أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد العلمي الوهابي - في انتظار المهدي الذي لن يأتي...















المزيد.....

في انتظار المهدي الذي لن يأتي...


محمد العلمي الوهابي

الحوار المتمدن-العدد: 4058 - 2013 / 4 / 10 - 01:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن المتأمل لواقع المغرب، وماضيه، لتاريخه ومجتمعه، يستنتج ـ وبلا وافر دراية واختصاص ـ أن مختلف الإكراهات التي يعيش على إيقاعها هذا البلد هي ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب، بل هي مرتبطة بهذا الشعب منذ سنوات الحماية والإستقلال.
على مدى أزيد من خمسين سنة، لا يسع المتابع لشؤون هذا البلد سوى أن يستنتج حقيقة واحدة مريرة مفادها: أن على مدى نصف قرن لم يحقق المغرب إنجازاً يذكر على مستوى الخطابات التي كان يروج لها مثقفوه ومسؤولوه طيلة هذه المدة، وأن مشاكل ذلك العهد التي كانت تبدو يسيرة وطبيعية ومقدور على معالجتها إذا ما ربطناها بسيقاها التاريخي قد أضحت معقدة ومتشعبة في واقعنا الحالي، وذلك ليس سوى نتيجة لإيكال الأمور إلى غير أهلها، وانعدام الإرادة الحقة والمسؤولية عما يجري في البلد وعن متطلباته وتطلعاته.

غرق المغرب إذن، منذ حصوله على الإستقلال في دوامة من المشاريع والمخططات الإستعجالية الإرتجالية التي لم يكن أصحابها ينظرون إلى أبعد من أنوفهم، وقد بات من المعروف وبما لا يدع معه مجالاً للشك أن السبب الرئيسي لتخبط المغرب في مشاكله عائد إلى تخبطه في هذه المخططات التي لا تقوم على أساس صلب، ولعل أبرزها تلك المخططات التي استهدفت المنظومة التعليمية بالبلد، والتي بقيت متأرجحة بين الرغبة في القطيعة مع المنظومة التعليمية التي كانت تنتمي إلى عهد الحماية وبين الرجوع إليها عند فشل كل مخطط.

وكان من أبرز هذه المخططات التعليمية هو تعريب التعليم وطبعه بالطابع الوطني ومغربة أطره، كآليات استعجالية، وكرغبات تفتقر إلى بعد النظر من أجل إثبات استقلال المغرب وعودته إلى هويته... وقد كان القائمون على هذه المخططات وعلى شؤون البلد عامة، طغمة من الأشخاص الذين ينتمون إلى الحركة الوطنية إبان الإستعمار وينحدرون من أسر برجوازية، والمشاهد لما كانوا يروجونه أيام الإستعمار عبر مقالاتهم في مختلف الصحف المغربية آنذاك يخلص إلى أن ما كان يقود هؤلاء هو الحماسة المفرطة والعاطفية الجارفة التي تصل إلى درجة الرعونة والتعصب في بعض الأحيان، كانوا يسوقون لنظرة حالمة لمغرب ما بعد الإستقلال، مغرب عروبي متصالح مع جذوره مستأنف لأمجاده الغابرة يحقق الحياة الكريمة لشعبه ويتقدم هام الأمم الراقية، كانت تدفعهم في ذلك الحماسة كما أسلفت الذكر ولا شيء آخر، إذ أنهم كانوا يفتقدون النظرة الموضوعية لما يدور حولهم والمقاربة المنطقية لسبر أغوار الأمور والتخطيط الدقيق والصارم على المستوى البعيد، كما أنهم في مجملهم كانوا مستفيدين من العلاقات الكولونيالية التي رطبتهم بالإستعمار بطريقة أو بأخرى رغم تنديدهم بهذا الأخير في مختلف المحافل ورغم تزعمهم للبطولة والريادة واستفادتهم من أوضاع خاصة لم تكن معممة على الطبقات الكادحة التي تشكل الأغلبية من هذا الشعب.

