أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العلمي الوهابي - محاولة لإحباط الجميع















المزيد.....

محاولة لإحباط الجميع


محمد العلمي الوهابي

الحوار المتمدن-العدد: 3799 - 2012 / 7 / 25 - 09:13
المحور: الادب والفن
    


كانا على متن قارب مهترئ يتسرب إليه الماء، وكانا عالقين في قلب البحيرة، ومع هذه المشكلة الخطيرة التي تكاد تضع حداً لحياتهما، كانا يبدوان عاديين غير منفعلين، اكتفى أحدهما بسد الثقب بردائه، أما الآخر فكان يواصل التجديف بتؤدة، لكنهما وفي خضم هذا الموقف، ابتدءا نقاشاً حول "الجدوى":
- الجدوى يا صديقي، وما عسى أن تعنيه هذه الكلمة الحقيرة؟
- الجدوى، نعم أذكر أننا كنا ذات يوم جالسين في ذلك المقهى، وكنتَ قد أخبرتني بعظمة لسانك، أن الجدوى هي أن تخلق لنفسك هدفاً تسير وراءه، أي بمعنى أدق؛ أن تصنع عالماً وهمياً تعيش فيه، أن تكذب على نفسك إن شئتَ، وهذا في ترجمة لغة الشارع والعوام.
- أي نعم أذكر حديثي ذاك، ولكن العجيب أنكَ سايرتني فيه كأنك فقدتَ تفردك، فصرنا أنا وأنت متماهيين في ذات واحدة، وإني لأعتزم إخبارك الصراحة ونحن مقبلان على النهاية، اللعنة! كم كنتَ تبدو لي وضيعاَ وأنت تطأطئ رأسك مؤمناَ على كل كلمة أقولها، يا أخي هل كنت تفتقد ثقافة المعارضة؟
- كان سيبدو من الحمق أن أخالفك لأجل المخالفة، فما كنت تقوله في ذلك اليوم كله بدا منطقياً، أقول؛ في ذلك اليوم، ولعل ذاكرتك إن أسعفتك ستسترجع الأوقات التي كنتُ أبدي فيها وجهة نظر مخالفة لك، لكن يبدو أنك لم ولن تفتقد هذا الطبع الشنيع، مزاجك النزق.
- هيا، هيا، هذه ليست ساعة الحساب... أترى هذا الضباب الكثيف الذي يحيطنا؟ لقد فقدنا البوصلة وسط هذه البحيرة اللعينة! آخر ما كنتَ أتصوره أن أموت غرقاَ! يا للسخرية!
- أن تموت غرقاَ أو فوق فراشك، الأمر سيان عندي، ومن فرط احتكاكي بعالم الموت فقدت كل شعور بالذعر منه... الجميل في الأمر أن كل أحلامنا الوردية التي كنا نحيكها في ساعات صفونا القليلة لم تتحقق، لا يوجد شيء نحزن عليه يا صديقي الآن، لا ثروة ولا أبناء ولا حبيبة، سنموت هنا لنصير غذاءاً للأسماك...
- لكنك نسيت الأمر الأهم يا أخرق، أننا سنموت كصعلوكين في قلب هذه البحيرة البغيضة، أنت تجدف على غير هدى، وردائي الحقير لم يفلح في منع الماء من التسرب، آه على أحلامي العظيمة! حتى أنني لم اقترب من بوابة التاريخ، فما بالك بدخوله! إن كان هناك شيء سآسي عليه فهو ذا...
- هل ستندب حظك العاثر مثل النساء الآن! يا ليتني حضنتُ خصراً قبل أن أخوض معك هذه المغامرة الغبية! فهذا بحق ما سأفتقده... أما التاريخ فلا وجود له لتدخله، هل تعتقد فعلاَ أن الإسكندر كان بهذه العظمة؟ أو أن يسوع كان على هذا القدر من التسامح؟ لا جدوى يا عزيزي... وإن كنت ستخلد في تاريخك البائس هذا، فإن الأمر لم يكن ليستمر أكثر من بضع ملايين سنين، كل شيء آيل إلى الدمار... والخلود أكبر كذبة وصل إليها عقل بشري.
- من حقك أن تضفي السواد على هذا الجو الضبابي يا شبيه الموتى، فنحن بدورنا آيلون إلى الدمار، لك أن تجعلني أموت بدون ابتسامة! يا لك من نذل!
- بل هذا لن يمنعنا من الإبتسام في جميع الأحوال، فالضحك في أجل معانيه، حين تضحك على المأساة، وتنظر إليها بسخرية، فتستهين بها، لتبدو أمامك كحشرة تافهة تحاول أن تدخل الرعب إلى قلبك، لكنك تهش عليها بلا مبالاة... أليس رائعاً أن تبدو هكذا؟
- تتعامل مع الأمر كأن المأساة رجل يقف أمامك، ألن تهبط من عالم خيالاتك الغبي هذا؟ انظر حولك، لا شيء سوى صوت اصطدام المجداف بالمياه وهذا الضباب اللعين الذي يكاد يحجبنا عن بعض، دعني أشعل سيجارة، سيجارة بطعم الموت،...
- هل أخبرتك من قبل أنني لا أجيد السباحة؟
- هه! وبماذا ستجدي السباحة في هذا العمق اللعين! لا جدوى! أنا أتقن السباحة لكنني لن أسبح ما لم ينقشع هذا الضباب اللعين، فلأمت غرقاَ مع هذا القارب أو لتهبط المعجزة!
- المعجزة، إن في قلب هذا الضباب لمعجزة، كيف كان الجو رائقاً قبل قليل! ثم انخرم هذا القارب الغبي فجأة! تزامن الأمر مع هذا الضباب، ألا يذكرك بشيء ما؟
- وبماذا سيذكرني غير الموت؟ نحن ميتان، لكننا نتنفس، كأننا نعبر البرزخ، في عمق الظلمة، تنبع أقصى الذكريات... الطفولة البعيدة، الأم، الحب الأول، سهراتنا الماجنة، الكتب التي سافرنا عبرها، وماذا غير ذلك؟ هراء... كنت أسقط الأبطال والشخوص على نفسي لأجد لي معبراً غير هذه الحياة الرتيبة، فأكون فلورنتينو ومايتا وزوربا ودون كيشوت ومرزوق والدون ريغوبيرتو ومتعب الهذال وشرف وغيرهم... كذب في كذب، وكل ما هو خارج هذه البحيرة دوائر من الوهم تبتلع دوائر أخرى أصغر...
- نعم يركضون طوال الوقت ليفعلوا نفس الشيء، يجمعون المال ثم ينفقونه، يستمرون في الحياة ليصلوا إلى القبور، ويأكلون ليتبرزوا، ليتني بقيت في الحاضر ولم أنغمس في المستقبل، لقد فقدنا الواقع، دائماَ ما كنا نفقده، فنعيش في أصداء الماضي أو نبحر بعيداَ في الغد، وفي كل يوم نفعل نفس الشيء أيضاً!
- لكنها نهاية درامية بالفعل! سنموت أنا وأنت، وندفن في هذه البحيرة التي لم يسمع بها أحد... جميل أن يجد المرء رفقة في الموت، سواء كنا ذاهبين إلى جحيم ما أو إلى العدم... هذا يدخل الدفء إلى الصدر ويقلص من وحشة المكان...
- خذ، جدف أنت قليلاَ، ودعني أمثل هذه المسرحية...
أنتم يا أبناء الزواني، أيها الهمج، يا رعاع، يا منحدري الأصول والتطلعات، يا قمامة، سأفارقكم دون أن آسف على ذلك، يشرفني أن أحيطكم علماَ - مرة أخرى - بهذا الكره الذي أكنه لكم، سيبدو الأمر اهتماماَ واعترافاَ بقيمتكم إن أنا استعملتُ هذه المفردة - الكره - بل هو الإحتقار والإشمئزاز، تحاولون إيجاد قيمة لكل هراء تمارسونه، تحاولون اختلاق المبررات والألقاب والأوسمة، تحاولون أن تختزلوا الأكوان في أنفسكم الضيقة الضئيلة، سأحاكمكم من فوق هذا القارب المتهاوي، كلكم سائرون في قوارب مثقوبة، بل مليئة بالثقب، تغرقون دون أن تشعروا بذلك، لا شرف للأرض التي احتضنتكم، في تاريخكم المريع قتلتم بضراوة، مزقتم بعضكم لأجل دول فانية، ابتكرتكم كل ما يعجل بنهاياتكم ثم صفقتم لأنفسكم في وقاحة لا نظير لها، اختلقتم كذبة الحضارة، حضارات وكذبات، بنيتم أبراجها فوق تلال من الجماجم، ثم تهاوت، وعلت غيرها، تطورتم في رجعيتكم حين كنتم تخالون أنكم تتقدمون، كل هذه الحروب وهذه الأوبئة والمجازر، لم تخلف سوى حشرات تعد بالمليارات، ولم يكن خليقاً باحترامي سوى تلك القلة المعذبة، وأنا واحد منها... نعم تركتُ إيماني لكن هذا لم يضعفني، بل فتح عيني على بشاعاتكم، ودليلي أنني استمررت أراقبكم واستمتع بالضحك عليكم خفية حين تأتون بافعالكم الغبية وتلقون بألفاظكم التافهة، سأرحل عنكم غير آسف... وإلى الجحيم جميعاً.

