أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فاتن نور - عراق (الدين) والمصباح السحري















المزيد.....

عراق (الدين) والمصباح السحري


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 11:16
المحور: كتابات ساخرة
    


(رؤيا ساخرة في الواقع العراقي)

لم تكن قصص الف ليلة وليلة مجرد حكايات خيالية غرضها امتاع الأطفال،فقد تناولها الكبار قبل الصغار من سكان كوكبنا بالقراءة والدارسة رغم اختلاف الثقافات والمعايير ومستويات التطور من رقعة الى اخرى، فهي مجموعة ادبية عظيمة ولها دلالات اجتماعية وانسانية متنوعة.. كما لها دلالات سياسية مستمدة من واقع العصور التي امتدت فيها تلك المجموعة القصصية الخالدة وتراكمت مع تراكم تلك العصور بمتغيراتها والتي أطرتها بخيال بارع يمتد في بلاد فارس والبلدان العربية واسيا، ففي تلك المجموعة اشارات لأنماط من الملوك وضمن سرد قصصي سلس،مثل ملوك الدين وملوك الهوى اوالملوك المحافظة...الخ، وانا اعتزًّ بذلك الفرز لأنواع الملوك لا سيما ان تعبير(ملوك الهوى) يرتبط ارتباطا وثيقا بواقعية الساحة العربية الطافحة بهذا النمط من الملوك والسلاطين....

وقد نالت بعض قصص الف ليلة تداولا استثنائيا بين العامة ولبست تاج الشهرة العالمية، ومنها على سبيل المثال قصة السندباد البحري ورحلاته السبع المشدودة بالمغامرة، علي بابا والأربعين حرامي،وعلاء الدين والمصباح السحري..

العراق اليوم هو ارض تتجسد فيها معالم كثيرة من رؤى تلك الحكايا المفعمة بالخيال،علي بابا مثلا نراه واقعا ملموسا في الساحة العراقية ولكن بفارق عددي
ليس ببسيط ،حيث ان عدد الحرامية في هذا الواقع قد ارتفع وبما يتناسب مع التقنيات الحديثة التي تسخر الثروات الطبيعية وتطوعها وربما تطبعها بصور اوراق نقدية تستوجب ضرورة تزايد الأيادي العاملة لنهبها ومن ثم ترحيلها....
اما السندباد البحري فأصبح ناشطا بريا واستقطب النفر الكثير للمساعدة في انعاش عدد الرحلات والتي اصبحت يومية وتتجاوز رحلات الخيال السبع ولغرض المتجارة بالرؤوس والرقاب وعلى مدار الساعة....

اما علاء الدين ومصباحه فهو المسيطر وبشكل واضح في الساحة العراقية.. حيث امسى عراقنا "عراق الدين" هو الموازي المناظر لعلاء الدين،اما المصباح السحري فقد انفلق الى مجموعة مهولة من المصابيح والتي تباع في الأسواق وتحت مسميات عديدة ولضرورات تنويرية متنوعة.. فقد اصبح المشتري امام خيارات تتنافس باسعارها وتحتم عليه اتخاذ القرار الذكي في ابتياع المصباح المناسب....كل انواع المصابيح متوفرة وطوع بنان المشتري..
فإن كان هناك من هو راغب في مصباح يشع بالأرهاب والعنف ليسير بوجاهة على دربيهما فليذهب الى العراق..
ومن لديه ولع في قطع الرؤوس والتمتع بمنظر الدم النافر على غرار افلام الرعب التي تصدرها هوليود فليذهب الى العراق فهناك ساحات حافلة لبيع مصابيح التمرن والممارسة وفي الهواء الطلق وعلى ضفاف الأنهار،
وإن ابتليت بالشهوانية والسادية وتريد الهداية الى مصباح ينور لك اساليب الإختطاف والإغتصاب فشد الرحال الى العراق ومن هذه اللحظة،
اما إن كنت من هواة التقصي الأستخباراتي والأجرامي وتود نيل ما ناله شارلك هولمز من شهرة في التقصي والتحقيق فأذهب الى العراق لتصنع الجريمة بمصباحها المحترف ومن ثم اقتفيها بمصباح آخر وتحقق بأنك المحقق الأول والأخير في ما ارتكبت من جرائم، والشاهد الأوحد لما فعلت ،حيث أن ثنائية الجريمة والعقاب اصبحت بمصباحين يحملهما شخص واحد او جهة واحدة ،وتلك قفزة نوعية حققتها الساحة العراقية لم يكن لها مثيل، والبركة في تنوع وسهولة اقتناء المصابيح، وتوفر تمازجها او تمازج زيوتها...

اما إن كنت من حاملي سفر الأنتقال السريع الى عالم الغلمان والجواري والحرير في اقاصي السموات السبع فمكانك لابد ان يكون هناك على ارض العراق،ولحسن حظك فأن مصابيح هذا السفر تباع بأسعار بخسة ومن على الأرصفة حيث أن تجارتها رائجة بشكل كبير ولها وكلاء وموزعون نشطاء،والمطروح من تلك المصابيح في تزايد مستمر ادى الى انخفاض اسعارها...

