أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورج حداد - الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة















المزيد.....

الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4119 - 2013 / 6 / 10 - 23:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة
جورج حداد*
ان السبب الاساسي، الجوهري، لسقوط قرطاجة وتدميرها على ايدي المتوحشين الرومان، هو بلا شك السبب الموضوعي، اي هو: طبيعة النظام الاجتماعي الذي كانت تدافع عنه قرطاجة، مأخوذة بكاملها كظاهرة اقتصادية ـ اجتماعية ـ حضارية ـ سياسية ـ عسكرية، والنظام الاجتماعي الذي كانت روما تحارب لفرضه على العالم، اي بين النظام المشاعي البدائي في طوره المتأخر والآيل الى السقوط من داخله بالذات، وبين النظام العبودي (بطبعته الرومانية) الذي كانت تحمله وتعمل على نشره روما.
ولكن اذا كنا ندخل هزيمة قرطاجة وانتصار روما في اطار الحتمية التاريخية، فهذا لا يعني ابدا ان الحتمية التاريخية تظهر فجأة بدون مقدمات تاريخية محددة واسباب تاريخية محددة. بل على العكس ان الحتمية التاريخية هي نتيجة للتطور الملموس لمجمل تفاعلات الظاهرة الاجتماعية ـ الحضارية، السياسية والعسكرية، الداخلية والخارجية، للمجتمع المعين، في اطار كافة المجتمعات الاخرى التي يتشكل منها المجتمع الدولي.
وهذا يقودنا الى الاستنتاج ان الحتمية التاريخية التي قضت بهزيمة قرطاجة وانتصار روما هي حتمية مركبة من حتميتين:
ـ حتمية هزيمة قرطاجة،
ـ وحتمية انتصار روما.
وبكلمات اخرى ان قرطاجة التي كانت في بداية الصراع ارقى حضاريا بكثير، واغنى، واقوى من روما، وكان حضورها الاقتصادي ولا سيما التجاري، وحضورها العسكري ينتشران على بعقة واسعة جدا، برا وبحرا، اوسع بكثير من البقعة التي كانت تنتشر عليها روما، فإنها ـ اي قرطاجة ـ سارت نحو هزيمتها بظلفها، اي بالاسباب الذاتية التي كانت تسيّر العملية الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية والعسكرية فيها، مع او بدون الصراع مع روما.
في احدى المعارك بين قبيلة هندية اميركية وقوة من الغزاة البيض، والتي انتصر فيها البيض على الهنود الحمر وتم اسر شيخهم، قال الشيخ للقائد الابيض "لقد انتصر الهك على الهي". هكذا فهم هذا الشيخ المسكين انتصار العنصريين البيض. فهل صحيح ان انتصار البيض على السكان الاصليين لاميركا، ومن ثم هل صحيح ان انتصار الرومان على قرطاجة، هو ارادة وقوة الهيتين واعجوبة سماوية؟
ان غالبية المحللين التاريخيين اللبنانيين والعرب ينحون الى تجنب البحث في اسباب هزيمة قرطاجة، والى تسجيل الاحداث تسجيلا "تقريريا" "قوتوغرافيا" "وصفيا" لا اكثر. وهذا بالطبع لا يساعد اجيالنا على ان تفهم حقيقة ما جرى يومذاك، لتستطيع ان تفهم ايضا حقيقة ما يجري اليوم. وان بعض المحللين الاخرين يأخذوننا الى القول ان روما كانت اقوى واكثر حنكة في تطبيق ستراتيجيتها العسكرية الخ. وهذا غير صحيح وغير علمي وغير تاريخي. وهو يشبه الادعاءات اليوم بأن اسرائيل كانت تنتصر على العرب لانها الاقوى والاغنى والافضل. وهذه حقيقة مشوهة، او مقلوبة على رأسها.
ان اسرائيل كانت تنتصر على العرب ليس لانها الاقوى والاغنى والافضل (بمقاييس معينة)، بل اساسا وجذريا: لان الحزب الموالي لاسرائيل في الانظمة العربية القائمة هو اقوى من الحزب المعادي لاسرائيل.
والشيء ذاته يمكن قوله عن الصراع القرطاجي ـ الروماني: ان السبب الاساسي والجذري لانتصار روما وهزيمة قرطاجة، وبصرف النظر عن قوة روما وغناها وتكتيكاتها العسكرية، هو ان "الحزب الروماني"، او الحزب الموالي لروما في قرطاجة، كان قويا لدرجة انه كان يعادل او يفوق قوة "الحزب الوطني" القرطاجي.
