أسعد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 4118 - 2013 / 6 / 9 - 10:52
المحور:
الادب والفن
" وكما خربتَ حياتَك هُنا ، في هذه الزاويةِ فهي خراب انى ذهبت " / قسطنطين كافافي
إنك لا تكتب ، بل تكشف لنا المسافة التي قطعها دماغك . اجلس يا صاحبي هنا ، نعم بالقرب مني ، بعد قليل تغيب الشمس ، و نسمع صوت الناي .
لقد قلت لي في المرة الماضية ، إنك تسمع رنيناً في أذنيك .
قلت لي أشياءً عن المطر ، والليل ، والطفولة . إن ما عليك الإعتياد عليه ، من الآن فصاعداً ، هو هذا المدى الواسع الذي تسيطر عليه كلماتك .
حين يهبط الشتاء ستكون محاصراً تماماً . لا مفر من القبول بهذا الذي يجري في دمك . أما ذلك الوشم في ذراعك ، فلا تُحدثنَّ به أحد .
أسلافنا كدحوا كدحاً في الحقول ، حملوا الحياة ، و كأنها حجر . حتى الوجوه ، كانت متماهية مع الحجر لا تنس " شظف العيش " .
لقد كان أبي يسكر ، و يترقب الرايات الحمر . لحية ماركس الجدلية ، و صلعة لينين الشجاعة ، لم تأت . جاءت لحية الخميني ، والرايات السود .
سأعود يوما ، بأمٍ لا تحدث نفسها ليل نهار ، لا تخاف الرجال ، ولا تتقشر عباءتها بسبب السنين . أم تعزف البيانو ، ترقص الباليه ، ولا بأس أن تصلي بعد ذلك .
بوجه غير هذا أعود . لا أريد أن أتعلم حروف الهجاء ، في سنتي الخامسة ، على زجاجة عرق " ع--ررر--ققق مسيييييح " . كنت أظنّ العرق مسيحياً ، حتى عرفت بأنه مسلم .
لا أريد أباً يعلمني الحرية ، و يستعبده العرق . يتقيّأ ماركس في الحمام الليل كله .
لا أريد اختلاط هيجل برائحة الجوارب والدموع . ولا بلادي الكلبة ، عدوتي ، تطاردني على لسان ليس لي ، على خبز يابس أمضغه أينما حللت .
على ريحٍ تعبث بصلعتي ، بعد أن تساقط شعري من المسافات . ما لَعِبَتْ به سوى صروف الدهر ، لم تمشطه زوجة أو عشيقة .
لا أريد بلادي التي أكلتنا بشهية ضبع . تتساقط أسناننا باكراً ، بينما تكبر أسنانها .
ذكرياتي لا أريدها ، دموعٌ يحملها عني الفلاحون في بساتين النخيل ، أو فلتذهب إلى الجحيم . هذه البلاد المفترسة .
#أسعد_البصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