أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - عن (كلمات الموتى) ل فيليب كلوديل














المزيد.....

عن (كلمات الموتى) ل فيليب كلوديل


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4064 - 2013 / 4 / 16 - 22:34
المحور: الادب والفن
    


هل الموت هو عقاب القدرة على الكلام، أم أن الموت يكمن في الكلام ذاته؟! .. سؤال كهذا يمكنه أن يلح بقوة بعد قراءة قصة (كلمات الموتى) لـ(فيليب كلوديل)، ترجمة (طلال فيصل) .. الثرثرة العادية التي يموت الناس خلالها فاتحين أفواههم دون فزع؛ ربما ليس لأن حقيقة أو معرفة مخلّصة ستتسرب خلسة أو تنكشف على نحو مفاجيء من مناقشة تقليدية أو جدل مكرر؛ بل ربما لأن العماء التام لا يمكنه العيش والخلود إلا بواسطة الكلمات، وهو ما يعني الفناء اللحظي السهل والبديهي للعميان بطبيعة الحال .. وحدها الغفلة تلك التي تبدو حاكمة للغة البشر في المواقف المختلفة، وحامية لقرار التعتيم الأزلي على أي إمكانية أو فرصة للفهم أو للتبرير .. الغفلة التي لا يمكن السيطرة على خفائها الممتد لكل حيز ومقصد واحتمال للحروف المتداولة في الحياة والموت .. ذلك الشيء أو تلك المسارات والسياقات المتبلدة والمتشابكة التي لا يسكنها سوى موتى .. ربما لا يدرك موتهم إلا هؤلاء الذين لا يتعاملون مع الآخرين بواسطة الكلام مثل الصبيين الأبكمين الذين أفلتا من الموت الذي حاق بالمدينة .. الذين ـ نتيجة لذلك ـ لا يموتون بنفس الطريقة على الأقل، وإنما بواسطة أداة أخرى قد يكون لها علاقة بالصمت .. لا تقتلهم الحكايات المعتادة التي أُجبرت ألسنة الجثث على الحفاظ على تاريخها وضمان سلامته.
كي يخلق (فيليب كلوديل) تعارفا متينا بيننا وبين ظلام الكلمات .. بيننا وبين الموتى المجبرين على استعمال أوهامها المحصنة طوال الوقت؛ أدخلنا إلى القرون الوسطى أو بالأحرى كشف عن ظلامها الراسخ في الحاضر .. بتعبير ( كلوديل):" تاريخ الانسانية لم يكن أكثر من عصور وسطى طويلة لم ينجح النور في اختراقها سوى في لحظات قليلة".
كنيسة .. تعذيب بآلات حديدية للحصول على اعتراف .. تعليق جثث المتهمين على فروع الأشجار .. عيد لأحد القديسين .. معرض لبيع التماثيل والوحوش والعقاقير السحرية والصور الخرافية والآثار القديمة .. موكب جنائزي .. ثلاثة يهود يحرقون أحياء بعد الاشتباه في وقوفهم وراء حوادث الموت المباغت لأهل البلدة.
موتى لأنهم يتكلمون، وكلماتهم هي سبب ودليل موتهم حتى لو بدا أنهم أحياء .. الجحيم الذي يشترك الجميع في الضياع داخل كوابيسه ومصائره القاتمة .. قصة (كلمات الموتى) أرادت أن تدفعنا لرؤية الموت فعليا لمن نظنهم أحياء، والذين هم نحن بالتأكيد.. ترشدنا للانتباه إلى الموت غير المرئي للمسمومين بالكلام .. يسهل جدا تعيين ما يشبه غاية أو تحديد هدف واضح وملموس للقصة: حتى التحدث ـ مجرد الحديث العادي بين الناس ـ يعد جريمة عقوبتها القتل المفاجيء بفعل قوة مجهولة .. يسهل أيضا الاستقرار على أن شيئا غيبيا لا يريد أن يعطي فرصة لأمر غامض قد يخرج دون توقع من أفواه البشر، أو يعطون إشارات غير ملحوظة بأنهم على وشك التلفظ به دون دراية فيكون جزاءهم الموت .. نعم يسهل التمعن في استنتاجات كهذه، لكن ربما الأكثر جدارة بالتفكير ـ في ظني ـ هو عدم احتياج الناس لقوة تقتلهم لمجرد الكلام، أو يخشى شيء غيبي من أن يتفوه البشر بأمر لا ينبغي أن يأتي على شفاههم .. الناس موتى لأنه لم يسبق لهم أبدا أن تكلموا في ما يمكن أن يجلب لهم رائحة اليقين أصلا .. اليقين الذي يحررهم نهائيا من الحياة والموت .. من كلمات الحياة والموت.
لا يمكنني إذن تجاهل الإلهام أو التخيل الذي أثاره التحريض الفانتازي للقصة عندي .. التساؤل الذي يبدو متسقا ـ حسب ما أرى ـ مع استدعائها لخبرة العصور الوسطى: لماذا لا يكون هناك من يقتل الناس فعلا لتخليص العالم من الكلمات باعتبارها ـ كما تتطلب الحكايات الخرافية أحيانا تحديد هوية واضحة للشر ـ سر الشقاء ومصدر الألم؟!.
لا يمكنني أيضا تجاهل أشباح أخرى: هل تكمن اللعنة حقا في النطق؟! .. ماذا عن الإشارات والكتابة والتعبير بالسكون؟! .. هل يرتبط الموت أكثر ـ لازلنا ملتزمين بمنطق العصور الوسطى! ـ يرتبط بالتكلم والسمع نتيجة التنقل والانتشار الفوري واليسير للكلمات ومن ثم تناسلها وتكاثرها كإجراء روتيني يخص أبديتها، أم أن لكل شيء موته الخاص لأن ما يقتل ليست حروف لغة ما وكيفية وجودها، وإنما ما تركه الزمن في جذورها قبل أن يوجد أحد .. وما لم يتركه؟!



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات: backspace
- عدم التعرّض للآلهة
- يوميات: احترام المعجزات
- يوميات: ( مدحت )
- لا يوجد موت مفاجيء
- يوميات: الشكل العادي للجنون
- رائحة الفم الكريهة
- Hitomi Tanaka In The Bus
- كلما كان هناك ولم يجد شيئا يفعله
- ( وهج ) أماني خليل
- بورخيس
- بالإصبع الصغير لقدم أعمى
- حرب منتهية
- كيف يكتب ويقرأ أنسي الحاج ؟
- باب المشرحة
- اللعب بالفقاعات
- قراءة المذكرات
- قتل فرويد
- سلطة الجسد في ( مثلث العشق ) ل شريف صالح
- المتسول


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - عن (كلمات الموتى) ل فيليب كلوديل