أن كنت من محترفي الأبتزاز والتحايل فهو يوم سعدك..ما عليك إلاّ ان تقتني مصباح التفنن في هكذا مجال للشروع بالمساومة وقد يحالفك الحظ وتقبض بكلتا يديك على حق النقض (الفيتو) فهذا الحق حاليا مطروح في الساحة للمزايدة، فأغتنم الفرصة ولا تنسى أن تشتري بعض الزيوت الأجنبية لمصباح المزايدة كي يتلألأ نوره،..
وصولي نهم وتود القفز الى القمة؟ او ان تحرر لك صحيفة او تنشأ لك حزبا، او ان كنت تود تحوير شهادتك الأبتدائية الى شهادة عليا؟..
لك مصباح في تلك الساحة ولكن عليك ان تبتاع الزيت المناسب للمصباح المناسب كي تنزلق بوداعة الى المكان المرموق او المستوى العلمي المراد ،...

تاجر بلا ضمير وتود تسويق حثالات التصنيع وبقايا مخزونها في دول العالم؟....
على الرحب والسعة،فقط امسك المصباح بلا جمرك ولا رقابة تجارية او ضرائب وقم بتسويق المزابل التي تود تسويقها فأرض العراق ساحة خصبة لإستهلاك كل انواع المزابل ابتداءا من الأبرة بلا خرم الى السيارة بمقود اليمين وعلى الطريقة البريطانية ،وممكن ان تفتح لك ورشة عمل متخصصة لزرع عين للأبرة او ترحيل مقود السيارة الى اليسار( والرزق يجلب الرزق مثلما يقول المثل)...واللهم اشهد بأن جيوب العراقيين ممتلئة لأغراض الخرم والتحوير!..

هل لديك الهام شديد بالآثار والمعالم المعمارية لحضارات سالفة انطفأ سراجها؟ صدقني بأمكانكَ ان تنقل طاق كسرى الى مسقط رأسك إن احببت، فقط اشعل لك مصباحا وأذهب بتجهيزاتكَ واوراقكَ النقدية وستنال ما تصبو اليه، وسيتهم من يقول بأن طاق كسرى قد اختفى من ارض المدائن بترويج الإشاعات والمحاولة لأثارة الفتن، وسنرى الرؤوس القيادية تطلّ علينا عبر الفضائيات لتؤكد بأن الطاق ما زال موجودا والعتب على النظر ليس إلاّ...

تمتلك نزعة مؤججة لتقلد صدارة شيء؟ هيا بنا أذن لنشتري اما احدى مصابيح التيار الصدري المطروحة في الأسواق او ان نشتري البديل ولكن بنفس الكفاءة كأن يكون احد مصابيح الهيئة او احد مصابيح الوفاق ...والخ
وأن كنت من هواة مشاهدة البرامج المثيرة مثل برنامج صدق او لا تصدق او كيف تربح المليون..الخ... فعليك بالعراق حيث قد ترى كل ما هو مثير، فقد ترى مثلا ان التاج الذي يضعه العراقي القياديّ فوق رأسه قد اصبح جنديا امريكيا او بريطانيا وامسى التاج متمتعا بحصانة يفتقر اليها حامله... اما كيف تربح المليون فقد اختفى كبرنامج من على الساحة العراقية ليحل محله وبوجاهة برنامج كيف تربح المليار....

اسواق المصابيح حافلة اليوم في بلاد الرافدين وقد دخلت الأنهر والجداول والبراري وخيام البدو الرُحّل وقلاع الغجر الثملة ومباني الوزارات غيرالخجلة وقصور الكفاءات القاصرة وشراهات البطون الخاوية منها والممتلئة، حتى اصبحت حياة العراقيين بلا شمس، فقد اختفى وجهها خلف المصابيح المعروضة والمشعة في كل ركن من هذا البلد الجريح،..
السؤال الذي من البديهي طرحه وسط الثورة العارمة لتصنيع وبيع المصابيح هو: هل تفتقر الأسواق الى تلك المصابيح ذات الضوء الحقيقي الذي يقتل عتمات المصابيح الأخرى؟
بنظري ان السوق العراقية زاخرة ولا تخلو ساحاتها من هكذا مصابيح ولكن على مايبدو ما هو معروض منها لا يغطي الحاجة الفعلية للقضاء على ظلام تلك المصابيح التي اغرقت الأرض بفنونها الأشعاعية الحالكة،أو لربما طبيعة الزيوت المستخدمة لأنارتها قد تكون مغشوشة! فتلك المصابيح في حالة تذبذب بين الإتقاد والإنطفاء فنكاد لا نبصر نورها إلاّ بعد الغوص في عتمة قاهرة تتعالى خلالها الأصوات مطالبة بقليل من الضوء كي ينجو منها من تبقى! وللأسف اغلبها ذات نور موجه لتضليل البصر والبصيرة..

