أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد العلمي الوهابي - إشكالية الفوضى السلبية في مجتمعنا















المزيد.....

إشكالية الفوضى السلبية في مجتمعنا


محمد العلمي الوهابي

الحوار المتمدن-العدد: 3672 - 2012 / 3 / 19 - 00:50
المحور: المجتمع المدني
    


لا يمكننا الإلتفات إلى أنفسنا دوماً دون النظر إلى المحيط الذي نعيش فيه، ولا يمكن أن يستمر رقينا الخاص أبداً ما دام محيطنا غارق في الإنحطاط، وهذا ما يجعل كل انسان يملك وعياً معيناً منشغلاً بمشاكل واقعه ومحاولاً تحديدها والوصول إلى مسبباتها ومن ثم إلى طرق علاجها...

وبينما أنا جالس في المقهى كعادة جل أيامي خضتُ في إحدى المناجيات النفسية التي تهم موضوع الفوضى السلبية التي يعاني منها المجتمع، واستطعتُ أن أدون هذه القراءة المتواضعة النابعة عن وجهة نظر عادية غير مختصة، وأرجو لمن يملك معلومات أوفر وتحليلاً منطقياً أفضل أن يغني الموضوع بنقاشه لخطورته القصوى ولتأثير الواسع على حياتنا أفراداً وجماعات.

تتجلى الفوضى السلبية في أوضح صورها من خلال عدم احترام والإمتثال للقانون الذي ينظم جميع العلاقات الإنسانية بين المواطنين، وتأتي هذه الفوضى من غياب الوعي الكافي بضرورة احترام وتطبيق القانون حيث ساهمت عدة عوامل متظافرة تهم مختلف ميادين الحياة في غياب هذا الوعي.

ويبقى الإشكال الأول: لماذا لا نملك هذا الوعي؟ أو لماذا نعيش هذه الفوضى السلبية؟

لا يمكن أن نعزل هذا الإشكال عن الواقع العام بحكم الموقع الجغرافي الذي حتم علينا أن نعيش نفس الوضع الذي يعيشه جيراننا، حيث تبرز هنا أهمية دراسة تاريخية وسوسيواقتصادية مقارنة قصد الوقوف على العوامل التي أفضت إلى ما نعيشه في واقعنا الحاضر، كما أنه لا يمكن ربط هذا الإشكال بالصدفة العمياء إذ أن جيراننا الشماليين استطاعوا أن يجاوزوا هذه الفوضى بينما بقينا نحن غارقين في غياهبها، لقد كانت أوربا قبل نحو خمسمائة سنة تعيش نفس الفوضى لكنها استطاعت أن تتخلص منها وتبني لنفسها كيانات حضارية جعلت من القانون الأقنوم الأسمى الذي يشكل وجهيه نظام الحكم والمجتمع.

هنا يتبادر سؤال هام: هل عشنا من قبل تجربة حضارية حقيقية وحراكاً مدنياً يمكننا الإعتماد عليه لمواجهة مشاكلنا الراهنة؟

إن الجواب على هذا السؤال سيختلف ويتشعب باختلاف وتشعب الدراسات المختصة للمنطقة، غير أنه يمكن الخلوص إلى نتيجة أكيدة مفادها أن أغلب الدراسات القديمة لوضع منطقتنا التاريخي لم تكن على درجة كبيرة من الحياد والموضوعية، فهي تعكس وجهتي نظر متناقضتين، وجهة نظر أجنبية كانت تسعى إلى المبالغة في تصوير التخلف الذي كانت تقبع فيه منطقتنا ووجهة نظر محلية كانت تسعى إلى المبالغة في تحسين صورة التقدم والإزدهار الذي عشناه في فترات متقطعة من تاريخنا.

وتأسيساً على ما سبق يمكن استنتاج أن غياب دراسات مختصة محلية موضوعية ومكثفة لماضي المنطقة يعكس بالتالي مستوى التقهقر الذي كانت تعرفه، حيث أن من أهم ما يميز ازدهار حضارة ما هو تظافر الدراسات الناقدة الصادرة من مختصين في مختلف المجالات من أجل تقويم كل اعوجاج يهدد وضعها، وما يميز هذه الدراسات كذلك طابعها الشمولي ودقتها وبعد نظرها وانطلاقها من معطيات الماضي لتصب في توقعات عالية الدقة تخص المستقبل.

استطاعت أوربا إذن أن تنهض بفضل تلة من المبدعين في مختلف الميادين الحيوية وقد واجهوا القمع والإزدراء بادئ الأمر لكن سرعان ما توصل أصحاب القرار إلى ضرورتهم خاصة بالتزامن مع الثروات والخيرات الإقتصادية المتدفقة من المستعمرات الخارجية الجديدة وبروز إشكالية كيفية ضبط وتسيير وتنمية هذه الثروات، وبالتالي تزايدت أهمية الطبقة المثقفة لتصبح صاحبة القرار لاحقاً بدل الحكام الأرستقراطيين، والخلاصة أن نظام الحكم بتماهيه مع الخبرة العلمية المتطلبة أدى إلى مستوى عالي من الرفاه وتسارع لحركة التمدين وأفول نجم دعاة الرجعية وكذا تأثر المجتمع المتزايد بهذه الثورات العلمية وتقبله لها بعد أن لمس نتائجها المبهرة على مستوى الواقع.