وبالتالي، وحتى تنسحب فرنسا وإسبانيا من مجموع التراب الوطني، فرضت إدارة الحماية شرطاً لا رجعة فيه من أجل "منح" المغرب استقلاله الموعود، وهو التفاوض مع هذه الطغمة وتجاهل المقاومين الذين كانوا ينتمون للطبقة المهمشة والذين كانوا يفعلون النضال من أجل الإستقلال عبر الكفاح المسلح، فتسلم هؤلاء الزعماء مقاليد البلد بعد رحيل فرنسا وإسبانيا، وطفقوا يطبقون مخططاتهم العاطفية كيفما اتفق، فصنعوا من المغرب مختبر تجارب كبير لأهوائهم، ولم يجدوا معارضة حقيقية رزينة تتعقب هفواتهم الفادحة وأخطائهم التي بقي المغرب يدفع ثمنها إلى يومنا هذا، وهنا أضع علامة استفهام كبيرة حول السر من اختيار إدارة الحماية لهؤلاء من أجل التفاوض معهم؟ والربيب بالإشارة يفهم كما يقال.

كان في خطاب مثقفي المغرب تأكيد على الهوية الدينية للبلد وارتباطه بالشعوب المشرقية، وتأكيد كذلك على ضرورة الموافقة والمصالحة بين التعاليم الدينية ومتطلبات الواقع المعاش، ووقوفاً عند هذه النقطة، أدركُ أنه من اللازم مواجهة هذه الفكرة بكثير من الشجاعة والمسؤولية للقول بأنها لا تعدو كونها فكرة طوباوية أخرى قائمة على غير أساس، وأن محاولة تطبيقها أدت بشكل آخر إلى هذا التخبط الذي يسير فيه البلد على مختلف المستويات، فلا هذه الموافقة نجحت، ولا تغيير الفكرة تم، إذ ما زلنا نسمع ونرى في كل المحافل والندوات والمؤتمرات ترديداً أعمى لهذه الفكرة، ولا أدري حقيقة لماذا، أهو نوع من الإلتفاف حول الواقع وفقدان الشجاعة لمواجهة الحقيقة؟ أم أنه من أجل تنويم المجتمع المغربي ـ المنوم أصلاً ـ وفرض مزيد من الوصاية عليه؟
لا العودة إلى تطبيق فكرة الدولة الدينية الصرف أصبح ممكناً بكل مقاييس الواقع الذي أثبت عدم جدواها، ولا محاولة النهل من تجارب الأمم المتقدمة والخطو خطوات جريئة على درب التغيير حتى لو كان على حساب المعتقدات السائدة ممكن حسب هؤلاء، لقد نجحوا في فرض نوع خفي وخطير من العزلة والتشويش على المجتمع المغربي استهدف نظرته لنفسه وللآخر، وخلق مفارقات وتناقضات واقعية صادمة على مستوى الأفراد، وجعلوه يغرق في مستنقع مجموعة من القيم والأفكار البالية وتكرارها بلا طائل، والنتيجة كما يراها الجميع، التخلف الذي يشمل شتى المستويات والقطاعات الحيوية في البلد، وعلى رأسها التعليم والإقتصاد، وعجز المغرب التجاري المتفاقم، ومديونيته المتواصلة للبنك الدولي، واستمراره كسوق خارجي يلبي مختلف حاجيات الدول العظمى المستفيدة من الوضع ـ من منطق براغماتي ـ ومن أهمها فرنسا.

فرنسا وإسبانيا إذن لم ترحلا، أو لنقل، أنهما رحلتا بزيهما العسكري وعادتا بزيهما المدني من خلال السيولات الأجنبية المتدفقة والمحملة بمجموعة من الشروط والوصايات وبمآزرة من أعلى المستويات السياسية، فكان لزاماً أن يستسلم أحفاد قادة هذا البلد العاطفيين لحبوب مسكنة، ويفرضوا على أفراد المجتمع تناولها، في انتظار المهدي الذي لن يأتي...

