أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد العليمى - الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلارك - مراجعة ابراهيم فتحى - الفصل الثامن















المزيد.....



الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلارك - مراجعة ابراهيم فتحى - الفصل الثامن


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 22:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترجمة سعيد العليمى
الفصـل الثامـن
التحليـل البنيـوي للأسطـورة
تعلم ليفي شتراوس من اللسانيات درسين . أولاً ، أن منهج التحليل البنيوي الذي طوره في دراسته لأنظمة القرابة يمكن مد نطاقه لدراسة كل الظواهر الثقافية بإعتباره المنهج الأمثل في الدراسة الموضوعية للمعنى . ثانياً ، أنه تكمن خلف المعنى والثقافة قدرة اللاوعي الإنساني على تشكيل البنى . لقد تناولت صلاحية هذين الدرسين ببعض الإستطراد في الفصل السابق . وقد قاده الدرس الأول ليفي شتراوس لأن يطور تحليله البنيوي للأسطورة . وقاده الثاني لتطوير فلسفته الإنسانية المميزة . ومن ثم أعالج الأول في هذا الفصل ، والثانى في الفصل التالي .
إن تحول ليفي شتراوس الى دراسة الأسطورة أعقب اكتشافه للسانيات وترافق مع تعيينه في المدرسة العملية . لقد أملى ذلك جزئيا رغبته في تطبيق المنهج الجديد على الظواهر الثقافية غير اللسانية ، ولكن بشكل أكثر جوهرية بسبب اعتقاد ليفي شتراوس بأنه من خلال دراساته الأنظمة الرمزية سيكون قادرا على النفاذ الى العقل الانساني .
ورغم أن ليفي شتراوس يستفيد من كثير من المصطلحات المستعارة من اللسانيات ويشير مرارا الى اللسانيات ، إلا أن الاستعارات النوعية نادرة . وهكذا فقد لا حظ كثير من المعلقين أن إشارات ليفي شتراوس الى اللسانيات ذات طابع استعارى الى حد كبير . ومن ثم فإن علينا ان نُقوم دراساته وفق مصطلحاتها الخاصة . وهكذا فإنني سأبرهن في هذا الفصل على أن مقاربة ليفي شتراوس للتحليل الموضوعي للمعنى الأسطورى تصطدم بذات المشاكل التي أوجزتها في القسم الأخير من الفصل السابق .
لا شك أن ليفي شتراوس يمكن أن يستحضر المعاني من المادة . على أي حال فإن هذه المعاني من وجهة نظر تحليلية هي محض اعتباطية . وهكذا فإن النتيجة التي سوف أنتهى اليها هي أن المعاني التي يستخلصها ليفي شتراوس من أنظمة الأسطورة موضع البحث ليست أكثر من صياغة شكلية لخصوصية المعاني التي كشفتها المادة لليفي شتراوس .
1 – مقاربات مبكرة للأسطورة :
بالرغم من أن ليفي شتراوس قد إنتهى على ضوء مواجهته مع اللسانيات الى تفسير البنى الأولية كعمل بحث عن علامة اللاوعي في البنى الإجتماعية التي ولدها ، إلا أنه لم يكن واثقا تماما أن هذه البنى كانت نتاجا للعقل فقط . حيث أن التقييدات موضع البحث يمكن أن تكون " مجرد إنعكاس في ذهن البشر لبعض المطالب الاجتماعية التي تموضعت في مؤسسات " ولذلك فقد حول ليفي شتراوس انتباهه لدراسة الفكر الرمزى من أجل ان يكتشف تقييدات اللاوعي التي ولدت أنظمة دون أي " وظيفة عملية " ( 1 ) ظاهرة .
يستهدف ليفي شتراوس في دراسته للفكر الرمزى تعرية اللاوعي من خلال تحليل البني البادية في هذا الفكر . والفكر الرمزى يقدم ما بعد لغة ليس لعناصرها معنى محدد فى حد ذاتها ، ومعناها يشتق تحديدا من العلاقات بين هذه العناصر .
يرتب الفكر الرمزى ببساطة ويعيد ترتيب مجموعة ثابته من العناصر . إنه فكر ترابط يستجيب " لمطلب للنظام " غير واع . وحيث أن معنى الفكر الرمزى مستنفذ ببنيته المحايثة فإنه قابل لتحليل محايث يقصر ذاته على العلاقات البنيوية بين أجزائه .
ولا يشتق المعنى النهائي للفكر الرمزى من خلال أي إحالة وراء ذاته ، إنما من خلال العلاقة المتناظرة التي يحملها للعقل الإنساني الذي ينتجها :
" تستهدف البنيوية الحقيقية ... قبل كل شئ إدراك الخصائص الجوهرية لأنواع محددة من الأنظمة . وهذه الخصائص لا يمكن أن تعبر عن شئ يمكن أن يكون خارجا عنها . فإذا ما صمم أحد أنها ينبغى أن تحيل الى شئ خارجي ، فإنه ينبغى الإتجاه الى التنظيم العقلى الذي يتصور كشبكة تترجم من خلالها هذه أو تلك من الخصائص عبر أكثر الأنظمة الأيديولوجية تنوعا ، الى مصطلحات بنية معينة ، وحيث يكشف كل نظام منها على طريقته الخاصة أنماط الترابط الداخلي في هذه الشبكة .
… وهكذا يمكن للمرء أن يرى كيف أن إمحاء الذات يمثل ضرورة ، إذا جاز القول ، لنظام منهجي : إنه يتجنب بحزم توضيح أي شئ يتعلق بالأسطورة بغير مصطلحات الأسطورة ، ومن ثم فهو يستبعد وجهة نظر القاضي الذي يفحص الأسطورة من خارجها ، ويميل لهذا السبب لأن يبحث عن الأسباب الجوهرية لها . وعلى النقيض من ذلك فإنه من الضرورى أن ينفذ اليها باقتناع أنه خلف كل نظام أسطورى هناك أنظمة أسطورية أخرى ، بإعتبارها عوامل محددة ومهيمنة تبدى جوانبها : إنها هي التي تتكلم من خلالها ويردد كل منها صدى الأخرى . " ( 2 )
إن هذا المقتطف يُظهر بوضوح بالغ ، العلاقة الوثيقة بين الأطروحات السائدة في بنيوية ليفي شتراوس : أي محاولة إكتشاف معنى موضوعي محايث في الموضع المحدد دون إحالة الى شئ خارج الموضوع ، الاختزال البنيوي لذلك المعنى الى العلاقات الشكلية بين أجزاء الموضوع ومن ثم إختزال المضمون الى الشكل ونظرية اللاوعي . إن محور هذه الأطروحات هو محاولة عزل معنى نظام الفكر الأسطورى في حدود عملية .
وبإستبعاد ليفي شتراوس لأى تفسير ذاتي من نظام الفكر الأسطورى فإنه يعامل هذا النظام بإعتباره موضوعا خامدا وكموضوع خارجي . وهدفه أن يظهر أن معنى هذا الموضوع محدد ببنيته . ولإنجاز ذلك كان عليه أن يعزل عناصر هذا الموضوع من ناحيه ، ومن ناحية اخرى العلاقات بينهما . وفي الواقع لا يمكن عزل المهمتين عن بعضهما ما دامت عناصر الأسطورة تظهر فقط ضمن البنية التي تعطيها معناها الأسطورى ، تماما مثلما توجد السمات المميزة في الفونولوجيا ( علم الأصوات الكلامية ) فقط في معارضتها لسمات أخرى .
وهناك طبعات مختلفة من نظرية الأسطورة تقوم على تفسيرات متباينة للعناصر المكونة للبنية . وفي الصياغات الأولى للنظرية تم تحديد العنصر المكون بإعتباره ميثيم MYTHEME الأسطورة وهو جزء من نصها . وكان يطلق عليه فى عام 1953 الفكرة الرئيسية أو تسلسلها الذى لا معنى له في حد ذاته ، ولكن الذى يشتق معناه فقط من خلال إشتراكه في نظام . وكان ينبغي إكتشاف هذه الفكرة بتطبيق المعايير الموضوعية ، وبالأحرى الإستبدال . وتم تحديد العنصر فيما بعد بإعتباره "وحدة الاسطورة" (الميثيم) وهو جزء من نص في شكل موضوع ومحمول وهو" يظهر أن وظيفة معينة ترتبط في وقت معين بفاعل محدد( 3 ) . ان فكرة الأسطورة يجرى تحديدها هنا من خلال العلاقة بين الفاعل والوظيفة .
لقد قيل لنا في الواقع أن"وحدة الاسطورة" ذاتها تتردد عبر الأسطورة ، وعلى ذلك فإن كشف اطواء الأسطورة لا يتصور ككشف لأطواء سرد حكائى ، وإنما كتكرار . ان وحدات الأسطورة الحقيقية ليست ، نتيجة لذلك " علاقات معزولة " بل حزما من هذه العلاقات (4) .
