|
في الجغرافيا السياسية للصراع السوري
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 10:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثورات "الربيع العربي" لا تخلو من خطر "الانفجار"، والذي أعني به انفجار "الجغرافيا السياسية"، ببُعْديها الداخلي والإقليمي؛ فـ "الانفجار نحو الداخل" قد يصاحبه، ويقترن به، "انفجار نحو الخارج"، بما يعيد رَسْم "الجغرافيا السياسية" للدولة العربية مسرح الثورة، ولجوارها الإقليمي أيضاً. وهذا الخطر المحتمَل نرى إشارت إليه في بعض المواقع الجغرافية للصراع في سورية؛ وأخصُّ منها بالذِّكْر حمص والمناطق المجاورة لها غرباً، والمناطق الكردية، والمناطق المحاذية للعراق، أو لمنطقة الأنبار العراقية. ليس من اتِّصال برِّي بين سورية والسعودية (وبين سورية ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه العموم من ثمَّ). وهذا ما يُمَثِّل عقبة لوجيستية كبيرة في وجه التسليح السعودي (والخليجي عموماً) لقوى المعارَضة السورية؛ مع أنَّ هذا التسليح يمكن أنْ يَجِد مَنْفَذاً صغيراً له في مناطق شمالية من لبنان، تتمتَّع فيها جماعات سياسية لبنانية موالية للسعودية بنفوذ سياسي ومالي كبير. وهذه العقبة اللوجيستية نفسها يصعب التغلُّب عليها من طريق العلاقة السعودية مع تركيا، ويصعب أكثر من طريق العلاقة السعودية (والخليجية عموماً) مع الأردن. إنَّ منطقة الأنبار العراقية هي "الحل"، أو التي يمكن أنْ تؤسِّس لـ "الحل"؛ فهذه المنطقة المحاذية لسورية (أيْ التي لها حدود مشترَكة مع الشرق السوري) يمكنها من طريق الصراع، وتنامي الصراع، الذي يخوضه أهلها ضدَّ حكومة المالكي (المركزية العراقية) أنْ تؤسِّس لـ "همزة وصل" بين السعودية وقوى المعارَضة السورية، ولمرور السلاح والذخيرة، ومعونات أخرى، من السعودية إلى هذه القوى. وقد يتمخَّض احتدام الصراع في الأنبار إلى جعلها سَدَّاً منيعاً في وجه الدَّعم الذي يتلقَّاه حُكْم بشار الأسد، بَرَّاً، من إيران وحكومة المالكي، فيتضاءل كثيراً، من ثمَّ، حجم النفوذ الإيراني في سورية (وفي لبنان أيضاً). وهذا السَّد يمكن أنْ يقوى أكثر إذا ما اتَّصَلَت سياسياً منطقة شمال العراق الكردية، حيث يتركَّز الأكراد، مع منطقة الأنبار؛ وهما منطقتان متَّصلتان جغرافياً؛ وأعني بـ "اتِّصالهما السياسي" قيام تحالف (ضدَّ حكومة المالكي، وضدَّ حُكْم بشار من ثمَّ) بين الجماعات والقوى السياسية في المنطقتين. وهذا التحالف ينبغي له أنْ يلقى من "التغيير السياسي ـ الإستراتيجي" على المستوى الإقليمي ما يمكِّنه من محاصَرة وإضعاف نفوذ الجماعات السياسية الكردية السورية الموالية لحُكْم بشار، الذي سعى، ويسعى، في زيادة وتقوية نفوذها (العسكري في المقام الأوَّل) في المناطق الكردية السورية؛ وسعيه هذا إنَّما يهدف إلى محاصرة وإضعاف الثورة السورية، وإلى جَعْل تلك المناطق مَصْدَر ضغوط يمارسها (من طريق هذه الجماعات وحلفائها بين أكراد تركيا) على حكومة أردوغان التي تدعم المعارَضة السورية حيث تسيطر في المناطق الشمالية السورية المحاذية لتركيا. و"التغيير السياسي ـ الإستراتيجي" على المستوى الإقليمي إنَّما أعني به، في المقام الأوَّل، أنْ تُغَيِّر حكومة أردوغان موقفها من أكراد تركيا الذين يتركَّزون في جنوب شرق البلاد، بما يُحصِّن الأمن القومي لتركيا، وينهي الصراع التاريخي بينها وبين أكرادها الذين يتمتَّع أوجلان، السجين لدى الحكومة التركية، بنفوذ سياسي ومعنوي كبير بينهم. وقد يساهِم الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني مساهمة كبيرة في مساعدة أردوغان وأوجلان على أنْ يلتقيا في منتصف الطريق. وأحسبُ أنَّ الثروة النفطية الكبيرة في كركوك يمكن أنْ تؤسِّس لصلات إستراتيجية بين