أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - ( وهج ) أماني خليل















المزيد.....

( وهج ) أماني خليل


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 19:39
المحور: الادب والفن
    


في روايتها الجميلة ( الوهج ) تتمسك ( أماني خليل ) من خلال شخصية ( ريم ) بضرورة إعطاءنا كافة المفاتيح والإشارات الممكنة للتفكير والتساؤل عن قدر غامض، ساخر، يتعمد في كل لحظة إثبات براعته في تشكيل المآسي وترتيب تواريخها .. تبقينا طوال الوقت في مواجهة إرادة كونية مبهمة، محصنة ضد اكتشاف أسبابها ومبرراتها وغاياتها .. أعطتنا دوافع لتفحص ومحاكمة الأحلام والوحدة والفقد والموت والتناقضات الأزلية المحيرة للرغبة التي اعتقلت وجودنا داخل أنساق ومسارات إجبارية خالية من ثغرات التحرر أو الفهم.
( أن ترزح كل نجمة وحيدة تحت وطأة ذلك المسار اليومي بين الاشتعال والانطفاء. لا يشهد حياتها أحد ولا يحضر رحيلها أحد، أن تبقى النجمات تستصرخ أحدهم كي يراها بينما يراقب المارة أرصفة الطرقات الصامتة الصلدة التي تهترأ تحت وطأة أقدامهم يوما بعد يوم ولا يلقون بالا. تراقب ريم ذلك الميلاد والموت اليومي لنجماتها بينما لا تملك إلا أن تودع وهج نجماتها الوحيدات اللاتي يقتلها نور الصباح كل يوم!. ويبقى في خيالها بين اليقظة والنوم أكوام من الأسئلة تعلو يوما بعد يوم ).

الاسكندرية وما تبقى من كزموبوليتاينتها لم تعد في الرواية مجرد مكان يرصد أو يعاد اكتشافه أو ترسم له صورة من الأفكار والمشاعر الشخصية عن تحولاته وتبدلاته الملغزة، وإنما صارت فرصة مهيأة لاقتفاء أثر سير نسوية ( كزموبوليتانية ) مهملة .. ريم، هالة، الأم، إحسان زوجة الخال، سناء، مدام ناني، تاكو .. شخصيات وحكايات وأزمنة مختلفة داخل مشهد غربة هائل .. نجمات لا يلفت حياتها أو موتها انتباه أحد ككل ما يشبهها من النساء اللاتي لم يأت ذكرهن في الرواية ومع ذلك يمكنك أن تشعر بهن وأنت تقرأها.
( تبكي أمي حين أقل بضع درجات أو حين أتأخر في الخارج مع أو عند هالة .. حين أذهب للكوافير أقص شعري، أو أتأخر في جلب ما تحتاجه أيا كان! تبكي بكاء هيستيريا. تلطم خديها وتنهار في فراشها لعدة أيام. مر وقت كنت أتغلب على مرارة تلك الأيام بإطفاء أعواد الثقاب في ساعدي؛ لأصنع جرحا، فندبا ربما احظى منها بقليل من الرحمة أو الاهتمام البسيط .. تعددت الندبات التي هي آثار لتلك الحروق. مرت سنوات وبقيت تلك الآثار كنجوم تلمع، خلف كل ندبة ألم وحكاية ).