أما في منطقتنا فلا يمكن نفي أنه كان هنالك خبراء ومبدعون ومثقفون ساهموا بشكل أو بآخر في غزارة المنتوج الحضاري الإنساني وقد لاقوا نفس ما لاقاه نظراؤهم في أوربا في البداية لكن للأسف خمدت ثورتهم عند المهد بفعل القمع المكثف والحروب والصراعات السياسية المتتالية على كرسي الحكم وتزايد نفوذ دعاة الرجعية بفعل هذه الصراعات إضافة إلى الأوبئة وانشغال المجتمع بتأمين الحاجيات الضرورية والإكتفاء بنقل ولائه لكل حاكم مسيطر جديد والتفرج على الوضع دون المساهمة في تغييره، وفي وطأة هذه الآفات استغلت أوربا التي بدأت تتحكم في زمام التقدم هذه الفرصة الذهبية لتجهز على ما تبقى من محاولات فردية للنهوض بالمنطقة حيث فرضت وصايتها عليها في سبيل تأمين الثروات الإقتصادية والحفاظ على مستوى الرفاه الذي بلغته وخلصت إلى نقطة الضعف الجوهرية في المنطقة وهي ضرورة إذكاء الصراعات الداخلية السلبية والمتجلية في الصراع على الحكم ودفع المستوى المعرفي والثقافي العام للمجتمع نحو الإنحطاط والذي كان تحصيل حاصل بالنسبة لانعدام الإستقرار السياسي وبالتالي العلمي، ولا محل لنظرية المؤامرة هنا حيث يتبين بجلاء أن من الحتميات الواقعية التي لا مناص منها هو الصراع من أجل البقاء الذي يحتم دوماً وجود طرف أقوى مسيطِر وطرف أضعف مسيطـَر عليه.

وبذلك فبدل أن نتغلب على المشاكل التي أدت إلى ما نحن عليه اليوم استطاعت هذه الأخيرة أن تتغلب علينا بل وأن تتناسل لتظهر إلى حيز الوجود مشاكل أخرى أكثر تعقيداً تطورت بتطور العصر، فكان تطور المنطقة تطوراً عكسياً في اتجاه الخلف بينما واصلت أوربا ودول العالم الأول تطورها الإيجابي نحو الأمام.

وخلاصة المقال أن السبب الرئيسي في هذه الفوضى السلبية هو غياب طبقة مثقفة فاعلة ومهتمة بتطوير المستوى العام للحياة، حيث انقسم مثقفونا في الأخير إلى فئتين، فئة اختارت الإسترزاق والموالاة للأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة على الحكم أو الإنزواء في الظل والإكتفاء بالمراقبة وفئة اختارت الهجرة إلى الغرب المتقدم وتسخير كل إمكانياتها وطاقاتها الإبداعية في خدمة هذا الأخير لما تلقاه هناك من استقبال حافل واحترام وتقدير.

كما يتضح أنه لا يمكن وضع حد لهذه الفوضى السلبية إلا باختيار المثقفين لمبادرة الإصلاح القانوني ومن ثم التوعية الشاملة بضرورة احترام القانون وتفعيل مقتضياته، وخيار التوعية والإصلاح هذا لا يمكن أن يمر إلا عبر طريقين، طريق التوعية الهادئة المتدرجة الذي يهدف إلى تغيير نظام المجتمع ومن ثم تغيير نظام الحكم، وطريق التوعية الثورية المستعجلة الذي يهدف إلى تغيير نظام الحكم أولاً ثم تغيير نظام المجتمع ثانياً.



#محمد_العلمي_الوهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليل مريض
- حلم سوريالي
- رماد أحمر
- جرد لعام الثورات المشرقية
- بين الثابت والمتغير
- وطني الغالي
- النبَّاحون الجدد!
- رجال الدين امتداد للأوثان العربية القديمة ...
- حلوة يا بلدي ...
- مسلم بالوراثة يتساءل ...
- قلنا لهم : طز، فزعلوا !
- الى المدعوة ماغي


المزيد.....




- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...
- بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمركز الوطني لحقوق الإنسان حول اس ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان ح ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حول ...
- هايتي: الأمم المتحدة تدعو إلى تطبيق حظر الأسلحة بشكل أكثر فا ...
- قبيل لقائهم نتنياهو.. أهالي الجنود الإسرائيليين الأسرى: تعرض ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم تركيا بالترحيل غير القانوني إلى شمال س ...
- بسبب المجاعة.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان يرفع حصيلة ضحايا ...
- الأمم المتحدة تحذر: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد العلمي الوهابي - إشكالية الفوضى السلبية في مجتمعنا