أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - شهر العسل قصة: روبرت ڤالزر















المزيد.....

شهر العسل قصة: روبرت ڤالزر


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 6774 - 2020 / 12 / 29 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


شهر العسل
قصة: روبرت ڤالزر
Robert Walser
ترجمها عن الإنجليزية: خليل كلفت
كان شيئا خياليا، وسوف يتذكره العروسان لوقت طويل من الزمان فيما بعد. كان يلبس على رأسه بيريه وكانت تلبس طَرْحَة سَفَر voile de voyage(1) تسبح فى الريح التى كانت تهزّ أنصال أوراق العشب. كبحتْ حافةُ الغابة جماحَ الريح. لوَّحتْ أشجار التنوب وأومأتْ، وبسطت أشجار البلوط البهيجة أغصانها. قال: "نحن نأمل بقلبينا كشخص واحد". نظرتْ إليه، بامتنان. وفى سيارتهما المترنِّحة، دخلا مدينة فخمة ذات منازل تعلوها جملونات مرتفعة تتوهج فى ظلمة الغسق. وبين المبانى الرائعة الأنيقة كانت تُزْهِر أشجار جميلة بدتْ وكأنها ترحِّب بالقادميْن الجديديْن. وعلى أعتاب النوافذ انتصبتْ أُصص الأزهار، وفى الفندق الصغير الذى توقَّف عنده العروسان، للأكل والراحة، كان العازفون يعزفون على الفلوت وعلى القربة وعلى البوق. وفى اليوم التالى أخذتْهما رحلتهما عبْر الحقول وعبْر الغابات. وبجانب غدير متلألئ، يترقرق ماؤه، قاما بنزهة خلوية دافئة فى مشهد تحيط به تلال بعيدة. وبينما كانا يتجوَّلان، التقيا بمعتوه – نحيل وبالغ الطول، يلبس ثيابا رثة يعوزها الذوق – نظر إليهما نظرة متعجرفة. قال العريس للغريب، وقد استبدَّ به الحب والهيام: "أنتَ أيها الأعزب! لماذا تنظر إلينا بمثل هذا الازدراء؟". أجاب الهازئ المزدرِى: "لأننى متذمر منكما ومعترض عليكما ولا أصدِّق، إلا نصف تصديق، سعادتَكما". هزّت العروس رأسها، وكأن هذا الرجل الذى تشكك فى ابتهاجهما كان خارج نطاق إدراكها. وفى الحال اختفى الشخص المتفلسف من مرآهما. فى الوقت المناسب وصلا إلى محطة، مرَّ بها قطار. وغير بعيد من هناك انداحت كتلة ودودة من الماء، فى إكليل من النجيل. وكانت بجعةٌ تسبح فوق السطح الهادئ الصافى. ومن فوق برج جرسٍ كان على قمته ديكٌ صغير يتألق بلون ذهبى فى ضوء الشمس، أعلن الساعة ديكٌ. وكان صبىٌّ يمشى متباهيا بطُوالتيْن (2) فى محاذاة منضدة يوجد فوقها زوج من القفاز. وقد وضع شخص فرنسى أو ألمانى غليون تدخين فى فمه وكان يعالج بمنشار قطعة من الخشب، مستخدما حصان نشر. ولفترة من الوقت انجذبت عيون العروسين السعيدين نحو مغزل. وطارد صيادٌ طائر حَجَل، بمساعدة كلب رشيق ومصمِّم. نَحْوَ البجعة، على شاطئ البحيرة، سار خنزير على مَهَل، وهو يَنْخَرُ – راضيا – من حين لآخر، ساعيا إلى أن يستدفئ بذلك المخلوق النبيل. وقد نجح الحيوان البغيض، الذى أظهر حتى فى تلك اللحظة ضربا من ضروب الفذاذة، فى الوصول إلى حيث الطائر. وكانت البجعة، بطريقتها الناعمة والأنيقة، مهيَّأة للتكيف مع الخنزير التواق إلى المشاركة. أىّ شيء جميل يمكن للصداقة أن تكونه! غير أن مشاهد كثيرة أخرى كانت مدَّخرة لهما، فلاح يحرث الأرض، على سبيل المثال، وبجواره قصر ريفى ذو مظهر مدينىّ، يتجول فوقه حَلَزون، فى مهمة أو أخرى، إنْ أمكن تبرير الحديث عن تجوُّل هنا. وركب فارس يرتدى عباءة حصانه المرح خارجا من أجمة موحية، وكان من الجلىّ أنه فى مهمة، وكانت قطعة من الحبل، أو من السلك، موضوعة على دكة. وكانت الدكة مستغرقة فى توقُّع الجلوس عليها. إن إحصاء كل شيء عَيْنِىٍّ فى العالم من شأنه أن يُنهكنى، وينهك القارئ أيضا، ولهذا فإننى أكتفى بذلك متمنيا للعروسين عودة سالمة إلى بيتهما ووفرة من المسرات فى طريق حياتهما. لقد نظرا إلى كل ما حولهما، وأثارت اهتمامهما مجموعة متنوعة من الأشياء، وانتبها باهتمام إلى بعضها، بما فى ذلك فيل، ويمامة، وثعبان. ووصلتْ سفينة تعلوها رايات مرفرفة، ويشمخ صدرها، إلى مرفأ. وكانت البراميل والصناديق مرصوصة هناك – فى أكوام - بهدوء. وأمام مجموعة من الجنود، تلقَّى شخص كان قد ارتكب خطأً، وكان على وشك التكفير، عددا من الضربات أو اللكمات أو الجلدات. وكان الشخص الذى ينفِّذ العقوبة يقف وقفة الانتباه، بينما كان متلقِّيها راكعا متوسِّلا، كما ينبغى تماما، لأن أىّ سلوك مُفْعَم بالثقة لم يكن يناسبه. وإلى جانبه، وهو ينشج ويئنّ، كان هناك تمساح يذرف دموعا. طارت صغار السنونو منطلقة فى السماء فوق بهلوان يتبارى مع مشعوذ وكانا يقذفان الكرات، والبطاريات الكشافة، والسكاكين، وهلمجرا، فى الهواء، وكان كل منهما يحاول أن يُدهش الناس بفنه، ببراعة ومرح. وعلى ارتفاع عشرين مترا وأكثر فوق الأرض جلس ملاك، وكأنه يجلس على كرسىّ. كيف فعل ذلك، بدون أىّ أساس؟ .. لم يكن هناك أىّ شيء يسنده، يثبِّته؛ ورغم ذلك جلس هناك، براحة بال، ملائكية، يحلّ تمرينا. لم تفارق سيماء الود وجهه ثانية واحدة. ولم يَبْدُ عليه أىّ أثر من آثار التوتُّر. ومن الجلىّ أنه استطاع أن يفعل هذا الشيء الصعب بسهولة تامة. ومن الواضح أن إحساسا بالكمال قد حصَّنه وصانه. ثم إنه لم يأكل شيئا على الإطلاق! فالطعام يجعل المرء يشعر بأنه مُتْعَب، وفظ، وثقيل، وجافّ، ونعسان. ولا جدال فى أن الصيام ينطوى على مغزى عميق، على حافز، على صعود. لقد استحوذت مهمة معينة على مشاعر الملاك؛ وكان قد أصبح غارقا فيها بكل معنى الكلمة. لقد ملأتْه الرغبة فى أن يحقق هدفا، فى أن يندمج فى الهدف، فى أن يتَّحد معه، فى أن يكون نفسه. ولم يكن فى استطاعتى أبدا ما كان فى استطاعته. أما بالنسبة له فقد كان الأمر على النقيض. فلم يكن بمقدوره إلا أن يكون قادرا على أن يفعل ما كان يتعيَّن عليه أن يفعل. وبالتالى جلس هناك مطمئنًّا إلى ذلك الحد، ميتا إلى ذلك الحد.
قالت العروس لعريسها: "عندما أموت، ستكون حياتى أقوى، وأفضل، لأنك حينئذ ستتذكرنى طول الوقت".
عندما عادا إلى البيت، تحدَّثا عن الغرائب التى كشفت لهما رحلتهما عنها، وهما يقفان فى شرفة. وكانت هناك شمسية منشورة فوق السيدة الفاتنة.
كان العمل الذى اعتزم أن يكرِّس له نفسه يُطالب فعلا بكامل اهتمامه، وكانت لديه مخاوف على نفسه، لأن الشكوك كانت تساوره إزاء مشروعه، وعلى زوجته، لأنه كان يعتزم أن يتخلَّى عنها إلى حد ما.
فهل وصلت سعادتُه بمثل تلك السرعة إلى حدّ أن تعترض سبيله.
(1928-1929)
*****
إشارات:
(1) بالفرنسية فى الأصل – المترجم.
(2) أىْ برِجْليْن خشبيتيْن طويلتيْن يُعَدُّ المشى بهما نوعا من المهارة – المترجم.



