أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - جهاد أبو سليمان في فيلمه التسجيلي - أستوديو سعد علي -: رؤية قاصرة، ومعلومات ضئيلة، وحوار لا يغوص أبعد من السطح















المزيد.....

جهاد أبو سليمان في فيلمه التسجيلي - أستوديو سعد علي -: رؤية قاصرة، ومعلومات ضئيلة، وحوار لا يغوص أبعد من السطح


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


قبل عشر سنوات أنجز جهاد أبو سليمان فيلماً تسجيلياً عن الفنان التشكيلي العراقي سعد علي بعنوان " أستوديو سعد علي ". ويبدو أن أبا سليمان غير مُلِّمٍ بتاريخ الحركة التشكيلية العراقية، كما أنه لم يدرك جيداً الأبعاد الفنية لتجربة سعد علي الغنية والذي تنقّل بين بغداد، وبيروجا، وفلورنسا،، وأمستردام، وأوتريخت، وباريس، وفالنسيا الأسبانية منذ عام 1977 وحتى الآن، وكسب منها معارف وتقنيات جديدة عمّقت من رؤيته، وطورّت تقنياته، وأدواته الفنية. ففي مفتتح تعليقه القائم على تقنية الـ " voice over " نسمع جهاد أبو سليمان وهو يتحدث عن "جماعة الروّاد " وأبرز مؤسسيها وهما شاكر حسن آل سعيد وجواد سليم، ثم يقول بأن سعد علي ولد في عام 1953، وإذا جاز له أن يعتبر تلك المرحلة ناشطة فنياً إلا أن السنة التي ولد فيها سعد علي " 1953 " هي ليست التاريخ المحدد لولادة " جماعة الرواد " فمن المعروف أن هذه الجماعة أسست عام 1950 وكانت تحّث أعضائها على الخروج من حيّز المُحتَرف الشخصي، والبحث عن مناخات فنية جديدة، كما كانت تحرضهم على ضرورة الاستماع إلى الموسيقى، ومحاولة إدخال تأثيرها إلى العمل الفني، وتشجعهم، في الوقت ذاته، على الخروج إلى ضواحي بغداد لرسم المناظر الطبيعية أو استلهامها في أعمالهم الفنية على غرار جماعة مدرسة باربيزون أمثال ثيودور روسو وجارلس فرانسوا دوبيني، وكونستانت ترويون وغيرهم. ولو كان السينارست ومخرج الفيلم مُحيطاً بأبعاد تجربة سعد علي الفنية لتقصاها منذ مراحل تفتّح موهبته الأولى، ونموها، فقد بدأ سعد الرسم منذ سن مبكرة في مدينته " الديوانية " جنوبي العراق، ثم تتلمذ على يد الفنان هاشم الوردي في الكاظمية، وتعرّف هناك على أساتذة الفن التشكيلي في بغداد. كما تأثر في وقت مبكر بالمدرسة الواقعية البغدادية، ومدرسة جواد سليم التي تحمل بصمات ومؤثرات المدارس الأوروبية الحديثة. كان على المخرج أن يتوقف عند المرحلة المهمة من حياة سعد علي الفنية. وكان حرياً به أن يشير إلى بعض المعارض الشخصية، في الأقل، التي أقامها سعد سواء في الديوانية، أو في بغداد، وأخص بالذكر منها، المعرض الذي أُقيم في جمعية التشكيليين العراقيين، والمعرض الذي أقيم في قاعة الفن الحديث " كولبنكيان ". ولو قسّم المخرج الفيلمَ إلى ثلاث مراحل لكان تقسيماً منطقياً، كأن تكون المرحلة البغدادية حتى عام 1977، ثم المرحلة الإيطالية التي تبدأ من عام 1977 حتى عام 1985 مُركزاً على مدة بقائه في بيروجا أولاً، ثم انتقاله إلى فلورنسا، حيث اشترى أستوديو " في