ونجد في التحليلات التالية للفكر الأسطورى أن العنصر يتغير مع ذلك ثانية حيث يجرى إختزالة من قضية الى علامة مفردة كما سنرى ذلك حين نُقَّوم ميثولوجيات . ويناظر هذا التغير تغيرا في فهم بنية الأسطورة . ففي التحليلات الأولية للأسطورة فإن بنية الأسطورة يجرى توضيحها بالإحالة الى وظيفة الأسطورة وهى تطوير حجة منطقية كانت ترتدي شكل قضية .تحل الأسطورة التناقض بين عقائد أيديولوجية متصارعة :
" إن هدف الأسطورة هو أن تقدم نموذجاً منطقياً قادراً على تجاوز تناقض ( إنجاز مستحيل إذا جاز القول بأن التناقض واقعي )" ( 5 ) :
يخفى التناقض عند ليفي شتراوس بواسطة تدليل التماثل. والتناقض الأولي سوف يتحول الى آخر ، ويمكن له هو نفسه أن يكون متوسطا . إن توسط تناقض مناظر كهذا " يحل " التناقض الأول . والعلاقة بين الإثنين أو أكثر من التناقضات المتتالية هي علاقة رمزية يمكن أن تكون استعارية أو كنائية . ولأن التناقض الأولي لم يحل أبدا " بالفعل " وسوف يتم توسطة مرة وأخرى في محاولة متواصلة لحله من خلال تبديدة . يؤسس التناقض الأولي من ثم سلسلة لا متناهية من الأساطير في مواجهة مشكلة أيديولوجية واحدة .
يقع التناقض التأسيسى في أسطورة أوديب خارج الأسطورة ويشتق من تعايش عقيدة كونية في الأصل الذاتى للإنسان مع الملاحظة التجريبية حول أن الانسان يولد من إتحاد رجل وإمرأة . يأخذ تحليل (6 ) أسيديوال ايضا مشكلة أيديولوجية كمنطلق بدايته . وتتعلق في الحالة الأخيرة بإضفاء الشرعية على النظام الاجتماعي ، الشرعية التي تم تحقيقها بواسطة أداتين . أولاً يرتبط النظام القائم بنظام إفتراضي سابق ، وهو بمعنى من المعاني عكسه ، ثانياً ، يظهر النظام البديل وكأنه لا يطاق من خلال الرد إلى المحالreductio ad absurdum
تفتح هذه التحليلات المبكرة عديدا من خطوط البحث المثيرة ، لكنها لا تؤسس تحليلا محايثا تماما يجد معنى الأسطورة في بنيتها . إن خصائص الأسطورة في هذه الحالات تعبر عن شئ خارجي ، لأن المشاكل التي تتناولها هي مشاكل أملتها حاجة ثقافية لحل التناقض بين المعتقدات ، أو لجعل النظام القائم شرعياً .وتتطور بنية الأسطورة إستجابة لهذه المشكلة الثقافية ، وعلى ذلك فإن البنية في المحل الأول لا تعبر عن قوانين العقل بل بالأحرى عن وظيفة الأسطورة . ان معنى الأسطورة لا يشتق على وجه الحصر من بنيتها بل يشتق من محتواها الخاص ، من التناقض الذي أستدعيت لحله .
ان إستقلال التناقض هذا هو ما يجعل التحليل في المبدأ قابلا للضبط التجريبى، حيث أننا نستطيع أن نتجه إلى كوسمولوجيا المجتمع ونرى ما إذا كانت العقائد المنسوبة اليه توجد وتؤدى الى تناقض . ويمكننا عندئذ أن نرجع الى الاسطورة ونرى إن كانت وحدات الأسطورة لها المعنى الثقافي الذي ينسب اليها من قبل المحلل . وأخيرا أن نحكم عما إذا كانت الأسطورة تعبر حقا ، وتحول ، وتتوسط التناقضات موضع البحث .
إن التحليل ليس مباشرا ، خاصة إذا كنا نتعامل مع ثقافة بعيدة ونفتقر للمعلومات الإثنوجرافية . ولن يكون تحليلا محددا أبدا مادام مكونة التفسيرى واسعاً . على أى حال فإنه ليس إعتباطيا لأن لدينا الوسائل التي يمكن بواسطتها إختبار الوجود الموضوعي للعلاقات التي وضعها المحلل .
ويبدو أن ليفي شتراوس يحقق هذه النتيجة لا بسبب بل بالأحرى برغم مقاربته للأسطورة . ما يحدث هو ان الحاجة لتحقيق مدخل للأسطورة بإعتبارها نتاجا ثقافيا مُتعقلا يقوده على نحو عفوى تماما لفحص الأسطورة في علاقتها بالثقافة التي وجدت فيها ، ومن ثم النظر الى الأسطورة بالأحرى كأداة للثقافة أكثر منها كإسقاط لقوانين اللاوعي . وبالرغم من أنه ينبغي الترحيب بمثل هذا التطور بإعتباره إنفصالا عن المفهوم الذهنى للظواهر الثقافية وبقدر ما يتعلق الأمر بليفي شتراوس فهو بالضرورة يمثل ضعفا ، لأنه يسعى بالتحديد الى تطوير المفهوم الأخير .
وإذا أخضعت الأساطير لتحليل محايث ، وجرى تحديد معنى عناصر الأسطورة دون الإحالة الى المعتقدات الثقافية أو النوايا الذاتية ، فإن من الضرورى إكتشاف طريقة ما لكشف معنى العناصر دون الذهاب الى ما وراء العالم الأسطورى . إنه من الضرورى إكتشاف القواعد ما بعد اللغوية للأسطورة التي تحدد المعنى الأسطورى للعناصر على نحو صرف في علاقتها الواحدة بالأخرى ". وذلك من خلال وضع الحد في كل سياقاته الممكنة … يمكن لنا تدريجيا تحديد " عالم الحكاية " القابل للتحليل الى زوج من التعارضات التي تتركب ضمن كل شخصية على نحو مغاير ، وهي إن كانت بعيدة عن أن تشكل كلية شاملة فهي ، وفقاً لأسلوب الفونيم ، ( الوحدة الصوتية ) كما يرى رومان ياكوبسون ، " شبكة من العناصر المتغايرة " ( 7 ) . أن هذا البحث عن القوانين ما بعد اللغوية للفكر الأسطورى توجد في الطوطمية والفكر الوحشى وهي الأعمال التي مثلت قطيعة ليس فقط مع نظريات القرابة والأسطورة ، بل قطيعة ايضا في نطاق دراسة الأسطورة نفسها .
2 – منطق الفكر غير المروض :
تحل في الطوطمية والفكر الوحشى البنيوية العقلية تحديدا محل الوظيفية السوسيولوجية في تحليل التمثيلات الجماعية . هنا يجرى تحليل هذه الأخيرة كبنى تستجيب إلى " مطلب للنظام " لاواع . إن المشاكل التي تهيمن على الفكر الأسطورى لم تعد بعد مشاكل أيديولوجية عقلية طرحها اللاوعي ، أو الأسطورة ، على نفسيهما .
تسعى الطوطمية لإثبات أن الفكر " البدائى " له قوانينه الخاصة وأنه عقلي مثله مثل الفكر العلمي الذي نقدره عاليا . وهذا أمر هام لأن الطوطمية قد تم تفسيرها غالبا بطرق لا عقلية ، إن تبنى عشيرة لطوطم ما قد تم تفسيره ببعض مفاهيم العلاقة العاطفية أو النفعية بين العشيرة والطوطم . ويريد ليفي شتراوس تقديم تفسير عقلي لمؤسسة الطوطمية ليس فقط من أجل أن يكتشف قوانين الفكر " البدائى " بل ايضا حتى يظهر أن هذه القوانين هي نتاج لعقل قادر على التفكير تحليليا .
يجادل ليفي شتراوس بأن التصنيفات الطوطمية تشتغل من خلال استخدام تسلسلات طبيعية لتدل على سلسلة اجتماعية ، مستخدمة نموذجاً طبيعيا للتنوع لتأسيس مفهوم عن تنوع الجماعات الانسانية . ان الطواطم لا يجرى تبنيها فرديا من جانب كل عشيرة ، وانما يجرى تبنيها على أساس التقدير العقلي للتماثل بين سلسلتين ، النظام الطبيعي للطوطميات ، والنظام الاجتماعي للمجموعات الاجتماعية . أن أهمية الطوطم تكمن في قدرته على الدلالة على أن العشيرة هي جزء من كل ، والبعد العاطفي للطوطم ، وهو أمر بعيد عن أن يكون في أصل الطوطمية ، هو إستجابة لذلك ( 8 ) .
