أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باهي صالح - مصر..عايزة سوبرمان في زمن الإخوان..!















المزيد.....


مصر..عايزة سوبرمان في زمن الإخوان..!


باهي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 14:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"جات العروسة تفرح ما لقتلهاش مطرح"..مَثل مصري ينطبق على جانب من حال المحروسة مصر في زمن أصبحت في حاجة ماسّة إلى مُنقذ خارق مثل سوبرمان ليُنقذها من صقور و جوارح الإخوان..!
في مصر..بعد أن أورثت ثورة 25 يناير الحكم للإخوان بلعبة انتخابيّة عبثيّة طارئة، هاهي ذي دلائل الوضع الرّاهن كلّها تشير إلى أنّ البلد على حافّة الانزلاق إلى شرك التّصادم أو الحرب أهليّة، المناخ و الأسباب أصبحت أو تكاد تكون جاهزة..؟!
ليس أخطر من خلطة الدّين و السّياسة على أيّ دولة في العالم..أحداث التّاريخ القديم و الحديث كلّها تدلّل و تؤكّد على ذلك..!
ليس عُقم و عجز جماعة الإخوان في إدارة الدّول (خاصّة دولة في حجم مصر) ما يشغلني و يهمّني الآن، فهم أعجز في نظري حتّى عن إدارة اسرهم و بيوتهم..هم بارعون فقط في تجارة الأسواق السّوداء و جمع الأموال بطرق غامضة و مشبوهة..ما يهّمني الآن أفكارهم في السّياسة و شؤون الحكم المستمدّة و المستوحاة أساسا من فكر الممالك الإسلاميّة الغابرة الّتي لا تعرف غير أنّ هذا مسلم و ذاك كافر...و هذه إمرأة محجّبة و تلك سافرة..و هذا ملتزم باللّحية و القميص و ذاك متهاون مفرّط...فكر رجعيّ ظلاميّ متخلف تحكمه أدبيّات مثل المرأة عورة و التّصوير حرام و الموسيقى مزمار الشّيطان..إلخ..
لكنّ الأخطر أنّ الإخوان يمارسون السّياسة باسم الدّين و ينوون إدارة دولة مصرعلى هدي الكتاب و السّنة بعد أن طار بهم البساط السحري لثورة 25 يناير و حطّ بهم بسلام و بأعجوبة على عرش مصر..!
دخل الدّين لعبة السّياسة فاستيقظ شيطان الفتنة النّائم منذ مئات السّنين بين المسلمين و الأقباط و باقي الإيديولوجيات.. يتصاعد التوتّر و يتفاقم التذمّر و لا يشعر المصريون إلاّو هم يُجرّون جرّا رغما عن أنوفهم و عيونهم و كلّ حواسّهم الخمسة إلى التّصادم و الاقتتال..شرارة هنا و شرارة هناك و لا يدري أحد أيّ الشّرارات قد تُشعل الفتيل و تولّع البلد....هناك متطرّفون و انتهازيّون و أصحاب مصالح يستغلّون الوضع المشوّش و المختلط ( مرحلة أفرزها زمن الرّبيع العربي..!) و يُغذّون عمدا مرجل الغضب و الاحتقان بين فريق يرابط تحت رايته إخوانيون و سلفيون..و بين فريق يرابط في خندق الدّفاع بلا غطاء و لا ظهير و في وضع بائس أمام تيّار الإسلام السّياسي الطّاغي...!
عرف النّظام السّابق كيف يُروّض وحش الإخوان و كيف يكسر شوكته...عرف مبارك كيف يخصي الوحش و عرف كيف يقتلع أنيابه و مخالبه و يربطه قرب عينيه ثمّ لا يُفلته من المراقبة الدّائمة..حتّى جاءت ثورة 25 يناير فخلعت الفرعون و حرّرت الوحش..؟!