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة روح الثمانية عشرا يوما المجيدة
- حكاية قروية قصة: روبرت ڤالزر
- البرلينية الصغيرة قصة: روبرت ڤالزر
- السلطة التنفيذية هى السلطة الحقيقية الوحيدة فى مصر
- توبة قصيدة للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- قصة قاسية قصيدة للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- جميل جميل قصيدة للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- طائر السنونو قصيدة للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- جَذَرَ جَذْرا وجذَّر تجذيرا وتجذَّر تجذُّرا (مناقشة على هامش ...
- نجمة الصباح
- النجمة
- الحيوان
- عريان
- السندباد (من أحلام النوم واليقظة)
- تعويذة
- تخفيف الحكم
- هل التظاهر أمام مكتب الإرشاد فى المقطم كُفْر؟!
- ببليوجرافيا خليل كلفت حسب دار النشر
- النظام القديم والثورة الفرنسية
- إلى كارولينا قصيدة (سوناتا): ماشادو ده أسيس، مهداة إلى زوجته ...


المزيد.....




- المهرجان الدولي للشعر الرضوي باللغة العربية يختتم أعماله
- -مقصلة رقمية-.. حملة عالمية لحظر المشاهير على المنصات الاجتم ...
- معرض الدوحة للكتاب.. أروقة مليئة بالكتب وباقة واسعة من الفعا ...
- -الحياة والحب والإيمان-.. رواية جديدة للكاتب الروسي أوليغ رو ...
- مصر.. أزمة تضرب الوسط الفني بسبب روجينا
- “شو سار عند الدكتور يا لولو”.. استقبل الان تردد قناة وناسة ا ...
- حل لغز مكان رسم دافنشي للموناليزا
- مهرجان كان السينمائي يطلق نسخته الـ77 -في عالم هش يشهد الفن ...
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل صلاح الدين الحلقة 24 Selahaddin ...
- بعد الحكم عليه بالجلد والسجن.. المخرج الإيراني محمد رسولوف ي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - شهر العسل قصة: روبرت ڤالزر