فالتنظيم الاجتماعي والنظام الطوطمي هما بناء على ذلك نتاجان مستقلان للعقل وهما يرتبطان أحدهما بالآخر بإعتبارهما تحولات . وعلى ذلك فإن الطوطمية هي بصفة أساسية وسيلة لتأسيس مفهوم العلاقة بين المجموعات الاجتماعية . وهذا يعنى أن الطوطم دال فقط باعتباره جزء من النظام ، وأن خصائصة الإيجابية لا علاقة لها بالموضوع ، ما دام أنه دال فقط بقدر ما هو متميز : ان الطوطم يماثل الفونيم . وهكذا يوفق بين المحتوى والشكل ويفتح الطريق " لتحليل بنيوي حقيقي " . ( 9 )
ان النقد الذي يمكن أن يوجه الى تحليل الطوطمية هذا هــو نقد مزدوج . في المحل الأول ، يُنتقد ليفي شتراوس لإختزاليته ، ولإستبعاده كل مضمون المؤسسة من أجل أن يركز فحسب على تميز الطوطم وهكذا يبرر تحليلا بنيويا . وفي هذا المنزع يجادل ليش بأن ليفي شتراوس ، وهو يركز فقط على العلاقة التحليلية للتميز فإنه يستبعد أي إمكانية لتوضيح البعد الدينى للطموطمية . ويجادل كل من آر . و . إل . مكاريوس بأن هذه النزعة الإختزالية " تجرد الإثنولوجيا من مضمونها الواقعي " . وذلك بإختزال كل شئ الى مجرد كونه اختلافا ، مما يستبعد إمكانية فهم سوسيولوجي . ( 10 )
ويشك النقد الثاني في الأساس العقلي للتصنيف الطموطمي . والنقد الأكثر إقناعاً هو نقد ورسلي . ان موضع البحث هو عما إذا كانت السلسلة الطوطمية متضمنة في العقل بإستقلال عن السلسلة الاجتماعية . ويبرهن ورسلي تأسيسا على عمله الميداني أن السلسلة الطموطمية لم يتم إنشاءها بإستقلال ، بل إن الطواطم معزوة الى مجموعات على نحو ذرى بالأحرى ومن ثم فإن التنظيم الإجتماعي هو الذي يقدم النموذج لنظام طوطمي مشتق .
ويدرك ليفي شتراوس بوضوح أن الطابع النسقي للنظام الطموطمي ليس جليا على الإطلاق. يجادل ليفي شتراوس بأن الأنظمة لا تظهر بإعتبارها نسقية لأنها تميل الى أن تتعدل عبر الزمن ، خاصة في مواجهة التغيرات السكانية . وهو يقدم من ثم ما يسميـه " بالموقف النظرى " الذي يعيد فرض نظام فى أعقاب فوضى ( 11 ) . إن مشكلة الطابع النسقي حادة على وجه الخصوص ، بسبب مرونة منطق التصنيف البدائي الى حد كبير كما سوف نرى ، لدرجة أنه من الصعب أن نعد مجموعة بإعتبارها غير نسقية وفق مصطلحات ليفي شتراوس . لقد جادل ليفي شتراوس بقوة حقا ضد نسبة أي دلالة نسقية للطوطمية تأسيسا على عمله الميداني . ( 12 )
يوسع ليفي شتراوس في الفكر الوحشى منظوره من ذلك المرتبط بالتصنيف الطوطمي الى ما يتعلق بالفكر " البدائى " بصفة عامة ، ويركز على الأخص على تطابق " منطق " التصنيفات " البدائية " حتى يؤسس أوراق اعتماده الفكرية .
يستخدم الفكر " البدائى " وفقا لليفي شتراوس كل مصادر الرمزية بينما يدير الفكر العلمى ظهره للرمزى. يستخدم الفكر البدائى من ثم بشكل مكثف العلاقات الاستعارية والكنائيه التي سوف تكون مستبعدة من قبل العلم . ترد الموضوعات الى تصنيفات ليس فقط على أساس إمتلاكها الخاصية المحددة لفئة ما ، كما هو الحال بالنسبة للتصنيف العلمي ، بل ايضا على أساس الارتباطات الرمزية مع الأعضاء الموجودة فعلا للفئة . إن الفئات هي اذن ببساطة " أكوام " من الموضوعات غير المؤسسة على تجريد خاصية واحدة عامة بالنسبة لكل عضو في هذه الفئة . وهكذا يمكن للتصنيف أن يكون دائما شاملا بالرغم من أن الفئات لن تستبعد بأى حال كل منها الأخرى تبادليا . وليس للتصنيف منطق كلي ، بل سلسلة من " المناطق الموضوعية " ما دام من الممكن ربط الموضوعات الواحدة مع الأخرى طبقا لمعايير شديدة الاختلاف . فالقواعد موضع البحث عديدة ومتباينة ويمكن أن تختلف من مجتمع الى آخر .
ان قواعد " الفكر البدائى " عقلية ، وفي هذا الصدد فهي مؤسسة على القدرة على " معارضة الحدود " وأحدهما بالآخر وهي تطور علم تصنيفات مؤسس على التفرع الثنائي المتتالي الذي يتضمن " تعارضات ثنائية " ويبدو أن تلك الخاصية التعارضية لهذه العلاقات أكثر منها طابعها الثنائي هي التي تعني أكثر ليفي شتراوس .
بالرغم من حقيقة أن التنويعات الضخمة للقواعد ، تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل ، تمييز الفكر الذي يمكن أن يكسر القواعد عن ذلك الفكر الذي لا يكسرها ، يبين ليفي شتراوس أن الفكر " البدائى " يمكن أن ينظر إليه بإعتبارها فكراً عقلياً الى حد بعيد . إن هذا لا يعنى ، على أي حال ، أنه بالفعل عقلي . فمن جانب ، فإن عدم تحدد القواعد يجعل الزعم غير قابل للاختبار . ومن جانب آخر فإن الإستبعاد الأولى للمؤثر يجعل النتيجة بمثابة تكرار .
ليس من الواضح عما إذا كان ليفي شتراوس يستهدف إثبات أن القواعد المؤسسة لهذه التصنيفات هي نفسها تلك التي تشكل أساس التصنيف العلمي ، أو ما إذا كان يريد أن يبرهن على أنها مختلفة ، بدون أن ينطوى ذلك على أي قدرة عقلية أضعف لدى " البدائي " ( 13 ) . ومن المحتمل أن ليفي شتراوس يتردد بسبب مطابقته لقوانين الفكر مع قوانين العقل . إن هذه المطابقة تؤدى بسهولة الى النتيجة التي مفادها أنه خلال التعامل مع نظامين مختلفين للفكر فإننا نتعامل مع عقليتين مختلفتين ، عقلية " بدائية " حيث يفكر العقل بعفوية ، وعقلية " متحضرة " حيث يتسم العقل ببعض التدرب .
وتنشأ المشكلة بسبب وجهة نظر ليفي شتراوس حول التصنيف بإعتبارها نتاجا للعقل . وبدلا من معارضة الفكر الرمزى بالفكر العلمي بإعتبارهما تنويعين مختلفين من الفكر " المروض " ينظر ليفي شتراوس الى الأول بإعتباره نتاجا عفويا للعقل ( 14 ) . عند تحليل " مناطق " مختلفة ، على أي حال ، فإننا لا نحلل عقليات مختلفة ، بل مواضعات معقدة اجتماعيا ومصادق عليها اجتماعيا حيث جرى تنظيم مختلف أنواع الأفكار . إن الاختلافات الحادة بين أنظمة مختلفة للتفكير يجب أن تحذرنا من أن نتبنى مقاربة ذهنية المنزع ويجب أن تقترح نظرة من التمثيلات الجماعية كمنتجات ثقافية .
لهذا السبب فإن " قوانين " أي نوع خاص من الفكر يجب أن تكون مرتبطة بالغاية التي صمم هذا الفكر لتحقيقها ، وانه فقط بالارتباط بهذه الغايات يمكن تقييم مختلف انواع الفكر . يجد ليفي شتراوس نفسه وقد وقع بين شقى الرحى ، لأنه فى بحثه عن الأسس العقلية لا الإجتماعية لقوانين الفكر فإن ذلك يقوده مباشرة الى النتيجة التي يسعى إلى أن يتجنبها ، الاستنتاج الذي مؤداه أن مختلف الثقافات مطبوعة بعقليات مختلفة . إن مطابقة " البدائي " مع العقلية الطفولية من الصعب إجتنابه ، مادام كما لاحظ ذلك روسلي ( 15 ) ، أن قوانين الفكر " البدائى " طبقا لليفي شتراوس مماثلة لفكر الطفل ما قبل – المفهومي بشكل ملحوظ .
إذا ما قارنا التصنيفات العلمية مع تشخيص ليفي شتراوس للتصنيفات " البدائية " فإننا نستطيع بسهولة أن نعين اختلافات وظيفية كامنة خلف القواعد المختلفة للتصنيفات . تحاول التصنيفات العلمية أن تصنف كل شئ على نحو شامل الى فئات تستبعد كل منها الأخرى تبادليا . ومن الصعب جدا إنشاء مثل هذه التصنيفات على أسس من المعرفة غير الكاملة ، حيث ستكون هناك دائما بعض الموضوعات التي لا يمكن نسبتها الى فئة دون التباس . وحين نجد أن هناك بعض الشذوذ فإننا ندرك أن تصنيفنا غير محكم ، مادام أن الهدف النهائي هو إستخدام التصنيف لتوليد تعميمات لا تسمح مثاليا بأي التباس أو إستثناءات .