حي الفنانين " والذي أصبح أشبه بالصالون الفني والثقافي الذي يجمع أقرانه الفنانين من بلدان عربية وأوروبية مختلفة. أما المرحلة الثانية فكان يُفضل أن تكون باسم المرحلة الهولندية حيث عاش في أهم مدينتين هولنديتين وهما أمستردام وأوتريخت، واستطاع من خلال دأبه وموهبته الفنية من الوصول إلى المعرض الفني الكبير المعروف بـ " كُنست راي "، والذي يقام سنوياً في أمستردام بمشاركة أكثر من 700 فنان، وصالة عرض فنية محترفة. كما حقق حضوراً لافتاً للانتباه في " صالون الفن " الذي يتبنى عرض الأعمال الفنية لجماعة " كوبرا " حيث ثُبِّت اسم سعد علي بين أسمائهم الفنية اللامعة. ولو أن سواه من المخرجين أراد أن يصنع فيلماً جديداً عن سعد علي فإن عليه من دون شك أن يضيف مرحلتين أخريين وهما المرحلة الفرنسية التي ابتدأت منذ عام 1999 وحتى عام 2003، والمرحلة الخامسة هي المرحلة الأسبانية الممتدة من 2003 وحتى يومنا هذا حيث يقيم الفنان سعد علي ويعمل في مدينة فالنسيا الأسبانية. غير أن ما عمله المخرج هو ليس أكثر من إنتقالة سريعة، وخاطفة لم نتعرف من خلالها على جذور الفنان، ومصادره الفنية والثقافية، كما لم يتضح أي معلم من معالم تجربته الفنية في المرحلة الإيطالية.
ثراء المعلومة القيّمة، وأهمية السؤال المُستفِّز
لتوضيح هذا الجانب سأتناول آلية الحوار، وطبيعته، وفحواه، ومن المعروف أن ثراء السؤال، وعمقه، واستفزازه هو الذي يحفّز الشخص المُحَاوَر على الحديث العميق الذي يكشف عن جوانب مخبئة من التجربة الفنية. وبالرغم من أننا لم نسمع السؤال الأول، إلا أن إجابة سعد تعكس صيغة السؤال. وأحب أن ألفت عناية القارئ الكريم إلى أنني سأعيد صياغة هذه الإجابات بالطريقة التي أعتقد أنها مناسبة من دون أي تحريف لأفكار الفنان أو التجاوز عليها. يجيب سعد على السؤال الأول بالقول: " إن العمل الفني يكون ضائعاً، ومُنهَكاً ما لم يكن له أساس قوي. " كما يشدد سعد على أهمية " التعريف بالعملية الفنية بما تنطوي عليه من جوانب ثقافية، ومعرفية تكشف عن هذه الأعمال وتضيئها، لأنها تعد بمثابة أدوات فنية تضيف للفنان خبرة جديدة تنفعه على مرّ الأيام. ولعل المنجز الفني الحالي لي هو أشبه بالخزين المعرفي والجمالي الذي ظهر إلى السطح بعد أن وصل إلى مرحلة النضوج. ". هذه الإجابة العامة هي رد فعل طبيعي لسؤال عام لم يستطع الفنان أن يلوي عنقه. وكان حرياً بالسائل أن يبحث في مصادر الفنان، ومرجعياته، ورؤيته الفنية، وما استطاع أن يؤسسه من بصمة فنية في مرحلة البدايات التي شهدت ولادة مشروعه الفني طويل الأمد، والذي يتمحور على موضوعات، وثيمات محددة سأتوقف عندها لاحقاً. وفي الإطلالة الصوتية للمخرج نسمعه يقول بأن سعد علي غادر العراق إلى إيطاليا عام 1977 " بسبب ظروف سياسية مقلقة لإكمال دراسته الفنية، وتعميق معرفته " واكتشاف " عالمٍ جديد في الفن والحياة ". من دون الإشارة إلى المضايقات التي كان يتعرض لها الفنان والمثقف العراقي في تلك الحقبة