممارسة الفهلوة والشطارة لتأمين زاده وزاد عياله؟!
إفراغ كل قيمة من معناها و إحلال بدلا منها أشياء مبتذلة ليتساوى الجميع في الرذيلة. سياسة ومنهج سار عليهما النظام السوري عن سابق تصور وتصميم, ثم أتاك يعترف ملتويا مواربا مخادعا .
هل تسقط تلك الجريمة , تلك الجرائم بعد اربعين عاما بالتقادم ؟!
كاتب سوري ـ الكويت
#أحمد_مولود_الطيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