علما أن الزيوت الوطنية الأصيلة امست نادرة وقد تم تعبئة الكثير منها وتخزينها ربما لضرورات امنية لاحقة! او لأبعادها عن الساحة كي لا تستخدم لأملاء المصابيح المضادة لمصاببح الظلام،هذا اضافة الى الهدر الذي اصابها ولا زال..فتناثرت تلك الزيوت الصافية على شكل قبور وطنيةّ السمعة،من تلك الزيوت التي كان بالأمكان ان تنير بمصباح اصيل وشريف وترصد عتمات المصابيح الآخرى اود ان اذكر هنا الفريق احمد كاظم، ذلك الرجل الذي تم سلخه عن حقله المناسب وابعد عن دوره الحقيقي ضمن اجهزة وقوات الشرطة العراقية لمكافحة الأرهاب المتفشي بزيوت دينية سلفية وهابية وزيوت جهادية تطهيرية وزيوت بعثية صدامية، وقائمة الزيوت طويلة وتجر ضمنها زيوت اجنبية وعربية وبنكهات مختلفة وحسب العرض والطلب...الفريق احمد كاظم كان هو المصباح المنير بحق بزيته الأصيل وبما تسنى له من امكانيات تجهيزية قد تكون محدودة ولكن بحسه الوطني الفريد ابى أن لا يكون إلاّ في مقدمة الحملات الأنقضاضية على جحور المتسببين بالنزف العراقي المستمر، اين هو الفريق احمد اليوم؟؟ لماذا تهدر زيوتنا الوطنية وتركن المصابيح النشطة!؟ ومن يقف خلف هدرها او تجميدها ونحن بأمس الحاجة اليها؟ كم من مبعدٍ شريف ومقربٍ خبيث؟ وكيف سيتنور العراق وقد طغت الزيوت المتعفنة المستوردة على الزيوت المحلية النقية؟ التساؤلات كثيرة يطرحها ابناء العراق في المهجر وابنائه في الداخل، ولا مجيب او مغيث حيث ان الحركة التجارية للمصابيح وزيوتها مستحوذة على عموم الموقف وامام أعين صاحبة الجلالة (امريكا) ورفيقتها صاحبة الخبرة بالواقع العراقي ذات العظمة (بريطانيا)..مَن هو المطلوب تواجده على الساحة كي يقمع تلك الحركة التجارية النشطة إن عجزت تلك الدولتان المهيبتان او تعاجزتا!؟ربما التراخي والتغافل ازاء كل ما يدور، له عائدات تصب في خانة المصالح الخاصة،وعلى العراقي ان يحمل تلك العائدات فوق ظهره المحدودب من فرط التحميل،وعليه ايضا ان يدفع ثمنها بالنقد الأحمر القاني، نعم هكذا اصبح العراقي هو الحمّال وهو من يدفع ثمن ما يُحمِّل...

الساحة العراقية تشكو من فوضى المصابيح، فكل من يحمل مصباحا يعتقد بأن مصباحه هو المصباح الحق والمنير لدرب الخلاص،ولابد ان يطغى نوره الأسود على انوار المصابيح الآخرى او يتلاقح معها من اجل سواد اكثر عتمة...هذا هو عراق "الدين" او عراك الدين! او قل عراك دروب الخلاص المقترحة!..
وهل تطورت الشعوب إلاّ بفصل العراك الديني عن السياسة وحصره تحت اقبية المساجد والكنائس وليتفقه اهله في امور الدنيا والآخرة ويتشاورا ويتجادلوا ويتنافسوا ولكن بعيدا عن الصراعات السياسية حيث ان تداخل الأثنين يعقد الصراع ويلصق به طابع الفوضى ....

قد نحتاج الى مصباح مثل مصباح علاء الدين لأخماد الفوضى في العراق وإلاّ ستبقى الفوضى طالما العراك الديني والنزاع السياسي يتصدرا الساحة بمصابيحهما الجرباء وبكمّ ٍ هائل من المتطوعين وآخر من المتفرجين... وكمّ من المستفيدين والوصوليين.... وستبقى الشمس خجلة من دخول الفضاء العراقي إلاّ بعد أن يأتينا علاء الدين بمصباحه السحري ويفتح لنا صفحة بيضاء لتسطير حكاية جديدة تضاف الى حكايات الف ليلة وليلة وبقلم الواقع المر هذه المرة....



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين دجلة.. واسرارها
- حُب ورسالة.. بمفردات سياسية..
- من تداعيات فوضى المدائن
- في العراق.. صراع حتى النخاع
- دغدغني.. ياعراق...
- !أما أن اذبح وزتي أو...مليون في جيبي
- المرأة..وزوايا بلا اضلاع..
- العرب.. وفن التناسي والنسيان
- الصدر..مبدأ الإستحالة..وشهادة غرّاء
- لا اسأل كل كُردي ولكني... اتسائل
- الربيع قادم....ربما من عطر دوكان
- هل بيننا من يلعن نعمة الحواس؟
- بندقية ٌخرساء.. وثعبان
- الضرب.. بين الكرامة والتأديب والفحولة
- حينما كنتُ حسناء...
- كافي ياعراق
- خبراء للتنوير... وإنتكاسة
- صورتان.. ورؤيا ساخرة
- لنشاطر الهموم بأبتسامة..
- ومضات ... وقرقعة


المزيد.....




- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فاتن نور - عراق (الدين) والمصباح السحري