أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - الجنون الجماعي الحديث















المزيد.....

الجنون الجماعي الحديث


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 01:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في العالم من الحمقى أكثر مما فيه من الناس
¤ هاينرش هاينه

من السهل التعرف على إنسان مجنون كفرد، من خلال معاينة ردود أفعاله الغريبة واللامنطقية. أما بالنسبة لجماعة من المجانين أو تتصرف كالمجانين فالأمر يصعب، نظر لأننا لم نألف رؤية مجانين مجتمعين خارج أسوار المستشفيات، بل أحيانا قد يجد الإنسان نفسه ضمن هذه التجمعات الجنونية دون أن يلحظ أنه هو أيضا صار مجنونا.

كبداية فأول لمحة عن جماعة من المجانين يمكن أن نراها "في مباريات كرة القدم المعاصرة، حيث يركض اثنان وعشرون مُهرجاً منزوعي التفرد بالزي الموحد الملون، في المستطيل العشبي وراء كرة، ليكونوا مبررا لاستعراض الجنون الجماعي". ف"الرياضة في زمن أفلاطون كانت وسيلة، ولم تكن غاية، مثلما تحولت في هذه الأزمنة البلدية من الحياة. كانت تفيد في إغناء متعة البشر، وتنشيطها وإطالة أمدها بتقديم جسد بديع، مشدود، بلا شحوم، متناسب ومتناسق"(1)، وذلك لأن الإغريق أعلَوْ من قيمة الجسد، وركزوا على جماله للحث على التشبيه والتماهي بالآلهة. ولهم تعود أصول أغلب الرياضات المنتشرة حاليا، المعبّرة عن جنون جماعي لاغي للعقل. فحتى الأولمبياد نجدها مستلهمة من الطقوس الرياضية الموسمية التي كانت تقام بقرية أوليمبيا على شرف زيوس، بغرض استعراض الأجساد وحركات الجسم تكريما لآلهة الأولمب. فمثلهم مثل الفينيقين ربطوا المتعة الرياضية بالدين وليس بالاقتصاد والقومية كما يحدث الآن، حتى أصبحت قيمة شعب مرتبطة بجماعة من السبّاحين أو المُهرولين، ترتفع بهم أو تنخفض. لأنه من الجنون أن نجعل سمعة 50 مليون شخص منهم الفنانون والمفكرون والعمال والعاطلون والمغفلون السياسيون، في أيدي شخص أو 3 أشخاص يقفزون ويلعبون هنا وهناك. بل قد نجد بسبب التأثير الجماعي والعدوى الجماهيرية أن تلك ال50 مليون تفرح عندما يقفز ذلك الشخص بشكل جيد، وتحزن إن تأخر عن اصدقاءه في اللعبة أو لم يلعب بشكل جيد. فالرياضة في الأخير ليست أكثر من لعبة مهما بلغت من التعقيد وكثرة القواعد، لا تحتاج لكل ذلك الانفعال الجماهيري الرهيب المترتب عنها. بل قد يصل الأمر لصراع سياسي وقومي بدل أن كان تنافسا ترفيهيا بين جماعة من البهلوانيين. ولطالما ذكّرتنا مثل هذه الأمور بصاراعات الجيران الملحمية، والتي نجد سببها خلاف بسيط نشأ بين صغار هذه العائلات خلال لعبهم الكرة أو الخذروف، فتطور لحرب طراودة.