تركيا ومنطقة كردستان العراقية، والتي هي أقرب إلى "الدولة" منها إلى "الحُكْم الذاتي"؛ فتركيا تحتاج إلى الطاقة النفطية، وإلى الاستثمار في قطاع النفط في كردستان العراقية، وإلى مزيد من المبادلات التجارية مع هذه المنطقة، التي تحتاج إلى "الجغرافيا التركية" في سعيها إلى مزيدٍ من الاستقلال النفطي عن "المركز" في بغداد. إذا حدث ذلك فسوف نرى كثيراً من أوجه التقارب الإستراتيجي بين تركيا والسعودية على المستوى الإقليمي، وبين منطقة الأنبار والمنطقة الكردية على المستوى العراقي؛ وهذا التلاقي، وذاك، سيؤثِّران تأثيراً إستراتيجياً كبيراً في الصراع السوري؛ ومن أوجه هذا التأثير، زيادة وتقوية مساعي إيران وحُكْم بشار و"حزب الله (اللبناني)" إلى تغيير "الواقع الجغرافي ـ السياسي" في مناطق سورية مجاوِرة لمناطق لبنانية يسيطر عليها هذا الحزب، بما يسمح، أوَّلاً، بالتأسيس لممر بَرِّي آمن بين دمشق ومنطقة الساحل السوري، وبما يسمح، من ثمَّ، بالتأسيس لـ "همزة وصل" بَرِّية بين منطقة الساحل السوري والمناطق اللبنانية الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها "حزب الله"؛ ولسوف يحظى ميناء طرطوس السوري بأهمية إستراتيجية متزايدة لكلٍّ من روسيا وإيران، في سياق الدَّعم الدولي والإقليمي لبشار الأسد، ولـ "حزب الله". أمَّا القوى الغربية، وفي مقدَّمها الآن فرنسا وبريطانيا، فقد شرعت تتورَّط، أو تزداد تورُّطاً، في الصراع السوري؛ ولقد كانت "جبهة النُّصرة"، في هذا السياق، "الضَّارة ـ النافعة"؛ فالتسليح الغربي (الفرنسي في المقام الأوَّل، وعلى ما هو متوقَّع حتى الآن) إنَّما هو فِعْل اضطِّراري؛ فـ "جبهة النُّصرة"، مع بقاء بشار والروس والإيرانيين في موقف سياسي ـ تفاوضي يُصَعِّب كثيراً "الحل السياسي ـ التفاوضي"، هي التي حرَّضت على بدء هذا التغيير في مواقف القوى الغربية.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقد -تكلَّم- أوباما.. فهل رأيتموه؟!
-
الأهمية الديمقراطية لتجربة -النَّشْر الإلكتروني-
-
السَّرِقَة
-
أوباما إذْ جاء سائحاً!
-
بشَّار مجاهِداً!
-
نظرية -فائض القيمة- تُجيبكم الآن..!
-
دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!
-
لهذه الأسباب ما زال ماركس حيَّاً وعلى صواب!
-
أربع سنوات ونَلِد -حكومة برلمانية-!
-
متى تتفتَّح -زهرة الآخر- في -الربيع العربي-؟!
-
شيءٌ من -الديمقراطية التوافقية- يُنْقِذ ثورة مصر!
-
المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!
-
القصة الحقيقية ل -العجز في الموازنة-!
-
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في ضوء مأساة مخيَّم اليرموك!
-
فضائيات لبثِّ السُّموم الطائفية!
-
-جبهة الإنقاذ- ولعبة -المُنْقِذ البونابرتي-!
-
ما ينبغي للمعلِّم أنْ يَعْلَمه!
-
-إخوان الدولة- و-دولة الإخوان-!
-
هذا الاحتلال الإسرائيلي للرواتب الفلسطينية!
-
طلاسم عهد حكومي أردني جديد!
المزيد.....
-
صحة غزة: تسجيل أعلى حصيلة قتلى منذ أسابيع وسط دراسة إسرائيل
...
-
نتيجة مثيرة للقلق.. دراسة تكشف الآثار الصحية لامتلاك الأطفال
...
-
ماذا نعرف عن -حصار السويداء- ؟
-
نيسان تبهر العالم من جديد: سيارة كهربائية بمحرك بنزين
-
خطة حصر السلاح.. بين حسم لبنان الرسمي ورفض حزب الله
-
مرصد حقوقي ينذر بمذابح جماعية -غير مسبوقة- إذا نفذت إسرائيل
...
-
واشنطن تعلق إصدار التأشيرات لمواطني بوروندي بسبب -انتهاكات م
...
-
رجل أعمال مقرب من زعيم المعارضة النيجيرية يثير قلق الرئيس وح
...
-
مظاهرات في النمسا تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل
-
مستوطنون يشرعون بإقامة بؤرة استيطانية غرب الخليل
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|