إن قوانين التصنيف " البدائي " كما وصفها ليفي شتراوس ، تضحى بشرط الفئات التى تستبعد كل منها الأخرى تبادليا من أجل مطلب الشمولية . وتعدد قواعد تعيين الموضوعات الى فئات يتضمن أن أي موضوع يمكن أن ينسب لأي عدد من الفئات . إن هذا الإهمال للمطلب العلمي الذي يستلزم أن تكون الفئات فئات تستبعد كل منها تبادليا لا يفسر بالتعارض بين عقلية علمية أو غير علمية ، بل بالأحرى بالتعارض بين أنظمة الفكر التي طورت من أجل غايات مختلفة منظورة . إن التصنيف " البدائي " ليس مصمما ليساعد في توليد التعميمات ، وهكذا فإن الفئات لا تحتاج لأن تكون متبادلة الاستبعاد .ويبدو المطلب المفروض على التصنيف وكأن كل شئ يجب أن يجد مكانا في نظام العالم فحسب . وهكذا فإن تبادل الاستبعاد يجرى هجره من أجل ضمان الشمولية .
بالرغم من أن الفكر " البدائى " هو فكر عقلي ، فإنـه ليس فكرا تحليليا ، مفهوميا . إنه فكر رمزى بمعنى الكلمة ، يستخدم الصور العينية ليعبر عن مفاهيم مجردة . ويسمى ليفي شتراوس عناصر هذا الفكر " علامات " وهي تختلف عن المفهوم من زاوية محدودية قدرتها الاشارية . إن معنى هذه العناصر مؤلف من التعارضات الرمزية التي تدخل فيها ولا يمكن أن تنفصل عن هذه التعارضات .
وتحت تصرف الفكر " البدائى " مجموعة معطاة من الرموز ، يمكن للمفكر أن يستعملها بتركيبها وإعادة تركيبها . يعنى الأساس العينى للرمز على أى حال ، أنه لا يمكن إختراع عناصر جديدة لأداء أشياء جديدة . وهكذا فإن " الفكر الأسطورى هو نوع من " الترميم " العقلي "( التوقيع بمواد متباينة) " وعليه فإن المفاهيم تظهر وكأنها مؤثرات تكشف المادة التي جرى العمل عليها والدلالة كمؤثر لإعادة تنظيمها ، والتي لا توسعها أو تجددها وتحصر ذاتها في الحصول على مجموع تحولاتها " . وهكذا ، فإن المعنى قد اختزل الى ترتيب ، كما يجرى الحال في الكاليدوسكوب ، الذى " يمكن التعبير عنه في حدود العلاقات الصارمة بين أجزائه ، و …… ليس لهذه العلاقات محتوى بمعزل عن النموذج ذاته " ( 16 ) .
يمثل التصنيف اختبارا واحدا" للترميم " حيث ترتبط الرموز بعضها ببعضها الآخر . ان معنى التصنيف أى "رسالته" مؤلف على واقعـة أنـه يثير فى نفس الوقت اتجاهـا إلى " الكليـة " و " نقص الكلية " وهكذا يمكن أن يدل على الوحدة والإختلاف . ولذا فإن التصنيف الطوطمي يمكن أن يعبر عن وحدة المجتمع ، ومن خلال التماثل الذي يؤسسه بين النظامين الثقافي والطبيعي ، بينما يدل في نفس الوقت على تعدد المجموعات الإجتماعية بالتمييز بين أنواعها .
وهذه " الرسالة " هى في نفس الوقت تعبير عن العلاقة بين الثقافة والطبيعة ، " وتقدم الطوطمية الوسائل ( أو الأمل ) لتجاوز التعارض بينهما " ( 17 ) وهكذا تبدأ الطوطمية بمعارضة الطبيعة بالثقافة ، مقدمة انقطاعهما ، ولكنها بعد ذلك توفق الواحدة مع الأخرى بتأسيس علاقة تماثلية بين الإثنتين .
لقد ولدت هذه التصنيفات عبر تقسيم ثنائي متلاحق . على أي حال ، " يستطيع المصنفون العينيون ايضا …… في صيغتهم الملموسة أن يظهروا أن هناك مشكلة منطقية قد جرى حلها أو تناقضا قد جرى تجاوزه " تصير الخطية المنقسمة ثنائيا "لولب" حواربين الذهن ومطالبه يتعمق فى توال اعتبره ليفى شتراوس ديالكتيكيا "( 18 ) . وتؤدى دراسة التصنيف مباشرة الى دراسة الأسطورة .
3 – ميثولـوجيات :
تهدف المجلدات الأربعة من ميثولـوجيات لتحليل مجموعة من الأساطير من شمال وجنوب أمريكا … وتشكل هذه الأساطير عالما مفردا يجرى تحليله بإعتباره كلا . ولم تعد الأساطير تعتبر وكأنها تولدت ببساطة من التعارضات ، ولكنها باتت تُرى كتحولات في أساطير نفس المجتمع أو المجتمعات المجاورة .وأن سلسلة التعارض والتوسط والتحولات لا توجد من ثم في أي أسطورة بذاتها ، ولكنها تفرقت خلال عالم الأساطير . فربما تأسس تعارض في إحدى الأساطير ، وتوسط أو تحول في أسطورة مجتمع بعيد .
ويجادل ليفي شتراوس بأن هذا التغير في المنظور هو ببساطة تغير من طريقـة " الإحلال الركنى الخاص " بالوحدة المعممة " إلى الخاص بنموذج الإحلال الإستبدالي " وهو تغير مبرر على أساس أن الأخير ملائم فقط في بداية التحليل . التغير اذن على أية حال ذو مغزى أكبر من ذلك ، لأنه يتضمن أن التعارضات التي تسعى الأسطورة لحلها متضمنة في عالم الأساطير ، الذى يقدم من ثم عالما مغلقا بالرغم من ان هذا العالم نفسه لا متناه مادامت إمكانية تأسيس تحولات جديدة ممكنة هي أمر وارد دائما . لا يمثل عالم الأسطورة اذن سوى إعادة ترتيب ثابته للحدود . ويمكن أن نجد خلف الأساطير بنية ثابته تولـدها . " إن نموها يمثل عملية مستمرة ، بينما تظل بنيتها غير مستمرة " ( 19 )
ويبدأ تحليل ميثولوجيات من أسطورة جرى إختيارها عشوائيا ويتوسع تدريجيا ليقدم المزيد والمزيد من الأساطير من ثقافات أكثر بعدا . وبقدر ما تقدم كل أسطورة جديدة ، وتؤسس علاقات تحولات جديدة مع الأساطير التي جرى فحصها ، يتعمق تحليل الأخيرة على نحو متصاعد .
وبالرغم من أن ليفي شتراوس يصر على أن نقطة الإنـطلاق ليست ذات إمتياز ، حتى وإن لم تكن اعتباطية ، فإننا نجد في نهاية ميثولوجيات أن قسما من الأسطورة المشار اليها هو المحور الموضوعي لكل نظام الأساطير في شمال وجنوب أمريكا . وتبنى تدريجيا صورة للنظام ككل حيث " توجد كل أسطورة إذا أخذت منفصلة كتطبيق محدود لنموذج يكشف عنها تدريجيا بواسطة علاقات المعقولية التبادلية التى بدت بين عدة أساطير " ( 20 ) .
وحيث أن الأساطير تاتي من مجتمعات ذات بيئات مختلفة فإن هذه المجتمعات المختلفة سوف تستخدم " صورا " مختلفة لترميز ذات المفاهيم . ومن ثم تتحدد كل أسطورة بواسطة تحول مزدوج ، أحدهما يحول المحتوى المفهومي لأسطورة أخرى ، والآخر يأخذ في حسبانه الاختلافات البنيوية التحتية بين المجتمعات والذى يعنى أن نفس المفهوم قد جرى التعبير عنه بواسطة مواد مختلفة :
" وهكذا تشي كل طبعة من الأسطورة بأثر حتمية مزدوجة : أحدهما تربطها بطبعات أسبق متعاقبة أو بمجموعة من الطبعات الأجنبية ، والأخرى تعمل بنوع من الطريقة المستعرضة ، عبر تقييدات الأصل البنيوي التحتي الذي يفرض تعديلا لهذا العنصر أو ذاك حيث تتقوم النتيجة في إعادة تنظيم المنظومة لتحتوى هذه الاختلافات لضرورات نظام خارجي " . ( 21 )

وعلى ذلك فقد أعطيت الأساطير الآن تحليلا محايثا ، الأمر الذى لم ينجز في تحليل عام 1955 . فلم تعد الأساطير ترتبط بأي شئ خارجها ، عدا السمات الموضوعية للعالم الذي أخذت منه أدوات تعبيرها .
" ليس للتحليل الميثولوجي ولا يمكن له أن يتخذ كغاية له كيف يفكر البشر … إنني … لا أزعم أنني قد بينت كيف يتعقل البشر الأساطير ، وإنما بينت كيف تُتعقل الأساطير من خلال البشر ، بدون وعي منهم " .