المؤكّد أنّ دخول الدّين لعبة السّياسة لأوّل مرّة بطريقة مباشرة و علنيّة و سافرة و متحدّية سيجعل مصر مُقبلة (نظريّا على الأقلّ) على حرب أهليّة لا يعلم إلاّ الله عمرها ولا حجم ضحاياها، هذا في حالة ما إذا لم يتدخّل سوبرمان في اللّحظة الأخيرة كما يحدث في الأفلام و يضع حداّ سريعا و حاسما لما يجري...!!
جماعة الإخوان تنطّ على الحكم و تخطفه في لحظة غفلة من أيدي من أطلقوا ثورة 25 يناير..و سلفيّون يخرجون من جراب و أجنحة الإخوان بلحى الإرهابيين و أعلام القاعدة و يجتاحون ( and swarmed) المشهد السّياسي جهارا نهارا طلبا للحكم بهدف تطبيق شرع الله على الشّعب المصري..و أقباط بالملايين (رغم وصمة الأقلّية) سكنتهم الهواجس و المخاوف من مصير قد يضعهم لأوّل مرّة منذ مئات السّنين بين خيارات أحلاها زفت، إمّا الإسلام أو الحرب أو دفع الجزية أو القبول بما هو واقع أو ترك البلاد...و مليشيات إخوانيّة و سلفيّة تشكّلت و أخرى في طور التشكّل و أخرى قبطيّة ليس من المستبعد أنّها أيضا (كردّ فعل) سائرة على نفس الدّرب بدافع الحماية و ملاحقة الحقوق..و علمانيّون بعشرات الملايين متذمّرون و غير راضون، بل خائفون من الزّحف الإخوانسلفي الجارف..خائفون على مصيرهم و الطّابع العلماني للدّولة المصريّة..!
استغلّت جماعة الإخوان المسلمون ثورة 25 يناير أحسن إستغلال..فرصة لم تحسبها الجماعة و لم تتوقّعها هبطت عليها فجأة من السّماء... و في غمرة فرحة و حماس الشّعب المصري بخلع الفرعون حسني مبارك، اختطفت الجماعة السّلطة كما يفعل لاعب الخفّة بلعبة انتخابيّة سخيفة و بايخة..المناخ و الظّروف الاستثنائيّة كانت ملائمة جدّا و التسرّع و تفاوت التّمثيل النّسبي من حيث أعداد المنتخبين و نسبة الفوز كانت أيضا عناصر مثمرة بالنّسبة للجماعة، كذلك تفعيل الجماعة لأسلحتها و أساليبها النمطيّة (أساليب عُرف بها الإسلام السياسي أثناء الإنتخابات البرلمانيّة في الجزائر سنة 1992) و هي التّهديد و الوعيد بالذّبح و ارتكاب المجازر و بأنّو البلد حَتِوْلَعْ لو غير مرشّح الجماعة فاز بكرسيّ الرّئاسة..مورست هذه الأساليب ميدانيّا أثناء العمليّة الانتخابيّة بطريقة موجّهة و منظّمة في الشّوارع و القرى و الأحياء و المدن، و كانوا بارعين حقّا في ترصّد و تصيّد المواطنين في نواصي الطّرقات و الشّوراع و مداخل و مخارج الجوامع و المكاتب الانتخابيّة يحضّونهم ويرغّبونهم تارة و يهدّدونهم و يرعبونهم تارة أخرى مستغلّين ما وفّرته لهم تكنولوجيا الغرب الكافر من هواتف نقالة و انترنت و أجهزة كمبيوترمحمولة للتّواصل و تبادل المعلومات، و أثناء غلق المكاتب و بدأ عمليّة الفرز عسكرت أعداد كبيرة من عناصر الجماعة من أصحاب البنيات القويّة و الهيئات المخيفة، كُلّفوا بفرض جوّ مشحون بالخوف و الضّغوط النّفسيّة على ممثّلي الأحزاب و المشرفين على عمليّة الفرز وصلت حدّ تهديدهم بالذّبح و ارتكاب المجازر في حقّهم إن سارت نتائج الانتخابات لغير صالح مرشّح جماعتهم...؟!
