أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - المثقف محمود عبد الوهاب














المزيد.....

المثقف محمود عبد الوهاب


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4099 - 2013 / 5 / 21 - 09:05
المحور: الادب والفن
    





في سبعينات القرن العشرين حضرتُ ندوة للقاص الراحل محمود عبد الوهاب في ما كان يسمى بـ "دور الثقافة الجماهيرية" في البصرة. أظن عنوان الندوة كان "مقدمة في تعريف الثقافة والمثقف"، أو شيئاً قريباً من هذا. وبعد استهلال سريع تطرق فيه المحاضر الى المعنى اللغوي لكلمة "مثقف" ("مُثَقَّف" أي "مُعَدَّل" أو "مُقَوَّم"، ومنه تسمية الرمح بـ "المُثَقَّف"، إلخ)— أقول بعد هذا الإستهلال السريع ركَّز الراحل على أهمية التفريق بين المثقف و"العارف"، واشترط أن يكون المثقف ذا موقف تقدمي من الحياة والعالم، وأن تكون الثقافة مرتبطة بالتغيير. هذا كان فحوى كلامه، لا نصّه طبعاً. وقد ذكَّرني ذلك في حينه بمقولة شهيرة لماركس، في "أطروحات حول فيورباخ"، يقول فيها: "إن الفلاسفة لم يفعلوا سوى أنْ فسّروا العالم بطرقٍ مختلفة، بينما المهم هو تغييره."

تلك الندوة وحدها كانت كافية لتخليد محمود عبد الوهاب في ذاكرتي. فأنا لم أتتلمذ عليه بصورة مباشرة، ولم أقرأ كتبه—حين غادرتُ العراق لم يكن قد أصدر كتباً. لم أقرأ سوى قصته المسمّاة "القطار الصاعد الى بغداد". قرأتها في السبعينات وأعجبت بها. ولكنني لا أستطيع أن أثق بانطباعٍ كوّنْتُه قبل أكثر من أربعين سنة. لذا لا أستطيع الإدعاء أن محمود عبد الوهاب كان معلمي. فقد كان الراحل مثقفاً ذائع الصيت (في البصرة على الأقل). وكنت أراه في أوقات متباعدة. وقد دخل علينا ذات مرة درس اللغة العربية في إعدادية الكفاح بالعشار. دخل فجأة بوصفه مفتشاً في التربية، وجلس في آخر الصف صامتاً. وقبل مغادرته سأل الصف سؤالاً أو سؤالين وصحح معلومةً معينة ثم خرج.

كان محمود عبد الوهاب يحكّم المسابقات الأدبية الطلابية التي كانت تقيمها مديرية التربية سنوياً حينذاك، وكنت أشارك فيها. وكان معه الشاعر محمود البريكان، الذي كان يجلس صامتاً صمتاً لا يعكّره شيء.

في أيار 2011، في زيارتي الأولى للبصرة بعد عشرين سنة من مغادرتي العراق، التقيت بمحمود عبد الوهاب على ظهر عوامة في شط العرب، في مهرجان المربد. وقد بدا لي للوهلة الأولى أنني أرى شخصاً آخر، فكأن الشيخوخة قد انقضّت عليه فجأة واحتلت جسمه كله. لكنها عجزت عن احتلال عينيه. كانتا نفس العينين النافذتين اللتين كنت سأعرفه بهما حتى لو حدث أن أخفقت في تمييز ملامحه الأخرى جميعاً. بلى، كانتا نفس العينين اللتين تقولان لك ببساطة: "لا يمكنك أن تخفي شيئاً عني". وأدهشني أنه لم يَحْتَجْ الى وسيط ليتعرف عليّ.

في اليوم التالي، أو الذي يليه، جمعتنا الصدفة (أهي الصدفة وحدها؟) في مكتب الصديق الشاعر علي أبو عراق. وتحدثنا ساعة. ذكّرته بأيام المسابقات الأدبية لمديرية التربية. سألته: "لِمَ كنتم تُكثرون علينا الأسئلة بعد قراءتنا لقصائدنا؟" قال ما معناه: "لكي نمّيز بين المنتحِل والأصيل".

لم أطّلع على كتب محمود عبد الوهاب بعد. لم أدخل معه في نقاش فكري. لا أعرف ماذا يعرف. لا يعرف ماذا أعرف. لكنني أذكره كلما وقفت مشدوهاً منبهراً أمام "مثقف" يتحدث بطلاقة عن هابرماس وغدامر وفوكو ودريدا ولاكان وفرويد ورولان بارت وكأنهم أصدقاؤه الشخصيون، بينما تجده في أفضل أحواله يسلك سلوك الفرد العادي، غير المثقف، غير العارف، غير المتعلم، غير المبالي. أما في أسوأ أحواله فلا يبدو "المثقف" أكثر من خازنٍ للمعارف، مكدِّسٍ للمهارات، ثم موظِّفٍ لها في خدمة من يدفع أكثر.

سلاماً محمود عبد الوهاب! تلك الكلمات القليلة التي سمعتها منك في سبعينات القرن الماضي كافية لإبقائك حيّاً في ذاكرتي.


حيدر الكعبي
20 أيار 2013



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصف
- مَرْثاة
- أحلام أدوية الملاريا (2) / براين ترنر
- في الحشائش العالية / براين ترنر
- الى النسور: يوتوبيا مضادة / براين ترنر
- أحلام أدوية الملاريا 1 / براين ترنر
- تأبين / براين ترنر
- ما أشدَّ هذا البريق! / براين ترنر
- خدَّة وخَدَر / براين ترنر
- تشريح / براين ترنر
- النجف عامَ 1820 / براين ترنر
- 2000 رطل / براين ترنر
- ستة عشر شرطياً عراقياً / براين ترنر
- حراسة الأثر
- أشباح / براين ترنر
- قصيدة الجرّاح / براين ترنر
- أكياسُ الجُثَث / براين ترنر
- هنا، أيتها الرصاصة / براين ترنر
- موقع المراقبة رقم 71 / براين ترنر
- خِزانةُ الوَجَع / براين ترنر


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - المثقف محمود عبد الوهاب