ولننظر الى ذلك عن قرب:
1 ـ ان الشعب القرطاجي، كجزء لا يتجزأ من الشعب الفينيقي، قدم للبشرية من الانجازات الحضارية في مختلف المجالات، ما يجعله شعبا جديرا بالتقدير والحياة الحرة الكريمة. ولكنه لكونه شعبا حرا وابيا، فإن ظهور بذور نظام العبودية في قلب قرطاجة كان يتعارض تعارضا مميتا مع حرية الشعب القرطاجي المتحدرة من نظامه المشاعي البدائي القديم والعريق. ومن اجل القضاء على حرية الشعب القرطاجي والتمكن من استعباده، تعرض هذا الشعب، وخصوصا قواته المسلحة بقيادة عائلة برقة التي كانت تحارب الرومانيين، تعرض للخيانة مرارا وتكرارا على ايدي حكامه الى درجة ان "البطل القومي" هنيبعل ذاته اضطر للهرب من قرطاجة واللجوء الى الشرق لانه ادرك ان هناك مؤامرة لتسليمه الى الرومان. وهذا ما يدفعنا لدعوة جميع المؤرخين العرب المخلصين لتشريح وتحليل تاريخنا تحليلا صحيحا، وتعرية وفضح واقتلاع جذور حزب "الخيانة الوطنية والقومية" الذي يعشش ويفرخ في ثنايا مجتمعاتنا منذ ايام الحروب البونيقية.
2 ـ كانت روما تخوض الحرب بوصفها حربا "وطنية" تشارك فيها جميع الطبقات وجميع "المواطنين" و"الرعايا" (السكان غير الحاصلين على الجنسية الرومانية بعد). في حين ان الجيش الوطني القرطاجي كان اشبه شيء بجيش "خاص" تقوده عائلة برقة. ولم يكن هذا الجيش يحظى بدعم الطبقة الحاكمة في قرطاجة، لا بارسال النجدات ولا بارسال الاموال من اجل دفع اجور الجنود المرتزقة من الامازيغ وغيرهم. مما كان يجعل الجيش القرطاجي دائما ضعيفا ومتخلخلا ومعرضا للانهيار حتى حينما يحقق الانتصارات.
3 ـ ان روما كانت تحارب لاجل الربح والاغتناء، اي لاجل السلب والنهب واستعباد اسرى المغلوبين والشعوب المغلوبة. اما قرطاجة فقد انقلب عامل الربح والثروة وبالا عليها. فإن الطبقة التجارية المتنفذة، التي حققت نجاحاتها الاولى والاساسية بفضل التقدم الحضاري لشعب قرطاجة وبفضل المنتوجات المميزة للمنتجين الاحرار القرطاجيين، حصلت على ارباح هائلة من التجارة الكوسموبوليتية العالمية وبنت اسطولا تجاريا كبيرا لاجل تأمين مصالحها الفئوية، ولم يعد لها مصلحة مباشرة في بناء اسطول حربي قوي لمواجهة روما، كما لم يعد لها مصلحة في معاداة روما القوية، فأخذت تمالئها على حساب المصلحة القومية لقرطاجة وتتآمر على الجيش القرطاجي ذاته وخاصة على قيادته وتمنع عنه المساعدات. وحينما كان الجيش القرطاجي بقيادة البرقيين متواجدا في ايبيريا وغاليا وايطاليا، وكان هنيبعل يحوم حول روما لفك تحالفاتها والضغط عليها ودفعها الى الاستسلام وتوقيع صلح مشرف، كانت روما لا تكتفي بالدفاع فقط، بل كانت ترسل مختلف القوات البحرية والبرية للقتال في ايبيريا وصقلية والى الشاطئ الافريقي لمهاجمة قرطاجة ذاتها. اما الطبقة التجارية المتنفذة والحاكمة في قرطاجة فلم تجد من الضرورة ان ترسل اي نجدات الى الجيش القرطاجي، ولم تبادر الى تنظيم اي حملات عسكرية اضافية لمهاجمة واضعاف القوات الرومانية في اي مكان. وحينما انزل الرومان قوتهم في الشاطئ الافريقي سنة 203ق.م لم تجد الطبقة الحاكمة القرطاجية ضرورة لاعلان التعبئة العامة والخروج الى خارج المدينة لمهاجمة القوة الرومانية الصغيرة نسبيا، بل طلبت من هنيبعل التخلي عن تطويق روما والرجوع الى الشاطئ الافريقي لمهاجمة الجيش الروماني، اي انها نفذت تماما وحرفيا ما كان يريده الرومان. وحتى حينما تقدم الجيش الروماني لمحاصرة قرطاجة وتدميرها سنة 149ق.م، فإن السلطة الطبقية الغنية الخائنة في قرطاجة لم تجد من الضروري وضع كل امكانياتها في خدمة اعلان تعبئة عامة وتشكيل قوات دفاع وطنية كبيرة والخروج لملاقاة الجيش الروماني خارج اسوار المدينة، بل كان همها العمل على اخفاء وتهريب ثرواتها (التي اكتشفها ونهبها الرومان لاحقا) وتركت الجيش الروماني يحاصر المدينة ويفرض عليها الحرمان والجوع والاستنزاف مدة ثلاث سنوات قبل ان يجتاحها ويدمرها تماما سنة 146ق.م.