طالما أنّ الدّيمقراطيّة هي اللّعبة الوحيدة و الشّائعة في العصر الحديث، و طالما أنّ فقهاء الإسلام السّياسي يلجئون عادة لفقه الضّرورة في احتياجات عدّة من بينها طلب السّلطة بطريق الانتخابات، فلا ضير من أن يفوز الإخوان بانتخابات الرئاسة و بأغلبيّة مريحة في البرلمان..لأنّ الدّيمقراطيّة عمياء في شعوب منساقة بطبيعتها للخطاب الدّيني...!
الجماعة ما بعد الثّورة أصبحت قدر المصريين المحتوم شاءوا أم أبوا، سواء أحصل ذلك بطريقة ديمقراطيّة أو بطريقة أخرى، وهذا ليس لقدرة الجماعة ماليّا و تنظيميّا، و ليس لخبرتها التّعبويّة و لا لرصيدها النّضالي الّذي تراكم عبر عقود في وعي الأجيال المتعاقبة، و ليس لأساليبها المعروفة في التّرهيب و التّرغيب فحسب، و إنّما لعدّة إعتبارات أخرى...أهمّها/
1- رغبة الشّعب المصري المتأجّجة في التّغيير نحو الأفضل، و لم يكن في السّاحة ظاهريّا على الأقلّ أقدر و لا أكثر إقناعا من الجماعة كبديل أفضل أو كحكم راشد بالنّسبة لغالبيّة المصريين.
2- ثانيا عدم وجود أيّ حزب أو جماعة إيديولوجيّة أخرى بمن فيهم الأحزاب القديمة لها مؤهّلات مشابهة تُمكّنها من منافسة الجماعة سياسيّا و انتخابيّا بشكل قويّ و فعّال لأسباب أهمّها في داخل وعي و عقليّة المواطن المصري العادي، و المواطن العادي في كلّ الدّول هو في الغالب من يقرّر مصير الأحزاب و السياسيين في مواعيدهم و منافساتهم الانتخابيّة بشرط التزام تلك المنافسات بقدر مناسب من الشفّافية و النّزاهة..
3- عصا الدّين الّتي تسحر و توهم بها الجماعة عقول و عيون المصريين، و الدّين أقوى و أمضى أسلحة الجماعة على الإطلاق خاصّة و قد وافق أنّ تكوين الأغلبيّة السّاحقة من مكوّنات المجتمع المصري ذوو نزعة دينيّة عاطفيّة مبرمجة و موروثة تعمل تلقائيّا كميكانيزم أوتوماتيكي يجعلهم يمشون إلى صناديق الإنتخابات مثل الّذي يمشي في نومه دون أن يدري أين يذهب و ماهو فاعل و يعطون أصواتهم لمن رمى عليهم سحر عصاه بقال الله قال الرّسول، و حينها لن يكون لا للموضوعيّة و لا لمعيار الكفاءة أو القدرة في عقل المنتخب مكان..!
4- الجميع في مصر كانوا خايفين فعلا لتِوْلع بلدهم بما فيهم قادة الجيش المصري...يبدو أنّ الجميع أخذوا تهديدات الإخوان على محمل الجدّ...لذلك اختاروا ربّما التّسليم بواقع الحال حتّى و لو كان اجتياح البرلمان و خطف كرسيّ الرّئاسة من طرف عصابة الإخوان..؟!
في الجزائر استغولت جبهة الإنقاذ الإسلاميّة في بداية عام 1992 و كانت قاب قوسين أو أدنى من الاستحواذ على شطر الحكم في البلاد بعد أن حصدت غالبيّة المقاعد في انتخابات مجلس الشّعب في الدّور الأوّل..و نفس المظاهر الّتي نراها اليوم في المشهد المصري كانت سائدة آنذاك..جبهة الإنقاذ الإسلاميّة كانت تهدّد و تتوعّد في المساجد و تجمّعاتها و عبر منابرها الإعلاميّة (رغم أنّ قادتها الأساسيين كانوا في السّجن) كلّ من يجرؤ على التدخّل أو المساس بنتائج الصّندوق بصيغة توحي بأنّ وصولهم للحكم كان تحصيل حاصل أو بالأحرى كان قضاء و قدرا لا يمكن وقفه..!..و إلى الآن لست أدري أكانت حكمة من الجيش الجزائري في ذلك الوقت أن يتدخّل و يتّخذ قرارا تاريخيّا مشؤوما بوقف المسار الانتخابي في الدّور الثّاني و سلسلة أخرى من القرارات الخطيرة أعادت الأوضاع إلى نقطة الصّفر و أشعلت حربا أهلية دامت عشريّة بحصيلة ثقيلة من الضّحايا و الخسائر الإقتصاديّة المهولة..!
