|
تذكير جديد بالمخاطِر النووية
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4048 - 2013 / 3 / 31 - 21:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كوريا الشمالية، والتي لا تَمُتُّ بصلةً إلى الاشتراكية، أو الشيوعية، لجهة خصائص بُنْيَتِها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، هي اجتماع شرور أربعة: "الفقر"، و"الاستبداد"، و"القنبلة النووية"، و"الأهمية الإستراتيجية الخاصَّة لموقعها الجغرافي". ويكفي أنْ نضيف إلى هذه الشرور الأربعة شرَّاً خامساً هو "الرُّوح الإمبريالية" للقوَّة العظمى في العالم، وهي الولايات المتحدة، حتى نَقِف على ما ينطوي عليه الصراع المحتدم الآن هناك بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة من تهديد خطير للأمن والاستقرار والسلام في العالم. كوريا الشمالية، مع نظام حكمها الاستبدادي الوراثي، الذي لا يحظى بشرعية مستمدَّة من تأييد الشعب له، والذي يتَّسِم بعبادة الرَّجُل الأوَّل فيه، تحتاج كثيراً إلى لعب لعبة "حافَّة الهاوية (النووية)"؛ فزعامتها تعتقد أنَّ الولايات المتحدة، مع حلفائها الإقليميين، وفي مقدَّمهم اليابان وكوريا الجنوبية، لها من المصالح الإستراتيجية (الإقليمية والعالمية) ما يَحْمِلها، في آخر المطاف، وفي "اللحظة الأخيرة"، على اجتناب كارثة الوقوع في هذه الهاوية من طريق تلبية بعض مطالب وشروط كوريا الشمالية، والتي في مقدَّمها إنهاء عقوبات يتسبَّب بقاؤها في مزيدٍ من الإفقار لهذه الدولة، والتوقُّف عن أعمال يفْهَمها نظام الحكم الكوري الشمالي على أنَّها استمرار لسعي الولايات المتحدة إلى إضعافه، توصُّلاً إلى إطاحته؛ لكنَّ تلك المصالح (الكابحة الرادعة) تتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع مصلحة ثابتة للولايات المتحدة هي التخلُّص من نظام الحكم هذا. وهذا التناقض في مصالح الولايات المتحدة هو ما يُفسِّر لنا ما تبديه القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم من حرص سياسي على أنْ تُوازِن دائماً بين سعيها إلى إضعاف نظام الحكم الكوري الشمالي (توصُّلاً إلى إطاحته في آخر المطاف) وبين مَنْع هذا الإضعاف من أنْ يجعل "الشمشونية النووية" تستبدُّ بنظام الحكم هذا؛ فالدول كالأفراد تغدو في غاية الخطورة إذا ما أصبحت في حالٍ (اقتصادية في المقام الأوَّل) تقوِّي لديها الشعور بأنْ ليس لديها ما تَخْسَر إنْ هي جازَفَت وغامَرَت. ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة في مَيْلٍ، ولو ضعيف، إلى التهوين من شأن هذا "الابتزاز النووي (الكوري الشمالي)"؛ فهي تتصوَّر الصراع، ولو بلغ حافَّة الهاوية النووية، على أنَّه شبيه بحبل مشنقة تُحِكْم بقبضتها شده على عنق نظام الحكم في كوريا الشمالية، وعلى كوريا الشمالية نفسها؛ فإذا استخذى لشمشونيته النووية، قاطعاً إصبع من قبضتها، تتأثَّر هذه القبضة بما يتسبَّب بشنقه حتى الموت (الذي قد يشمل كوريا الشمالية كلها). وعملاً بهذا التصوُّر، الذي تكمن فيه مخاطِر جَمَّة على الأمن والاستقرار والسلام في العالم، قد تجنح الولايات المتحدة إلى التطرُّف في عدائها لنظام الحكم الكوري الشمالي؛ ولكم أنْ تتصوَّرا العواقب المترتبة على "خطأ" هذا التصوُّر. ولقد ساهَمَت إدارة الرئيس أوباما في إغراء كوريا الشمالية بالمضي قُدُما في لعبة "حافَّة الهاوية (النووية)" إذ أشارت، غير مرَّة، إلى أنَّها تنوي خفض إنفاقها العسكري، وتجتهد في منع الولايات المتحدة من التورُّط في حروب جديدة؛ لأنَّها في حالٍ (اقتصادية في المقام الأوَّل) تُنَمِّي لديها الشعور بالعجز عن خوض مزيدٍ من الحروب (الآن). والخطر يَعْظُم بتعاظُم الشعور بـ "عدم اليقين" في معرفة بعضٍ من جوانب القدرات النووية لكوريا الشمالية؛ فإذا كانت حيازة هذه الدولة لترسانة نووية، ضخمة نسبياً، ولترسانة أضخم من الصواريخ البرِّيَّة، هي أمْرٌ في حُكْم المؤكَّد، فإنَّ "عدم اليقين"، أو شيئاً منه، يعتري إجابة السؤاليين الآتيين: "هل لدى كوريا الشمالية من الصواريخ بعيدة المدى ما يستطيع الوصول إلى أراضي (ومُدُن) الولايات المتحدة؟"