4 ـ ان السلطة القرطاجية، التي كانت في يد الارستقراطية (التجار الكوسموبوليتيين الكبار وملاكي العبيد) قد فشلت تاريخيا في تطوير العلاقات الايجابية مع السكان الاصليين (الامازيغ)؛ فقد انتهجت هذه الطبقة خطا سياسيا واقتصاديا يؤمن لها مصالحها الطبقية المباشرة على حساب المصلحة القومية للدولة؛ حيث ان السكان الاصليين لم يتم اعطاؤهم حقوق المواطنة، بل عوملوا كمحكومين، وكانت تفرض عليهم الضرائب الباهظة واحيانا كان يتم الاستيلاء على نصف المحاصيل، كما كانت تتم مصادرة الاراضي بالقوة لبناء ما يسمى "الفيلات" وقصور الاغنياء عليها؛ وفي الوقت الذي تخلت فيه السلطة القرطاجية عن نظام الخدمة العسكرية للقرطاجيين خوفا من تقوية الجيش الوطني، فإنها كانت تجبر الشباب الامازيغ على الانخراط كمرتزقة في صفوف الجيش وترسلهم الى المناطق البعيدة للقتال في الجيش القرطاجي. وكل ذلك ادى الى تنامي الاستياء في صفوف السكان الاصليين وحدوث الانتفاضات بشكل دائم.
5 ـ كما فشلت السلطة القرطاجية ايضا في تطوير العلاقات مع الحلفاء اليونانيين والاسبان والفرنسيين والايطاليين، لان الارستقراطية التجارية القرطاجية كانت تتمسك باحتكار التجارة في مناطق نفوذها خاصة وفي التجارة الدولية عامة، ومن هذا المنطلق كانت تفرض وصاية كاملة على الحلفاء وتمنع تطورهم وتقدمهم، مما جعل هؤلاء الحلفاء يتحينون الفرص للتخلص من سيطرة القرطاجيين، في حال ظهور اي منافس قوي مثل روما.
6 ـ ان الطبقة الارستقراطية القرطاجية ذاتها كانت مفككة، وكانت مصالح بعض فئاتها تقف عائقا امام اي توجه "قومي"، ونشير الى شريحتين ارستقراطيتين:
الاولى ـ شريحة الملاكين الكبار ـ ملاكي العبيد. فهذه الشريحة كانت قد جمعت مبالغ طائلة من التجارة الدولية لقرطاجة. وتوجهت نحو الاستيلاء على الاراضي من السكان الاصليين واقامة المزارع الضخمة التي تعتمد على عمل العبيد. وكان بعض الافراد يملك كل منهم عشرات الوف العبيد، الذين كانوا يعملون في الارض في اسوأ الظروف والشروط؛ ومن اجل الاحتفاظ بملكياتهم والسيطرة على عبيدهم كان هؤلاء "الاسياد" يشكلون جيوشا خاصة واجهزة سلطة خاصة بما يشبه "دولة داخل الدولة"؛ ولم يعد من مصلحة هؤلاء الاهتمام بالقضايا "القومية" العامة، وصار كل همهم توسيع "دولهم" الخاصة، على حساب كل ما عداها.