وبالحديث عن التجشيع الجماهيري، فإن البعض يجد فيه فرصة لتفريغ كبته بالصراخ والقفز والضرب والتبول والإنشاد المضحك المصحوب برقص القبائل الإفريقية. فأين التشجيع هنا ؟ لأن هذه الأمور تكشف عن جنون، جنون يقوم به آلافٌ من الأشخاص الطبيعيين(ربما !) الذين يتحيّنون فرص إحراز هدف، حتى يندفعوا كأنهم سيحررون دولة محتلة. فهل من المعقول أن يصل الإنسان للبكاء الهستيري والانهيار العصبي لأن كرة صغيرة مملوءة بالهواء تجاوزت خطا أو لامست حبلا، هذه الكرة التي أغلبهم لا يعرفون وزنها ولا مادة(وكيفية) صنعها ؟
أما بالنسبة للشعارات التي مفادها أن هذه الألعاب تعبر عن النبل والشهامة والاحترام والسندباد البحري والأقزام السبعة، كما يمكن أن نقرأ ذلك في القسم الأولمبي الذي وضعه بيير دي كوبيرتان ويقول : "نقسم أنّنا نقبل بالألعاب كمثابرين شرفاء، نحترم قوانينها، ونسعى للاشتراك منها بشهامة". فهذا ليس صحيحا إنما العكس هو الذي يحدث، ف"من أجل أن تكسب سباق المئة متر.. لا تتورع عن دس الزرنيخ والسيناتور في حساء منافسك، وتبتلع كل أنواع المنشطات النباتية والكيميائية أو السحرية التي تضمن لك الفوز، وترشو الحكام أو تبتزهم، وتدبر مكايد طبية أو قانونية لتفقد خصومك أهليتهم، وتعيش اختلالا عصبيا من أجل تثبيت الفوز، والرقم القياسي، والميدالية، والمنصة". فمن الحماقة "استخدام عبارة {روح رياضية} بمعنى الرياضي النبيل المعبأ بالفضائل التحضيرية، في حين أن من يتوارى خلفها هو قاتل كامن مستعد لإبادة الحكام، وسحق كل متعصبي الفريق الآخر، وتدمير الاستادات والمدن التي تأويهم، وإحداث القيامة". فقط "لمجرد أن ينال ناديه كأسا من فضة مزيفة أو من أجل أن يرى معبوديه الأحدى عشر، يصعدون إلى منصة، مزدهين بصورة مضحكة بسراويلهم وقمصانهم المخططة، أيديهم على صدورهم وعيونهم مبهورة، يغنون نشيدا وطنيا!"(2). رغم أن كوبيرتان قد وضّح لهؤلاء المجانين الأمر بقوله : "إن أهم شيء في الألعاب الأولمبية ليس الانتصار بل مجرد الاشتراك".
ولا يقف الجنون عند هذا الحد بل نراه يستمر داخل استوديوهات تحليلية يتواجد بها مثرثرون رياضيون، يعملون على إعادة بعض اللقطات وتحليلها لمنحها هالة سحرية رغم أن البهلوان الذي قام بها لم يتعمد فعلها، إنما حدثت نتيجة جذبه داخل الملعب. فتجد هؤلاء المحاربين المزيفين القدماء يتشاجرون(نظرا لإصابتهم بالعدوى) حول ركلة أو شقلبة. أمور تافهة لايهتم بها الإنسان إلا في حالة فقدان عقله. فمن يهتم بتحليل تصرفات شخص يحمل صفارة وأوراقا ملونة يعرضها أمام وجوه أصدقائه وهم يركضون فيلحق بهم حتى يرى أين ستتدحرج تلك الكرة كي يبدأ بالصفير، أو تجده يقف خلف خط مرسوم يحمل في يده عصاة صغيرة مربوطة بقماش، فيركض يمينا ويسارا دون أن يطلب منه أحد ذلك!. لكن الغريب هو أن مثل هذه البرامج تجد إقبالا ومتتبعين ينصتون بتأمل وتركيز مدهش، كأن البرنامج يقدم نظريات عمّا حصل قبل الانفجار العظيم.

نجد كذلك جماعات مشابهة لما سبق، تتجلى في موسيقى الروك والراب والحفلات المصاحبة لها، فترى حشدا يقوم بتصرفات ورقصات غريبة مشابة لطقوس الأديان الوثنية القديمة. ويقال أن الفن رسالة، فأي رسالة يعبر عنها هؤلاء بجنونهم؟ إلا إن كانو يعبرون عن كبث جنسي نظرا لاستقطابهم لأعداد كبيرة من المراهقين يجدون في هذه الأمور متنفسا للتمرد على سلطة المجتمع مطالبين بحرية جنسية، تظهر في احتكاكهم الجماعي وتلاصقهم ببعضهم البعض!. فالموسيقى كموجات صوتية منتظمة تحتاج من الإنسان هدوءا وتركيزا حتى يستمع ويستمتع بل حتى يستطيع مجاراتها في الرقص، لا أن يصرخ ويقفز كأنه في جلسة تعذيب. وبالحديث عن الموسيقى لا ننسى حُمّى البرامج الاستهلاكية المهووسة بالبحث عن المواهب الغنائية، والتي تغسل أدمغة المشاركين حتى يظن الواحد منهم أنه اختير للصعود في رحلة إلى القمر. يقومون بردود أفعال للتعبير عن الفرح والسعادة لايقوم بها حتى من فازوا بجوائز نوبل، هذا دون ذكر ردود أفعال الخاسرين أو المنسحبين (كأنهم طُردوا من الجنة). رغم أن ذلك الجنون الموسيقي سرعان مايخبوا بعد أسبوع من انتهاءه، فينسى الجميع تلك الغوغاء بحفلاتها ومشاركيها وفائزيها ومؤطريها المعانين من فقر ثقافة موسيقية.
لكن نجد أفضل من يعبر عن الجنون الجماعي، هم تلك الطائفة من الأشخاص السادومازوخيين الذين يتقاتلون داخل أقفاص بملابسهم الداخلية، جماعة من "أجسام بغال عقول فراشات" تُعبّر بأغرب طريقة عن قمة الغباء الإنساني، فيقلبون بذلك نظرية داروين مُبرهنين أن القرد هو من تطور من الإنسان وليس العكس. والأغبى منهم أولائك المشجعون الساديون من يأتون بعد القردة والدلافين في سلم الذكاء، الذين يستمتعون بمشاهدة هذه الحماقة. فالحماقة حينما تدخل في تنظيم لاتبدو كذلك.