قد يقول قائل أنّ قرار الجيش الجزائري في ذلك الوقت لم يكن مخطئا و لا متسرّعا بل على العكس، كان صائبا و في وقته، فربّما لولا ذلك القرار الّذي بدا ظالما و مجحفا في نظر الكثيرين و لا زال إلى حدّ الآن..لولاه (ربّما) لاختطفت جبهة الإنقاذ الإسلاميّة الحكم و لو ديمقراطيّا و امتلكت القوّة الّتي تبحث عنها و آلت أوضاع البلاد إلى ماهو أسوأ و أفظع ممّا جرى في العشريّة السّوداء بأضعاف مضاعفة..رغم أنّ تدخّل الجنرالات في الجزائر لم يكن بريئا في مجمله بل كان يدفعه أساسا خوف طاغ (لأوّل مرّة) من سحب بساط الحكم من تحت أرجلهم من طرف جبهة الإنقاذ الإسلاميّة..
على عكس الجيش المصري الّذي بدا حذرا و مرنا أكثر و ربّما أكثر حكمة (ظاهريّا على الأقلّ و في نظر الكثيرين أيضا) إزاء تغوّل الإخوان، و لعلّه اختار الانحناء للعاصفة و تركها تمرّ و رأى من الأولى عدم مجاراة التيّار الإخواني الجارف و عدم تكرار تجربة الجيش الجزائري و ترك الأمور تأخذ مجراها الطّبيعي و محاولة التكيّف مع أحداثها و إحاطتها شيئا فشيئا إلى أنّ يتمّ استيعابها ثمّ استفراغ عزمها و تذويب عنفوانها و عنجهيتها حتّى تصبح تحت السّيطرة...قد تكون هذه رؤية الجيش المصري و في هذه الحالة أيضا أطرح نفس السّؤال، هل هي حكمة من الجيش المصري أن لا يتدخّل في هذا الوقت بالذّات سواء أكان ذلك بصفقة مبيّتة أو بضمانات مقدّمة مسبّقا أو بسياسة حياد متّبعة...؟!
قد يقول قائل أيضا أنّ قرار جنرالات الجيش المصري بتأجيل التدخّل و وقف الزّحف الإخواني على الدّولة المصريّة قد يكون قرارا متأخّرا و متلكّئا، و لا محالة ستكون له عواقب و مآلات كارثيّة قد يصعب استيعابها و السّيطرة عليها خاصّة و أنّ الإخوان المسلمون اختطفوا الرّئاسة و مجلس الشّعب و باشروا سياسة الاستحواذ (الأخونة) بإيقاع يسابق سرعة الضّوء..!
يبدو أنّ قرار الجيش الجزائري بُني على فكرة التّعجيل بقطع الطّريق أمام الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ لأنّ بعض جنرالاته أفزعهم احتمال أن تُسرق الخيوط من أيديهم الواحد بعد الآخر..الخيوط و الحبال الّتي ملكوا و احتكروا بوساطتها السّلطة منذ الاستقلال، و البعض الآخر لم يكونوا يستسيغوا نزعة الجبهة الإسلاميّة لفرض فكرها الظّلامي و أجندتها اللاهوتيّة على الشّعب الجزائري... و كانت النّتيجة حرب أهليّة طاحنة لا زال الشّعب يعاني منها و يدفع أثمانها لحدّ السّاعة...!