الثانية ـ لقد امتدت الشبكة التجارية القرطاجية من شمالي افريقيا الى مصر وايطاليا واليونان والبحر الاحمر والبحر الاسود، ونشأت شريحة تجارية عليا ذات طابع دولي "كوسموبوليتي"، لم تعد تعتمد على تصريف المنتوجات "الوطنية"، بل ان قرطاجة نفسها اصبحت "سوقا" لهذه الشريحة، مثلها مثل اي سوق اخرى؛ ولم تعد مصلحة هذه الطبقة تتطابق مع مصالح المنتجين القرطاجيين الاحرار، بل صارت تشكل عامل مزاحمة لهم واخذت تضيق الخناق عليهم في داخل قرطاجة ذاتها. وطبعا وجد ذلك تعبيره السياسي والعسكري في الموقف من الحرب مع روما، حيث كانت الطبقة الارستقراطية تخشى تسليح جيش وطني قوي حتى لا يمثل خطرا على سلطتها ومصالحها الفئوية.
7 ـ بلغت التناقضات الداخلية في قرطاجة حدا اصبح معه عمل ما يمكن تسميته "الحزب الوطني" يتم بشكل سري او شبه سري. وفي ذلك يقول العلامة الالماني تيودور مومزين "بالاضافة الى كل الصعوبات الاخرى في الوضع، فإن الوسائل المادية لانقاذ الوطن كان ينبغي ان يتم جمعها بدون ان يعلم بذلك لا الرومان، ولا الحكومة الخاصة الموالية لروما" (تيودور مومزين، تاريخ روما، الترجمة البلغارية، ص 186).
8 ـ بلغت قرطاجة مستوى عاليا من الغنى وتكدست لديها رساميل ضخمة من التجارة الدولية. ووجد ذلك انعكاسه على تركيبة النظام السياسي ـ الاجتماعي، وفي الستراتيجية العسكرية لقرطاجة وفي الجيش القرطاجي نفسه. ويمكن ايراد الملاحظات التالية:
أ ـ نشأت في قرطاجة طبقة غنية جدا هي طبقة التجار، الذين تحولوا بالدرجة الاولى الى تجار دوليين. ولم يكن من مصلحة هؤلاء الدخول في صراع مع روما.
ب ـ لم يكن التطور التكنولوجي يسمح بتحويل الرساميل التجارية المكدسة الى رساميل انتاجية (بالمعنى الحرفي والصناعي).
ج ـ تراجعت الى الدرجة الثانية اهمية الحرف والصناعات اليدوية في الاقتصاد القرطاجي. وتحول العمال المأجورون والحرفيون الى جمهور كبير فقير، في مقابل الطبقة التجارية الغنية جدا التي تمسك بيدها السلطة، وتستخدم الرشوة على نطاق واسع في عملية انتخاب مجلس الشيوخ والقضاة الحاكمين.
د ـ لم يكن بامكان الطبقة "الرأسمالية التجارية" الغنية الانتقال على نطاق واسع الى اسلوب العمل العبودي في القطاع الحرفي والصناعي اليدوي، لانه لم يكن بامكانها تحويل المواطنين القرطاجيين الاحرار الى عبيد، ولا جلب العبيد الاجانب الى داخل قرطاجة والمدن الحليفة لها وتحويلها الى مجتمع عبودي.
هـ ـ استخدم العمل العبودي في قرطاجة في الزراعة، وكان بعض التجار ـ المزارعين الكبار يمتلكون حتى عشرين الف عبد يعملون في الارض. كما استخدم العمل المأجور في الزراعة. وكان الكثير من اليهود يعملون مع الملاك القرطاجيين كمياومين. (تيودور مومزين، تاريخ روما، الطبعة البلغارية، صوفيا، بدون تاريخ، ص 139).
و ـ كانت الطبقة الرأسمالية التجارية الحاكمة تخشى من المعارضة الشعبية، كما تخشى من انقلاب الموظفين الكبار، وخصوصا القادة العسكريين، وقيامهم بالاستيلاء على السلطة. وقد وجد ذلك انعكاسه في العلاقة السيئة بين السلطة في قرطاجة وبين هنيبعل.
ز ـ ضعفت الحوافز الوطنية لدى القرطاجيين بالانضمام الى الجيش. وفي بعض الحالات كانت غالبية قوات الجيش القرطاجي المتواجدة في اسبانيا وصقلية وغيرها من جزر البحر الابيض المتوسط تتشكل من المرتزقة من مختلف القوميات واللغات، وكان الضباط فقط من القرطاجيين.
ح ـ بعد هزيمة صقلية وانسحاب جيش هملقار منها، وكان يتشكل من المرتزقة، رفضت سلطة قرطاجة ان تمنحهم حقوقهم (الاجور وبدلات الطعام والخيول التي قدموها للجيش) وتدعهم يعودون الى عائلاتهم، مما ادى الى انتفاضة هؤلاء الجنود والاحتماء باحدى المدن الامازيغية، وقد تحولت انتفاضة الجنود الى انتفاضة شعبية امازيغية ضد القرطاجيين. كذلك اخذ العبيد يفرون باعداد كبيرة وينضمون الى الانتفاضة، وبلغ عدد جيش الانتفاضة اكثر من 70 الفا. وكان الناس يتبرعون بسخاء لهذا الجيش.
