أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - الحسد اللاشعوري















المزيد.....

الحسد اللاشعوري


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4064 - 2013 / 4 / 16 - 20:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كل مآسينا تقريبا تنبع من صلاتنا بالآخرين
¤ آرثر شوبنهاور

بحكم أن الإنسان يكبر ضمن مجتمع، فإنه ينمو ويكبر ويعيش مع الآخر، هذا الآخر الذي يلعب دورا كبيرا في سلوكه وتصرفاته. بل قد نقول أن أكبر نسبة من السلوك سببها هذا الآخر، إما للفت انتباهه وادهاشه أو لرفضه وإبعاده. فالآخر هو الجحيم عند سارتر، والآخر هو الجنة عند غابرييل مارسيل.
في المجتمع الصغير أي الأسرة، قد نرى في بعض الأحيان أن لدى الطفل أمنية في الحصول على أخ للعب والاستمتاع. لكن ما إن يأتي هذا الأخير حتى يلحظ الطفل أن اهتمام الوالدين انكبّ على هذا الزائر بحكم أنه ضعيف ويحتاج رعاية زائدة. فيجد الطفل نفسه في صراع مع هذ المنافس الذي سلب اهتمام الوالدين. ولطالما تناولت الدراسات النفسية والكتابات التحليلية هذا الأمر الذي يعرف بالحسد الأخوي أو عقدة قايين(قابيل)، مايشير للعدوانية الموجهة نحو المنافس.

وبالانتقال من المجتمع الصغير إلى المجتمع الكبير فإن الأمر لايختلف كثيرا، فالتنافس الطفولي حول كسب اهتمام الأم والأب، يتحول لتنافس اقتصادي لكسب اهتمام الآخر وذلك بالتفوق على الأقران، ويمكن أن نعتبر اللفظ الأخير مضمون الفلسفة الرأسمالية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو من هذا الآخر الذي استُبدل بالأب والأم ؟
يمثل الوالدان(أو أحدهما) بالنسبة للطفل، موضوعا يمنح الأمان والحب والرعاية، لدى يسعى لكسب اهتمامه حتى تظل هذه الثلاثية مستمرة. ولدى خروج الإنسان من مرحلة الطفولة والمجتمع الصغير وانخراطه في المجتمع الكبير كإنسان راشد قادر على توفير الأمان والرعاية لنفسه، فإن الحب يحتاج لطرف خارجي حتى تكتمل الثلاثية المحققة للتوازن. فإن كان الإنتماء للمجتمع الصغير يتمثل في حب الوالدين(أو أحدهما)، فإن الانتماء للمجتمع الكبير يلزمه حب من أطراف منتمية لهذا المجتمع، يجده الشخص في الصداقات والعلاقات العاطفية التي تفيد أيضا التناسل أو الإشباع الجنسي.
فإن كان الدافع للحسد عند الطفل هو خوفه من رفض الوالدين له وتعلقهما بالآخر، فإننا نقول بأن الدافع للحسد عند الراشد هو الخوف من رفض المجتمع له والتفات هذا الأخير لشخص آخر. نوضح هذه النقطة عندما نقارن تصرفات الطفل المقلدة لذلك المنافس ظنا منه أنها هي من سبّب لفت الانتباه (وغالبا ما يُلاحظ أن الطفل يعود بسلوكاته لسنوات طفولته الأولى)، من ذلك نجد الراشد يقلد الشخصيات التي تلفت انتباه المجتمع كمشاهير الفن والرياضة وعارضي الأزياء، فالتشبه هنا والتقليد ليس حبا في هذه الشخصيات بقدر ماهو محاولة لتحقيق الهدف الذي حققه النجم وهو الحصول على اهتمام المجتمع. هذا الحسد الغير ظاهر اخترنا تسميته بالحسد اللاشعوري أي الحسد المكبوت، كذاك الذي يكبته الطفل عندما يقلد أخاه الصغير، لأن حسده الشعوري يكشفه بالتعبير الصريح بِكُرهِه لهذا الصغير بل ومحاولة إيذائه وضربه، ولايخفيه كما أشرنا بتلك الحيلة المذكورة.