" إذا ما طرح سؤال الآن يتعلق بأي معنى نهائي تشير اليه هذه المعاني ذات الدلالية المتبادلة … فإن الإجابة الوحيدة التي تتمخض عن هذه الدراسة هي أن الأسطورة تدل على العقل الذى ينشئها بتوظيف العالم الذى تشكل هي نفسها جزءا منه " . ( 22 )
إن فكرة أن الأساطير هي بمثابة نتاج لتحولات أساطير أخرى تعيدنا الى هذه الفرضيات الإنتشارية عن الأمريكتين التى عنى بها ليفي شتراوس طوال ممارسته المهنية ، والتي قدمت الإلهام الأنثروبولوجي المباشر لبنيوتية .رغم ان هذه الفرضيات تتبدى فقط فى مقدمة " الإنسان عاريا " إلا أنها حاضرة منذ بداية ميثولوجيات . ويقتصر التحليل في البداية على العلاقات بين مجتمعات أمازونية قليلة ، وهكذا ترى ميثولوجيا البورورو كنتاج للتفاعل بين ميثولوجيا توبي وجية . وبمقدار ما يتطور ميثولوجيات تتسع لتغطى كامل القارة ، وتستبعد الى حد كبير المواصفات والتحفظات التي ربطها ليفي شتراوس في الماضي بتصوراته الإنتشارية .
إن فكرة أننا نتعامل مع حقل أسطورى فسرت وحدته بالإشارة الى الفرضية الإنتشارية تؤدى بالطبع الى البحث عن الأسطورة البدئية ، التي أدعى ليفي شتراوس أنه كشفها في بعض الأساطير من أوريجون ، التي ربما كانت بقايا الأسطورة الأصليـة ، أو التي ربما تمثل نزعة الى الشمول في الحقل بمجمله ، بيد أنها تقدم لنا مصادقة على التحليل الذي لم يكن متيسرا لو أنه كان على ليفي شتراوس أن يعتمد فقط على مخطط لاواع مفترض بإعتباره مولد عالم الأساطير .

حددت كل أسطورة في تحليل أوديب بإعتبارها ملخصا لكل تنوعاتها ، إستهدفت حل تناقض نوعي . مهما يكن من شئ فإن هناك مشكلة واحدة فقط تهيمن على ميثولوجيا القارة بأكملها الآن :
" ليست الأسطورة شيئا سوى مجهود لتصحيح أو لإخفاء عدم تجانسها التكوينى " . ( 23 )
يحقق ميثولوجيات البرنامج البنيوي في إخضاع عالم الأسطورة لتحليل محايث حيث خصائص الأسطورة " لا تعبر عن شئ خارجا عنها " ( 24 ) ولم تعد الأسطورة ترى كنظام ثقافي مطور قابل للتفسير بلغة الوظائف الأيديولوجية المحددة ثقافيا ، ولكنها تعبر عن عمل لاوعي ما قبل ثقافي . تعبر الأسطورة عـن قوانين العقل . إذا كان بمقدور ليفي شتراوس أن يبرهن على أن البنى التي أنتجها تحليلة لها صلاحية موضوعية ، لكان لدعواه بأنه قد اكتشف شيئا عن العقل بعض المصداقية . وحتى نقوم نظرية الأسطورة فإنه من الضرورى أولاً أن نبين بوضوح أكثر ماذا تتضمن النظرية .
إن الفرضية الأساسية لنظرية ليفي شتراوس المطورة عن الأسطورة بسيطة وواضحة : توظف الأساطير " العلامات " لتؤسس وتحول التعارضات . وتستنفذ قوة الأسطورة هذه معنى الأسطورة ، وهكذا فإن المحتوى النوعي للأسطورة هو مسألة لا أهمية لها .
إن المهمة التحليلية الأولى هي تحديد موضوع التحليل ، لنعين ما الذى ينبغى تفسيره ، وما الذى لا ينبغى تفسيره بالتحليل . وعلينا في المحل الأول أن نحدد ما هى الأسطورة وما ليس بأسطورة . وليست هذه مسألة تجريبية وإنما مسألة نظرية . ولكنها أمر فشل ليفي شتراوس فى أن يعالجة فشلا ذريعا . ويبدو أن ليفي شتراوس يعتقد أن الأسطورة تقدم نفسها عبر السمات التجريبية للتحليل بصفتها كذلك ، وهكذا يجرى الإعتماد على حدس المحلل .
إذا فحصنا ممارسته على أية حال لبات من الواضح لنا أن الأسطورة محددة ببنيتها . وليس هذا مما يثير الدهشة ، لأن تحليلا محايثا يتطلب تحديدا محايثا للموضوع ، وتحديد كهذا لا يشير ، على سبيل المثال ، للوظيفة الثقافية للأسطورة ولا للمفاهيم البدهية للأسطورة . تتميز الحكايات الشعبية عن الأسطورة ببنيتها الأضعف ، وتحل الأشكال الوصفية محل بني التعارض بواسطة بني التكرار ، وهكذا تتخذ شكلا تسلسليا . والتاريخ مثل الأسطورة ، لكنة يختلف في تكيفة مع الزمان ، حيث أن الأساطير هي " أدوات لقمع الزمان " وهكذا تختلف في أن لها بنية غير قابلة للإرتداد . وتميز الشعائر ، التي ترتبط بوثوق بالأسطورة وفق التفسير الدوركايمي التقليدى بصرامة عن الأخيرة في ميثولوجيات ، فاللغة الشفوية ترتبط بالأسطورة ، الى الحد الذي تعرف فيه الشعائر فقط بإعتبارها شكلا للسلوك . وهنا تتضاد الأسطورة مع الشعائر على أساس بنيتها .
وهكذا يبدو أن ليفي شتراوس يحدد الأسطورة ضمنا بأنها تلك التي لها بنية الأسطورة . فإن كان يمكن أن نجد للموضوع محل البحث بنية من التعارضات المكررة ، و توسط ، وتحولات ، فهو إذن أسطورة . ويقود هذا التعريف الضمنى ليفي شتراوس لأن يقيم تقسيما حادا بين الأساطير التي فحصها وتلك التي لها أبـعاد تاريخية ، حيث تتطلب الأخيرة " تحليلا بنيويا محولا وخالصا " هذا إذا كانت في الواقع قابلة لمثل هذا التحليل على الإطلاق . ( 25 ) وعليه ، فإن ليفي شتراوس ودون أن يعتبر الأسطورة كموضوع جاهز الصنع ، فإنه يقدم تعريفا أصليا يقوده لتصنيف تفسيرات الأسطورة بإعتبارها جزء من متن ، بينما يستبعد ظواهر اعتبرت تقليديا أسطورية .
إن تعريف الأسطورة ، لا يستنفذ مشكلة تعريف المتن ، حيث أن التقارير الإثنوجرافية التي لدينا لا يمكن الاعتماد عليها بأى حال . فضلا عن ذلك لم يأخذ ليفي شتراوس هذه التقارير كما هي كنقطة إنطلاقه في ميثولوجيات ولكنه يلخص عادة هذه التقارير الى حد بعيد قبل أن يُضمنها في نصه . وهكذا فإن الأسطورة قد نُقيت مرتين قبل أن تُدرج في المتن الذي يجرى تحليله : مرة من قبل الإثنوجرافي الذى أنتقى ما إعتبره التفاصيل الجوهرية ، ومرة من قبل ليفي شتراوس . ولكن حتى هذا المتن المنقى غير ملائم للتحليل ، ولم يكن أمرا نادرا أن يضطر ليفي شتراوس لأن يكمل أو يصوب النص حتى يسمح لتحليله بالانطلاق . وهذا التصويب والإكمال يجعل التحليل عرضه للدائرية .

مازال على المحلل بعد أن يتحدد المتن ، أن يعين ما الذى سيقوم بتفسيره . ينبغى على التحليل أن يكون شاملا وفقا لليفي شتراوس . ولا يمكن للتحليل أن يكون شاملا إلا في العلاقة بتعيين سمات الموضوع الذي يجرى تفسيره . ولا يقدم ليفي شتراوس على سبيل المثال وسائل إعادة بناء نظام التسلسل في النص ، ولا العلاقة النحوية بين الحدود ، ولا العناصر المعجمية التي يجرى التعبير من خلالها عن المفاهيم . لقد أعتبرت مظاهر الأسطورة هذه وكأنها عارضة تماما ومن ثم ليست قسما من التفسير . وكل ما يلزم تفسيره هو بنية الأسطورة والعلاقة القائمة بين الحدود . وعليه ، ردا على نقد ريكور بأن ليفي شتراوس يركز على " تركيب " الأسطورة على
حساب " دلالتها " يشير ليفي شترواس الى أن
( بقدر ما أرى فليس هناك خيار كهذا لأن الثورة الفونولوجية …… تحتوى على اكتشاف أن المعنى هو دائما نتيجة ربط للعناصر غير الدالة في حد ذاتها …… ومن وجهة نظرى فإن المعنى قابل دائما للإختزال . بمعنى آخر ، خلف كل معنى هناك لا معنى ، بينما العكس غير قائم ، وبقدر ما أرى الدلالة دائما ظاهرياتية " . ( 26 )
إنه ، من ثم ، التأكيد النظرى بأن معنى الأسطورة مستنفذ في العلاقات الشكلية بين أجزائها ويكمن في أساس عزل وتطابق موضوع تحليل الأسطورة كجسم من النصوص التي لها نوع خاص من البنية ، وضمن هذه النصوص ، بإعتبار العلاقات الشكلية المتضمنة فيها . ويرتكز التأكيد ذاته على إدعاء معين حول طبيعة العقل وطبيعة المعنى الذي لم يفحص ، ولكنة نقطة إنطلاق قبلية للتحليل . وعلى ذلك لا يثمر التحليل في إكتشاف الطابع البنيوى للمعنى مادام هذا الطابع البنيوى قد افترض سلفا كأساس يركز الانتباه فقط على السمات البنيوية للموضوع .