الزمنية التي تسيّد فيها الحزب الواحد أولاً، ثم القائد الأوحد لاحقاً. في اللقطة الثانية التي يظهر فيها سعد وهو يتحدث عن تجربته الفنية والحياتية تأتي رداً على سؤال يتعلق باكتشافه لهذا العالم الجديد في الفن والحياة، غير أن سعد علي لم يكن موفقاً في الإجابة على هذا السؤال، وكان على المخرج أن يعيد تصوير هذا المشهد برمته، ويتوقف عن مَنتجته ما دامت الإجابة مرتبكة ولا تقدّم رؤية محددة لتجربته الفنان. ولو تأملنا بعض الشيء في إجابة سعد لوجدنا أنه يريد أن يتحدث " عن صعوبة الحياة القاسية التي واجهته كطالب وإنسان يريد أن يتعايش مع الظروف الحياتية الجديدة. " وحاول أن يختصر الظروف الحياتية الجديدة في جانبين، الأول، اللغة، والثاني، اكتساب المعرفة، سواء المنهجية منها أو العامة، ودور وتأثير هذه المعرفة الجديدة في تطوّر عمله الفني. كما أراد أن يقول بأنه " يوظّف حياته الشخصية في أعماله الفنية "، وأنه منقطع إلى الفن تماماً بحيث أصبح الفن هاجسه الرئيس في الحياة. ولكن هذه الأفكار لم تكن تصل ما لم أترجمها، وأعيد صياغتها، وأستحضر الأفكار والمفردات الغائبة، أو تلك التي سقطت سهواً. كان على المخرج أن يتجاوز الأحاديث المفككة التي لا يربطها رابط، وأن يعيد تصوير اللقطة أو المشهد غير مرة إلى أن يصل إلى القدر المقنع الذي لا يربك آلية التلقي المعقول، خصوصاً وأنه يحاور فناناً تنصب جهوده كلها في الحقول الفنية والثقافية والمعرفية. في السؤال التالي الذي يتقدم إطلالة سعد الثالثة بدأ المخرج بوضع إصبعه على مناطق حساسة جداً من بينها سؤاله عن إحساس سعد بالغربة، واكتشافه لجذوره الفنية من خلال هذا البعد الجغرافي الممّض، مقروناً بوعي جديد، ونضج مضاف. والمدقق في هذا الفيلم يلمس أن سعد علي قد وصل إلى مرحلة الإسترخاء، وبات يتحدث بنبرة الواثق من نفسه، وبصوت خفيض يشي بالقوة والسيطرة على طبيعة الحوار الدائر بينه وبين المخرج. وبالرغم من ذلك فأن إجابة سعد لم تكن موفقة هي الأخرى. وسأحاول أن أشذّب الإجابة وأقدمها كما هي لنرَ إن كان الفنان قد أجاب على السؤال أم لا: " والله هذا صحيح. المجتمع العربي فيه أصالة وتراث عميقين، ولأن مجتمعاتنا قاست من ظروف حياتية وسياسية صعبة، كما عانت من انتهاكات خطيرة بحيث أنها أبعدت الجانب المعرفي من الحياة، واتجهت اتجاهات مأساوية أخرى. " في هذا الكلام ليس هناك إجابة محددة على إحساس الفنان بالغربة أو اكتشافه لجذوره الفنية والفكرية والثقافية. ألم يكن من واجب المخرج تمحيص هذه الإجابات على وفق الأسئلة التي أثارها، بينما تغاضى عنها الفنان أو نسيها أو تناساها؟ ربما السؤال الأكثر أهمية في هذا الفيلم هو سؤال المخرج عن معنى " الباب المعرفي، وهل يمكن تسميته بباب السعادة؟ " ولو كان المخرج مطلعاً بشكل جيد على تجربة الفنان لأدرك منذ البداية أن سعد علي يشتغل على محورين أساسيين هما " باب الفرج والمحبة " و " صندوق الدنيا " وكان حرياً به أن يتطرق إلى أحد هذين الموضوعين بشكل مباشر، ويستغور أبعادهما الفنية، والجمالية، والمثيولوجية. وبعد هذا السؤال مباشرة نلمح الإيماضة المعرفية الدقيقة والمعقلنة لأن السؤال مسّ في داخله وتراً حساساً فقال: " كنت أرسم على أشياء مسطحة. وكنت أتمنى أن يكون هدفي الأساسي هو أن أدخل إلى هذه المسطحات من خلال هذه الباب. وهذا هو همي الأساس، وهو أنني أبحث عن شيء يُدخلني إلى هذه الأجواء. ". في لقطة أخرى تمزج بين تقنية الحديث المباشر، والـ " voice over " وتأتي بمثابة الرد الطبيعي لمداخلة المخرج التي قال فيها بأن سعد علي قد وصل إلى هولندا في أواسط الثمانينات، واستقر في مدينة أوتريخت حيث يعمل في محترفه الملاصق لعدد من الفنانين الهولنديين. هنا يتحدث سعد علي بفنتازية غريبة تقترب كثيراً من فنتازية العبثيين الذين يجسدون أفكارهم عبر " الكتابة الآلية " التي لا يراجع أصحابها ما يكتبون، ولو أن المخرج أكد على الجانب الفنتازي ورصده لحقق بعض ما يجول في ذاكرة سعد علي. لنتفحص المعنى الكامن في هذه الجمل التالية: "بين عظمة الباروك ،والركوك، وعظمة إيطاليا، وعنفها التاريخي، وجدارياتها، تنتقل إلى موسيقى تختلف عن الموسيقى التي عشت فيها من قبل. هولندا عنف غريب في المعرفة. أشياء متحركة لا تقاس كالأنهر في أمستردام مثلاً. ". يا تُرى، ما المقصود بالعنف التاريخي في إيطاليا؟ أكاد أجزم بأن الفنان لا يقصد عنفاً بعينه، وإنما هكذا شطحت المفردة في ذهنه، فصاغها بما أتاحته له قدرته الصياغية. وحينما عرّج على هولندا وصفها بالقول " هولندا عنف غريب في المعرفة " ولكن أي عنف يقصد، وأية غرابة، وأية معرفة، وأية أشياء متحركة. ولو سلّمنا جدلاً بأن سعد علي هو فنان عبثي، وأنا لا اشك في ذلك، فلماذا لم يستثمر المخرج هذه الخصلة فيه، ويؤول تجربته الفنية على هذا الأساس؟ أما عندما سمعنا صوته فقط فقد قال سعد كلاماً معقولاً تمحور حول إفادته من أصدقائه الفنانين الآخرين الذين يسكنون بجواره حيث شذّب بعض الزوائد في عمله الفني من خلال خبراته المكتسبة الجديدة. ثم يواصل المخرج جولته في الكشف عن المضامين الأساسية التي يشتغل عليها الفنان، فعندما يعرّج على موضوعة السعادة، والتوق لتحقيقها أو الولوج إليها من خلال " باب الخير والأمل " أو " باب الفرج " كما يسميه سعد علي. ويأتي سؤال المخرج جهاد أبو سليمان بالصيغة التالية: " الباب الذي تدخل منه إلى عالمك الثقافي ذي الجذور العربية تحوّل من باب رمزي إلى باب حقيقي ترسم عليه. كيف تولدت هذه الفكرة؟ ". فيجيب سعد قائلاً: " تولدت هذه الفكرة من تجربتي في إيطاليا، وتعرفي إلى فنانين إيطاليين، إضافة إلى زميل لي أمريكي كان يشتغل على الجدار وتولدت عندي هذه الفكرة وأثارت لدي أشياء كثيرة جداً، لأن الرسم على القماش لم يكن يولّد عندي مشاعر كبيرة، فاستطعت أن أكتشف أن الرسم على الخشب يولد لدي مثل هذه المشاعر، وهو قريب من الرسم على الجدار، فعمّقت هذه الفكرة ، وطورتها، إضافة إلى أن الباب بالفعل هي المنفذ الوحيد