حروب ( ريم ) في الرواية لم تكن ضد النساء اللاتي عاشت معهن أو اللاتي حصلت على معرفة ما عن حياتهن ـ وهو ما ينطبق ربما على كل امرأة أخرى في الرواية ـ وأيضا لم تكن ضد أشباحهن وذكرياتهن التي تسكن بداخلها .. كانت بشكل أعمق في تصوري ضد رغبتها في امتلاك حضورهن المغاير .. في الحصول على ماضيهن وهي في أشد حالات الرغبة في الانتقام منه أو محوه .. أرى ( ريم ) أشبه بأمنية سرية .. بشهوة مخبوءة في العيش بطبائع وسمات وأحلام من أجبرتها الحياة على مواجهتهن وامتلاك خبراتهن البديلة حتى لو كانت تعتبر تلك الخبرات من جانبها شرورا مؤذية تحالفت لصالح شقاءها .. حروب ( ريم ) بالأساس كانت ضد هذا الإلحاح الباطني لكسب النماذج الأنثوية المضادة والتخلص منها .. تغيير مصير كل منها أو تفادي قدر أكبر من شراسته الحقيقية، كأنها بذلك ستخلق حياة أخرى ومصيرا آخر لنفسها .. هل كان يرجع ذلك إلى أن ( ريم ) كانت ترى نسخة منها كامنة في حياة كل امرأة أخرى ؟.. أن كل واحدة منهن تحمل ( ريم ) في داخلها بشكل ما، وبالتالي فحيازة وجودهن يعطيها أملا في إنقاذ نفسها بواسطتهن خاصة مع وعيها بفشل الوحدة في التفاوض مع هزائمها ؟ .. ربما أيضا يعطينا التفكير في هذا حافزا للتعرف على محاولة إنهاء الغربة بين ( ريم ) وبينهن حينما تتحول إلى ذات يسهل عليها ترويض هواجسهن المتنافرة في جسد واحد محمي من الخيانة .. أرادت ( ريم ) الوصول إلى كونيتها الغيبية في مقابل التدابير الكونية لآلامها.
( أحيانا كانت تطاردها كوابيس الظهيرة، صورة سناء، أو مناجاة من أبيها في سجن يشبه " جوانتانامو " لمعتقلي الحروب العرب، وفاة كريم في حادث سيارة، ومشاهد فاحشة بين هالة وحسام. اللعنة هل يتركها حسام من أجل هالة في يوم ما .. ليتها تختفي هي الأخرى .. ليتها تلحق بسناء .. ليس من العدل أن تفقد المرأة رجلها من أجل صديقتها أبدا. هكذا تحدث ريم نفسها وتطمئن هواجسها!! ).

مثلما أرشد ( والتر سكوت ) ( إيما ) بطلة الأيقونة الكلاسيكية ( مدام بوفاري ) لـ ( جوستاف فلوبير ) إلى أحلام القصور القديمة والشعراء الذين يغنون أشعارهم على القيثارة والنبيلات المتشوقات لمقدم الفرسان على جيادهم، أرشد ( باهر ) ( ريم ) إلى حلمها الخاص :
( بينما كنت محدقة ينتقل ذهني بين مشاهد سريعة من كوني أنا نفسي قد أكون ( جالا )، وباهر هو ( دالي ) المتمرد!!. أنزلق أمامه على كرسي جلدي لدِن رخو، نصف عارية، يقدم لي حبات العنب، كغواية وعربون محبة، بينما ألتهمها على مهل. يقرأ لي " دالي " أبياتا من الشعر ويحكي لي عن فحولة أجداده العرب، الذين حكموا شبه الجزيرة الأيبرية لقرون، يحكي لي عن قصص عشقهم وإفراطهم في الجنس، وحبهم للثراء والترف في الملابس، وشرههم في الطعام والجنس، بينما يزيح خصلات شعره السوداء الناعمة عن جبينه، أتخيله نصف عربي، نصف أوروبي. بينما تفض فرشاته بكارة اللوحة البيضاء التي يرسمها لي. وبينما أشرد بعمق، رن هاتفي المحمول في الحقيبة وعلى الطرف الآخر كان حسام!! ).

كان ( شارل بوفاري ) زوج ( إيما ) طبيبا أيضا مثل ( حسام ) زوج ( ريم ) وقد يكون هذا سببا ـ من ضمن أسباب أخرى كثيرة ـ لجعلي متأكدا من أن ( إيما ) حينما كانت تفتح الصالون الصغير الذي ترى فيه نفسها بداخله ترقص على نغمات ( الفالس ) وتدور بين المقاعد الوثيرة والأرائك والموائد والمرايا كانت ترى ( ريم ) أيضا :
( على الأرضية الخشبية تسطع أضواء مبهرة، موسيقى " تانجو" تنبعث من اللامكان بينما ترتدي ريم فستان أسود قصير يكشف عن كتفيها، يلتف حول عنقها حمّالتان بلون فضي معقودتان بشكل متقاطع من الظهر. حذاؤها الأسود العالي يدق الأرض بقوة محدثا خبطات حماسية، تلف وتدور وتضرب الأرض. نشوة هائلة تعتريها، وجمالها تزيده وردة تستقر فوق أذنيها، بينما شعرها ذو التموجات مجموع من الخلف.
أما باهر كأن وجهه الملتصق به له ملامح السيد " بيترو أرماني " المربع ذو البشرة البيضاء المشربة بالحمرة، بطوله الفارع وجسده العريض، فيضرب الأرض بكعب حذائه معها يدوران بخفة وتناغم شديدين لكن بقوة وحماسة، الصالة المظلمة تحيطهما، بينما الأنوار المبهرة تلاحقهما أينما دق كعبا حذائهما، وتستقر أخيرا بين ذراعيه، في حضنه حرارة تنبعث من صدره وعنقه لتطمئنها وتجذبها إلى عمقه السحيق؛ يلثم شفتيها بقبلة حارة، يعتصرها بين ذراعيه وكأنهما قاع الهاوية، كفاه يدوران في دوائر لانهاية لها على ظهرها كأنه يبحث عن منفذ إلى قلبها، تترك نفسها له لتذوب إلى مالا نهاية، خدر لذيذ يلف عقلها خفة أشبه بالطيران ).