بعد أن جرى تحديد موضوع التحليل بإعتباره العلاقات الشكلية التي تتضمنها الأسطورة ، ما زلنا نتطلب بعض المبادئ النظرية التي سوف تساعدنا في التعرف على هذه العلاقات . وعلينا في المحل الأول أن نكتشف مالذي تؤديه هذه العلاقات كما رأينا في تحليل أوديب ، فإن عنصر الأسطورة هو وحدة تكوين الأسطورة التي تقيم علاقة بين فاعل ووظيفة في جملة من النص . وترتبط عندئذ هذه الوحدات تعارضيا .وفي ميثولوجيات توقف الفاعل عن أن يكون جزءا من وحدات تكوين الأسطورة ، واختزل الأخير الى محمول ومن ثم فإن العنصر هو " العلامة " التي حددت في الفكر الوحشى كإتحاد بين مفهوم وصورة ، فالصورة هي وسيلة التعبير عن المفهوم الذي يدخل في تعارضات وتحولات الأسطورة .
وهذا المحمول ، فضلا عن ذلك ، ليس هو نفسه جزءا من النص ، كما كان الحال في تحليل أوديب ولكنه اكتشف كامنا خلف الصورة . ومرة أخرى تقود ليفي شتراوس تجريبيته ببساطة لأن يؤكد أن هذا هو عنصر الفكر الأسطورى ، وليس هناك من تفسير واضح لأسس مثل هذا التأكيد .
يوجد عنصر الأسطورة فقط في سياق التعارضات التى يدخلها . وعلى ذلك فإن مسألة تطابق القيمة الأسطورية لعناصر نوعية ، هي مسألة تطابق التعارضات المكونة للأسطورة .
وقبل أن نتمكن من تحديد التعارضات علينا أن نحدد ما الذى يمكن أن نعده تعارضا . يتبدى في هذه المرحلة بوضوح طابع التحليل الاعتباطي وشكليته القصوى . وقد تطورت الأسطورة في تحليل أوديب على أساس التناقض . وفي ميثولوجيات فإن عنصر الأسطورة مفهوم وليس عقيدة ، وهكذا لا يمكن للتعارضات أن تتخذ شكل تناقضات . كما لا تتخذ التعارضات شكل نقائض منطقية يمكن أن تؤدى لتناقضات إذا ما إكتشفت موضوعات ذات محمولات متناقضة . بمعنى آخر لا تتخذ التعارضات شكل هـ / ولا هـ ولكنها تتخذ شكل هـ / و . وللأسف لا يقوم ليفي شتراوس بالتمييز الأساسى بين المفاهيم ذات العلاقة الثنائية ، والتعارض الثنائي ، والتناقض الثنائي . وكما أشارت مكاريوس :
" ان التعارضات الثنائية ... التي يكشفها البنيويون تغطى الحقل بكامله من التعارض التناقضي حتى أكثر التعارضات هشاشة واعتباطية التي يمكن أن يرسمها خيال جامح ". ( 27 )
يبدو أن الأسطورة تتطور نتيجة لإدخال الإنقطاع الى عالم متصل تأثر بمولد الثقافة ويقدم مولد الثقافة معنى للعالم بتأسيس نظام للعلامات ، ولكن على حساب تميز أجزاء العالم عن بعضها الآخر فحسب، وهكذا يهدد الوحدة الأساسية للعالم . ولذا يربط الفكر السحرى ، على سبيل المثال ، بين الدخان والسحب لأنه يفترض ذهنيا تطابقا بينهما كسره عدم الإتصال الضمني في عملية التصور . وإذ يبحث الفكر العلمي عن الهوية بالإشارة الى خصائص أكثر جوهرية للدخان والسحب ، يبحث الفكر السحرى عن الهوية بإفتراض علاقة رمزية بدلا عن علاقة واقعية . وذلك بسبب حقيقة أن الخصائص " الأولية " غالبا ما ترتبط بخصائص " ثانوية " الى الحد الـذي يمكن للفكر " البدائى " فيه أن يستبق دائما نتائج العلم .
وهكذا فإن الفكر الرمزى يهدف الى إعادة الوحدة الى عالم جرى التمييز بينه بواسطة الذهن .
" ترتكز كل العمليات السحرية على إستعادة وحدة تكون … لا واعية أو بقدر أقل إكتمالا أكثر من العمليات نفسها " ( 28 )
يجرى تحقيق هذه الوحدة ستاتيكيا في التصنيف ، وديناميكيا في الأسطورة والسحر . وقد جرى التعبير بوضوح عن وجهة نظر مشابهة جـدا فـي " الإنسان عاريا " :
" تحققنا عبر هذا الجزء الأخير من أن بضع مئات من القصص ، التي تختلف عن بعضها البعض بوضوح ، وكل منها معقدة في حد ذاتها ، تنطلق من سلسلة من تقريرات مترابطة : هناك السماء ، وهنا الأرض ، وما بين السلسلتين المترابطتين لا يمكن تصوره ، ونتيجة لذلك فإن حضور هذا الشئ السماوى في الأرض وهو النار يحتوى على سر . وأخيرا ، منذ اللحظة التي توجد فيها الآن النار السماوية هنا تحت فى شكل موقد منزلى لابد أن واحدا كان عليه أن يذهب من الأرض الى السماء من أجل أن يجدها " . ( 29 )
وهكذا ، فإن الأسطورة تحاول أن توفق بين التنوع والـوحدة بتوسيط وتحـويل " التعارضات " التي أقيمت على أساس الإختلافات .
فإذا ما قبلنا مؤقتا أن عنصر الأسطورة قد جرى تحديدة بصواب ، فإن علينا أن نسأل بعد ذلك كيف إكتشفت فعلا التعارضات القائمة .
وبالرغم من أن ليفي شتراوس يشير الى أدوات الاستبدال، والى التبادل ، والإحلال ، فإن هذه الصورة لا يمكن أن تكتشف القيمة الرمزية للعناصر المتعارضة .
إن القيام بالتبادل والإحلال يمكن أن يُعَيِِنا السياقات التي يمكن أن تجرى فيها أشكال خصوصية معقولة في إطار معين ويمكنها أن تؤسس أشكالا معينة يمكن أن تجرى في سياق معطى ولكنها على أي حال لا يمكن أن تؤسس القيمة الرمزية للشكل ، ليس على الأقل بسبب أن نفس الشكل له معان مختلفة في سياقات مختلفة إعتمادا على الوظيفة التي خوله إياه القانون الذي يحكم هذا السياق . وعلى ذلك فإن معنى تعارض ما يمكن أن يؤسس فقط حالما نعين الشفره التى تصلح لإعطاء معنى له.
وهكذا :
" إن معانيها يمكن أن تكون معانى " موضعيه " فقط ، ويتبع ذلك أنها لا يمكن أن تكون في متناولنا في الأساطير نفسها . ولكن فقط من خلال الاشارة الى السياق الإثنوجرافي ، أي ، الى ما نعرفه عن نمط الحياة والتقنية ، والشعائر ، والتنظيم الاجتماعي للمجتمعات التى نرغب في تحليل أساطيرها " ( 30 )
سوف يبدو أنه بالذهاب الى ما وراء الأسطورة لإكتشاف التعارضات ،سيكون المشروع البنيوي مهددا ، لأن علينا أن ننظر الى ما وراء الأسطورة إلى الثقافة من أجل مبدأها الأساسي . ونتجنب هذه المشكلة فقط بإكتشاف التعارض في العقل اللاواعي . ولا يمكن أن يكتشف معناها بالإشارة الى المعتقدات المتمفصلة بوعي للثقافة المؤسطرة ، أكثر مما يمكن إكتشافها بالإشارة الى تمثيلاتنا الواعية :
" الوعي هو العدو السرى لعلوم الإنسان في جانبين ، أولا بسبب أن الوعي العفوى محايث في موضوع الملاحظة ، وثانيا بسبب الوعي الانعكاسي (وعي الوعي) لدى العالم " . ( 31 )
وقد أبرز ليفي شتراوس على نحو متزايد وبعيدا عن أن يفحص الكوسمولوجيا وجهة النظر التي تفيد بأن التعارضات هي ما قبل مفهومية ، مشتقة من الطبيعة أو من الاليات الطبيعية للإدراك الحسى :
" كل شئ يحدث كما لو أنه على الرغم من أن بعض الحيوانات كانت أكثر إستعدادا من غيرها لتشغل هذا الدور ، سواء بفضل مظهر لافت لسلوكها ، أو بفضل نزوع يمكن أيضا أن يكون طبيعيا ، يدرك الفكر الإنساني على نحو أسرع وأبسط خصائص النمط المحدد . ويصل كلاهما الى نفس الشئ ، أضف الى ذلك ، ما دامت لا توجد هناك خاصية لافته في حد ذاتها ، وأنه تحليل إدراكي … الذي … يمنح معنى للظواهر ويشكلها بإعتبارها موضوعات ". ( 32 )
ويستكمل هذا التطوير تذويب الثقافة في الطبيعة ، لأنه حتى العمليات المفهومية للثقافة هي الآن ببساطة تعبير عن آلية طبيعية . الثقافة الآن هي " مضاعفة صناعية للآليات التي وجدت سلفا " . ( 33 )
ويمكن تأسيس معنى التعارض فقط بفحص مضمون الحدود ذاتها . ويكرس ليفي شتراوس إنتباها عظيما للمحيط البيئ للثقافات التي يبحثها ، وبالأحرى إنتباها أقل للسمات البنيوية الاجتماعية ، من أجل ، أن يكتشف الارتباط الموضوعي الذي يمكن أن يقدم الأساس للتعارضات الرمزية . وبهذه الطريقة تكتشف التعارضات دون الإضطرار للإحالة الى المعتقدات الواعية للثقافة موضوع البحث .