أمّا الجيش المصري فيبدو أنّ طريقته في التّعامل مع الأوضاع الحاليّة تقوم على فكرة التّأجيل و الهروب إلى الأمام (أي تأجيل التدخّل في المسار السّياسي إلاّ بجرعات محسوبة..!)...يبدو أنّه أخذ تهديدات الإخوان و ظهيره السّلفي خاصّة قبل ظهور نتائج انتخابات الرّئاسة بأنّو البلد حتِوْلع إن لم يفز محمد مرسي..!..يبدو أنّه أي الجيش المصري قد أخذ تلك التّهديدات على محمل الجدّ...؟! لذلك اختار أن يكون صبورا و ليّنا بقدر الإمكان بغرض استيعاب و إرضاء عفريت الإخوان الّذي حرّرته من قمقمه ثورة 25 يناير..؟!، و طريقة التّعامل هذه تبدو ظاهريّا أصوب و أصلح، إذا كانت حسابات العسكريين في مصر تشير إلى عدم قدرة الإخوان المسلمون على الذّهاب بعيدا بسياسة الاستيلاء على الدّولة المصريّة بسبب تنامي ملفت لتيّار قويّ معارض و مناكف يوازي و يضاهي مشروع الأخونة (على عكس الجزائر في التّسعينات) تمثّله طبقة كبيرة و عريضة من السّياسيين و المفكّرين و الإعلاميين و النّخب الاجتماعيّة و حتّى عدد مهمّ من فئات الشّعب المصري المتميّز بحجمه و تنوّعه و بتزايد تذمّره و قلقه من أداء و تخبّط و تهافت الجماعة و من سياستها و توجّهها المريب ...!
لكن تبقى العبرة في النّتائج و فيما يأتي به مستقبل الأيّام، خاصّة و أنّ عفاريت الإخوان المسلمون ماضون بلا هوادة في سياسة غلق باب التّداول على السّلطة و العمل على التّمكين نفسهم و البقاء في الحكم إلى النّهاية..إلاّ إذا ظهر سوبرمان طبعا..!
و هل جزاء تسعون مليونا مصريّا و من قاموا بثورة 25 يناير أن تَختطف بلدهم جماعة أسوأ و أكثر بؤسا من كلّ فراعينها السّابقين بما فيهم الفرعون المخلوع الأخير بطريقة عبثيّة و خياليّة لم تكن لتخطر ببالهم و لا ببال أحد من العالمين......؟
الأخطر أنّ الجماعة باشرت على الفور و منذ اختطافها للحكم تنفيذ خطّة الأخونة..و هي خطّة جهنّمية متسارعة و متسرّعة بشكل فجّ و مستفزّ على مستوى كلّ مفاصل و أطراف الدّولة و المجتمع على حدّ سواء..بطريقة لا تترك أيّ شكّ في أنّ الجماعة عاقدة العزم و النيّة على أنّهم حيقعدوا في حكم مصر للأبد..! واضح أنّ الجماعة تصمّ آذانها و تُغلق عيونها عن كلّ صخب الاحتجاجات من أجل تحقيق هدف الاستحواذ و التّمكين و وراثة السّلطة و البقاء فيها إلى الأبد ...؟
إنّها انتكاسة و أيّ انتكاسة...و كما يقول المثل الشّعبي عندنا في الجزائر "صام و صام ثمّ أفطرعلى بصلة"..؟!
أبعد كلّ الاستبداد و التّفرعين الذي عاشه المصريون على مدى عقود..أهذه نهاية النّفق المظلم..؟!
يقولون مهما طال اللّيل يأتي الصّباح..و يقولون عادة يظهر النّور في آخر النّفق المظلم..؟
في اللّحظة الّتي تلقّفت فيها الجماعة مقاليد السّلطة لم يكن أمام الكثير من المنصفين و الطيّبين و الّذين اعتادوا إحسان الظنّ بالجماعة بغضّ النّظر عمّا يُحسب لها أو عليها في لعبة السّياسة منذ تأسيسها..أعتقدوا لسذاجتهم أّو ربّما لطيبتهم أنّ تجارب الجماعة و خبراتها و كذلك إقدامها على عدّة مراجعات و تحديثات updating طوعا أو كرها لأفكارها بغرض التكيّف و مواكبة التطوّرات و التغيّرات، بالإضافة إلى نجاح الجماعة في التمدّد إقليميّا و عالميّا..اعتقدوا لكلّ هذه الأسباب أنّ الجماعة ربّما بلغت مستوى من النّضج قدّ يُمكّنها من أداء مقبول و توافقي في ممارسة الحكم في دولة في حجم مصر..على الأقلّ يا أخي تُترك لهم الفرصة ليجرّبوا هم أيضا الحكم و بعد ذلك نحكم لهم أو عليهم، خاصّة و أنّ باب التّوريث أُغلق للأبد، و باب التداول على السّلطة فُتح بفضل ثورة 25 يناير..