وهنا لا يفوتني القول بأنني لا أحمل السبب بشكل أساسي لفرنسا وإسبانيا، ولا أروج لنظرية المآمرة، بل نحن فقط، من يتحمل مسؤولية هذه التبعات، كان في الإمكان الإقتداء أو النهل من تجارب مجموعة من الدول التي كانت نامية ذات وقت وأصبحت اليوم رائدة وفي مصاف الدول المتقدمة، كان في الإمكان استغلال فترة الحماية بشكل إيجابي والإستفادة من دروسها المرحلية وتوظيفها على أرض الواقع، لكن زعماءنا الأشاوس، ورغم إيقانهم بتقدم الغرب، واصلوا بكبرياء وأنفة محاولة رفض هذه الحقيقة، ومحاولة فرض قطيعة تامة مع الغرب بكل حسناته وسيئاته، والتي ـ بطبيعة الحال ـ لم تنجح في حال من الأحوال... فبقيت الأوضاع معلقة، لا نحن في العير ولا نحن في النفير، وكان تبني فكرة الإنضمام التام لدولة عظيمة كفرنسا وإسبانيا سيكون أقل سوءاً بكثير من هذه المكابرات الصبيانية والقعقعة الفارغة التي لم تنتج طحيناً.

والنتيجة، تعاقب مجموعة من مصارعي الطواحين والحكومات الفاشلة منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا وبمختلف أطيافها السياسية، وكأن نفس السحر ألقي عليها جميعاً، أو لعل سحر الكرسي أعماها عن المواصلة على درب تحقيق وعودها الكثيرة واللامسؤولة، وتشتت وضياع لأفراد هذا الوطن، وظهور منابر رجعية بديلة، تروج لمسكنات من نوع آخر مستغلة في ذلك أحدث التقنيات ومختلف وسائل الإعلام.

إذن، فالخلاصة التي يمكن إجمالها هنا، أن الإرتجال، والحماسة الشديدة والتعصب الأخرق للقيم الوطنية والدينية، والبعد عن التفكير المنطقي الموضوعي، وغياب أي مبادرة شجاعة وخلاقة أو على الأقل مواجهة شجاعة لإكراهات الواقع عن طريق الإعتراف وتحمل المسؤولية، وغياب طبقة مثقفة حقيقية مسؤولة وذات عزيمة قوية للتغيير، كلها عوامل أدت إلى استمرار المسلسل الممل من الإخفاقات التي يشهدها المغرب، والذي من الممكن أن يعرض في حلقاته القادمة تطورات خطيرة قد لا تحمد عقباها، فهذا الشعب الرازح تحت نير الكذب والخداع والخطابات السياسية المغلفة والخطط الترقيعية والتجارب غير المجدية والإستقطاب العاطفي الصرف إلى حدود الإستنزاف، قد يثور ذات يوم، كما يثور القطيع الآمن في مربده، وبهذه الثورة، قد ينفلت من كل عقال يلجمه، ويسير بلا وجهة محددة، فيحرق الأخضر واليابس، لأنه على الرغم من كل المسكنات التي تحقن في دمائه، لا يستطيع أن ينسى مذاق المرارة والألم الذي يصاحب مختلف تمظهرات الواقع المعاش يومياً، وحينئذ، لن يصده شيء، ولن يضبطه ضابط، فيعيش ربيعاً دموياً بطعم الخريف قد لا تعرف نهايته ونتائجه المأساوية في المدى القريب...



#محمد_العلمي_الوهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة التاريخ... قصة الإنسان
- من وحي الفجر
- حيث تنطلق القوارب
- محاولة لإحباط الجميع
- قواعد الدين المسخ
- حديث الحلوان
- ربيع قاتل
- عربي أنا
- إلى إبراهيم
- إشكالية الفوضى السلبية في مجتمعنا
- ليل مريض
- حلم سوريالي
- رماد أحمر
- جرد لعام الثورات المشرقية
- بين الثابت والمتغير
- وطني الغالي
- النبَّاحون الجدد!
- رجال الدين امتداد للأوثان العربية القديمة ...
- حلوة يا بلدي ...
- مسلم بالوراثة يتساءل ...


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد العلمي الوهابي - في انتظار المهدي الذي لن يأتي...