، و"هل أصبح في مقدور كوريا الشمالية تزويد تلك الصواريخ (أو صواريخها على وجه العموم) رؤوساً نووية؟". أمَّا كوريا الشمالية فيستبدُّ بها الآن شعورٌ آخر، أشد خطورة من الشعور بـ "عدم اليقين" ذاك، والذي يعتري الولايات المتحدة، وحلفاءها الإقليميين، هو شعورها بالخوف والقلق من "طائرات بي ـ 2"؛ فثمَّة طائرتان من هذا الطراز في سماء كوريا الجنوبية الآن؛ والطائرة من هذا الطراز (المسمَّى "الشبح") لا يمكن رصدها، وسرعتها تعدل سرعة الصوت، وتطير على ارتفاع 15 ألف متر، ويمكنها حَمْل حتى 18 طناً من السلاح التقليدي أو النووي، منها 16 قنبلة (زنة كل قنبلة 900 كلغ) موجَّهة بالأقمار الصناعية، أو 8 قنابل "جي بي يو ـ 37" مضادة للتحصينات القوية جدَّاً؛ ويُسْتَعْمَل هذا الطراز من القاذفات في مهمَّات القصف الإستراتيجي؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ كوريا الشمالية يمكن أنْ تكون آخر من يَعْلَم بنبأ أنَّ ترسانتها النووية والصاروخية (مع مواقع ومنشآت إستراتيجية أخرى) قد أصبحت أثراً بعد عين؛ فكل ما تعلمه كوريا الشمالية الآن هو أنَّ قاذفتين من هذا الطراز توجدان في سماء كوريا الجنوبية. وفي هذا "الإجراء" الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة يتَّضِح لنا بعضٌ من معاني وأبعاد ذاك "الشَّر الخامس"، والذي نسبناه إلى النزعة الإمبريالية للقوَّة العظمى في العالم؛ فإنَّ عجز كوريا الشمالية عن رصد هذا الخطر (قاذفات بي ـ 2) والتصدِّي له، قد يتسبَّب بارتكابها حماقة "توجيه الضربة النووية والصاروخية الأولى"؛ وكان زعيم كوريا الشمالية (بالوراثة) قد هدَّد وتوعَّد الولايات المتحدة قائلاً: "الجيش الكوري الشمالي سيَضْرِب بلا شفقة أراضي الولايات المتحدة، وقواعدها العسكرية في المحيط الهادئ، ومنها قواعدها في هاواي وغوام، وفي كوريا الجنوبية". وفي لعبة "حافَّة الهاوية (النووية)" قد تُوجِّه كوريا الشمالية بعض الضربات التقليدية الصاروخية، مُقَدِّرةً أنَّ العاقبة النهائية ستكون اضطِّرار الولايات المتحدة إلى تلبية مطالبها وشروطها التي مدارها تحسين أحوالها الاقتصادية، ووقَفْ سعيها إلى إضعاف (وإطاحة) نظام الحكم فيها، والتسليم بحقِّها في زيادة وتطوير قدراتها النووية العسكرية؛ وربَّما تأتي هذه الأزمة الخطيرة بما يشدِّد الحاجة لدى الولايات المتحدة إلى أنْ تراعي أكثر الموقفين الروسي والصيني من الأزمة السورية.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزعماء العرب قرَّروا -عدم تسليح- المعارَضَة السورية!
-
حقيقة -النقود-
-
في الجغرافيا السياسية للصراع السوري
-
لقد -تكلَّم- أوباما.. فهل رأيتموه؟!
-
الأهمية الديمقراطية لتجربة -النَّشْر الإلكتروني-
-
السَّرِقَة
-
أوباما إذْ جاء سائحاً!
-
بشَّار مجاهِداً!
-
نظرية -فائض القيمة- تُجيبكم الآن..!
-
دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!
-
لهذه الأسباب ما زال ماركس حيَّاً وعلى صواب!
-
أربع سنوات ونَلِد -حكومة برلمانية-!
-
متى تتفتَّح -زهرة الآخر- في -الربيع العربي-؟!
-
شيءٌ من -الديمقراطية التوافقية- يُنْقِذ ثورة مصر!
-
المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!
-
القصة الحقيقية ل -العجز في الموازنة-!
-
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في ضوء مأساة مخيَّم اليرموك!
-
فضائيات لبثِّ السُّموم الطائفية!
-
-جبهة الإنقاذ- ولعبة -المُنْقِذ البونابرتي-!
-
ما ينبغي للمعلِّم أنْ يَعْلَمه!
المزيد.....
-
صحة غزة: تسجيل أعلى حصيلة قتلى منذ أسابيع وسط دراسة إسرائيل
...
-
نتيجة مثيرة للقلق.. دراسة تكشف الآثار الصحية لامتلاك الأطفال
...
-
ماذا نعرف عن -حصار السويداء- ؟
-
نيسان تبهر العالم من جديد: سيارة كهربائية بمحرك بنزين
-
خطة حصر السلاح.. بين حسم لبنان الرسمي ورفض حزب الله
-
مرصد حقوقي ينذر بمذابح جماعية -غير مسبوقة- إذا نفذت إسرائيل
...
-
واشنطن تعلق إصدار التأشيرات لمواطني بوروندي بسبب -انتهاكات م
...
-
رجل أعمال مقرب من زعيم المعارضة النيجيرية يثير قلق الرئيس وح
...
-
مظاهرات في النمسا تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل
-
مستوطنون يشرعون بإقامة بؤرة استيطانية غرب الخليل
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|