لكن ما أن طار غراب الجماعة بالسّلطة حتّى رأي المنصفون و الطيّبون رأي العين أنّهم كانوا إمّا سُذّجا أو مبالغين في طيبتهم أو ربّما حتّى حمقى..و عرفوا جميعا أنّ عمل الجماعة و هي في السّلطة يدلّ على أنّها باقية في الحكم و وارثة له إلى أبد الآبدين..؟!
ثورة 25 يناير كانت من أجل الحرّية و الدّيمقراطيّة و كانت من أجل نهضة تنمويّة في كلّ المجالات..كانت من أجل دولة عصريّة لا من أجل دولة إخوانيّة يُعاد بعثها على شكل و مضمون العهود الغابرة...الشّعب المصري يستحقّ بثورته أكثر من ذلك بكثير..شروط نهضة مصر تتخطّى بكثير حدود و إمكانيات الجماعة فكريّا و زمانيّا بمئات السّنين...!!
أمّا الأقباط فلا زال أغلبيّتهم يتعمّدون إخفاء قلقهم إزاء ما يحصل، و مع ذلك فإنّ بعضهم بدأوا يتجرّأون و يجاهرون بقلقهم و هواجسهم..و بصفتي مسلما و أعرف جيدا الأسس و المنطلقات التي يرتكز عليها دين الإسلام في نظرته للآخر المسيحي أو اليهودي و البوذي و أي عقيدة أو ديانة أو إيديولوجية أخرى، فإنّي أراهم اليوم أي الأقباط أكثر عرضة لمخاطر كثيرة قد تتراكم إرهاصاتها و آثارها إلى الحدّ الّذي يصبح فيه بقاء الطائفة في أرض مصر مهدّدا من أساسه...!
دعونا نطرح سؤالا جريئا لكنّه موضوعي..؟
كيف نشأت تلك النّظرة الدّونيّة و الاستعلائيّة الّتي يعجز حتّى أكثر المسلمين وسطيّة و اعتدالا عن إخفاءها تجاه الآخر(الّذي هو على دين غير دين الإسلام) مهما برعوا أي المسلمين في الكذب و النّفاق و في استخدام عقيدة التُّقية...!
ماهو مرجع و منطلق تلك النّظرة..؟!
مرجع و منطلق تلك النّظرة قرار سماوي بحت..!، فالله الإسلامي بلور موقفا من الآخر (غير المسلمين) بوضوح لا لبس و لا مواربة فيه..هذا الآخر الّذي يعني المسيحي و اليهودي و الكافر و البوذي و الملحد...إلخ..
و هذا الموقف واضح وضوح الشّمس في قبّة السّماء لا يُنكره إلاّ جاحد أو جاهل و هو موقف موثّق في القرآن و السنّة و ميراث العلماء..لذلك فهو موقف غير معيب و لا تشوبه أي شائبة، بل على العكس تماما متجانس و عادل في نظر المسلم الأصولي الّذي لا يرى فيه إلاّ الحقّ و الطّريق المستقيم..