منذ الصغر يتلقن الإنسان أن إظهار الحسد أمر مرفوض ويجعل صاحبه شخصا شريرا، لكن هذا الإحساس أمر طبيعي يظهر في الإنسان بحكم عَيشه واحتكاكه مع الآخر. لذلك فإن أي تفوّق يقوم به هذا الآخر، يجعل الشخص هنا في وضعية نقص قد تجعله مستبعدا، لأن الآخر قد يُميل كفة انتباه المجتمع لجهته بفضل تفوقه. ولانعني هنا بالمجتمع الجمهور بالضرورة، بل مجموعة من الأشخاص كالمعارف أو الأصدقاء أو حتى شخص واحد قد يختزل الإنسان فيه المجتمع كما نجد في العلاقات الغرامية. النقص هنا يدفع صاحبه لمحاولة إثبات التفوق حتى يعيد رجحان الكفة لصالحه، لكن الإحباط المستمر أو صعوبة تحقيق الأمر تولد ألما داخليا يدفع صاحبه للبحث عن فرص لتفريغ عدوانه باختلاق الخلافات وصراعات مع المتفوق، وقد نرى حدوث ذلك بين المشاهير أنفسهم كما نراه يحدث بين الناس العاديين الذين يسقطون احساسهم اللاشعوري على بعضهم البعض بتهمة الحسد وإفشال مشاريعهم، فبحسب الثقافة الشعبية فإن سبب الفشل المتكرر هو عين الحاسد التي تطلق أشعة لم تُكتشف بعد ! ، كافية بتخريب طموح الآخر وقلب حياته، وهذا التفسير الذي لايُضحك حتى لو اعتبرناه نُكتة. إنما هو في الأصل خرافة مصرية تعود إلى عين أبوفيس الشريرة المصورة على جدران بعض المعابد الفرعونية، تسربت إلى الحضارة اليونانية ثم الرومانية حتى وصلت عصر الحاسوب والآيباد. وأبوفيس بحسب نصوص التوابيت هو آلهة الشر في الميثولوجيا المصرية القديمة له شكل ثعبان، منه ارتبطت العين بالشر والسُّم كما نرى في تعبير (النظرة سهم مسموم..) كسبب للخراب !! . زيادة على بعض اللهجات العامية التي تشير للإنسان الذي يكره من يتفوقون عليه بلقب "المسموم" أو "المسمومة".

إن الإحساس الدوني المستمر يولد احتقارا ذاتيا يدفع صاحبه للتخلص منه وذلك بإسقاطه على الآخر إثر أي فرصة سانحة لذلك، وباعتبار الاحتقار حالة تدميرية فإننا نراها بأوضح صورة في حالات الشغب التي يقوم فيها المعبرون عن غضبهم بتدمير ممتلكات الآخرين كرغبة لاواعية بحرمانهم مما هم محرومين منه، بغية محو الفروق وانتقاما من تفوقهم، الأمر الذي يكشف لنا عن حسد لاشعوري كدافع. وإن سبق وذكرنا خلافات المشاهير وتحقير بعضهم البعض، فإننا نجدها كذلك بين رجال الدين الداعين إلى التخلص من الحسد كأسوأ أنواع الشر الإنساني. فما إن يكسب رجل دين شهرة ومعجبين حتى يتهافت الآخرون على تحقيره وكشف أخطائه بل حتى ينصحون معجبيه بأنه يُضلهم. وقد نلمس ذلك أيضا في حديث كلا الجنسين عن شخص عندما يختمون(حديثهم) ب"أنا لاأهتم، الله يزيدو" أو "لاأتمنى له إلا الخير"، لكن من لايهتم لايتحدث أصلا عن الموضوع، وما الأمنية هنا إلا إخفاء لعكس مايضمرونه. وقد نجدهم لدى حصول الخراب، "يتحدثون عن آلام ومصائب وحيوات الآخرين وكأنهم مهتمون وقلقون بالفعل، ولكن الحقيقة أنهم يتمتعون بمعاناة الآخرين"(1). لأن من سببوا الألم صاروا الآن يعيشونه كذلك وهذا كاف للتخفيف أو تفريغ إحساس الألم الذاتي، ويحصل ذلك مثلا عند فشل الزيجات والمخاصمات العاطفية، حالات الإفلاس وماشابه ذلك.