ثم جلس متهالكاَ عند حافة القارب، متعرقاَ، كان صديقه محنياَ رأسه في جنائزية وخشوع، ثم رفع رأسه فجأة، لقد وصل مستوى المياه إلى ركبهم، اللعنة! ما هذا؟ التقت إلى رفيقه:
- يا للهول! ما بال القارب جامداَ في مكانه لا يتحرك!
- ضباب غبي! لا يمكنني أن أرى شيئاَ!
أخذ المجداف وضربه في المياه...
- أوه! إنه ينغرز في التراب!
- لقد وصلنا إلى اليابسة!
- يا للهراء! لم نمت! اللعنة!
يرنو رفيقه نحو السماء مبتسماً:
- يبدو أن ثمة إله ما يعبث بنا!
انفجرا ضاحكين ثم نزلا عن القارب.



#محمد_العلمي_الوهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قواعد الدين المسخ
- حديث الحلوان
- ربيع قاتل
- عربي أنا
- إلى إبراهيم
- إشكالية الفوضى السلبية في مجتمعنا
- ليل مريض
- حلم سوريالي
- رماد أحمر
- جرد لعام الثورات المشرقية
- بين الثابت والمتغير
- وطني الغالي
- النبَّاحون الجدد!
- رجال الدين امتداد للأوثان العربية القديمة ...
- حلوة يا بلدي ...
- مسلم بالوراثة يتساءل ...
- قلنا لهم : طز، فزعلوا !
- الى المدعوة ماغي


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العلمي الوهابي - محاولة لإحباط الجميع