لطالما تساءلنا لو أن جميع مجانين المدينة(المشردين) اتفقوا في جنونهم ؟ فلن يعودوا بعد ذلك مجانين، إنما سيمثلون أقلية تعبر عن ظاهرة مثلهم مثل جماعة الهيبيزم أو الإيمو. ففردانية المجنون هي التي تميزه عن باقي البشر، لأنه متوحد ولا يندمج في قطيع، فتفرده بتصرفاته يجعله شخصا مغايرا لباقي أفراد المجتمع فيشكل بذلك حالة خاصة. من هنا نجد أن مجنونا يستمد جنونا من نفسه يستحق الاحترام على شخص طبيعي يندمج في قطيع ليستمد جنونا من الخارج.

يمكن الآن أن نقول أن بحث الإنسان عن موضوع يمثل القوة، هو الذي يدفعه للانخراط في الجنون الجماعي، ونظرا لارتباط الجنون بالاندفاع والصياح والتحرر وعدم الخوف، يجد الإنسان في الفرق الرياضية والموسيقية وسيلة يستمد منها القوة والشهرة وتحقيق التنافس وما إلى ذلك من أمور تعوض إحساسه بضعفه وتفاهته. وللتوضيح نجد الفرق المشهورة والقوية هي التي تستقطب معجبين وأتباع كثر . وغالبا ما نرى الشخص هنا يتماهى مع الموضوع، فيتكلم باسمه ويدافع عنه ويحزن لفشله ويفرح لنجاحه، ما يعرف بالارتباط الوجداني مع الموضوع(الفريق)، هذا الارتباط هو ما يجعل الأتباع يعيشون نفس الحالة الوجدانية مشكلين بذلك جمهورا قطيعيا متلاحما يمنح لكل منهم إحساسا بالأمان والقوة، فالموضوع هنا كأم تحضن أبناءها وتحميهم. لكن ما أن يبدأ الموضوع يضعف ويتكرر فشله، حتى ينفر الأتباع بل قد ينقلبوا عليه لتدميره(كما نرى في أحداث الشغب)، إنما هم يدمرون ضعفهم الذي انكشف والذي أسقطوه على الموضوع. فيتجهون لموضوع آخر أشد قوة ليندسوا تحت ردائه(ويبدأ الجنون من جديد).
فتباً لعقدة الانتماء!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 : ماريو بارغاس يوسا - دفاتر دون ريغوبيرتو، ترجمة صالح علماني ـ ص151
2 : المصدر السابق ـ ص155



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحيض بين الطب والدين
- لما النساء تكره العاهرات ؟
- سيكولوجية الحب : الذل كشرط
- عقدة لوقيوس والنرجسية
- عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
- تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص
- سيكولوجية الخيانة : تحليل لدور الضحية
- سيكولوجية تدمير المرأة
- الكوتش أو المُخدر اللغوي العصبي
- سر العين الثالثة
- سيكولوجية البيدوفيلي أو المتحرش جنسيا بالأطفال
- الباراسيكولوجي أو الهلوسة باسم العلم
- سيكولوجية الجيغولو أو دعارة الرجال
- المتأخرات زواجيا : لعنة اختيار أم حظ عاثر ؟
- سيكولوجية المومس


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - الجنون الجماعي الحديث