أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الحمّار - تونس:اللغة الفرنسية تستبيح .. ثم تستغيث















المزيد.....

تونس:اللغة الفرنسية تستبيح .. ثم تستغيث


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 15:41
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تعرف اللغة الفرنسية ركودا ليس مثله ركود في تونس وذلك منذ عقود. ولئن كانت عدة عوامل مشاركة في تأزم لغة فولتير على أرض إفريقية فإنّ العامل السياسي كان هو الأهم والأكثر فاعلية وتأثير في وضعية هذه اللغة في بلدنا.

لذا لسائل أن يسأل: ألم يحن الوقت لاستبدال العلم مكان السياسة؟ وهل أنّ وزير التربية د. سالم لبيض في الحكومة المؤقتة الحالية سيؤْثِر المقاربة العلمية على المقاربة السياسية أم أنه سيواصل على النهج الذي سطره السابقون؟ وما هو موقفه من "الحروب اللغوية" و رؤيته ومقاربته الإصلاحية للغات لمّا نعلم أن "لا مشكلة لديه مع اللغة الفرنسية أو أي لغة أخرى" و "أوضح (...) أنه تحدث عن الفرنكفونية من موقع التحليل الّذي قام به المفكر لوي كالفاي في مسألة الحروب اللغوية" (تصريح 18 مارس 2013؛ عن المواقع والصحف)؟

لنرَ ما يقول التاريخ ولنستقرأ عبر ذلك السياسة اللغوية في تونس:
في 5 جوان 1989، أدى الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران زيارة رسمية لتونس. وفي نفس الشهر تم تنفيذ اتفاقية مبرمة في شهر جانفي من سنة 1989 وقع بمقتضاها السماح للقناة الفرنسية "انتان 2" (التي ستصبح "فرنسا 2" في شهر سبتمبر 1992) بأن تبث برامجها على الأمواج الهرتزية (الأرضية) بداعي مقاومة الغزو التلفزي الإيطالي (قناة "راي اونو" الإيطالية صارت تبث أرضيا على كامل تراب الجمهورية في نفس سنة 1989 هي الأخرى، بعد أن كانت تغطي بعض المناطق على رأسها العاصمة).

وبعد ما يناهزالشهرين ، أي في شهر سبتمبر 1989، تم تغيير اللغة المعتمدة في تدريس العلوم بالمعهد النموذجي بأريانة، من الانقليزية إلى الفرنسية بينما كانت التجربة متواصلة بقدر لا باس به من النجاح منذ مطلع سنة 1983-1984 أي منذ تأسيس المعهد.

وإن دل هذا على شيء فهو يدل على انصياع الإدارة التونسية والمتمثلة في السلطة الحاكمة وفي سلطة الإشراف إلى الإرادة الفرنسية في تقرير مصير لغة الأنوار والتنوير بينما كل الحجج المتوفرة اليوم تدعم ضرورة تَوَخي الحزم الحضاري تجاه هذه اللغة وتجاه من يريدون تقرير مصير اللغات بواسطة السياسات حيث إنّ العكس هو الأصح:

أولا، لم تعد اللغة الفرنسية ملكا لفرنسا فقط حتى يكون الجانب الفرنسي هو الحاسم في انتشار هذه اللغة من عدمه. وفي صورة أقررنا بهذا، سيصبح التصرف في اللغة الفرنسية رهنا بالتصرف في كل اللغات السارية المفعول في بلدنا، ورهنا بالإرادة التونسية حول ما يرغب التونسيون في أن يفعلوه بكل واحدة من هذه اللغات.

ثانيا، تعرضت اللغة الفرنسية لضربة قاضية في أواخر السبعينات من القرن الماضي لمّا تقرر تَوْنَسَتُها عبر مناهج التعليم وطرق التدريس. وما حدث لها آنذاك لا علاقة له بما طرحناه في النقطة الفارطة، وإنما كان عبارة عن "ذبحٍ" لهذه اللغة حيث أريد لها أن تعبّر قسرا، في مرحلة التلقي، عن الحياة اليومية التونسية (بطولة كرة القدم المحلية وأجواء الملاعب والترشح لكأس العالم في سنة 1978؛ العادات والتقاليد بما فيها طريقة إعداد "عصيدة الزقوقو" وما إلى ذلك من الشطحات القاتلة).

ويا حبذا لو حصل ذلك في مرحلة البث والاستثمار لا في مرحلة التلقي. لكن تلك المنهجية كانت تخفي خللا سيكولوجيا فادحا لا زال المجتمع يعاني من تداعياته إلى اليوم: لمّا يُرغم المتعلم على تقبل اللغة الفرنسية بواسطة مدلول ثقافي محلي فهو يُجرُّ نحو الإقرار ضمنيا بأنه فرنسي الهوية ذلك بناءً على أنه يجد نفسه مُطالبا بتلقي هويته هو بواسطة لغة الآخر، مما يحثه لا على تعلمها وإنما على النفور منها لأنها لا تُزوده بثقافة الآخر وإنما تعرض نفسها عليه كبديل للغته الأم ولهويته.