هذا الموقف غير خافي و غير سرّي و غير محتكر من أحد، هذا الموقف يعرفه من أراد أن يعرف و يعلمه من أراد أن يعلم..هذا الموقف رسّخه دين الإسلام منذ مئات السّنين من خلال كلياته و جزئياته المعروفة عبر تراث تراكمي ضخم متاح و متوفّر في الكتب و في الأنترنت لكلّ من أراد أن يقرأ و يكسر عادة المشافهة و السّماع بعادة القراءة ، في هذه المقالة نكتفي بإيجاز هذا الموقف أولا: على سبيل التّذكير و ثانيا: لنعرف من أين اكتسب الإخوان و السّلفيون و غيرهم من أطياف الإسلام السّياسي تلك النّظرة تجاه الآخر، و الحقيقة أنّ الخلاف بين كلّ أطياف الإسلام السّياسي شكلي أكثر منه جوهري أي أنّه خلاف يطرأ على الوسائل و المناهج لكنّه لا يمسّ الغايات و الأهداف...فلا فرق بين من يُعلي راية الجهاد و بين من دخل لعبة الدّيمقراطيّة، سواء هؤلاء أو أولئك جميعهم يطلبون غاية واحدة و هي التّمكين و تطبيق الشّريعة في دولة الخلافة المأمولة...
الموقف نشأ أساسا من فكرة تقسيم الله الإسلامي عالم البشر إلى دارين، دار الإسلام و تضمّ كلّ من دخل و انضوى تحت راية الإسلام طواعية أو كراهية، و دار الكفر و تضمّ باقي البشر الذين يعتقدون بمعتقدات مخالفة أو يدينون بديانات أخرى غير الإسلام..!
و سبحان من لا ينسى (الله الإسلامي)، فقد ضبط العلاقة بين أهل دار الكفر و أهل دار الإسلام بعقيدة الولاء و البراء و بقرآن يُتلى إلى يوم القيامة و سيرة نبويّة و صحابيّة متواترة بطريقة واضحة و صريحة مثل الشّمس في سماء بلا غيوم، أي غلق كلّ باب للتّأويل و العويل و جعلها مبنيّة منذ البداية على التّنافر و التّنابذ بدل التّكامل و التّسامح..و لم ينسى الإسلام أوّلا: أن يُفصّل في نتائج و مآلات هذا التّقسيم الّذي لا يقتصر على الدّنيا فحسب، و إنّما يمتدّ إلى الآخرة أي إلى ما بعد الموت، ثانيا: لم يفته أي الإسلام أن يحدّد طبيعة العلاقة بين سكّان دار الإسلام و دار الكفر بضوابط و قوانين سماويّة أبديّة محرّم مراجعتها أو تعديلها ميّزت أهل دار الإسلام عن أهل دار الكفر بالأفضليّة و الرّفعة و السموّ..
و الأقباط في مصر هم أيضا يمثّلون الآخر في وعي و فكر الإخوان و السلفيون، و بحكم أنّهم يدينون بدين غير الإسلام فهم ينتمون إلى أهل دار الكفر و هذا يؤدّي لزوما (حسب نظريّة التّقسيم الإسلاميّة) إلى تبعات دنيويّة و أخرويّة ، بالنّسبة للآخرة فهم كافرون ضالّون مشركون مغضوب عليهم و مخلّدون في النّار لأنّهم يوالون الشّيطان و لا يوالون الله و رسوله، و بالنّسبة للدّنيا فهؤلاء الأقباط هم أمام ثلاث خيارات (في الحكم الإسلامي الصّحيح) إمّا القتال أو دفع الجزية أو النّزوح عن دار الإسلام (مصر)...؟
و مع ذلك فلن يستطيع لا الإخوان و لا حتّى السلفيّون أو حتّى الجهاديّون و أتباع القاعدة و غيرهم..لن يستطيعوا حتّى و لو و اجتمعوا و وصلوا للسّلطة كما يحصل هذه الأيام مع جماعة الإخوان في مصر...لن يستطيعوا و لن يجرءوا على تطبيق شرع الله في الأقباط لأنّ العالم لن يسمح لهم بذلك و لأنّهم ببساطة على بعد مئات السّنين من ممالك الشّريعة..!
و لولا أنّ جماعة الإخوان تعلم علم اليقين أنّ تطبيق شرع الله على الأقباط في حكم المستحيل و لا يمكن تحقيقه في عصرنا الحالي حتّى بعد التّمكين و إقامة الخلافة الإسلاميّة المأمولة لما تردّدت في فرضه و تحويله إلى واقع في حياة الشّعب المصري بمسيحييه و بمسلميه...!