وحين نتذكر كيف أن مصطلح التعارض ، قد حدد بإتساع فإننا نواجه مباشرة مشكلة الإعتباطية . يمكن للأسطورة أن تفرز أى عدد كبير من الخصائص التى ترتبط بموضوع معين وأن تعارض هذا الموضوع بأى موضوع آخر ، في نفس الأسطورة أو حتى في غيرها . وعلى ذلك ، فإن كل موضوع يظهر في الأسطورة يمكن ربطه بأي موضوع آخر ضمن عالم الأسطورة وداخل " تعارض ثنائي " لأن اختلافا مفردا كاف لتأسيس تعارض . وحين نتذكر ايضا أن المعلومات الإثنوجرافية هزيلة ، فإن الادراج فيها ضرورى على الأغلب ، وحين نتذكر ايضا أن التعارضات قد جرى التعبير عنها على مستوى غاية في التجريد ، فإن شكوكنا تتزايد فحسب .
ويقدم ليفي شتراوس ضمانا منهجيا يجب أن يحد من اعتباطية التحليل . ويمكن للملاحظة الإثنوجرافية أن تقدم ، " نقدا خارجيا " ( 34 ) ما دام ربط المفهوم مع نوعية معقولة ليس اعتباطيا وانما يجب أن يؤسس في العالم الموضوعي .
ومهما يكن من شئ ، فإن هذا الضمان قد تزعـزع بشكل لاحـق بتقديم مفهوم " الإستنباط المتعالى على الخبرة " الـذي تنسب فيـه الخصائـص الى مـوضوع على أساس من " الضرورة المنطقية " لتأمين إتساق الارتباطات المؤسسة بواسطة " الإستنباط التجريبي " بالإستناد على الأحكام التجريبية . وبهذه الطريقة تخلق الأسطورة بشكل متلاحق قيما رمزية جديدة من أجل أن تحافظ على تماسكها . ( 35 )
ويميل الناقد غير الموقر الى الشك في أن هذه " الضرورة المنطقية " ناجمة عن تحليل ناقص وليست ناجمة عن نقص في الأسطورة ، ويتأكد مثل هذا الشك حين نتذكر قانونا منهجيا آخر ، وهو أن مظهر التناقض لا يشير الى خطأ التحليل ، ولكنه " يثبت بالأحرى أن التحليل لم يتعمق بما فيه الكفاية وأن هناك سمات خاصة مميزة قد أفلتت من الإختبار " . ( 36 ) إن تقديم " الإستنباط المتعالي " نتيجة لذلك يجعل من الممكن إستبقاء تحليل لا يمكن تدعيمه ، أو يتناقض حتى مع الملاحظة الإثنوجرافية .
يفترض أن تطابق التعارضات يحمى من الإعتباطية لأن التعارضات لا توجد في عزلة وإنما يرتبط أحدها بالآخر عن طريق التحولات . إن الأسطورة تأخذ تعارضا واحدا ، ثم تولد آخر عبر التحول المتعاقب :
" حتى يمكن للأسطورة أن تتولد بالفكر ، وحتى تولد بدورها أساطير أخرى ، فإنه من الضرورى والكافي لتعارض أولى أن يدخل فى التجربة حتى يترتب على ذلك تولد تعارضات أخرى بدورها " . ( 37 )
ويلاحظ ريتشارد بتفاؤل :
" إن تطبيق " المبادئ التي تخدم كأساس للتحليل البنيوي " ( 1958 أ ، ص 233 ) لا يبدو أنه يضمن مطلقا كون الأسطورة لم تقسر على أن تستجيب للأفكار القبلية للمحلل .
على أية حال إن تكوين المجموعات النموذجية الارشادية ، من عدد محدود وإن كان يحتوى على علاقات متعددة ، على أساس سلسلة من الوحدات المعممة يقلل المخاطرة . ( 38 )
مهما يكن من أمر ، فإن المخاطرة ستنقص فقط إذا لم تكن التحولات بدورها إعتباطية. ولسوء الحظ فإن ما يصدق على التعارضات يصدق سواء بسواء على التحولات ، حيث توجد الأخيرة بسهولة مثلها مثل الأولى .
يستعمل ليفي شتراوس مصطلح " التحولات" بإتساع شديد مشيرا الى علاقات التحول عندما يمكن ربط الأساطير الواحدة بالأخرى . ويوجد أبسط شكل للتحول حينما تتشارك أسطورتان في عنصر عام ، وحينما يدعى أن هناك إختلافا أو اثـنين مترابطان . وسوف يكون مدهشا للغاية ألا نستطيع إكتشاف علاقات التحول هذه .
فضلا عن ذلك فإن علاقات التحول لا تؤسس أبدا قبل أن تكون الأسطورة قد فسرت وأفقرت الى حد معين ، وغالبا الى حد بعيد جدا . لقد حللت آر . و ال مكاريوس هذه المجموعة المفترضة من الأساطير ، الأسطورة 7 – 12 ، الأسطورة 14 والأسطورة 273 ، التي نوقشت في كتاب " من العسل الى الرماد " لقد بينا أنه كان على ليفي شتراوس أن يشوه ويعدل الأساطير بفظاعة بالغة حتى يؤسس دائرة مفترضة من التحولات . لقد بين ماى بورى لويس تداولية دائرية اخرى مفترضة . ( 39 )
بالرغم من أن هناك بعض المجموعات التي تبدو أكثر إرتباطا على نحو معقول ( على سبيل المثال الأسطورة 23 – 24 والأسطورة 26 ، والأسطورة 55 والأساطير من 7 – 12 ، من 15 – 16 والأسطورة 20 ، والأساطير 188 ، 189 ، 191 ) ، إلا أن ليفي شتراوس يبدو في حالات أخرى وكانه يستحضر التحولات من لا شئ من أجل أن يكمل تحليله ( على سبيل المثال في كتاب النيئ والمطبوخ ص ص 64 ، 118 ) .
ولأن ليفي شتراوس يصر على أن الأسطورة هي نتاج لا وعي ليس لدى المحلل أية وسيلة للوصول اليه الا من خلال الأسطورة ، لا يملك المحلل الوسائل التي تمكنه من إكتشاف ماهي العناصر وما ليس بعناصر ، وما هي تعارضات وتحولات الأسطورة . لا توجد من ثم الوسائل التي تبين عما إذا كانت مفترضات المحلل في الحقيقة تتعلق بالأسطورة ، أو هي ببساطة من خلقه أو خلقها . أضف الى ذلك أن مصطلحي تعارض وتحول تطبقان بإطلاق شديد لدرجة أن البنى التى تكشف يمكن كشفها في أى مكان. وعلى ذلك ليس هناك من وسيلة لإكتشاف ما إذا كان المتن موضع البحث مولد أو غير مولد بواسطة الآليات البنيوية من النوع الذى أشرنا إليه . وربما يمكن تخيل أن هذا هو الحال أى أنها متشكلة البنى لأقصى حد ، ولكن لا توجد على الإطلاق أية وسيلة لإكتشاف ذلك ، أخيرا ، لا يوجد هناك أى تبرير كان لإستنتاج أن البنى التى جرى كشفها يمكن أن تخبرنا بأى شئ عن العقل.
لابد وأن تكون النتيجة التى ننتهى إليها هى أن تحليل الأسطورة الذى يقدمه ليفي شتراوس هو بالضرورة إعتباطي . وليس معنى هذا القول بالضرورة أن التعارضات ليس لها بعض الوجود الموضوعي ، ولكن ، ,,المشكلة هي الحسم بينها وتحديد دلالة أى منها’’ (40) ومادامت لا توجد هناك وسيلة يمكن بها لليفي شتراوس أن يجعل تحليله مسوغا ، فإن التعارضات التى يكشفها يمكن أن تأتي فقط من عقله الخاص . وكما يلاحظ ويلدون فإن كل ,,الكيانات المادية’’ و ,,العلاقات المادية’’ التى يوظفها تأتي للتحليل محددة سلفا، (41) وليفي شتراوس هذا الذى حددها . فإذا كان المعنى يحال الى اللاوعي ، فليست هناك وسائل لإستعادة هذا المعنى . ويشتق التفسير بدلا من ذلك من ,,الإدراك الجمالي، وشكل عقلي معين من حدس’’ المحلل :
,,ينتج في العقل أحيانا نوع من الإلهام يمكن الوعي به حتى أننا ندرك فجأة من ضمن شئ ما ما أدركناه حتى وقتها من الخارج’’ (42)
إن الجدال بأن التحليل البنيوى للأسطورة ، كما مارسه ليفي شتراوس ، يقدم تفسيرا أعتباطيا ، مفروض من المحلل قد صُور بأفضل شكل ممكن بالإشارة الى التعارض الذى يعتبره ليفي شتراوس المكون لكل الفكر ,,البدائى’’ الذى يتوسط بين الطبيعة والثقافة.