الذي تخرج منها أشيائي الخاصة، وتدخل منها أشيائي الخاصة أيضاً، فاكتشفت أن الباب هي مصدر طموحي في عملي.". ولو تمعنّا في هذا السؤال والجواب لاكتشفنا أن سعد علي لم يخبرنا حتى باسم هذا الفنان الأمريكي " وهو للمناسبة بان لونك " الذي أوحى له بأهمية الرسم على الأبواب من خلال رسمه على الجدران. في حين أن هذه المعلومة مهمة جداً في الفيلم التسجيلي الذي يُفترض أنه يوثق لتجربة فنان، ويتقصى جذوره، ومصادره المعرفية، ومرجعياته الفنية وما إلى ذلك. ثم نرى بعد ذلك مشهداً مهماً لسعد وهو يسوّي الأبواب، ويصقل الشبابيك التي يتخذها خامة للوحته الفنية القادمة، وكان على المخرج أن يقدّم لنا بعض المعلومات الأساسية عن تقنيات الفنان، وكيفية تعاطيه مع هذا الملمس غير الطيّع، والذي يحتاج إلى جهد عضلي كبير سواء في صقله، وتهيئته أو في نقله من مكان إلى آخر. في سؤال آخر ربما أعتبره جوهرياً لأنه يسلّط الضوء على بعض المفردات التشخيصية التي تدخل في عمله الفني بين آونة وأخرى، ويبدو أن جهاد أبو سليمان قد انتبه إلى تكرار وجود الإنسان في لوحة سعد علي، كما انتبه إلى وجود الفواكه والحيوانات، وأراد أن يعرف بعدها الرمزي في أعماله الفنية فسأل عنها مستفسراً. فأجاب الفنان قائلاً: " إن الإنسان مهم في كل الأشياء " وهو يشير إلى أهميته وجود الفيكر الإنساني في أعماله الفنية: " عندما أرسم الرجل والمرأة أعني الحب، وعندما أرسم الإنسان والفاكهة أعني الهدوء، وعندما أرسم الإنسان والحيوان أعني الألفة والتعايش. " ثم نشاهد صوراً للوحات تجسد هذه المفهومات التي طرحها حيث نرى عشاقاً هائمين، وفاكهة نضرة لامعة، وحيوانات تشي بالألفة والحميمية. وسعد علي يعتبر الحب منقذاً من الشر، ومخلصاً من التعاسة، ويعد الفاكهة عاملاً محفزاً للمشاعر، ومستثيراً لها، بينما يرى في الحيوان جزءاً مكملاً للطبيعة، ومحطماً لعزلة الإنسان المستوحد. هذه الموضوعات الأساسية جمعها في مشروعه الموسوم " باب الفرج والمحبة " الذي يعتبره اسماً شاعرياً عميق الدلالة، وله رموز عديدة تختلف باختلاف البلدان. وفي العراق هناك أشياء مضافة إلى الباب مثل التعويذات التي تطرد الشر " أم سبع عيون " مثلاً أو " رأس الغزال " وقد أخذت هذه التعويذات بعداً جمالياً، إضافة إلى بعدها الرمزي الملتبس الذي يكتنفه بعض الغموض. هذه الباب من وجهة نظر سعد علي ليست " باب فرج " له وحده، وإنما لكل الناس. وأعتقد أن سعد علي قد وصل إلى ذروة تجلياته في اللحظات الأخيرة من الفيلم عندما كان يتحدث عن " الجنة " موضوعه الأثير الآخر الذي يتمحور حول " حارس بوابة الجنة ". وهو يؤمن إيماناً قاطعاً بأن المعارف الجديدة التي يكتسبها الإنسان تنير له الطريق إلى الجنة. والفردوس السماوي هو جزء من معرفة الإنسان الذاتية، وكلما ازداد الإنسان معرفة، كلما اكتسب الجنة الخاصة به. وسعد علي لا يعتقد بوجود جنة للجميع، فلكل إنسان جنته الخاصة التي يستمدها من معرفته الشخصية، وتجاربه الذاتية المنفردة.