و لكن و رغم استحالة تطبيق حكم الشّرع حرفيّا على الأقباط في عصرنا الحالي، هل سيأمن و هل سيطمئن الأقباط على أنفسهم بعد استقواء و تمدّد المدّ الأصولي و السّلفي في أوصال المجتمع المصري و إلى داخل دواليب الحكم نفسه بعد تحقيق هدف التّمكين و الأخونة في حالة ما إذا صمدت الجماعة و استمرّت في الحكم و لم يظهر سوبرمان أو يحدث حدث قاهر أو تندلع ثورة أخرى تخلعها و تزيحها من الحكم كما فعلت ثورة 25 يناير مع المخلوع حسني مبارك..؟!
الإجابة تكون كالتّالي: مع استحالة و تعذّر تطبيق حكم أهلّ الذمّة في الأقباط، سيحصد الأقباط أشواك و بوائق هذا التّقسيم الدّيني الّذي أرساه و كرّسه الإسلام بفكرة دار الكفر و دار الإسلام و بعقيدة الولاء و البراء الّتي زرعها و برمج عليها أتباعه منذ أن بعث الله رسوله خاتما للأنبياء و الرّسل..سيعيشون أي الأقباط الباقيات الفاسدات من آثار التّقسيم و مرتجعاته...سيعيشونه يوما بيوم و سيلمسونه بحواسهم الحسّية و الرّوحيّة و سيتعثّرون في العقبات و الحواجز النّفسيّة المفتعلة بينهم و بين المسلمين، رغم أنّ الشّعب كلّه بمسيحييه و مسلميه و ملحديه مواطنون مصريّون تضمن لهم المواطنة المساواة في الحقوق و الواجبات...!
الخوف كلّ الخوف من أن يتصاعد الاضطهاد و التّمييز و التحرّش في الدّولة الإخوانيّة المقبلة و هي بيئة ملائمة لتنامي المدّ الأصولي السّلفي كما قلنا إلى درجة قد تؤدّي إلى تهديد شروط التّعايش السّلمي بين فئات المجتمع المختلفة خاصّة بين الأقباط و المسلمين، و ربّما انتهاك حقوق البقاء و المواطنة الأساسيّة للمسيحيين و العلمانيين و باقي الإيديولوجيات ممّا قد يؤدّي إلى وضع يُفتقد فيه الأمن و الأمان و يضيع فيه الأمل و يسود بدله اليأس و ينخرط الشّعب كلّه في حرب أهليّة طاحنة مثلما حدث في الجزائر و يحدث الآن في سوريا...!



#باهي_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين حال مصر..؟
- ثورة في عَرَبْدَقْ...!
- قلتِ لا أحبّهُ..
- المشكل ثقافي بالأساس...؟!
- ليبيا في مهبّ الرّيح...!
- لأنّي أحببتك...
- المال وفير و لكن أين الإرادة السّياسيّة....؟!
- سبحان اللّه، إنّها نفس المظاهر و نفس العلامات...فحذار يا تون ...
- الثّورة طريق خطيرة فيها مزالق كثيرة فحذار يا شعب ليبيا....؟!
- ماذا بعد ثورة 25 يناير...؟!
- أمّا الآن فأقول أسفي عليك يا تونس الخضراءُ...!
- بعد الزّين إقرأ على تونس السلام...!
- ثمرة الحبّ....!
- طرح مفكّر إسلامي يدفع على التقيّؤ...؟!
- كلمة أفاضتها انتخابات مصر البرلمانيّة...!
- لماذا يخاف المسلمون من حملات التّنصير...؟!
- تفنى الأجيال و لكن بعض الأديان تبقى في مواكبة الأزمان...!
- هل الإسلام دين عنف أم سلام...؟!
- صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!
- عرس على نهج النبيّ والصّحابة...؟!


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باهي صالح - مصر..عايزة سوبرمان في زمن الإخوان..!