إن الحسد أمر طبيعي بل هو شعور صحي يدفع الإنسان للإنجاز وإبهار الآخرين فيجعله شخصا قادرا على العطاء، لكن عندما يطفو ويتضخم فيدفع للعدوان، يعتبر أمرا سيئا. وقد يعود السبب في ذلك للتربية والتلقين الذي يقيد الإنسان بأسلوب ونمط عيش محدد، فلا يختلف البشر عن القردة في تقليد بعضهم البعض، زيادة على التركيز على المقارنة بين الأفراد. وبالحديث عن المجتمع الاستهلاكي التملكي، فالوسائل(سيارة، بيت، أزياء، علاقة...) تصبح غايات يسعى الإنسان لامتلاكها، وتتسبب في آلام نفسية عندما يجد الشخص أنه دون الآخرين لا يمتلكها، فالإيحاء الاستهلاكي يُلزمه بأن لايختلف على الآخرين، ويمتلك مثل مايمتلكون وإلا فهو دونهم. وهذا ماجعل من التّسوق الهواية الأكثر ممارسة في العالم ! .
أما عن احتقار الآخر من دون دليل على ذلك، فليس اكثر من "إشفاء غليل" ومحاولة عكس الإحساس الداخلي وإسقاطه عليه. لدى يجب أن نتعلم كيف نفرح لأنه "كلما تعلمنا كيف نفرح أكثر، إلا و نسينا أكثر كيف نؤلم وكيف نبتدع ضروبا من إيلام الآخرين"(2). فكلنا حسدة لاشعوريين.

هناك فرق بسيط نريد توضيحه، هو أن الغيرة تختلف عن الحسد باعتبار أن هذا الأخير هو سعي الإنسان أن يمتلك مثل ما لدى الآخرين، أما الغيرة فتدفع صاحبها للانفراد بالشيء دون الآخرين أي رفض التقاسم والمشاركة، وغالبا ماتُحدد فقط في العلاقات العاطفية. فالغيور هو من يرفض تقاسم حب الشخص المرغوب مع الآخر، وهو ما يعرف بالبخل على مستوى الأغراض. أما الحاسد (اللاشعوري خصوصا) فلا يرفض بالضرورة تقاسم الشيء إنما فقط أن يمتلكه أو يمتلك مثله ويلغي الاختلاف والتفوق. فكثيرا ما يتم خلط هذا الأمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 : باولو كويهلو - فيرونيكا تقرر أن تموت، ترجمة ظبية خميس، دار الهلال 2001م ـ ص31
2 : نيتشه - هكذا تكلم زرادشت، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل ط1 2007م ـ ص162



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطرف كمرض نفسي
- التعري.. احتجاج أم دعوة جنسية ؟
- كشف حيلة المستغل
- الجنون الجماعي الحديث
- الحيض بين الطب والدين
- لما النساء تكره العاهرات ؟
- سيكولوجية الحب : الذل كشرط
- عقدة لوقيوس والنرجسية
- عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
- تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص
- سيكولوجية الخيانة : تحليل لدور الضحية
- سيكولوجية تدمير المرأة
- الكوتش أو المُخدر اللغوي العصبي
- سر العين الثالثة
- سيكولوجية البيدوفيلي أو المتحرش جنسيا بالأطفال
- الباراسيكولوجي أو الهلوسة باسم العلم
- سيكولوجية الجيغولو أو دعارة الرجال
- المتأخرات زواجيا : لعنة اختيار أم حظ عاثر ؟
- سيكولوجية المومس


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - الحسد اللاشعوري