|
ثنائية الرأسي والأفقي فى حصن براون الرقمي وشوارع محمد ناجي الأفندي
طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.
(Talal Seif)
الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 23:06
المحور:
الادب والفن
فى حصن براون الرقمي وشوارع محمد ناجي الأفندي بالطبع يعرف القراء فى كل أنحاء العالم دان براون بدأ من الحصن الرقمي وحتى شيفرة دافنشي ، وبالطبع أيضا وعلى نفس المسار لا يعرف الكثيرون من أهل مصر محمد ناجي بقيمته وقامته الروائية التى دفعت المستشرق رافائيل اروتيجا ، إلى اعتبار روايته " خافية قمر " من أهم الروايات العربية الحديثة فقام بترجمتها إلى الإسبانية ومن قبلها " خافية قمر " تلك المحطة التي لم يتناولها الإعلام العربي عن أديب بحجم معبد هابو والرامسيوم والكرنك ، فانتظرنا الترويج لناجي عبر فضائياتنا البائسة ، التي ذكرت شيفرة دافنشي وأعمال براون دون شاردة أو واردة عن أعمال ناجي الأسطورية، التي التقطها المستشرق الفرنسي جان باتريك جيوم ، وقام بترجمة روايته " لحن الصباح " كما ترجمت دار البراك روايته "رجل أبله.. امرأة تافهة" فى مشهد أقل مايوصف بما كتبه عبدالحميد جودة السحار فى فيلم فجر الإسلام " وما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " مستعينا بالنص القرآني لوصف اتباع ما رُوج له دون اعتبارات القيمة الحقيقية . قد يظن البعض أن تلك الثنائية التي دفعني إليها حصن براون الرقمي ، أتت من باب العنصرية ، إلا أن روايات ناجي تملأ مكتبات مصر والعالم فى سكينة وهدوء مقابل أعمال دان براون التي ملأت الجرائد والفضائيات صراخا محموما ، حول عبقرية متفردة لبراون وملايين النسخ المباعة ، حتى خيل إلي أنني بصدد ماركيز جديد أو احياء آخر لهوجو أو تفرد عبقري كتفرد برجريت ميتشل فى ريحها الذاهب ، ويمكن للقارئ الرجوع إلى أعمال ناجي ووضعها فى نصابها الصحيح مقابل أعمال دان براون .فحينما تناولت رواية الحصن الرقمي لدان براون . تلك الرواية التي رأيت جملة " 3 ملايين نسخة مباعة " على غلافها ، فى اشارة ايهامية بمدى أهميتها وتفردها . رأيتني أمام عمل بالفعل مشوق واحترافي ومكتوب بصنعة متقنة مؤطرة بموهبة عظيمة ، لكنه ليس بأي حال من الأحوال رواية بالمعني الفني والنقدي للرواية ، وإن كنت ضد قولبة الأعمال الأدبية ، لكن واقع الفنون هي التي فرضت تلك التصنيفات ، التى نستعين بها لرؤية حصن براون الرقمي . فقد عمد بروان بحرفية شديدة إلى استخدام مفردات " السيناريو " فى كتابة هذا العمل ، فقسم المكتوب إلى مئة وثمانية وعشرين فصلا أو قل " مشهدا " على أفضل حال . فالفصل فى الرواية يحمل أفكارا متقاربة تترابط مع بعضها لتكون وحدة عضوية أحادية فى نهاية الفصل ، تقودنا إلى الانتظار المشوق أو التفاعل التصوري الذهني لما سيأتي . أما المشهد ، فهو جزء من فكرة ، محكوم بزمان ومكان وصورة وصوت ، برقم محدد ومعروف . لذا وصفنا فصول الحصن الرقمي بالمشاهد ، ففي المكان الواحد والزمان الواحد اعتمد براوان على القطع المتعمد للأحداث فى ذات المكان " الكريبتو " إذا ما أراد الإنتقال من غرفة إلى غرفة ، أي من " لوكيشان إلى آخر جديد" فكان الفصل " المشهد " عنده يصل أحيانا إلى خمسة أسطر ويضطر إلى القطع والانتقال بتقنية السيناريو ، حتى جاء الفصل التاسع والستون ليؤكد لعبة الإنفصال القاطعة للحكي أو صوت الراوي ، ويضعنا بما لا يدع مجالا للشك أمام سيناريو احترافي لخبير يعرف تقنيات حركة الكامير ، فينتهي الفصل فى مرحاض المطار ، ويبدأ الفصل السبعون فى نفس المكان ، دون مبرر منطقي لهذا القطع المتعمد غير المقبول على مستوى الرواية ومخالف أيضا لأساليب كتابة السيناريو ، اللهم رغبته فى عدم إطالة المشهد وثبات الكاميرا فى وضعية مملة للمشاهد . أتت أحداث الرواية جميعها من زاوية تشويقية خالية من رؤية فلسفية للعالم والمواقف والأحداث ، فارغة من روعة الإنسانيات ، مهمشة لفكرة القيمة الأصيلة ، فكنا أمام فيلم سينمائي ، يمكنك مشاهدة آلاف مثله فى السينما الأمريكية التي تعتمد ذات الأسلوب فى إنتاجها المصور . فإن فاتك الحصن الرقمي ، فيمكنك استعادته بالضغط على زر التحميل على الشبكة العنكبوتية ، وتحميل أي فيلم أمريكي ، لحظتها ستعرف الفارق الشاسع بين شوارع محمد ناجي المحملة برائحة البشر . البر منهم والفاجر . المؤمن والكافر . الطيب والشرير . الغني والفقير . عالم محمد ناجي مليئ بالأفكار المتوغلة فى الوجودية والذاتية . مزيج من الواقع والأسطورة . خيط رفيع بين الأنا المقهورة والراقية بفعل الوعي المعرفي . سنترك ما نقله رافائيل اروتيجا و جان باتريك جانبا ، وسندعوك للبحث عن مقامات محمد ناجي ، تلك الرواية الساحرة فكرا وأسلوبا ولغة ، وبعدها سندعوك إلى ليلة سفر ثم الأفندي ، لنري من منهما سيأخذك كلك على طريق أفقي رحب ، ومن منهما سيتركك تنظر إلى نقطة متلاشية فى نهاية خط رأسي ، ولحظتها ستدرك كم نجيد إضاعة أهلنا .
#طلال_سيف (هاشتاغ)
Talal_Seif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورات العربية من عقل الكاميرا إلى غباء السياسة
-
إعلام العار .. عورة العقل
-
معذرة ماركس .. الكهنة تجار الأفيون
-
أوتوجروت الألماني وإعلام جحر الضب العربي
-
الإخوان من السياسة إلى المخولة.. الرئيس مرسي يستخول للبقاء ف
...
-
دعوة إلى الكفر
-
(سورة الإنسان -- إلى ملح الأرض عمال مصر ) قصيدة للشاعر سامح
...
-
فى انتظار المسيح
-
برامج النميمة من قناة الجزيرة إلى تليفزيون الحارة
-
إزميل و- استراكا - ويد واحدة للحفر
-
النقد التليفزيوني - من المنهجية إلى الارتجال -
-
- إختشي يا صلاح -
-
الشيخ الشوارعي - محمد عبدالله نصر -
-
الفريق شفيق .. المنتخب مرسي
-
جماعة الاخوان وجماعة عبدالحميد أبوصبري
-
على حد علمي
-
من الحاج محمد هتلر إلى الحاج شيمون بيريز
-
يسألونك عن الطماطم
-
هذيان الليل
-
سر الدفتر
المزيد.....
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|