ط ـ "بعد خفوت الانطباع الاولي عن انتصار كاناي، فإن حزب السلام القرطاجي، المستعد في اي وقت لان يشتري الانتصار على عدوه السياسي مقابل هزيمة الوطن، رفض طلبات القائد العسكري (اي هنيبعل) لارسال دعم اكثر حيوية؛ واعطاه جوابا نصف ساذج نصف سافل، انه "طالما هو ينتصر على الاعداء، فليس له حاجة الى المساعدة؛ واذا لم يكن ينتصر عليهم فلا يستحق المساعدة"؛ وبذلك فإن هذا الحزب ساعد على انقاذ روما اكثر من مجلس الشيوخ الروماني ذاته" (مومزين، ص 224).
ي ـ منذ ان تسلم هنيبعل القيادة في 220ق.م بدأ يستعد للحرب مع روما، ولكنه لم يحصل على دعم السلطة القرطاجية، وحينما خاض اولى معاركه الكبيرة في 219ق.م، بدأ "الوجهاء" يعربون عن استيائهم من الهجوم الذي وقع "بدون أمر"، بل وبدأ الحديث عن امكانية تسليم القائد الجريء للرومانيين. فهل كانت الحكومة القرطاجية تخشى من الجيش والجمهور في قرطاجة، اكثر من خشيتها من الرومان". (مومزين، ص 194).
ك ـ يتحدث مومزين عن الصعوبات التي كان يواجهها هملقار في تأسيس وتجهيز الجيش وتأمين الرواتب له، مقابل معارضة حكومة قرطاجة، ويقول ان "الدوائر الحاكمة في قرطاجة كان لها علاقات (مع روما) تصل الى حد الخيانة الوطنية. والى جانب جميع الصعوبات (التي كان يواجهها هملقار) ينبغي ان تضاف ايضا صعوبة تجميع الاموال لانقاذ الوطن بدون علم الرومان وخصوصا بدون علم الحكومة (القرطاجية) الموالية للرومان". (مومزين، ص 186).
اذا أجرينا مقارنة سريعة بين المعركة التاريخية المصيرية لقرطاجة والمواجهة المصيرية الراهنة مع اسرائيل، ومطالبة معسكر الخيانة المسمى "تيار 14 اذار" بنزع سلاح المقاومة بقيادة حزب الله، الا يحق لنا التساؤل: ما اشبه اليوم بالبارحةّ!
وهذا ما يدفعنا الى القول ان دراسة تاريخنا بشكل اجتماعي وقومي صحيح هو الطريق الالزامي لدراسة وفهم واقعنا الراهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعة الانتصار الروماني على قرطاجة
- تدمير قرطاجة والسقوط العظيم للمشاعية البدائية
- قرطاجة والطور الاخير للنظام المشاعي البدائي
- فلاديمير بوتين: قيصر شعبي عظيم لروسيا العظمى
- مسؤولية الغرب الاستعماري عن المجازر التركية ضد الارمن
- الكتل المالية العالمية المتصارعة في الغرب تصطدم برأسمالية ال ...
- الضرورة التاريخية لوجود حركة نقابية تعاونية جديدة في لبنان
- روسيا هي العدو التاريخي الاول لليهودية اليوضاسية
- بطريرك كل المسيحيين وكل العرب
- -المسيحية العربية- حجر الاساس للوجود الحضاري للامة العربية
- المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح
- -الفوضى البناءة- ردة اميركية رجعية على هزيمة اسرائيل في حرب ...
- الحرب -الاسلامية!- الاميركية ضد سورية والنفط والغاز في شرقي ...
- معركة سوريا... مشروع افغانستان معكوسة، او الفخ الروسي للعصاب ...
- من التعددية الحضارية الى الآحادية القطبية الرومانية
- الاهمية التاريخية للحروب البونيقية
- بدايات الصراع القومي مع الامبريالية الغربية (تدمير قرطاجة، س ...
- الجذور التاريخية للصراع القومي في العالم القديم
- مأساة غزة وظاهرة الحرب الاستعمارية والابادة الجماعية
- الصراع الوجودي المستمر مع الصهيونية


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورج حداد - الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة