أحمد مولود الطيار
الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 09:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
العالم يتغير بشكل دراماتيكي و إعصار و زلزال تسونامي كان بالامكان تقليص حجم كوارثه و خسائره و آلامه لو وجدت أجهزة و محطات الإنذار التي ستنبهنا الى بدء ثوراته و هياجانه .
كان للنظام الأمني الاقصائي الشمولي البعثي على المجتمع السوري ما كانه زلزال تسونامي على الدول الأسيوية المنكوبة .
أرى و كنت أتمنى و الأحداث و التغيرات في العالم تشتد و تتسارع حتى لا تترك لك نفس متابعتها , أن تبادر صحيفة سورية , أن تطرح السؤال التالي على السوريين : أي صورة لسوريا بعد انسحاب حزب البعث من قيادة الدولة و المجتمع ؟ مطالبة الكتاب و المثقفين السوريين في الموالاة و المعارضة الإجابة على ذلك السؤال عبر صفحاتها , فاتحة بذلك حوارا و تفاعلا حيا بين جميع مكونات الطيف السوري لرسم سوريا المستقبل . و بما أننا نطلب المحال من صحافة مدجنة معلبة لا تنتمي إلى العالم بأي شكل من الأشكال , فأنني من موقعي و عبر موقع ( الحوار المتمدن )أفتح الكوة لهذه الدعوى .
العالم يتغير و التغيير سيطالنا شئنا أم أبينا و مفاهيم الديموقراطية و حقوق الإنسان و صلت إلى آذان من كان به صمم , و حزب البعث سينزل من على ظهورنا اليوم أوغدا طوعا أو بحكم تقادمه و انتهاء صلاحيته أو بفعل الضغوط الدولية و التي أضحت ترى وجوده نشازا وعائقا شكليا لا يتلاءم مع سياسات العولمة . و الأجهزة الأمنية التي تطاولت و استطالت حتى غدت أكبر من الإنسان و الوطن , ستركن في الزاوية تتعلم تقليم أظافرها , و نظام الاستبداد و القمع و الأقبية و الزنازين سينهار و يتفسخ مع طلوع أول الإشارات لمقدم الشمس , و مصنع صهر جميع أفراد المجتمع في بوتقة ايديولجية واحدة و تبعيثهم و الانفراد بإدارة شؤون المجتمع السياسي من قبل فرد أو مجموعة أفراد دون بقية المواطنين و الاستحواذ و الاستيلاء و السيطرة ووضع القانون على الرف و أقوال الحاكم و أفعاله هي القانون و تحويل العلاقات بين أفراد المجتمع من علاقات تحكمها و تنظمها قوة الحق إلى علاقات يضبطها محض القوة , تدلل الأحداث أنها ذاهبة إلى غير رجعة .
لقد مارس النظام السوري استبدادا قل ّ نظيره في العالم أجمع . تصرف بالمجتمع بتحكم و دون قيود . استفرد بالسلطة وتحكم في رقاب الناس و استأثر بخيرات مجتمعهم و مارس عملية نفي للآخر و عدم الاعتراف به مشاركا في إدارة الشأن العام و حاول أن يسوغ و يشرعن استبداده بمسوغات و مطايا مختلفة , الشرعية الثورية تارة و الأمن و الاستقرار تارة و ركوب الدين تارة أخرى , و المتاجرة بالقومي لتسكين و تخدير آلام الوطني , يحاول عبرها أطالة أمده ما استطاع . مستثمرا إلى أقصى الحدود الحرب الباردة التي كانت دائرة رحاها بين القطبين و اعتماده على الإعلام المحتكر و الموجه بشعاراتية و دعائية فجة , كذلك على الذراع الضاربة الأخرى , أجهزة المخابرات التي سرطنت البلد و اقتحمت في فترة من الفترات حتى مخدع الزوجية!!
نؤكد مرة أخرى العالم يتغير و القبضة الأمنية إلى ارتخاء فزوال و الإعلام الذي كان يعتمده النظام لتدجين الحجر و البشر انتهى مفعولهما و غير قادر النظام على السيطرة بفعل ثورة الاتصالات و زمن الفضائيات الذي كشف و فضح المستور و المخبأ , كذلك و هو الأهم انتهاء الدور الوظيفي الذي اضطلعت به أنظمة الاستبداد .
إن الدعوة للمساهمة في هذا الملف لا نريدها و على غرار دعوة أخرى في مكان آخر , جدلا"هل سينسحب حزب البعث و النظام الشمولي من قيادة الدولة و المجتمع أم لا ؟" ما نريده صورة سوريا المستقبل بعد ذلك الانسحاب و كيفية لملمة الجراح المفتوحة في كل مليمتر من الجسد السوري و بث الحياة و الإبداع في روح أقعدها الوهن و اليأس و الإحباط ؟ ؟.