خلاصة القول
لم تكن هناك أية حاجة لظهور المرأة التي بدت وكأنها مذيعة في مفتتح الفيلم حيث قالت: " الأخ سعد علي فنان من أصل عراقي، الزميل جهاد أبو سليمان الظاهر هو الذي قام بالصورة الآتية." وإذا كانت المعلومة المتعلقة بسعد كافية، ولا يخالطها الشك، فلماذا وضعت المخرج جهاد أبو سليمان في موضع الشك عندما قالت " الظاهر هو الذي قام بالصورة الآتية " وكأن هناك احتمالاً في أن يكون شخص آخر هو الذي قام بهذه " الصورة الآتية " ولا أدري لماذا وصفت هذه السيدة الفيلم بأنه " صورة " ولم تقل " فيلماً تسجيلياً " على سبيل المثال؟ وثمة سؤال آخر مفاده لماذا اختار المخرج عنواناً عائماً لا يحمل دلالة محددة. فما هو المعنى الكامن في اسم " أستوديو سعد علي "؟ ألم تَجُد علينا قريحة المخرج باسم ذي علاقة مباشرة بمحاور سعد علي الفنية، مثل " باب الفرج والمحبة " أو " صندوق الدنيا " أو " حارس بوابة الجنة " وما إلى ذلك من عناوين جميلة ومعبّرة. كما لعبت مدة الفيلم القصيرة " خمس عشرة دقيقة وثلاثين ثانية " دوراُ سلبياً في تعتيم التجربة، بل أن هذا الحيّز الزمني الذي لم يُستثمر أصلاً في التركيز على الموضوعات الجوهرية، ومراحل تطور الفنان الذي أسس تجربة فنية تنتمي إليه، ولا يمكن ردّها إلى فنان آخر. كما لم يتم الاستعانة بآراء النقاد الفنيين الذين كتبوا عن تجربته، وتناولوها بالنقد والتحليل بصرف النقاد إن كانت هذه الآراء تصب في مصلحة الفنان أو ضدها. وأتمنى على الفنان سعد علي أن يتأنى قليلاً قبل الخوض في مشروع خطير من هذا النوع قد يضر بتجربته الفنية، ولا ينفعها إذا لم يكن القائم على هذا المشروع فنان، ومحترف، ويمتلك رؤية نقدية ثاقبة تؤهله لتوثيق تجربة فنية واضحة المعالم مثل تجربة الفنان سعد علي.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول امرأة هولندية تُصاب بجنون البقر، وتسبب هلعاً جماعياً
- المخرج العراقي ماجد جابر في فيلمه التسجيلي الجديد - المقابر ...
- الفنانة التشكيلية حنان عبد الكريم في معرضها الأخير: من الرمز ...
- الروائي العراقي اليهودي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -:عند ...
- الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نز ...
- الفنان سعد علي في معرضه الشخصي الجديد - الحب في مدينة الليمو ...
- التشكيلي زياد حيدر لـ ( الحوار المتمدّن ): اللوحة بالنسبة لي ...
- حفل لسيّدة المقام العراقي فريدة في دار الأوبرا في مدينة نايم ...
- أكرم سليمان في فيلمه الجديد - هلو هولندا -: دقّة المخرج في إ ...
- المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: شعوب الشرق الأوسط هم ...
- المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: الفيلم التسجيلي هو ع ...
- جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: لو لم اكن مخرجاً وممثلاً، ل ...
- مهرجان السينما العراقية الثاني في لاهاي: ملامح جديدة لأفلام ...
- حدوس ثاوية
- المخرج العراقي ماجد جابر: الحيادية والتلقائية هما من مقومات ...
- المخرج هادي ماهود: علينا أن نستثمر هذه الحقبة لصناعة أفلام و ...
- المخرج هادي ماهود: الإنسان البسيط يتحدث على سجيته، ولا يتصنّ ...
- المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجا ...
- الفنان ستار كاووش لـ - الحوار المتمدن -: أحب الموضوعات التي ...
- الشاعرة التونسية زهرة العبيدي لـ - الحوار المتمدن -: القصيدة ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - جهاد أبو سليمان في فيلمه التسجيلي - أستوديو سعد علي -: رؤية قاصرة، ومعلومات ضئيلة، وحوار لا يغوص أبعد من السطح