ثم سيحثه ذلك على تحطيمها تباعا. ويبرز التحطيم في استحالة تعلمها كما ينبغي. وهل يستطيع المرء أن يبني من الحطام؟ فالذي حصل آنذاك هو استباحة اللغة الفرنسية لروح اللغة الوطنية ولقدراتها على التعبير عن الذات وعن الهوية المتحولة، فكانت النتيجة أن ألْفَت نفسها بلا موطئ قدم في التربة التونسية، مما جعلها تستغيث. وما زالت تستغيث إلى الآن.

ثالثا، إنّ اللغة الفرنسية تحديدا لغة الثقافة والأدب والمدنية، بينما السلطة التعليمية في تونس بدت، على إثر تفطنها لمهزلة "التَّوْنَسَة"، وكأنها تريد التدارك مهما كان الثمن ولو أدى ذلك إلى إخراج الناشئة المتعلمة من العصر. فكانت حريصة بكثير من التعنت على تدريس الفرنسية للتونسيين مثلما تدرّس في فرنسا للفرنسيين. هكذا قفزت السلطة من النقيض إلى النقيض، جاهلة أنّ الناشئة لم يولدوا في عصر ثقافي وأدبي وإنما في عصر رياضي وترفيهي ومعلوماتي وعلمي، وبأنّ الفرنسية ليست هي اللغة التي تعبر عن تلك المآرب والمشارب؛ ليست هي لغة العصر.

رابعا، لسنا بصدد التهيئة لصراع دِيَكة لنبرر ضرورة استبدال اللغة الانقليزية (بناءً على أنها لغة اختصاصنا العلمي والمهني) مكان اللغة الفرنسية من حيث القيمة والوظيفة والصلوحية المدرسية والاجتماعية والاقتصادية، وإنما نرغب في طرح المسألة من زاوية أخرى، محكومين في ذلك بالضرورة العلمية: لماذا لا يفكر اللغويون والتربويون التونسيون (والعرب أجمعين) في استبدال اللغة الأم، أي العربية، مكان أية لغة ترغب في الانفراد بموضع لغة العصر؟

خامسا، لهذا الغرض بإمكاننا مثلا استبعاد اللغتين الأكثر تنافسا، أي الفرنسية والانقليزية، من المجال الحيوي، الهوياتي العروبي، وذلك على النحو التالي: تعديل الكفة من حيث المبدأ، بين اللغات الأجنبية كافة بما فيها الفرنسية وذلك بترك الحرية للمتعلمين بأن يختاروا واحدة منها ليتعلموها إلى جانب اللغة العربية. وهذا مما سيحرر من جهة اللغة الفرنسية من جهة ويسهل حسن تدريسها تقبلها إذا برهنت على قدرتها على كسب الرهان أمام المدّ الذي تفرضه اللغة الانقليزية. وهذا مما سيحرر أيضا اللغة العربية من الاستبداد اللغوي الذي كان مفروضا عليها فتتفرغ حينئذ لأداء وظائفها التواصلية والثقافية والحضارية على أحسن وجه.

نتخلص إلى القول إن على هذه الشاكلة بإمكان المجتمع أن يبحث بنفسه، وبتأنٍّ ورويّة، لا عن أيّ اللغات تصلح للعصر وإنما عن اللغة أو اللغات الأخرى غير العربية التي ستساعده على الاندماج في العصر لكي يتوصل إلى الارتقاء بنفسه وبعربيته إلى مستوى العصر. إنّ لفي تحرير اللغات تحرر المجتمع. وإنّ لفي ذلك ازدهاره هو واللغات التي يستخدمها.



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس: حتى لا يكون الإصلاح التربوي استمرارا للتجهيل
- تونس: السياسيون لا يفقهون في خطاب التحرر
- تونس: هل النهضة ستبقى النهضة؟
- تونس: حكومة بلا فكرة محركة؟
- تونس: أية حكومة جديدة في ظل فكر سياسي جامد؟
- هل عادت تونس إلى المربع الثوري الأول؟
- رحيل بلعيد والحاجة لحكومة تصلح الدولة قبل المجتمع
- استشهاد شكري بلعيد أو المنعرج نحو بناء الدولة التعددية
- المبادئ الأساسية لتعريب الحداثة
- الإعلام المحلي يقود تونس إلى الكارثة
- تونس: برنامجنا للإصلاح التربوي والعام
- تونس: حتى لا تكون التربية على المواطنة صفقة خاسرة
- تونس: منهجية الإصلاح متوفرة فماذا تنتظر وزارة التربية؟
- على -اتحاد تونس- استهواء أنصار النهضة وإلا فالفشل
- تَعرَّينا...
- شعب تابعٌ لنخب مهووسة بانتقاد السلطة
- اللغة كسلاح للتصدي لاستعمار تونس وسائر الوطن العربي
- إلى من يريد نظام الحكم البديل..
- بلادي بين مفاصل الوفاق وعضلات الإضراب العام
- هذا ما يريده الشعب التونسي، فماذا تريد -النهضة-؟


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الحمّار - تونس:اللغة الفرنسية تستبيح .. ثم تستغيث