لقد قسم ماكس فيبر الثقافات السياسية بناء على تطور المجتمعات على الشكل التالي :
- الثقافة القديمة : و تتلاءم مع بنية سياسية تقليدية .
- ثقافة الخضوع : و تتلاءم مع بنية سلطوية ممركزة .
- ثقافة المساهمة : و تتلاءم مع بنية سياسية ديموقراطية .
لا يجادلن أحد لا في سوريا و لا خارجها بأننا على مدى عقود أربعة (ربّانا )حزب البعث بقوة الحديد و النار على ثقافة الخضوع التي و حسب فيبر تتلاءم مع بنية سلطوية ممركزة , سلطة أبوية أعطت لنفسها توكيلا عاما عن جميع السوريين عربا و أكرادا و شركس و أرمن و آشوريين و سريان .. تفكر عنهم و تناقش عنهم و تتحدث باسمهم . و بفعل تلك الوصاية و ذلك الإقصاء ركنّا جميعا كسوريين إلى كسل ذهني و بلادة فكرية و اتكالية على كافة الصعد و المستويات , و انسحبنا من الحياة العامة لأن وطننا يستأجره حفنة من قطاع الطرق و السماسرة , حتى أضحى الوطن مكتب عقاري من يملك هو الشاري و غنيمة الكل يحاول النهش منها و تحولت الأغلبية الساحقة حالها حال الثور المربوط إلى ساقية تدور وتدور بحثا عن قوتها و قوت صغارها .
أنتجت تلك الثقافة تصدعات و تشوهات طالت بنية الإنسان السوري , حتى غدونا جميعا مرضى و صرعى الاستبداد , فنشأ الإنسان المريض الفاقد لاستقلاله, لذاته , و إن وجد ذلك الاستقلال فهو يشكل مصدر قلق له لا يطاق . هي دعوة صريحة أيضا لكل خبراء و أخصائيي علم النفس و الاجتماع للدلو بدلوهم : كيفية تجاوز الفرد السوري لمفاعيل تلك الثقافة المدمرة , و الولوج إلى عتبة سوريا المستقبل بإنسان خال من العقد و الخوف و التشوهات .
إن الانسحاب المتوقع لحزب البعث و النظام الأمني كما أسلفنا , يجب أن يؤسس لبداية نهضة جديدة واضعين نصب أعيننا بأن الخراب و الدمار وصل إلى كل بيت و حي و قرية و مدينة و نشأ " تحالف " غيرمعلن إن جاز التعبير بين السلطة و الناس , تحالف أسس له عبر سياسات ممنهجة قائمة على الفساد و الإفساد لكي يستوي الجميع تحت سقف الفساد , عندها , من يحاسب من ؟!! ذروة النجاح بالنسبة لتلك السياسة !!!
لا أريد وضع أي محاور ترسم نقاشنا حول صورة سوريا المستقبل , فالرؤى و الطروحات ووجهات النظر بالتأكيد ستكون كثيرة و وفيرة و سيصاحبها خصب لأن الراغبين بأن سوريا لكل أبناءها كثر , لكن ما أود الإشارة إليه و التنبيه إلى مخاطره هو : أن النظام الأمني و حزب البعث لن ينسحبا هكذا, ما أعتقده أنهما سيكونا شرسين في كل موقع يحتلاه و لن يخلياه طواعية. فالممسكون بمقاليد الأمور سيحاولون ابتداع صيغ أخرى جديدة تعيد ضخ الدم من جديد إلى عروقهم التي يبست و حل بها القحط , لذلك يجب ألا نكون واهمين بسرعة التحول و التغيير , ف"اشتراكيوا"الأمس هم " رأسماليوا" اليوم , لأن جلّ المال العام يركن في جيوبهم و فهمكم كفاية , كذلك يجب ألا يغيب عن بالنا , أن النظام هو مهندس الانشقاقات في معظم الأحزاب المسماة بتسميات مختلفة , و قادر على رسم وتشكيل " حزيبات " صغيرة .... ناسفا عبرها الديكور القديم " ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية " بديكور واجهته جديدة و ملمعة تصخب بكل الألوان , إلا أن المحتوى فارغ !!
النظام السوري بكامل اكسسواراته وملاحقه في موت سريري , يكابد و يعاني متمسكا بالحياة بأظافره و أسنانه و سيجرب و يسلك كافة الطرق محاولا " الانبعاث " من جديد ..
سورية المستقبل , سورية التعددية , سورية لكل أبناءها لنرسمها نحن أبناءها قبل أن يرسمها غيرنا .
كاتب سوري
#أحمد_مولود_الطيار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