وبالرغم من الأهمية الجوهرية للتعارض بين الطبيعة والثقافة ، فإن ليفي شتراوس بإصراره على الأساس اللاواعي للمعنى ، غير قادر أن يثبت أن لهذا التعارض في الحقيقة أهمية ، أو أنه حاضر حتى في فكر الشعب الذى يدرسه.
ويفترض أن الطوطمية تعارض سلاسل طبيعية، بسلاسل إجتماعية، مع أن الطواطم ليست بأى حال أو بالضرورة كيانات طبيعية . تحلل الطائفة المغلقة بالمثل بإعتبارها مؤسسة على التعارض بين الطبيعة والثقافة ، وبالرغم من أن دومون ، في تحليل بنيوى يجادل بأن ، التعارض المفهومي الذى يحكم نظام الطوائف هو الذى يتوسط بين المقدس والمدنس (43) وتذهب لورا مكاريوس بعيدا الى الحد الذى تجادل فيه بأن ,,النقيض’’ الذى يفصل ويعارض كلا من المجتمع و الطبيعية الواحد بالآخر هو أمر غريب جذريا على الفكر البدائى (44) وتفحص مكاريوس تحليلا للأساطير الجورجية قام به ج. شاراشيديز المؤسس على تعارض الثقافة / الطبيعة . وهي تجادل بإقناع شديد بأن تقديم التعارض هذا يشوه المفهوم الطبيعي. وهي تبين في الواقع أن التعارض الأساسي يقوم بين احترام المحظورات التى تشكل أساس المجتمع، وبين إنتهاك هذه المحظورات.
كما تشير الى ذلك مكاريوس، وكما نجد مرارا، فإن التعارض المفترض بين الطبيعة والثقافة يهيمن على فكر ليفي شتراوس أكثر مما يهيمن على فكر الشعوب التى يدرسها. إن التراجيديا التى تواجه ليفي شتراوس هي أننا قد فقدنا إحترامنا للطبيعة، ونزعنا أنفسنا منها، ولسنا مستعدين للعيش في ظل حكمها. وقد كانت النتيجة أننا قد وصلنا الى أن نهيمن على الطبيعة وأن ننتهك أحكامها. إن ,,البدائي’’ هو من يستمر في العيش بتناغم مع الطبيعة، مؤسسا أنظمة من التبادلية بالتوافق مع ماتمليه الطبيعة الإنسانية، ناسجا الأساطير بإرشاد اللاوعي الطبيعي. إن دور تعارض الطبيعة / الثقافة في تحليل ليفي شتراوس يكشف بوضوح كما يمكن لأى شئ آخر أن المعنى الذى يفرضه على الأساطير ليس موجودا بالمرة في لاوعي ,,البدائي’’ غير القابل للإختراق، وإنما يشتق بالأحرى من الفلسفة التى طورها ليفي شتراوس لنفسه.
(4) الوضعية والشكلية :
بعد أن نظرنا في تحليل ليفي شتراوس البنيوى للأسطورة وصلنا الى نفس النتيجة التى وصلنا اليها حين نظرنا في لسانيات تشومسكي البنيوية. وفي كلتا الحالتين نواجه المقاربة الوضعية للظواهر الثقافية التى تهدف الى قطع الموضوع الثقافي عن أى تقدير ذاتي ومعاملته حصرا بإعتباره موضوعا خارجيا خاملا مما يقود الى تحليل إعتباطي، وفي هذا الصدد لا توجد وسائل لتحديد إن كانت الخصائص التى حددت كخصائص للموضوع هي في الحقيقة كذلك، وهي من ثم شكلية ، وفي هذا الصدد فإن أى إعتبار للمحتوى الذى يشير الى ما وراء العلاقات الشكلية الداخلية في الموضوع مستبعد ليس إستنادا على أية أسس نظرية مبدئية ، وإنما على أساس قرار منهجي إعتباطي لإستبعاد إعتبار الروابط العرضية الخارجية.
إن إكتشاف أن الموضوع يمكن أن يختزل الى بنية شكلية كامن سلفا في القرار المنهجي لتحديد الموضوع بواسطة بنيته (بالنسبة لتشومسكي اللغة هي أى شئ يتخذ شكل بنية اللغة ، والأسطورة عند ليفي شتراوس هي أى شئ يتخذ شكل أسطورة) بينما عزل الموضوع عن أى بيئة يكون له فيها معنى ضمنها يحرم البنية المكتشفة من أى دلالة. وحيث أن لتحليل شومسكي للغة فضيلة الصرامة، ومن ثم فإن له بعض الإستعمال العلمي، لا يملك تحليل ليفي شتراوس للأسطورة مثل هذا المظهر المحدود.
وينكر ليفي شتراوس نفسه تهمة الشكلية ، ولكنه يفعل ذلك بإختزال محتوى الأسطورة إلى شكلها :
,,ينتقل الواقع من المحتوى ناحية الشكل ، أو بشكل أكثر تحديدا ، نحو طريقة جديدة في إدراك المحتوى الذى ، دون تجاهله أو إفقاره ، يترجمه الى حدود بنيوية’’ (45).
يستبعد هذا الإختزال من الإعتبار ما يبدو لأغلب الناس أجزاء جوهرية من الأسطورة. والمظهر شديد الوضوح لهذا الإختزال هو أن تستبعد من الإعتبار البنية الوصفية للأسطورة، ومن ثم بُعدها الزماني . وعلى ذلك ، فإن ,,التحليل البنيوى لا يمكن إلا أن يكشف الأساطير بإعتبارها لا زمانية’’. (46)
بإختزال الأساطير إلى بنيتها الشكلية بالأمر القسرى، فإن ليفي شتراوس قادر حقا على إختزال ,,المعنى الى لا معنى’’ ولكنه بقيامه بذلك فإنه يستبعد من الإعتبار ببساطة مظاهر الأسطورة ذات المعنى . وهكذا لا يقدم ليفي شتراوس تحليلا موضوعيا للمعنى ، وإنما يحلل ببساطة كل المعاني الخاصة بإختزال كل الأساطير الى بنية شكلية ." إلى تمثل مجرد يطمس كافة سماتها النوعية’’. (47) في تجريده من كل معنى خاص ، في تراجعه الى أعماق لاوعية الشكلي يتراجع ليفي شتراوس إلى عالم الصمت ، الى عالم اللامعنى ، عالم عدم الاتصال ، أو اللاتبادلية . وهكذا فإنه يذيب الثقافة رجوعا فى الطبيعة .
لقد عدنا الآن الى نقطة الإنطلاق مرة أخرى لا لنبحث فهم الأسطورة بل الى الأسطورة بهدف فهم الطبيعة الإنسانية ، ليس بهدف فهم هذا الإنسان أو ذاك ، ولكن بهدف فهم ماهو عام أشارك فيه كل البشر . ويمثل ميثولوجيات محاولة أخرى لرد كل الإختلافات ،كل الثقافة , كل التاريخ، كل التجربة ، الى بنية شكلية لاواعية ، يفترض أنها مرتكز إنسانيتنا .إن محاولة ليفي شتراوس لإختزال معنى الأسطورة الى لاوعي ما قبل ثقافي موضوعي يؤدى الى إنحلال كل المعنى . ولكن هذا هو المعنى الذى تخص به الأسطورة ليفي شتراوس : إن ميثولوجيات هو محاولة لتفسير عالم الأساطير على ضوء فلسفة ليفي شتراوس الإنسانية البنيوية المميزة. والى هذه الفلسفة ينبغي أن نتوجه الآن .



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلار ...
- سلطة الشعب أو - ثورة إدسا - بين التوظيف الليبرالى ومرض الشيخ ...
- الواقع السياسى بين النص القانونى والصراع الطبقى
- السياسة والمضمون الطبقى
- أزمة الثورة ومأزقها
- حزب العمال الشيوعى المصرى - إنتفاضة يناير ( كانون الثانى ) 1 ...
- الماركسية والتفكيكية : الغرب ضد الآخر - بعض الأفكار حول كتاب ...
- من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى - ممهدات وحدود حرب اكتوب ...
- من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى -- ممهدات وحدود حرب أكتو ...
- من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى 1972 -- 1973 - القسم الث ...
- من كتابات حزب العمال الشيوعى المصرى 1971 -- 1973 القسم الأول
- الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى - القس ...
- الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى -- الق ...
- الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الحواش ...


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد العليمى - الماركسية وأنثروبولوجيا المدارات الحزينة - تأليف سايمون كلارك - مراجعة ابراهيم فتحى - الفصل الثامن