الرجل في الرواية يمثل دائما الغياب .. هو تاريخ التخلي والفقد والحضور السلبي الذي لا تزال تراكماته مستمرة في التزايد والتعقيد .. عدا ( باهر ) مهندس الديكور ابن ( حسن باشا ) و( تاكو ) ابنة الخياطة الأرمينية الهاربة من المذابح التركية، والذي كان يمثل وعدا سحريا لـ ( ريم ) بمعالجة جروح الفراغ الوحشي الذي ساهم الأب والخال والزوج في تثبيته داخل ذاكرتها .. كانت تريد ( باهر ) أن يكون كل هؤلاء معا وأن يكون نقيضهم وأن لا يكون موجودا أصلا.
( كان الوحيد الذي يسمع لها باهتمام ذكرياتها عن سناء وعن رحيلها المفجع، عن أبيها الراحل إلى بلاد غريبة، عن انكسارها ورائه، عن أمها القلقة الملتاعة مثلها. كثيرا ما كانت ريم تضبط إيقاع روحها، يتجه إلى موجة اللوع التي طالما كرهتها في أمها. تحدثه عن كريم.. كيف أن حضنه يشفي روحها وكيف أنها تتمنى أن يكون كريم أبيها الذي خرج من رحمها. تحدثه عن انشغال حسام وجفوته، عن هالة وما فعلته في سعد وأمه. الوحيد الذي لا يسخر من حديثها ويربت على روحها عند الحاجة هو باهر، في الصباح يطمئن عليها هاتفيا ويتابعان الحديث عن الجديد في الديكورات أو معارض الفن التشكيلي الجديدة، أو حفلات الأوبرا في المدينة الصغيرة، في المساء تختلط صورة الصديق بالحبيب في أحلام ريم تمتزج الرؤى بالكوابيس ).

هل من الممكن قراءة علاقة ( هالة ) بـ ( باهر ) وحملها منه قبل موته في حادث ضمن سياق انتقامي من الأب وصورته الراسخة بصرامتها في وعيها وهو الذي كان سببا من أسباب النجاح في حياتها كسيدة أعمال، وفي نفس الوقت كطريقة أيضا للحصول على ( حسام ) زوج ( ريم ) رغم كل ما جاء في خطابها طوال الرواية عن الحسابات العملية وقوة العقل التي تحميها من هزائم العاطفة وتفاديها الوقوع في فخ الزواج والأمومة؟ .. هل كانت تحلم ( هالة ) بنفس أحلام ( ريم ) كلما تأملت وجه ( سناء ) عاملة مركز التجميل التي انتحرت في النهاية هروبا من قسوة زوجها وأمه رغم الاحتقار الذي كانت تقابل به دموعها واستسلامها؟ .. ربما شعرت أيضا في كثير من الأوقات أنها تعيد حياة ( ناني ) و( تاكو ) بشكل ما، وربما أيضا كان لديها توقع لنهاية حياة ( سناء ).. السيطرة على الوهج التي لا يُسمح للمرأة بامتلاكها.



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورخيس
- بالإصبع الصغير لقدم أعمى
- حرب منتهية
- كيف يكتب ويقرأ أنسي الحاج ؟
- باب المشرحة
- اللعب بالفقاعات
- قراءة المذكرات
- قتل فرويد
- سلطة الجسد في ( مثلث العشق ) ل شريف صالح
- المتسول
- السينما المصرية القديمة : أحلام سكان المريخ بالأبيض والأسود
- إعادة التدوير
- القرية وأسئلة الحنين في رواية - وغابت الشمس - ل - السعيد نجم ...
- تفاصيل الموت
- غريزة الكتابة
- الثورة والخيال المابعد حداثي
- أسئلة السُلطة
- المزاولة
- سلطة الصحفي الأدبي من الورق إلى الانترنت
- ” لون الماء ” : ضرورة تشريح الماضي


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - ( وهج ) أماني خليل